منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007

تجمع انساني،اسلامي،ثقافي،ادبي،اجتماعي،تقني،رياضي،فني وترفيهي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
رباعيات في حبك
عبق ذكراك بقلمي مونتاجي والقائي الصوتي
عبارات عن القرآن في رمضان
في انتظار الزائر الكريم محمد محضار
من أي أنواع العبادة تعتبر قراءة القران
ما أبرز الفوائد من “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله”
كيف بين النبي امور الدين من خلال حديث جبريل المشهور
أحاديث عن الصبر والحلم والعفو والوفاء بالعهد
أقوال خلدها التاريخ عن الوفاء
الجمعة نوفمبر 01, 2024 8:20 am
الجمعة نوفمبر 01, 2024 8:01 am
الجمعة مارس 01, 2024 10:21 pm
الجمعة يوليو 14, 2023 12:05 am
الخميس أبريل 27, 2023 10:40 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:37 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:33 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:30 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:28 pm










شاطر
 

 لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نوره الدوسري
نائبة المدير العام سابقا
اديبة وقاصة سعودية - مهرة اشتياق

نوره الدوسري

انثى
تاريخ التسجيل : 18/01/2010
عدد المشاركات : 8809
نقاط التقييم : 15343
علم بلدك : Saudi السعودية

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Empty
مُساهمةموضوع: لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ   لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Emptyالإثنين يونيو 24, 2013 5:39 am


لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ

[ دراســــــة نقدية ]
بقلم : أ. د. طــه وادي / جامعة القاهرة


نجد أنفسنا مضطرين ـ شئنا أم أبينا ـ إلى الحديث عن اللغة، لأن كل أنواع الأدبية تندرج نحو ما يسمى بـ (فن القول)
فاللغة هي أداة الأدب .. وهي وسيلة التعبير عند الأديب، غير أن الحديث عن اللغة في الشعر أو المسرح ،
لأن اللغة في الشعر والمسرح يعبر عن ذاته دون أن يلجأ إلى إقناع .. لأنه لا يعبر عن غيره ، فصوت الشعر هو صوت الشاعر نفسه،
وكذلك الحال بالنسبة للمسرح، لأن النص المسرحي يقوم على الحوار وحده، ومعنى هذا ـ باختصار شديد ـ أن اللغة في الشعر والمسرح ذات طبيعة تعبيرية واحدة أو متقاربة على الأقل،
لكل أمر اللغة في فنون القص (الرواية والقصة القصيرة) أمر مختلف وأكثر تعقيدا للأسباب التالية :
أولا : لأن فنون القص تحاول أن توهم قارئها ـ فنيا ـ أنها تقدم له شريحة حية من الحياة الواقعية لشخصياتها بأعينهم ،
ويعيشون في واقع اجتماعي محدد، وفي مكان وزمان محددين أيضا. فالروائي ـ حتى وهو يقدم رواية تاريخية ـ
يكون حريصا على أن يصور هذا الواقع البعيد في إطار معطياته وظروفه الخاصة، حتى لا يتهم لأنه يزيف الواقع، ويلوي عنق الحقيقة . وبناء على هذا فإن الكاتب القصصي إذا كان مطالبا
بأن يكون أمينا في تصويره للواقع ـ الإطار التاريخي أو الاجتماعي ـ الذي يشكل خلفية اجتماعية لأبطال الرواية أو القصة ..
فإنه أيضا مطالب بأن يكون أكثر أمانة (ودقة) حين يجعل أبطاله يتكلمون ، لأن لغتهم يجب أن تعبر عن الواقع الخاص،
الذي يعيشون ـ فنيا ـ في إطاره.
إن الشخصية أو المتكلم في الرواية ليس فردا باهت الملامح، وإنما هو ـ كما يقول عنه مؤلف "الخطاب الروائي " باختين ـ "منتج أيدلوجيا، وكلماته هي دائما عينة أيدلوجية (Idologeme) ".
واللغة الخاصة برواية ما، تقدم دائما وجهة نظر خاصة عن العالم تنزع إلى دلالة اجتماعية.
ثانيا : إن اللغة في القصة والرواية ذات مستويين مختلفين .. هما السرد والحوار، فماذا نعني بهذين المصطلحين ؟


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



أ ـ السرد (Narration) :
مصطلح أدبي يقصد به ذلك النوع من الأسلوب أو طريقة التعبير، التي ينوب فيها الراوي عن الراوي ـ عن الروائي .. وعن الشخصيات ـ في سرد أو وصف أو تصوير أركان الحدث ..
ومكونات الشخصية .. وعناصر المكان .. وطبيعة الزمان القصصي. وكما يمكن للروائي أن يسرد من الخارج ـ من خلال السرد ـ
يمكن أن يسرد أيضا من الداخل، أي يعبر عما يدور داخل الشخصيات التي يصورها، فيقدم منولوجا ذاتيا،
يعبر فيه عما يعتمل داخل فرد من أفراد عالمه القصصي،كما فعل طه حسين، وهو يتحدث عن آمنة ـ بطلة "دعاء الكروان" .. فيعبر هو أي الكاتب ـ عما تحسه هي ـ أي بطلة الرواية ـ فيقول :
"وإني لأراها في طريقها نحو الشرق ، فيمتلئ قلبي رحمة لها وإعجابا بها وخوفا عليها، وأي قلب لا يرحم فتاة غرة لم تكد تتجاوز سن الصبا،
وقد قذفت بها الأحداث
في لجة الحياة الممتلئة بالخطوب والأهوال وهي وحيدة ليس لها عون، قد صفرت يدها من كل شيء، وفرغ قلبها إلا من الأمل".


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



ب ـ الحوار (Dialogue) :
هذا هو المستوى الثاني من لغة القص .. وهو اللغة التي يعبر بها الكاتب عما يدور بين شخصياته من حديث
أو قول أي يعبر عما تعنيه أو تفكر فيه كل شخصية من شخصيات التجربة القصصية،
والشخصيات في إطار القصة ـ كما هي في واقع الحياة ـ يتفاوت مستواها الفكري ومزاجها النفسي وواقعها الاجتماعي، وهذا كله ينبغي أن ينعكس في الحوار.. الذي يتكلم به كل شخصية
لأن النطق يجب أن يقوم على منطق ،وقديما قال أحد الفلاسفة :
" حدثني حتى أراك .. !!".
وبناء على هذا يجب أن ينوب الروائي ـ بأمانة وصدق ـ حين يركب لغة الحوار التي تعبر عن شخصيات عامله القصصي.
وهذا الجزء من الحوار يدور بين أم وأبنائها في رواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ، حيث يعبر الكاتب ـ بدقة ـ عما يفكر فيه كل منهم،
بما يكشف عن طبيعة كل واحد منهم بشكل متفرد ،
قالت الأم :
"نفيسة تحسن الخياطة، وهي تخيط كثيرا لجاراتنا محبة ومجاملة، ولست أرى بأسا في أن تتقاضى على عملها مكافأة.
وهتف حسن بحماس : عين الصواب ..
ولكن حسنين صاح بغضب ، وقد أحمر وجهه غضبا : خياطة ؟!
فأجابه حسن معترضا : ما عيب إلا العيب ، فلتكن .
فقال حسنين بحدة :
لن تكون أختي خياطة، كلا، ولن أكون أخا لخياطة.
وقطبت الأم في غضب وصاحت به : أنت ثور، تأكل وتنام ، ولا تدري عن الدنيا شيئان وهيهات أن بفهم عقلك الغبي حقيقة حالنا!
وفتح فاه ليعترض ، لكنها صاحت به: اخرس.
فنفخ دون أن ينبس بكلمة، ورأت الأم أنها فرغت من معارضته ، فالتفتت إلى حسين، فالتفت عيناهما برهة قصيرة، "
فهذا الجزء من الحوار ـ على سبيل المثال ـ نكتشف من خلال لغة الحوار فيه نوعية شخصية الأم الواعية التي تريد أن تحافظ
على الأسرة بعد وفاة الزوج العائل لهم .. وشخصية حسن المتواكل الذي يسلم بسهولة، لأنه يريد أن يريح نفسه على حساب الآخرين ..
ثم شخصية حسنين الانتهازي ـ الذي يريد المال ، ولكن يسوؤه ـ مظهريا ـ أن يقال إن أخته تعمل خياطة،
وشخصية حسن المؤمن الذي صدق على كلام الأم بنفس راضية (إذا لم يكن من هذا بد فالأمر لله).
هكذا ينبغي أن يكون الحوار معبرا ـ بدقة ـ عن السمات المتفردة لكل شخصية ، وهذا يعني ـ بالضرورة ـ العناية بلغة الفن القصص : سردا وحوارا ، لأن بعض الكتاب يتوهمون أن (الشعرية)
ليست شرطا للغة الفن القصصي، وهناك اليوم "دعوة عامة إلى ضرورة العناية بأسلوب القصة ، نجدها عند الناقد
"رالف فريدمان" في كتابه عن "الرواية الشعرية" الذي درس فيه سمات هذا النوع من الرواية عند بعض الكتاب مثل :
"هيرمان هيس، وأندريه جيد، وفرجينيا وولف".
وقد عقد فصلا عما أسماه بالتقاليد الشعرية التي ينبغي أن تهتم بها الرواية تنتمي إلى هذا النوع من الكتابة القصصية الشعرية، وبالطبع فإننا ندرك أن القصة شيء والشعر شيء آخر،
لكن ما نلح عليه ـ بإصرار ـ هو أن القصة نوع أدبي بالدرجة الأولى ، وينبغي ألا يخلو أسلوبها اللغوي من ومضة بلاغية
في السرد والحوار كما أن عدم امتلاك ناصية اللغة ، قد يوقع الروائي في خطر ـ أو خطأ على الأقل ـ
إذا لم تستطع لغته أن تعبر ـ بدقة ـ عن الموقف المصور ، لذلك يقول الناقد الأمريكي "ألبرت كوك" في حديثه عن لغة القصة :


"إن الكلمات في تعبير قصصي لا تشير إلى كلمات أخرى فقط، ولكن إلى مشار إليه في الواقع ، والمشاهد التي تقدمها
اللغة في رواية لا تأخذ مكانتها القصصية إلا بقدر ما ينبغي أن تكون صدى لحقيقة في الواقع".


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




بعض الظواهر اللغوية في الرواية والقصة :
بعد هذه المقدمة النظرية عن لغة الفن القصصي ، نتوقف وقفة
تطبيقية عن د بعض الكتاب لنبين موقفهم من قضية اللغة، ونستطيع أن نجمل موقف الكتاب جميعا من قضية اللغة في اتجاهين كبيرين :
ٍ1 ـ اتجاه يستخدم العامية في الحوار والفصحى في السرد.
2 ـ اتجاه يستخدم الفصحى في الحوار والسرد.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



الاتجاه الأول :
يستخدم ممثلوه الفصحى في السرد، والعامية في الحوار ـ من أجل الإيهام بالواقعية، حيث ينطقون الشخصيات في الرواية باللغة التي يتكلمون بها في الحياة اليومية،
وقد بدأ هذا الاتجاه مبكرا في تاريخ الرواية الحديثة، حيث ظهر في الرواية العربية الأولى ـ التي اكتملت لبها عوامل النضج الفني .
وهي رواية "زينب ـ مناظر وأخلاق ريفية" لمحمد حسن هيكل (1914) .
وقد آثر هيكل أن يجعل شخصياته
يتكلمون بلغة أهل الريف، الذي يعيشون
ـ فنيا ـ في إطاره الروائي، وهذا الجزء من الرواية يؤكد ذلك :
"وجلس الرجل (أبو زينب) من بينهم محتفيا بهم مظهرا مقدار سروره بتشريفهم ومؤانستهم، وأنهم نوروا داره،
وظلوا يتهادون التحيات حتى دارت عليهم القهوة وصاروا جميعا وكأن بينهم رابطة ود وإخلاص، هنالك قال خليل :
ـ والله طالبين القرب منك يابو محمد .
ـ يا تلتميت مرحبة يا بوحسن .. واحنا قد المقام.
ـ الله يحفظك ."


واللغة في هذه الرواية (زينب) ذات مستويين من مستويات التعبير.
أ ـ فهناك مستوى فصيح في السرد : يبلغ حد التقعر ـ أحيانا ـ لأن الكاتب سواء أكان هيكل أو غيره، يحاول من
خلال أسلوب السرد، أن يظهر قدرا من فنية التعبير وجمال الأسلوب ـ،
فهذا المستوى السردي هو الذي يساعد الكاتب ـ إن أراد ـ على أن يبرز مهاراته اللغوية وإمكاناته البلاغية ..
ما نجد في هذا الجزء في رواية هيكل :
"ما أحلى ليالي الصيف! وما أسرعها مرا! تسري بنا فتنسينا الحياة والوجود، وتبعث لنفوسنا بطيبها أكبر الهناء،
ولو أن الأماني تجاب لكانت كبراها استدامة هاته الليالي الزاهرة، حيث كل شيء جميل ذاهب في أحلامه،
وحيث البدر يحبو في السماء تائها هو الآخر في خيالات حبه، والطبيعة الصامتة توحي بأصواتها نجوى الغرام إلى القلب، والفلاح الساهر يرسل من سلاميته في جو الكون نغمة رقيقة كلها الوجد والجوى."
فهذا الجزء من السرد القصصي في رواية "زينب" يؤكد أن هيكل لم يقصد الكتابة بالفصحى فحسب، وإنما حاول أيضا أن يستخدم لغة أدبية قريبة من لغة النثر الفني، الذي عرفه تاريخ الأدب العربي في الخطب والرسائل والمقامات والمقالات والخواطر، لذلك نجده يوظف أنماطا مختلفة من التراكيب البلاغية ـ
كذلك نجده ينوع الجمل على مستوى التركيب النحوي بين الجمل الفعلية والاسمية، كما ينوع بين الجمل
من حيث الدلالة البلاغية بين الخبر والإنشاء.
ومعنى هذا أن الكاتب (هيكل) كان مدركا ـ بوعي ـ أنه يكتب أدبا، ومن هنا جاءت لغته حبلى بهذه الأنماط البلاغية المختلفة.
وهذا الأسلوب النثري المتأنق غير اللهجة العامية الدارجة التي وظفها هيكل للتعبير عن شخصياته الريفية الفلاحين والعمال ومتوسطي الثقافة.
ونحن أميل إلى الاعتقاد بأن هيكل استخدم العامية ـ واعيا ـ انطلاقا من (منظور) فني، يرى أن الكاتب
يجب أن يجعل شخصياته تتكلم في الرواية، بنفس الطريقة ـ أو المستوى اللغوي الذي تتكلم به في واقع الحياة،
ولا يزال هناك كتاب كثيرون في المشرق والمغرب العربي، يعتقدون بصدق هذا المنظور، ولذلك يكتبون الحوار بالعامية.
والأسماء الروائية لهذا المنظور كثيرة، مثل : عبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس، وعبد الرحمن منيف،
وإحسان عبد القدوس ، وخيري شلبي،ويسف القعيد، وسكينة فؤاد ، وحنان الشيخ وغيرهم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




الاتجاه الثاني :
هناك مجموعة أخرى من الكتاب يرون في هذه القصة رأيا آخر ، وهو ضرورة استخدام الفصحى في السرد والحوار ـ على حد سواء،
لأنهم يرون ـ وهم على حق في تقديري ـ أن العالم القصصي كله من صنع الكاتب، والكاتب يصنع أدبا،
وليس هناك أدب بلا صنعة، لكن المهارة ـ في الأدب ـ هي أن تخفي الصنعة، بحيث تبرز الصياغة كما لو
كانت عملا تلقائيا، يصدر عن طبع وتلقائية. وهذا موجود منذ نشأة الرواية الحديثة عند مصطفى لطفي المنفلوطي،
وطه حسين، ومحمد فريد أبو حديد، وعلي الجارم،وعلي أحمد باكثير ، ومحمد سعيد العريان، وعبد الحميد جودة السحار ـ
ولا سيما في رواياتهم التاريخية والمترجمة، كلك نجدها عند نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله ..
وعند بعض الكتاب المعاصرين، أمثال طه وادي، ومؤنس الرزاز ورضوى عاشور ، وإبراهيم الناصر الحميدان وغيرهم.
واستخدم الفصحى في الحوار ميزة تحسب ـ أدبيا للكاتب ـ لأنه يستطيع أن يطوع الفصحى للغة الحوار،
وهنا يجمع الحوار الفصيح بين السلامة اللغوية والجمال الأسلوبي في التعبير عن الموقف القصصي، كما نجد في هذا الجزء
من رواية "غيوم الخريف" لإبراهيم ناصر الحميدان(1988)":
"كانا يفترسان حصيرة الخوص .. وقد وضعت المرأة مسبحتها على حجرها استعدادا للصلاة في حين اتشحت بالسواد.
قال متسائلا : وهل في ذهنك من ترشحينها كزوجة لي ؟
رنت إليه طويلا، وتنهدت قبل أن تجيب : لم تسألني من قبل ."


ولا شك أن استخدام الفصحى في الحوار القصصي ، يعد ميزة ـ كما ذكرت ـ إلا أنه قد يدفع الكاتب ـ أحيانا ـ إلى قدر من الجيشان الإنشائي والاندفاع اللفظي، الذي يصيب الحوار بالمبالغة أو التكلف أو البرود ..
كم نجد في هذا الجزء من رواية "لقيطة" لمحمد عبد الحليم عبد الله
(1945)، حيث تقول بائعة لبن فقيرة لبطلة الرواية ـ ليلى :
"صباح الخير يا سيدتي .. إن صاحبة المنزل أمرتني أن أصعد إليك في كل صباح لتشتري مني ، فكوني مطمئنة إلى سلامة ما أقدم لك ونظافته، فأنا لست من اللائي يخلطن أو يغششن".


ونحس أن الكاتب مشغول بالصنعة اللفظية عن الفروق الجوهرية بين أسلوبي السرد .. والحوار، وقد أدت هذه الصنعة البيانية إلى زيف اللغة القصصية .. التي احتشدت بهذه العبارة المتكلفة :
"صباح سعيد يا سيدتي ـ لست من اللائي يخلطن أو يغششن (ما أثقل نون النسوة في الخطاب!) ـ لم يكن المبيع شغل ليلى وإنما البائع ـ
تفرست كل جارحة همت أن تقبلها ـ رضع هذا الفم ثديا طاهرا ـ يا أختاه ـ صوت خافت :إنه مناجاة الضمير."
فهذا الأسلوب المصنوع المتكلف في السرد والحوار يضعف لغة الرواية أو القصة، لأن الفن القصصي لا يلائمه البتة هذا التقعر اللغوي المصنوع، الذي يزهق حساسية الإبداع الفني في عالم القص.
إن لغة القصة اليوم، ينبغي أن تكون سريعة الإيقاع، موجزة تصل إلى الهدف مباشرة ..
ولا شك بعد كل ما ذكرناه .. أن الوعي بقضية اللغة ـ هو في الحقيقة ـ وعي بأهم خصائص التجربة الفنية في كافة الأنواع الأدبية ، وليس في إطار الفن القصصي وحده، وما أجدرنا جميعا : أدباء ونقادا وقراء وكتابا أن نولي بعض تستحق من رعاية واهتمام، لأن اللغة في المقام الأول والأخير هي .. نحنُ .

منقول بتصرف [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مصطفى الشبوط
صاحب ومؤسس الموقع (رحمة الله عليه )
صاحب ومؤسس الموقع  (رحمة الله عليه )
مصطفى الشبوط

ذكر
تاريخ التسجيل : 30/11/2007
عدد المشاركات : 17651
نقاط التقييم : 23812
بلد الاقامة : عراقي مقيم بهولندا
علم بلدك : علم العراق

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ   لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Emptyالجمعة يوليو 05, 2013 6:28 pm

تسلمي راقيتنا الاستاذة مها سالم على هذه الدراسة القيمة

تقبلي مني اصدق التحايا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eshtyak.ahlamontada.com
المهندس محمد فرج
عضو موسس للمنتدى
المهندس محمد فرج

ذكر
تاريخ التسجيل : 15/12/2007
عدد المشاركات : 123667
نقاط التقييم : 126296
بلد الاقامة : ماريا وترابها زعفران
علم بلدك : Egypt مصر
الجوزاء

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ   لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Emptyالخميس يوليو 11, 2013 12:58 pm

دراسه قيمه ورائعه....لك كل الود.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ايمان الساكت
نائبة المدير العام -فراشة اشتياق - اديبة
ايمان الساكت

انثى
تاريخ التسجيل : 18/10/2013
عدد المشاركات : 56084
نقاط التقييم : 60064
بلد الاقامة : مصر- القاهره
علم بلدك : Egypt مصر
الحمل

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ   لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Emptyالإثنين يناير 13, 2014 11:22 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسة قلم
اديبة


انثى
تاريخ التسجيل : 17/11/2013
عدد المشاركات : 13947
نقاط التقييم : 14510
بلد الاقامة : لبنان
علم بلدك : Lebanon لبنان

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ   لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Emptyالأربعاء يناير 22, 2014 7:02 pm



أديبتنا القاصة القديرة
من بحور أدبياتك النيرة
كان لنا وقفة ميسرة
لموضوع فيه الرقي
ينضح بعد كل عبارة
أشكرك على روعة ما قدمتي
وعلى إثراءكِ لمكتبة فاخرة
وأشكرك على هذه الدراسات القيمة
وعلى إنتقاءاتكِ الأديبة المهمة 
التي تجلت هنا بأجمل المعاني 
وبدراسة مفصلة باللغة والمباني
أديبتنا نورة الدوسري
لكِ ولروحكِ الأحداق شاكرة
مع أصدق تحياتي ومحبة وافرة

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ   لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Emptyالسبت أغسطس 16, 2014 11:18 pm

نوره الدوسري كتب:

لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ

[ دراســــــة نقدية ]
بقلم : أ. د. طــه وادي / جامعة القاهرة



نجد أنفسنا مضطرين ـ شئنا أم أبينا ـ إلى الحديث عن اللغة، لأن كل أنواع الأدبية تندرج نحو ما يسمى بـ (فن القول)
فاللغة هي أداة الأدب .. وهي وسيلة التعبير عند الأديب، غير أن الحديث عن اللغة في الشعر أو المسرح ،
لأن اللغة في الشعر والمسرح يعبر عن ذاته دون أن يلجأ إلى إقناع .. لأنه لا يعبر عن غيره ، فصوت الشعر هو صوت الشاعر نفسه،
وكذلك الحال بالنسبة للمسرح، لأن النص المسرحي يقوم على الحوار وحده، ومعنى هذا ـ باختصار شديد ـ أن اللغة في الشعر والمسرح ذات طبيعة تعبيرية واحدة أو متقاربة على الأقل،
لكل أمر اللغة في فنون القص (الرواية والقصة القصيرة) أمر مختلف وأكثر تعقيدا للأسباب التالية :
أولا : لأن فنون القص تحاول أن توهم قارئها ـ فنيا ـ أنها تقدم له شريحة حية من الحياة الواقعية لشخصياتها بأعينهم ،
ويعيشون في واقع اجتماعي محدد، وفي مكان وزمان محددين أيضا. فالروائي ـ حتى وهو يقدم رواية تاريخية ـ
يكون حريصا على أن يصور هذا الواقع البعيد في إطار معطياته وظروفه الخاصة، حتى لا يتهم لأنه يزيف الواقع، ويلوي عنق الحقيقة . وبناء على هذا فإن الكاتب القصصي إذا كان مطالبا
بأن يكون أمينا في تصويره للواقع ـ الإطار التاريخي أو الاجتماعي ـ الذي يشكل خلفية اجتماعية لأبطال الرواية أو القصة ..
فإنه أيضا مطالب بأن يكون أكثر أمانة (ودقة) حين يجعل أبطاله يتكلمون ، لأن لغتهم يجب أن تعبر عن الواقع الخاص،
الذي يعيشون ـ فنيا ـ في إطاره.
إن الشخصية أو المتكلم في الرواية ليس فردا باهت الملامح، وإنما هو ـ كما يقول عنه مؤلف "الخطاب الروائي " باختين ـ "منتج أيدلوجيا، وكلماته هي دائما عينة أيدلوجية (Idologeme) ".
واللغة الخاصة برواية ما، تقدم دائما وجهة نظر خاصة عن العالم تنزع إلى دلالة اجتماعية.
ثانيا : إن اللغة في القصة والرواية ذات مستويين مختلفين .. هما السرد والحوار، فماذا نعني بهذين المصطلحين ؟



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




أ ـ السرد (Narration) :
مصطلح أدبي يقصد به ذلك النوع من الأسلوب أو طريقة التعبير، التي ينوب فيها الراوي عن الراوي ـ عن الروائي .. وعن الشخصيات ـ في سرد أو وصف أو تصوير أركان الحدث ..
ومكونات الشخصية .. وعناصر المكان .. وطبيعة الزمان القصصي. وكما يمكن للروائي أن يسرد من الخارج ـ من خلال السرد ـ
يمكن أن يسرد أيضا من الداخل، أي يعبر عما يدور داخل الشخصيات التي يصورها، فيقدم منولوجا ذاتيا،
يعبر فيه عما يعتمل داخل فرد من أفراد عالمه القصصي،كما فعل طه حسين، وهو يتحدث عن آمنة ـ بطلة "دعاء الكروان" .. فيعبر هو أي الكاتب ـ عما تحسه هي ـ أي بطلة الرواية ـ فيقول :
"وإني لأراها في طريقها نحو الشرق ، فيمتلئ قلبي رحمة لها وإعجابا بها وخوفا عليها، وأي قلب لا يرحم فتاة غرة لم تكد تتجاوز سن الصبا،
وقد قذفت بها الأحداث
في لجة الحياة الممتلئة بالخطوب والأهوال وهي وحيدة ليس لها عون، قد صفرت يدها من كل شيء، وفرغ قلبها إلا من الأمل".



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




ب ـ الحوار (Dialogue) :
هذا هو المستوى الثاني من لغة القص .. وهو اللغة التي يعبر بها الكاتب عما يدور بين شخصياته من حديث
أو قول أي يعبر عما تعنيه أو تفكر فيه كل شخصية من شخصيات التجربة القصصية،
والشخصيات في إطار القصة ـ كما هي في واقع الحياة ـ يتفاوت مستواها الفكري ومزاجها النفسي وواقعها الاجتماعي، وهذا كله ينبغي أن ينعكس في الحوار.. الذي يتكلم به كل شخصية
لأن النطق يجب أن يقوم على منطق ،وقديما قال أحد الفلاسفة :
" حدثني حتى أراك .. !!".
وبناء على هذا يجب أن ينوب الروائي ـ بأمانة وصدق ـ حين يركب لغة الحوار التي تعبر عن شخصيات عامله القصصي.
وهذا الجزء من الحوار يدور بين أم وأبنائها في رواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ، حيث يعبر الكاتب ـ بدقة ـ عما يفكر فيه كل منهم،
بما يكشف عن طبيعة كل واحد منهم بشكل متفرد ،
قالت الأم :
"نفيسة تحسن الخياطة، وهي تخيط كثيرا لجاراتنا محبة ومجاملة، ولست أرى بأسا في أن تتقاضى على عملها مكافأة.
وهتف حسن بحماس : عين الصواب ..
ولكن حسنين صاح بغضب ، وقد أحمر وجهه غضبا : خياطة ؟!
فأجابه حسن معترضا : ما عيب إلا العيب ، فلتكن .
فقال حسنين بحدة :
لن تكون أختي خياطة، كلا، ولن أكون أخا لخياطة.
وقطبت الأم في غضب وصاحت به : أنت ثور، تأكل وتنام ، ولا تدري عن الدنيا شيئان وهيهات أن بفهم عقلك الغبي حقيقة حالنا!
وفتح فاه ليعترض ، لكنها صاحت به: اخرس.
فنفخ دون أن ينبس بكلمة، ورأت الأم أنها فرغت من معارضته ، فالتفتت إلى حسين، فالتفت عيناهما برهة قصيرة، "
فهذا الجزء من الحوار ـ على سبيل المثال ـ نكتشف من خلال لغة الحوار فيه نوعية شخصية الأم الواعية التي تريد أن تحافظ
على الأسرة بعد وفاة الزوج العائل لهم .. وشخصية حسن المتواكل الذي يسلم بسهولة، لأنه يريد أن يريح نفسه على حساب الآخرين ..
ثم شخصية حسنين الانتهازي ـ الذي يريد المال ، ولكن يسوؤه ـ مظهريا ـ أن يقال إن أخته تعمل خياطة،
وشخصية حسن المؤمن الذي صدق على كلام الأم بنفس راضية (إذا لم يكن من هذا بد فالأمر لله).
هكذا ينبغي أن يكون الحوار معبرا ـ بدقة ـ عن السمات المتفردة لكل شخصية ، وهذا يعني ـ بالضرورة ـ العناية بلغة الفن القصص : سردا وحوارا ، لأن بعض الكتاب يتوهمون أن (الشعرية)
ليست شرطا للغة الفن القصصي، وهناك اليوم "دعوة عامة إلى ضرورة العناية بأسلوب القصة ، نجدها عند الناقد
"رالف فريدمان" في كتابه عن "الرواية الشعرية" الذي درس فيه سمات هذا النوع من الرواية عند بعض الكتاب مثل :
"هيرمان هيس، وأندريه جيد، وفرجينيا وولف".
وقد عقد فصلا عما أسماه بالتقاليد الشعرية التي ينبغي أن تهتم بها الرواية تنتمي إلى هذا النوع من الكتابة القصصية الشعرية، وبالطبع فإننا ندرك أن القصة شيء والشعر شيء آخر،
لكن ما نلح عليه ـ بإصرار ـ هو أن القصة نوع أدبي بالدرجة الأولى ، وينبغي ألا يخلو أسلوبها اللغوي من ومضة بلاغية
في السرد والحوار كما أن عدم امتلاك ناصية اللغة ، قد يوقع الروائي في خطر ـ أو خطأ على الأقل ـ
إذا لم تستطع لغته أن تعبر ـ بدقة ـ عن الموقف المصور ، لذلك يقول الناقد الأمريكي "ألبرت كوك" في حديثه عن لغة القصة :



"إن الكلمات في تعبير قصصي لا تشير إلى كلمات أخرى فقط، ولكن إلى مشار إليه في الواقع ، والمشاهد التي تقدمها
اللغة في رواية لا تأخذ مكانتها القصصية إلا بقدر ما ينبغي أن تكون صدى لحقيقة في الواقع".



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





بعض الظواهر اللغوية في الرواية والقصة :
بعد هذه المقدمة النظرية عن لغة الفن القصصي ، نتوقف وقفة
تطبيقية عن د بعض الكتاب لنبين موقفهم من قضية اللغة، ونستطيع أن نجمل موقف الكتاب جميعا من قضية اللغة في اتجاهين كبيرين :
ٍ1 ـ اتجاه يستخدم العامية في الحوار والفصحى في السرد.
2 ـ اتجاه يستخدم الفصحى في الحوار والسرد.



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




الاتجاه الأول :
يستخدم ممثلوه الفصحى في السرد، والعامية في الحوار ـ من أجل الإيهام بالواقعية، حيث ينطقون الشخصيات في الرواية باللغة التي يتكلمون بها في الحياة اليومية،
وقد بدأ هذا الاتجاه مبكرا في تاريخ الرواية الحديثة، حيث ظهر في الرواية العربية الأولى ـ التي اكتملت لبها عوامل النضج الفني .
وهي رواية "زينب ـ مناظر وأخلاق ريفية" لمحمد حسن هيكل (1914) .
وقد آثر هيكل أن يجعل شخصياته
يتكلمون بلغة أهل الريف، الذي يعيشون
ـ فنيا ـ في إطاره الروائي، وهذا الجزء من الرواية يؤكد ذلك :
"وجلس الرجل (أبو زينب) من بينهم محتفيا بهم مظهرا مقدار سروره بتشريفهم ومؤانستهم، وأنهم نوروا داره،
وظلوا يتهادون التحيات حتى دارت عليهم القهوة وصاروا جميعا وكأن بينهم رابطة ود وإخلاص، هنالك قال خليل :
ـ والله طالبين القرب منك يابو محمد .
ـ يا تلتميت مرحبة يا بوحسن .. واحنا قد المقام.
ـ الله يحفظك ."



واللغة في هذه الرواية (زينب) ذات مستويين من مستويات التعبير.
أ ـ فهناك مستوى فصيح في السرد : يبلغ حد التقعر ـ أحيانا ـ لأن الكاتب سواء أكان هيكل أو غيره، يحاول من
خلال أسلوب السرد، أن يظهر قدرا من فنية التعبير وجمال الأسلوب ـ،
فهذا المستوى السردي هو الذي يساعد الكاتب ـ إن أراد ـ على أن يبرز مهاراته اللغوية وإمكاناته البلاغية ..
ما نجد في هذا الجزء في رواية هيكل :
"ما أحلى ليالي الصيف! وما أسرعها مرا! تسري بنا فتنسينا الحياة والوجود، وتبعث لنفوسنا بطيبها أكبر الهناء،
ولو أن الأماني تجاب لكانت كبراها استدامة هاته الليالي الزاهرة، حيث كل شيء جميل ذاهب في أحلامه،
وحيث البدر يحبو في السماء تائها هو الآخر في خيالات حبه، والطبيعة الصامتة توحي بأصواتها نجوى الغرام إلى القلب، والفلاح الساهر يرسل من سلاميته في جو الكون نغمة رقيقة كلها الوجد والجوى."
فهذا الجزء من السرد القصصي في رواية "زينب" يؤكد أن هيكل لم يقصد الكتابة بالفصحى فحسب، وإنما حاول أيضا أن يستخدم لغة أدبية قريبة من لغة النثر الفني، الذي عرفه تاريخ الأدب العربي في الخطب والرسائل والمقامات والمقالات والخواطر، لذلك نجده يوظف أنماطا مختلفة من التراكيب البلاغية ـ
كذلك نجده ينوع الجمل على مستوى التركيب النحوي بين الجمل الفعلية والاسمية، كما ينوع بين الجمل
من حيث الدلالة البلاغية بين الخبر والإنشاء.
ومعنى هذا أن الكاتب (هيكل) كان مدركا ـ بوعي ـ أنه يكتب أدبا، ومن هنا جاءت لغته حبلى بهذه الأنماط البلاغية المختلفة.
وهذا الأسلوب النثري المتأنق غير اللهجة العامية الدارجة التي وظفها هيكل للتعبير عن شخصياته الريفية الفلاحين والعمال ومتوسطي الثقافة.
ونحن أميل إلى الاعتقاد بأن هيكل استخدم العامية ـ واعيا ـ انطلاقا من (منظور) فني، يرى أن الكاتب
يجب أن يجعل شخصياته تتكلم في الرواية، بنفس الطريقة ـ أو المستوى اللغوي الذي تتكلم به في واقع الحياة،
ولا يزال هناك كتاب كثيرون في المشرق والمغرب العربي، يعتقدون بصدق هذا المنظور، ولذلك يكتبون الحوار بالعامية.
والأسماء الروائية لهذا المنظور كثيرة، مثل : عبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس، وعبد الرحمن منيف،
وإحسان عبد القدوس ، وخيري شلبي،ويسف القعيد، وسكينة فؤاد ، وحنان الشيخ وغيرهم.



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





الاتجاه الثاني :
هناك مجموعة أخرى من الكتاب يرون في هذه القصة رأيا آخر ، وهو ضرورة استخدام الفصحى في السرد والحوار ـ على حد سواء،
لأنهم يرون ـ وهم على حق في تقديري ـ أن العالم القصصي كله من صنع الكاتب، والكاتب يصنع أدبا،
وليس هناك أدب بلا صنعة، لكن المهارة ـ في الأدب ـ هي أن تخفي الصنعة، بحيث تبرز الصياغة كما لو
كانت عملا تلقائيا، يصدر عن طبع وتلقائية. وهذا موجود منذ نشأة الرواية الحديثة عند مصطفى لطفي المنفلوطي،
وطه حسين، ومحمد فريد أبو حديد، وعلي الجارم،وعلي أحمد باكثير ، ومحمد سعيد العريان، وعبد الحميد جودة السحار ـ
ولا سيما في رواياتهم التاريخية والمترجمة، كلك نجدها عند نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله ..
وعند بعض الكتاب المعاصرين، أمثال طه وادي، ومؤنس الرزاز ورضوى عاشور ، وإبراهيم الناصر الحميدان وغيرهم.
واستخدم الفصحى في الحوار ميزة تحسب ـ أدبيا للكاتب ـ لأنه يستطيع أن يطوع الفصحى للغة الحوار،
وهنا يجمع الحوار الفصيح بين السلامة اللغوية والجمال الأسلوبي في التعبير عن الموقف القصصي، كما نجد في هذا الجزء
من رواية "غيوم الخريف" لإبراهيم ناصر الحميدان(1988)":
"كانا يفترسان حصيرة الخوص .. وقد وضعت المرأة مسبحتها على حجرها استعدادا للصلاة في حين اتشحت بالسواد.
قال متسائلا : وهل في ذهنك من ترشحينها كزوجة لي ؟
رنت إليه طويلا، وتنهدت قبل أن تجيب : لم تسألني من قبل ."



ولا شك أن استخدام الفصحى في الحوار القصصي ، يعد ميزة ـ كما ذكرت ـ إلا أنه قد يدفع الكاتب ـ أحيانا ـ إلى قدر من الجيشان الإنشائي والاندفاع اللفظي، الذي يصيب الحوار بالمبالغة أو التكلف أو البرود ..
كم نجد في هذا الجزء من رواية "لقيطة" لمحمد عبد الحليم عبد الله
(1945)، حيث تقول بائعة لبن فقيرة لبطلة الرواية ـ ليلى :
"صباح الخير يا سيدتي .. إن صاحبة المنزل أمرتني أن أصعد إليك في كل صباح لتشتري مني ، فكوني مطمئنة إلى سلامة ما أقدم لك ونظافته، فأنا لست من اللائي يخلطن أو يغششن".



ونحس أن الكاتب مشغول بالصنعة اللفظية عن الفروق الجوهرية بين أسلوبي السرد .. والحوار، وقد أدت هذه الصنعة البيانية إلى زيف اللغة القصصية .. التي احتشدت بهذه العبارة المتكلفة :
"صباح سعيد يا سيدتي ـ لست من اللائي يخلطن أو يغششن (ما أثقل نون النسوة في الخطاب!) ـ لم يكن المبيع شغل ليلى وإنما البائع ـ
تفرست كل جارحة همت أن تقبلها ـ رضع هذا الفم ثديا طاهرا ـ يا أختاه ـ صوت خافت :إنه مناجاة الضمير."
فهذا الأسلوب المصنوع المتكلف في السرد والحوار يضعف لغة الرواية أو القصة، لأن الفن القصصي لا يلائمه البتة هذا التقعر اللغوي المصنوع، الذي يزهق حساسية الإبداع الفني في عالم القص.
إن لغة القصة اليوم، ينبغي أن تكون سريعة الإيقاع، موجزة تصل إلى الهدف مباشرة ..
ولا شك بعد كل ما ذكرناه .. أن الوعي بقضية اللغة ـ هو في الحقيقة ـ وعي بأهم خصائص التجربة الفنية في كافة الأنواع الأدبية ، وليس في إطار الفن القصصي وحده، وما أجدرنا جميعا : أدباء ونقادا وقراء وكتابا أن نولي بعض تستحق من رعاية واهتمام، لأن اللغة في المقام الأول والأخير هي .. نحنُ .

منقول بتصرف [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الأستاذة الرائعة نوره الدوسري
دراسة رائعة جدا
اللغة العامية و اللغة الفصحى هما وجهان لعملة واحدة
في القصة بالذات و في الرواية أيضا
لأنهما يظهرا بساطة و عمق السرد القصصي و الروائي
و يصلا معا للعامة و النخبة من الأدباء و المثقفين
و من الجمهور العادي سواء المثقف أو الأميّ أو أنصاف المثقفين
تحياتي و مودتي
 Smile Smile Smile 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007 :: اقسام الثقافة والتاريخ والادب العالمي :: اشتياق التاريخ والتراث وسيرة حياة المشاهير-
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المهندس محمد فرج - 123667
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
الدكتور خليل البدوي - 107926
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
احلام شحاتة - 61741
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
ايمان الساكت - 56084
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
باسند - 51660
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
مصطفى الشبوط - 17651
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
همسة قلم - 13947
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
نوره الدوسري - 8809
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
احاسيس - 7517
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1 
كاميليا - 7369
لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_rcap1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Voting_bar1لُغَة الفَنِّ القَصَصِــــــيِّ Vote_lcap1