العمرية (لحافظ إبراهيم)
1- يعد حافظ إبراهيم من فحول الشعراء المقدمين في العصر الحديث وإن كانت شهرته أكبر من شعره وأقوى، ولكنه على أي حال شاعر له خطره، إذ كان أهل زمانه يتحاشون سخطه لسلاطة لسانه في شعره ونكتته.
ولد حافظ في زمن جمعت أطارفه فحول شعراء هذا الزمان كالبارودي، والرصافي، ومحمد عبد ا لمطلب، ومحرم، وشوقي، ومطران، وإيليا، وجبران، غير أن أحدا منهم لم ينل من الشهرة ما نال حافظ خلا شوقي ومطران، والرصافي.
وكان مولد حافظ إبراهيم في عام 1288 هـ، لكنه نشأ في بيئة غير ميسورة وتقلبت به الحال من بيت إلى بيت حتى استقر به المقام في المدرسة الحربية ومنها إلى السودان لكنه لم يرتح إلى المقام بها فأتى من المخالفة العسكرية ما أوجب محاكمته ثم إحالته إلى المعاش فعاد إلى القاهرة وبقي زمنا حتى عين أمينا عاماً لدار الكتب إلى أن توفي سنة 1351 هـ.
ولقد طرق حافظ جميع أغراض الشعر التي طرقها معاصروه كالمدح والرثاء والغزل والهجاء والسياسة والاجتماع والإخوانيات وغيرها لكونه كان فيما يتصل بالمجتمع والسياسة الوطنية أمهر.
ولقد شاع في زمن حافظ النظم في الأغراض الإسلامية وبخاصة المناسبات الدينية كالمولد النبوي، والهجرة النبوية، ورمضان، والعيدين. غير أن نصيب حافظ كان في ذلك قليلاً بل إنه لم يمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم ينظم في مناسبة الهجرة وكل ما له في هذا أبيات معدودة تتخلل بعض المدائح والرثاء ونحو ذلك.
مثل قوله في الإمام محمد عبده رحمه الله:
بحذَيْةِ آياتُ الْكِتَابِ الْمُنَزل
وجرَّدْت للفتيا حُسَام عزيْمةٍ
وأثبتَّ مَا أَثْبتَ غَيْر مُضلًل
محوْت بِه في الذَيْن كلَّ ضلالةٍ
لقَد ظَفِرَ الإسْلامُ مِنْكَ بأَفْضل
لئنْ ظَفِر الإقتَاءُ منْكَ بفاضلٍ
سَوِاكَ ولا أَرْبَى عَلى كلً مِقوَلِ
فما حلً عقْد الْمشْكَلات بِحُكْمِهِ
وكقوله في تهنئة السلطان عبد الحميد بعيد جلوسه:
بِهِ دَوْحَةُ الإِسْلام وَالشًركُ مُجْدِبُ
فَقامَ بِأَمْرِ الله حتَّى تَرعْرَعتْ
إِلى الْمَلِكِ الأَعْلَى فِنِعْمَ الْمُقرب
وقرَّب بَيْن الْمسْجِدَيْنِ تَقرُباَ
وَإطْفَاءُ نور الشًمس مِن ذَاكَ أَقْربُ
وكم حاوَلوا في الأرْضِ إِطْفَاء نُوْرِهِ
لهُ فِي سَبِيْل اللًهِ وَالْحقً مذْهبُ
فَراعهُمُ مِنْهُ بجَيْشٍ مُدجَجٍ
ولو لم ينظم حافظ إبراهيم قصيدته العمرية التي صاغ فيها سيرة الفاروق عمر ابن الخطاب رضى الله عنه لحكم عليه بالإِفلاس في هذا الميدان، وعندي أن ذلك لم يكن نتيجة غفلة من حافظ إبراهيم ولا ضعف في روحه الإِسلامية ولا عدم نزوع إلى مثل هذا الميدان الشريف لكنه أبصر ما نظم شوقي في هذا الميدان فتقاصرت همته دونهُ أو خاف أن لا يستطيع مجاراة الأمير أو الدنو منه على الأقل فآثر الكف. واللّه أعلم.
2- عمرية حافظ.
أما عمريته فإنها قصة شعرية صاغ فيها الشاعر سيرة الفاروق رضي الله عنه صياغة موفقه، بها تبوأ مكانة بين شعراء الإِسلام يقول في مطلعها:
أَنَي إِلَى سَاحَةِ [الْفارُوق] أُهدِيْهَا
حسْبُ القَوافي وَحسبِي حِيْنَ ألْقيْهِا
عَلَى قَضاءِ حُقُوقٍ نَامَ قَاضِيْهَا
لهُمَّ هَبْ لي بَيَاناً أَسْتَعِيْن بهِ
وَلَيْسر فِي طوق مِثْلى أَنْ يُوَفّيْهَا
قد نَازَعَتْنِيَ نَفْسِيْ أَنْ أُوَفًيها
فِيْها فَإِنَيْ ضَعيْفُ الْحالِ وَاهِيْهَا
فَمُر سرِيَّ الْمَعَاني أن يُوَاتِيَنِيْ
غير أن حافظاً أعقب الفاتحة بمقتل عمر رضي الله عنه وكان عليه أن يبدأ الحديث عن سيرته من بدايتها حتى الوفاة، لكن لعل الشاعر أنفعل بالحدث وأثر فيه تأثيرَاَ جعله يقدم الحديث فيه وكأنه يريد أن ينفض عن نفسه هما علق بها من تذكر مقتل عمر رضي الله عنه، أو لعله أراد أن يستدر أسماع الناس وعواطفهم بالبدء بالحديث عن هذأ الأمر الجلل الذي ضجت له الأمة الإسلامية بأسرها لكونه رماها في الصميم يقول حافظ في ذلك:
مِنْ رَحْمَة اللَّهِ مَا جَادَتْ غَوَادِيْهَا
مَوْلَى المُغِيرَةِ لا جَادَتْكَ غَاديَةٌ
في ذِمًةِ اللَّهِ عَالِيْهَا ومَاضِيْها
مَزَقْتَ مِنْهُ أَدِيْماً حَشوُة هِمَم
مِنَ الْحَنِيْقَة في أعلَى مَجَالِيها
طَعَنْتَ خَاصِرَةَ [الْفَارُوِقِ] مُنْتَقِماً
تَشْكُو الْوَجِيْعَة لَمًا مَات آسِيْهَا
فَأصْبَحَتْ دَوْلةُ الإسلاَم حَائِرةً
وَزَانَ بِالْعَدْلِ والتَّقْوى مَغَانِيْهَا
مَضَى وَخَلَّفَهَا كَالطّوِدَِ رَاسِخَةً
وَالْهَادِمُوْنَ كَثِيْر فِي نَوَاحِيهَا
تنْبُو الْمعَاوِلُ عَنْهَا وَهْيَ قَائِمَة
وبعد الحديث عن مقتل الفاروق رجع إلى حديث إسلامه، تم مضى يتحدث عن سيرة الفاروق وأخلاقه وصفاته وزهده حديثاً إن لم يدل على سعة اطلاع حافظ فإنه يدل على تجاوب عاطفته مع الموضوع.
ولنأخذ مثلاً قوله في زهد عمر وتصويره لذلك الموقف الذي نزل فيه رضي الله عنه عن البرذون حين رأى في مشيته تبخترًا وخيلاء:
فَلَمْ يَغرَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ مُغْرِيْهَا
يا مَنْ صَدَفْتَ عَن الدنْيَا وَزِيْنَتِها
أَنْ يلْبِسوكَ مِنَ الأثْوَابِ زَاهِيْها
مَاذَا رَأَيتْ بِبَابِ الشام حِيْن رَأوْا
خَيْلِّ مُطَهمة تَحْلوْ لِرَائِيْها
وَيرْكِبوُكَ عَلى الْبِرْذًوْنِ تقُدمُه
وَفِى الْبَراَذِيْنِ مَا تَزْهَى بِعَالِيْهَا
مَشَى فَهْملَجَ مُخْتاَلا بَرِاكِبِهِ
وَدَاخَلَتْنِيَ حَال لسْت أَدْرِيْهاَ
فَصِحْتَ يَا قَوم كَادَ الزًهْو يَقْتلنِي
ويَرتَضِىْ بَيْعَ بَاقِيه بَفِانِيْهَا
وَكَادَ يَصْبُو إِلَى دُنْياكُمُ [عمرّ]
ردُّوْا ثِيَابِيْ فَحسْبي الْيوم بَالِيِهَا
رُدُّوْا رِكَابِيْ فَلا أَبْغي بِهِ بَدَلا
وهكذا يتنقل من حديث عن رحمة عمر وشفقته؟ إلى حديث عن تقشفه؟ فآخر عن هيبته فرجوعه عن الخطأ حتى يختم عمريته هذه بقوله:
لِلشًاهِدِيْنَ وَللأعْقَابِ أَحْكِيْها
هَذيْ مَنَاقبهُ فِي عَهْدِ دَوْلَتِهِ
مِنَ الطَبَائعِ تغْذوً نَفْسَ واعِيْهَا
في كُلً واحِدةٍ مِنْهنَ نَابلَةّ
تَجْلوْ لِحاضرِهَا مِرْآةَ مَاضِيْهَا
لَعَل فِي أمًةِ الإسلامِ نَابتَةً
مِيتَ الصُّروْحِ وَمَا عَانَاه باَنِيْها
حتًى ترَى بعْضَ مَا شَادَتْ أَوائلها
حتَى ينَبهَ مِنْهَا عَيْن غَافِيهاَ
وحسْبهَا أَن تَرى ما كَانَ مِنْ [عمرِ]
والآن وقد فرغنا من هذا التعريف المقتضب بحافظ وعمريته نثبت هنا قول حافظ في إسلام عمر:
فَأنْزَلَ اللَّهُ قُرْآنا يُزكّيْها
رَأيتَ فِي الدًيْنِ آرَاءً مُوفَّقَةً
عيْنُ الْحَنِيْفَةِ وَاجْتَازَتْ أمَانِيْها
وَكُنْتَ أوَّلَ مَنْ قَرت بِصُحْبَتِهِ
بِنِعْمَةِ اللهِ حِصْناً مِنْ أعَاديْهَا
قَدْ كُنْتَ أعْدى أعَاديْها فَصرْتَ لَهَا
وَلِلْحَنِيْفَةِ جَبارٌ يُوَالِيْهَا
خَرجْتَ تَبْغِي أذَاهَا في [مُحَمَّدهَا]
حَتَى انْكَفَأْتَ تُنَاوِىْ مَنْ يُنَاوِبْها
فَلَمْ تَكَدْ تَسْمَعُ الآيَاتِ بَالِغَةً
فَزَلْزَلَتْ نِيَّةً قدْ كُنْتَ تَنْويْهَا
سَمِعْتَ [سًوْرَةَ طَه] مِنْ مًرَتَلِها
قَوْلُ الْمحِبً الذِي قَدْ بَاتَ يُطْرِيْهَا
وَقُلْتَ فِيْهَا مَقَالا لا يُطَاوِلهُ
عَنْ كَاهِلِ الدًيْنِ أثْقَال يُعَانِيْهَا
وَيَوْمَ أسْلَمْتَ عَز الْحَق وَاْرتَفَعَتْ
لَهَا الْقُلُوبُ وَلبَّتْ أمْرَ بَارِيْهَا
وَصَاحَ فِيْه [بلاَلٌ] صَيْحةً خَشَعَتْ
وَأَنتْ في زَمَنِ [الصًدً يْق] مًنْجِيْهَاْ
فَأنْتَ فِي زَمَنِ [الْمُخْتَارِ] مُنْجِدُهَا
بِحِكْمَةٍ لَكَ عِنْد الَرأيِ يُلِفْيهَا
كَمِ آسْتَراكَ [1] رَسَوُلُ اللهِ مُغْتَبِطاً
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
