لتقرير الذي بثته وكالة رويترز العالمية أمس عن استطلاع الرأي الذي قام به مركز "بيو" الأمريكي المعروف برصانته وجديته ودقة أبحاثه ، عن توجهات الرأي العام في مصر تجاه الانتخابات الرئاسية الحالية وتجاه شخصية المشير عبد الفتاح السيسي وتجاه جماعة الإخوان وتجاه القضاء ، هو تقرير مهم للغاية ، لأنه يكشف عن أوهام كثيرة صنعها الإعلام المصري الذي يمارس حالة من تزييف الوعي واختطاف العقل تحت وقع سيل من المواد الإعلامية المضللة وسط غياب الرأي الآخر أو التقدير الآخر ، أيضا استطلاع "بيو" الذي نشرته رويترز يكشف إلى أي مدى تمارس بعض مؤسسات استطلاع الرأي في مصر شراكة غير أخلاقية مع تلك المؤسسات الإعلامية لتزييف الوعي ، وكان أحد مراكز استطلاع الرأي الشهيرة والذي أسسه ويديره وزير سابق وله صلات وثيقة بأجهزة سيادية قد نشر عدة استطلاعات خلال الأيام الأخيرة ليوهم الرأي العام بأن المشير السيسي يحظى بأغلبية كاسحة وأن ثمانين في المائة من الشعب سيشارك في الانتخابات وكلام كثير من هذه النوعية الديماجوجية . استطلاع "بيو" كشف أن السيسي لا يحظى بأي أغلبية مطلقة أو كاسحة بين المصريين الآن ، وأنه إذا أجريت الانتخابات الآن فإن السيسي لن يحصل على أكثر من 54% من أصوات الناخبين ، بالمقابل سيحصل حمدين صباحي منافسه على ما يقرب من 35% ، الاستطلاع كشف أيضا عن أن هناك انقساما وطنيا واسعا في مصر تجاه القوات المسلحة ، وهذا من أخطر ما ورد في التقرير ،حيث يعتقد 45% من المصريين أن الجيش دوره سلبي في مصر حاليا ، في حين يرى 56% أن دور الجيش إيجابي ، وهذا مؤشر بالغ الخطورة ، لأن الجيش هو جش الشعب وهو ملك الشعب ، بنص الدستور ، وهو درع الشعب ، فإذا كان هناك انقسام شعبي عنيف بهذه الصورة تجاه دور الجيش الآن فإن ذلك يستدعي قادته إلى سرعة دراسة الحالة ومعرفة أسباب هذا الانقسام الخطير ، لأن مدد الجيش البشري والمعنوي على الأقل هو من هذا الشعب المنقسم تجاهه وهذا يمثل خطورة كبيرة على قوة الجيش وسلامة حاضنته الشعبية . الاستطلاع أيضا كشف عن تقديرات لا تقل خطوة عما سبق فيما يتعلق بالقضاء المصري ، حيث أكد أن 58% من المصريين ينظرون بشكل سلبي للقضاء ولا يعتقدون بأنه عادل أو نزيه ، في مقابل 41% من المصريين ينظرون بإيجابية للقضاء ويعتبرونه نزيها ، وهذا مؤشر آخر شديد الخطورة ، لأن القضاء هو قوام المجتمع والدولة ، وعمود الخيمة فيهما ، فإذا سقطت هيبته وماتت الثقة به فهذا يعني أن المجتمع في خطر حقيقي وأنه على أبواب الفوضى والتصرف كغابة ، وهذا ما يستدعي من الجماعة القضائية وشرفائها سرعة دراسة هذه المؤشرات ومعالجة أسبابها وإنقاذ سمعة القضاء ورسالته ودوره في المجتمع . استطلاع "بيو" شمل أيضا الموقف من عزل الجيش للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي ، حيث أظهر أن 54% من الشعب يؤيدون عزل الجيش له ، في مقابل 43% من الشعب يرفض ما قام به الجيش من عزل الرئيس المنتخب ويعارض الخطوة ، وهذا أيضا يضعنا بوضوح أمام انقسام شعبي حقيقي ، لا يتوقف فقط ـ كما يوهم الإعلام المحلي ـ عند الإخوان وأنصارهم ، لأنه لا يتصور أن الإخوان يمثلون هذه النسبة من الشعب المصري ، وهذا ما يستدعي التواضع أمام تلك الحقيقة وأن الوطن في خطر حقيقي يستدعي عقلا سياسيا أمينا ومسؤولا ، ويمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ أو تصحيح نتائجه ، لأن تجاهل حقيقة هذا الانقسام وعواقبه على المدى الطويل تعرض الوطن لمخاطر العنف المنفلت والتمزق وغياب تماسك نسيجه الاجتماعي . الاستطلاع أيضا شمل الموقف من جماعة الإخوان المسلمين التي تقود الاحتجاجات حاليا على حكم المشير عبد الفتاح السيسي ، وأظهر الاستطلاع أن 38% من الشعب ينظرون بإيجابية نحو جماعة الإخوان ، في حين هناك 63% ينظرون إليها بسلبية ، وهي نتيجة لافتة أيضا بالنظر إلى الحملة الإعلامية الضخمة التي توجه ضد الجماعة والضربات المتلاحقة لكوادرها وتصنفيها رسميا كجماعة إرهابية . كما أفاد الاستطلاع بأن 56% ممن شملهم المسح ينظرون بإيجابية نحو الجيش المصري في 2014 مقابل نسبة 73% في الاستطلاع الذي أجراه "بيو" عام 2013 ، وهذا يعني أن النظرة الإيجابية تجاه الجيش تتراجع ، وخلال عام واحد تآكلت نسبة 17%. من النظرة الإيجابية للجيش عند الشعب المصري . التقرير خطير للغاية ، ليس فيما يتعلق بشخصية السيسي والأغلبية الكاسحة المزيفة التي يسوقها الإعلام المحلي ، وإنما يما يتعلق بمؤسستي : الجيش والقضاء ، لأن هاتين المؤسستين ، في تاريخ مصر الحديث ، كانا عماد الدولة وضمان وجودها واستمرارها .
________________________________________________________________________
التوقيع
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
