كم من أناس عاشوا أعمارا طويلة ثم طواهم الموت ، فلم نشعر بهم ، أو تسمع عنهم
وكم من علماء ودعاة ومصلحين عاشوا أعمارا قصيرة لكن آثارهم وإشعاعاتهم لا تقاس بالفترة التي عاشوها .
انظر إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ..
عاش بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة هي عمر الدعوة في مكة والمدينة ، وهذان العقدان من الزمان غيرا وجه الأرض
وحولا مجرى العالم ، وتشكل فيهما تاريخ جديد لا تزال أصداؤه تتردد حتى الآن ، وتُبني عليه سياسات وأحداث شرقا وغربا .
وانظر إلى أبي بكر وعمر .. كم أنجزا من الإنجازات، وكم حققا للإسلام من انتصارات فإذا قارنتَ هذا كله بفترة حكمهما أو حياتهما .. تجدها أعمالاً جليلة في مدد قصيرة .
وهذا الإمام الشافعي عاش فقط أربعة وخمسون عاما .. لكنه أسس مذهبا كاملا لا يزال كثير من الناس يعبدون الله عليه حتى الآن
وكتب كتابات في أصول الفقه والحديث لا يزال المتخصصون ينهلون منها .
أيضاً سيبويه الذي عاش اثنين وثلاثين عاما ، وترك لنا "الكتاب" الذي يعتبر من المراجع الرئيسة في علوم اللغة العربية حتى الآن .
والإمام النووي الذي عاش نيفا وأربعين عاما ، وترك لنا تراثا تربويا وفقهيا لا زال يخرج لنا العديد من العلماء والمربين والفقهاء ،
ابتداء بالأربعين النووية ، مرورا بالأذكار ، ورياض الصالحين ، وشرح صحيح مسلم ، والمنهاج ، والروضة، والتقريب والتيسير ،
وانتهاء بالمجموع ؛ تلك المدونة الكبرى في الفقه الشافعي والفقه المقارن.
هذه البركة في العمر والعلم والعمل والأثر،
تؤكد ما قرره الإمام الرباني ابن عطاء الله حين قال :
" رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آماده وقلت أمداده،
ورُبَّ عُمُرٍ قليلة آماده، كثيرة أمداده، ومن بورك له في عمره،
أدرك في يسير من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة ولا تلحقه الإشارة
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
