منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007

تجمع انساني،اسلامي،ثقافي،ادبي،اجتماعي،تقني،رياضي،فني وترفيهي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
كل عام وانتم بخيربمناسبة عيد الفطرالمبارك
عبارات عن القرآن في رمضان
كل عام وانتم بخير بمناسبة راس السنة الهجرية
في انتظار الزائر الكريم محمد محضار
من أي أنواع العبادة تعتبر قراءة القران
ما أبرز الفوائد من “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله”
كيف بين النبي امور الدين من خلال حديث جبريل المشهور
أحاديث عن الصبر والحلم والعفو والوفاء بالعهد
أقوال خلدها التاريخ عن الوفاء
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
الجمعة مارس 01, 2024 10:21 pm
الثلاثاء يوليو 18, 2023 10:57 pm
الجمعة يوليو 14, 2023 12:05 am
الخميس أبريل 27, 2023 10:40 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:37 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:33 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:30 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:28 pm










شاطر
 

 أحمد الصافي النجفي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 7:05 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أحمد الصافي النجفي (1897 - 1977). هو أحمد بن علي الصافي الحسيني العلوي يعود نسبه إلى الامام موسى بن جعفر الكاظم

حياته

ولد أحمد الصافي النجفي في مدينة النجف 1897 وتوفي في بغداد، وعاش في إيران وسوريا ولبنان وتنحدر أصوله من اسرة علمية دينية يتصل نسبها بـ الإمام موسى الكاظم تعرف بآل السيد عبد العزيز، توفي والده بوباءالكوليرا, الذي انتشر في العالم في تلك الفترة عندما بلغ عمره 11 عاما, فكفله أخوه الأكبر محمد رضا, ثم توفيت والدته سنة 1912 وتلقى علومه الأدبية والدينية وبقية العلوم الطبيعية ومحاضرات عن الفلك والكواكب والطب الإسلامي في مجالس الدرس من خلال جهود علماء الدين ثم أخذ يدرس قواعد اللغة والمنطق وعلم الكلام والمعاني والبيان والأصول وشيئا من الفقه على يد الاساتذة المرموقين في النجف وبدأ يقول الشعر في سن مبكرة، عند بلوغه سن العشرين وابان الحرب العالمية الأولى انتقل من النجف إلى البصرة بحثا عن العمل, ولكنه لم يحظ بتلك الفرصة لضعف بنيته واعتلال صحته, فتركها إلى عبادان ومنها إلى الكويت. عاد لالنجف بعد أشهر قليله خالي الوفاض, فانكب على دراسة اللغة العربية وفنونها, في العام 1918 شارك مع اخيه الأكبر في ثورة النجف ضد الاحتلال البريطاني, في العام 1920 اسهم واخيه كذلك اسهاما فعالا في ثورة العشرين, فحكم على اخيه بالاعدام الذي خفف للسجن وفي ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 زّج الإنكليز به في السجن بعد فشل الثورة, يقول السيد فالح نصيف الحجية في كتاب شعراء النهضة العربية ص 143 : عاد أحمد الصافي النجفي خلسة إلى العراق، وراح ينظم الشعر الوطني- يهاجم فيه الاستعمار والمستعمرين- حتى ألهب الحماس في قلوب العراقيين :

لئن أُسْجَنْ فما الأقفاصُ إلا *** لليثِ الغابِ أو للعندليبِ...

ألا يا بلبلاً سجنوك ظلماً *** فنُحْتَ لفُرقةِ الغصنِ الرطيب

في حين استطاع هو التخفي والتنقل من بلدة لأخرى. انتهى به الامر بالهرب إلى إيران وعكف هناك على دراسة اللغة الفارسية وعمل مدرسا للادب العربي في المدارس الثانوية في طهران، بعد عامين ترك التدريس واشتغل بالترجمة والتحرير في الصحف الإيرانية، عاد لـ العراق بعد 8 سنوات قضاها في إيران, لكن صحته تتدهورت بشكل سريع وتكالبت عليه الامراض المختلفة فنصحه الاطباء بالسفر لسوريا أو لبنان لاعتدال جوهما مما يعينه على الراحة والاستشفاء، وصل لسوريا في صيف 1930, فطاب له المقام فيها لسنوات طويلة. أمضى خلالها 46 عاما متنقلا بين سوريا ولبنان. لقد عاش حياة عجافاً، حياة ممزقة بين السقم واليتم والألم والحرمان حتى انشد قائلاً :

أسيرُ بِجسمٍ مُشْبِهٍ جسمَ مَيِّتٍ *** كأنّي إذا أمشي بهِ حامِلاً نَعْشِي

لقد عاش معاناة الغربة في السجن ووصفها بالغربة داخل الغربة لأنه سجن خارج وطنه فانشد قائلاً :

أري في غربةِ الإنسانِ سجناً *** فكيف بسجنِ إنسانٍ غريبِ؟
خصائص شعره

يُعَرف الشاعر أحمد الصافي النجفي بسيرته الشعرية والنضالية قيمة تراثية تستحق التأمل والانبهار في كل حين، وصفه عباس محمود العقاد بقوله: "الصافي أكبر شعراء العربية"
اعماله
غلاف ديوان هواجس

قام بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية ومن أثاره النادرة في هذا المجال ترجمته الرباعيات

ابيات مختارة

من أعجب العجب إنه لم يقم للصافي النجفي مهرجان تكريمي في حياته، رغم كثرة المعجبين وعظم مراتبهم، أو أمسية تكريمية في حياته، وقد تحايل عليه الكثيرون، لكن بلا طائل، لأنه لم يألف المجاملة. وحصل أن همس بأذنه أحد المعجبين، من الذين لا يعرفهم، قائلاً أنت «الطائرُ المحكيُّ والآخرُ الصدى» فاعتبر هذا مهرجانه، لخلوه من المجاملة والمحاباة وما إليهما، وعندها قال:

جاء مَنْ لم أعرفه، قال سـلامُ *** قلت مَنْ؟ قال مَنْ بشعرِك هامُوا

كان ذاك السلامُ لـي مهرجاناً *** مهرجاني على الرصيف يُقـامُ!

سُئل ذات مرة في لبنان عن أمير الشعراء فقال :

سألتـْني الشعراءُ أيـن أميرُهمْ *** فأجبـتُ: إيليـا بقـولٍ مطلقِ

قالوا: وأنت! فقلتُ :ذاك أميرُكمْ *** فأنا الأميرُ لأمةٍ لم تُخْلَقِ

عندما اشتدّ عليه المرض في السجن و?ان الإنجليز يعلّلونه ?ل يوم بأنهم أبرقوا إلي ح?ومة العراق يسألونها رأيها فيه، وقد مرّ عليه سبعة وعشرون يوماً وهو يستغيث من الداء وهم لا يسمحون بنقله إلي المستشفي، ولمّا اشتدّت عليه وطأة الداء أنشأ قائلاً :

سُجِنتُ وقد أصبحت سلوتي *** من السقمِ، عَدّي لأضلُعي

أعالجُ بالصبرِ برحَ السّقامِ *** ول?نّ علاجيَ لم ينجعِ

أتاني الطبيبُ وولّي سُديً *** وراحَ الشفيعُ فلم يشفعِ

و?م قيلَ مدِّدْ مدي الاصطبارِ *** ومهما عرا?َ فلا تجزع

و?م ذا أمدُّ مدي الاصطبارِ *** فإن زدتُ في مدِّه يُقطع

ول?نّهم صادفوا عقدةً *** بأمريَ تُعيي حِجي الألمعي

ح?ومةُ لبنانَ قد راجعت *** فرنسا لف?ِّي فلم تسطعِ

وراحت فرنسا إلي الإن?ليزِ *** تراجعُهم جَلَّ مِن مرجعِ

وقد راجعَ الإن?ليزُ العراقَ *** ولليومِ بالأمرِ لم يُصدَعِ

فقلتُ: إعجبوا أيّها السامعونَ *** ويا أيّها الخلقُ قولوا معي:

أمِن قوّتي صرتُ أم من ضعفِهم *** خطيراً علي دولٍ أربعِ؟!

بعد ثورة العشرين كان من الأشخاص المطلوبين للاعتقال والمحاكمة ثم الصادر بحقهم عقوبة الشنق، فقال في ذلك :

ولئن أُشْنَقْ تكنْ مقبرتي *** منبراً يعلنُ جرمَ الإنجليزِ

وذات مرة اعتقلته القوات البريطانية إثر وشاية ملفقة، وزجّته في السجن لمدة 43 يوماً تفاقمت إثرها حالته الصحية، وشارف على الخطر، لكن القائمين على السجن نقلوه تحت الحراسة إلى مستشفى سان جورج، ثم أعادوه إلى السجن حينما تماثل للشفاء فكتب في مدة سجنة تلك ديواناً كاملاً باسم حصاد السجن ومن ابيات هذا الديوان :

رمونا كالبضائعِ في سجونٍ *** وعافونا ولم يُبدوا اكتراثا

رمونا في السجن بلا أثاثٍ *** فأصبحْنا لسجنِهمُ أثاثا
وفاته

رحل عن الحياة في السابع والعشرين من شهر يونيو (حزيران) سنة 1977 في وهج الحرب الاهلية اللبنانية حيث اصابته رصاصة أطلقها عليه قناص في منتصف يناير 1976 وهو يبحث عن رغيف خبز يأكله بعد أن أمضى ثلاثة أيام لم يذق فيها الطعام, فحمله بعض المارة إلى مستشفى المقاصد, ولم يطل بها مكوثه لصعوبة الوضع القائم انذاك, فنقل إلى بغداد وقد كف بصره قبل عودته وأصبح مقعداً لابستطيع الحراك فلما وصلها انشد قائلا:

يا عودةً للدارِ ما أقساها *** أسمعُ بغدادَ ولا أراها.

وقال بعدها :

بين الرصاصِ نفدتُّ ضمنَ معاركٍ *** فبرغمِ أنفِ الموتِ ها أنا سالمُ

ولها ثقوبٌ في جداري خمسةٌ *** قد أخطأتْ جسمي وهنّ علائمُ

وهناك اجريت له عملية جراحية ناجحة لإخراج الرصاصة من صدره، ولكن العملية زادت جسده نحولا وضعفا فاسلم الروح بعد عدة ايام لبارئها وهو في "80" من عمره، بعد أن ترك تراثاً شعرياً خصباً، وترجمة دقيقة لـ رباعيات الخيام الخالدة.







________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 7:41 am


يكتب الشاعر الكبير احمد الصافي النجفي في ديوانه ( المجموعة الكاملة ) قصيدة
مطولة تشير الى عداء وسخرية واضحة وتقليل من قيمة المرأة بشكل ملفت . وفي
العالم الحر ، يكون لكل الناس الحق فيما يكتبون وبلا قيود . وكلما تحرر الانسان
قال وكتب مايشاء ، تلك أهم خواص المجتمع الجديد . لكن هناك حدود وضوابط حتى في
العالم الحر واوروبا التي تزدهي بالتحضر . هناك ضوابط منها ان لايكتب المرء
مايشهر ويضر بسمعة احد . ان لايكتب كتابات عنصرية .
وفي قصيدة شاعرنا سخرية واضحة بالمرأة تصل حد التمييز والهبوط الى درك سحيق
من الدونية لايتمناها لها الشعراء ولا الحكماء ولا ذوو العقل والحس الجميل
وعشاق المرأة بالدرجة الاولى الذين يؤكدون في كل مرة على انها : ريحانة المجتمع
وقمرالليل وشمس النهار ! المرأة الغالية الام والاخت والزوجة والبنت والحبيبة
والصديقة والرفيقة والزميلة في المدرسة والجامعة وفي العمل وكل مناحي الحياة .
هنا نجد ان المرأة في قصيدة الصافي على منزلة مرموقة علميا ووظيفيا : انها
دكتورة وعنوان القصيدة الدكتورة فلنر َ كيف عاملها الشاعر :

دكتورة والعقل منك بكل سخفٍ ملجمُ
علمت علما لاحجى
فالعقل ليس يعلّمُ
جاريتنا علما ولكن عقلنا متقدمُ
فالعقل منا اسلم
والخلق منا اقومُ

هنا بلا شك تفضيل وتمييز. وهذه ليست كلمة ً عابرة ً او شطحة ًشعرية ً جمالية ً
او انفلاتا وتشظيا في حالة كتابة متسرعة كما يحدث احيانا وينطلق من تحت يد
الشاعر كلام مستعر وجميل لكنه غير منطقي . لا ... الموضوع عند الصافي أكبر !
انه يؤكد ماذهب اليه في المقطع الأول :

العقل لاينمو بكم ، اطفال عقل انتم ُ
ما ان ظلمناكم ولكن الطبيعة تظلمُ
نقص بجسمكمُ وعقلكمو وخلق يحكمُ
فمن الطبيعة ظلمكم ومن الرجال ثأرتم

ان المرأة تتهم بالنقص في عقلها وجسدها وهذا بحكم الطبيعة ! ولو فكر الصافي
وسواه فأن جسد المرأة ارض خصبة كاملة اكتمالا رائعا وفاعلا . المرأة التي
يخصونها الحكماء بثلاث مرات من الاحترام مرة لأنها : مدبرة منزلها كما تدبر
أنشط نحلة شؤونها وانها مرة ثانية : العاملة في المصنع والوظيفة وانها ثالثة ً
: تحمل في احشائها جنين المستقبل . أين النقص ؟ ياأيها الشاعر الحبيب والكريم ؟
أين النقص ؟ ونضيف الخاصة الرابعة : هل هناك طبيعة جميلة لولاها ؟ هل نسعد
بأحلى شقائق المعمورة بدون شفاهها وبالشفق من دون وجناتها ،وهل الليل جميل من
دون خصلات شعرها وهل الصباح ساحر بدون محياها وهل القمر فاتن بدون خيالها وهل
النغم ناعم وهفهاف الاّ بخطاها.... أجمل عطور الدنيا لاتعادل احتضان الحبيبة
ولا رائحة الأُم . والخاصة الخامسة :هل هناك سرير دافئ ورغيد وعطير لولاها ؟ كم
من مرة يجب ان نحترم هذا البهاء والاشراق ؟ على أية حال سيأتي اليوم القريب
لتبتهج مدننا العتمى والبائسة بمصابيح ونساء رائعات يعززن بالمكانة السامية
دورهن ويسحرن الحياة بأقيام الجمال والكمال ياحبيبنا الصافي .
يستمر الشاعر الصافي في استطرادات وقدرات جميلة من حيث النسج الشعري :

قلتم مصيبتكم ببيت في فناه سجنتمو
فخرجتموا لم تبرزوا فضلا غداة خرجتمو
طيشا واغراءا طريق العابرين ملأتمو
كالخمر قد اسكرتموا من في الطريق رأيتمو
كم سائق ٍ سيارةً بلحاظكم دهورتمو
الحاظكم عثراتنا كم في خطا اوقعتمو
الهيتمو عن واجبات الناس حين عرضتمو
طفتم وواجب بيتكم في البيت قد خلفتم
لم تقعدوا في بيتكم الاّ غداة ولدتمو

التناقض هنا واضح في ان الشاعر يشير الى شكوى المرأة من السجن البيتي في بداية
هذا المقطع بينما يشير في النهاية الى :
لم تقعدوا في بيتكم الا غداة ولدتمو . وان النساء قد خلفن وراءهن واجباتهن في
البيوت ! .. ياترى أي فترة هذه من تاريخ العراق المشرقة قد تركت المرأة واجبها
ليشاركها الرجل العصري واجبها اثناء غيابها وهو في البيت . هل عرف عن الرجل
العراقي كونه جليسا للأطفال وهل هو معني بشؤونهم وكل التفصيلات اليومية الهائلة
. وهل حقا ان النساء لم يجلسن في البيوت الاّ لحظة الولادة ؟ ....
هناك طبعا من يناقض الصافي في آرائه من شعراء عديدين يتفقون مع مالخصه الشاعر
الزهاوي حين قال :

" سجنوهن في البيوت فشلوا ....
نصف شعب ٍ يهمُّ بالحركات ِ "

وبعد ذلك ماهذه الصورة الشنيعة والمطلقة للنساء اثناء الخروج من البيت ... هل
المرأة العراقية هكذا جمعا واطلاقا وقاطبة ؟ أي سن من العمر يقصد الشاعر ؟ ...
وهل يتكلم عن نساء مدينة محددة ؟ هناك العالمات والمثقفات والمتعلمات والمحصنات
والوفيات المخلصات لأزواجهن هناك الفخورات بانهن بنات عوائل . هناك النساء
الكبيرات السن الوقورات ! ماهذا التعميم على اسم امرأة . رحم الله الشاعر
القائل بيتا شعريا يجل المرأة ويمنحها حقها في انها رمز الواجب الانساني
والحنان الأخوي :

" خذوني للوغى معكم خذوني .....
ممرضة لجرحاكم حنونا "

ايضا يصور الصافي ومن دون ان يدري هشاشة الرجل في المقطع أعلاه رجل غير رصين
متعثر ، لمجرد ان يرى الحسن والبهاء فانه يتدهور حالا . وتعم الفوضى لمجرد مرور
امرأة او ان تسجل حوادث الطرق بالمئآت والآلاف لمجرد سير الاناث خارج الدار ،
وبعد ذلك لافضل لخروجهن الى الشارع . أي انه عاد وتمنى عليهن البقاء في الدار .

من انتمو لولا تغزلنا بكم من انتمو
لو لم يك ُ المجنون منا لم تكن ليلاكمو
صنم الجمال ، عبدتمو مهما نقل لايفهم
لافرق كالأصنام الاّ انه يتكلم
متكلم لايَفهَم ، لايُفهِمُ ، لايُفهَمُ

وتمنيت ان ترد صحفية اوكاتبة على مايقول ولكن بأحترام للشاعر واجلال لاسمه
المرموق ويكون كلامها على سبيل المثال مايلي : ياسيدي الكريم من الأثمن الانسان
ام الغزل ؟ ومن سبب الغزل سوى الجمال أي انني انا ( المرأة ) انسان ثمين وجميل
. وبعد ذلك ألآ تتفضل بتدوير البيت الشعري لتقول لولا ليلى لم يكن هناك مجنون
وفي السبب والنتيجة كمفهومين فلسفيين قانون جوهري يؤكد على ان السبب اولا (
ليلى ) والجنون ( المجنون ) ثانيا وأنت للأسف قلبت المعادلة . . هل تعتقد انك
وحدك الذي تمتلك حق القول وان قولك هو القول الفصل . فكر ياسيدي ( الرجل ) قبل
ان تطلق الكلام ... ها أنا جنس واحد من البشر لم تقوَ على التعامل معي فكيف
ستتعامل مع أطياف وألوان وأجناس من الناس في حياة التعدد واحترام الاختلاف في
الرأي والذوق وتنوع أصداف الفسيفساء الجميل للعراق والبشرية .. ها انت لم
تتحملني ( وأنا امثل امك وأختك وزوجتك وابنتك ) وتحدثت عني بهذه الطريقة
المهينة والمشينة وانت شاعر كبير وعالم في النسق والهارموني الشعري وانت اجمل
من يتغزل بالورد والنجم والشاطئ وانت ورفاقك الشعراء الرائعون تغردون بالكلمات
العذبة من قبيل " شوف الورود واتعلم ويه الحبايب تعرف تتكلم " وأنت الأدرى
بأجمل الكلام واطهر التعابير من قبيل " رفقا بالقوارير " . مالك يااستاذي
الشاهق تهبط بي وتهينني وتنزل بي الى درجة البهيمة هل حقا هذا قدري في نظرك .
الآ تعتقد ان عشرة قصائد اخرى من مثل قصائدك قد تسمم ذوق الشباب والرجال عموما
فبدلا من ان يسجنونا في ظلمات البيوت والحجرات ، يربطونا كالبهائم في الاسطبلات
؟ اهذا ماتريده ياسيدي الكريم ؟ ايها الغالي أما يجب ان تنتبه الى ان تطوير
المجتمع نحو العلم والعيش الكريم جدير بأن يرتقي بالمرأة الى مصافهما ويعطيها
دورا مشرفا في الحياة وان كرامة المرأة من كرامة الرجل والعكس صحيح ولو تجاوز
الرجل عنجهيته وشارك المرأة مشاركة فعلية في المحبة والمسؤولية لتقلص الفارق
بالثقافة وتعلمت المرأة وغدت مثالا للفخر وشريكا في بناء مجتمع وحضارة . من
يرضى يا أجمل شاعر عرفه القرن العشرون ان يقال بحقه انه لايفم ولايستطيع ان
يُفهِم ، وهو غامض لايُفهَم . وانه صنم ؟ اذن كيف نشأتَ انت من قام باحتضانك
والسهر عليك أمرأة ام جماد ( مع كل الاجلال للام الكريمة التي انجبتك ) من
أطعمك وقوى من عودك واعتنى بنظافتك وراقب كل حركة ونأمة في سكناتك وحركاتك . من
استيقظ كل ليل وكل فجر من اجلك ؟ النساء الرائعات ام الأصنام ام الرجال .
ياأيها الأب والأخ الكريم انتبه للألم الذي تسببه لأكثر الناس نشاطا في بيتك .
للعمال في الدار والذين هم النسوة . المرأة قد عرّفوها لكثرة ما ترهق في الدار
بأنها
( بروليتيره ) عاملة ، وان النساء هن الطبقة العاملة في المنازل . والرجل – عدا
اؤلئك الرائعين الذين قدروا واحترموا وساعدوا المرأة في شؤونها – الرجل ( عموما
وفي مدينتي ) يمثل البرجزة والآمرية والاستعلاء ، ولا أريد ان اتهمك بأحدى هذه
الصفات ياسيدي الجليل وان كان كلامكم يؤكد على ذلك .

كم عاقل بغرامكم وخداعكم جننتمو
العقل يهرب منكم يخشى انتحارا فيكم
الكون ليس يدار بالاغراء هل فكرتمو
قولوا هل الاغراء غاية علمكم ، لاتكتموا
ان كان ذا فلحكمة ضيق البيوت حبستمو
خوفا من الاغراء يلهي الناس ، قد حجبتمو

ان العجيب في الشاعر الكبير الصافي انه يتناول المرأة من زاوية واحدة ألا وهي
الاغراء فقط والعلاج هو الحبس . ولو عمم هذا على الكرة الأرضية لكان المشهد
ادعى الى الانتحار منه الى الحياة . المشهد نصفه سجناء لأنه غير عاقل ناقص في
عقله لاهم له سوى الاغراء . والنصف الثاني الحراس الذين يراقبون كل خطوة فاذا
ظهر وجه المرأة من باب دارها جوبهت بصفعة واذا ابتسمت من نافذة وضعوا الفلفل
على شفاهها وطرّزوه بابرة . واذا نظرت فعقابها بحجم اتهامها ! والسجن حسب
الصافي ادعى لها . هذا الحنان المسنن قد ثبّته الصافي ضمنا ، بينما هناك مقايسة
اخرى تمنح المرأة الثقة وكلاهما حقا وفعلا أي ( المرأة والثقة ) جديران ببعضهما
. ان المقايسة الاخرى هي ماقاله الشاعر جميل صدقي الزهاوي :

اسفري فالحجاب ياابنة فهر ....
هو داء في الاجتماع وخيم
كل شئ الى التجدد ماض
فلماذا يُقر هذا القديم
اسفري فالسفور فيه صلاح
للفريقين ثم نفع عميم
زعموا ان في السفور انثلاما
كذبوا فالسفور طهر سليم
لايقي عفة الفتاة حجاب
بل يقيها تثقيفها والعلوم .

ان المقياسين سيخضعان الى عوامل التطور الاجتماعي . ومتى كانت المرأة سيدة
نفسها ومتوازية في قوتها الاجتماعية والاقتصادية في وطن لا يستبد الرجل فيه
بالمرأة ويسيرها كما يسيّر أحد اتباعه ، في ذلك الوطن وفي تلك المرحلة ستختار
المرأة مايصلح لها فيما اذا وضعت حجابا أم درعا فولاذيا ام تاير تراكتور ام
سلسلة مجنزرة . هي حرة ! واذا استجابت الى الزهاوي في دعوته فهي حرة ايضا
وسيكون القانون معها. ولكن كل القوانين الانسانية لا تقوى على منع مجنون ما او
جاهل ليعتدي في لحظة ما على امرأة ، ليخنجرها او يطلق عليها الرصاص او يفخخها
تفخيخا . لماذا ؟ لأنه غيور على شرفة وان الحرية شئ لايجب ان تمارسه المرأة
بارادتها ! وهنا توكل المسألة برمتها الى شجاعة المرأة وقوتها وتحديها للسائد
والمطلوب والمأمورة هي به .
ولم يكتفِ الصافي النجفي بما ورد اعلاه بل ذهب الى ماهو خطير :

غلط الطبيعة انتمُ ومصححوكم قد عموا
البيت يستر نقصكم عودوا له ، او تندموا

الطبيعة لم تغلط ( من ناحية المفهوم المادي للخليقة ) بأن ذكّرت وأنّثت ،
والطبيعة لم تخطأ ( وفق الفهم المثالي الروحاني ) بان حل عليها "من كل زوجين
اثنين" . وان الصافي هنا يخطّئ قدرا ماديا من جهة و ( خلْقا الآهيا ) من جهة
اخرى . هكذا يبدو الحال في التحليل ولو انه – ربما - لم يكن يعني الجانب
الايماني .
مرة اخرى : هل المرأة غلط الطبيعة ؟ ياللعجب . اية روح واي عقل كاره لكائن اسمه
المرأة ! :

كانت انوثتكم ، بها وحي لنا ، يستلهم
واليوم روح الوحي زالت عندما استرجلتمو

الى أن يقول :
انثتموا بعض الشباب لطول ماعاشرتموا
لم تظفروا برجولة فمسختموا ومُسختموا
لو مر قابيل وهابيل بكم انثتموا
لم يعلنا حربا وقد صارا اناثا منكمو
لو مثلكم حواء طلّق آدمٌ حواكم ُ

ان ذات الشاعر هنا مركز الاهتمام ، فهو الخاسر اذ كان سابقا يستلهم من الانوثة
واليوم استرجلت المرأة وتغيرت واحالت كل شئ الى خراب وهي أجدر بالطلاق .
والقصيدة في النهاية :
- تصور المرأة ناقصة العقل غير مسؤولة ، خاملة تاركة لواجباتها ، عامل اغراء
بالخروج عن جادة الصواب . وهي مسترجلة وفي تضاعيف القصيدة ابيات عديدة اخرى
لابد للقارئ ان يعود لها ليجد النزق والطيش والصفات غير السوية المتصلة بالمرأة
واخيرا هي غلط الطبيعة .
- لو يتاح للقصيدة ان تترجم الى اللغات الاوروبية مثلا لخرجت اوروبا عن بكرة
ابيها لا بمظاهرات اللطم على الخدود والصدور بل بالزناجيل ! والقامات
والدونكيات والصوندات والقماجي والقنا والقضب والبوريات والبوتاز والطرقات
والشخاط رحلو وقناني الغاز والسيارات المفخخة ! لأنه لايعقل بتاتا او ( باتا او
زبلوق ) لايهم ! ان يتفضل احد اعمدة الحضارة بهكذا وعي !
والذي زاد الطين بلة ان الدكتورجلال الخياط المقدم للمجموعة الكاملة قد همّش
تحت القصيدة سطورا هي محاولة طيبة منه لتخفيف اثر ( القصيدة - الاساءة ) . كتب
الدكتور :
" لاشك ان الطرافة قد أملت على الشاعر هذه القصيدة ، فالصافي لاينكر دور المرأة
في الحياة واسهامها في بناء المجتمع ، كما نجد في قصائد له كثيرة ، ولكنه ينحو
هذا المنحى في مجموعته الجديدة وهو هنا لايهاجم المرأة ، ولكنه يخص المسترجلة
وحدها ، ولذا نراه يلغي نون النسوة، أما العنوان الغريب فربما يكون لأن طبيبة
ما قد فرضت عليه نظاما صارما للشفاء من مرض ألم به . ومما يعرف عن الشاعر انه
يضيق بالارشادات الطبية والأدوية وما اليها وخاصة بعد ضعف اعترى عينيه ، وقد
تصلح هذه القصيدة ان تفتح باب الحوار ثانية للرد عليها وبيان دور المرأة الفعال
في الحياة . وللأمانة العلمية وحفظا لتراث الشاعر ، لم نشأ ان نحذف منها شيئا ،
والصافي لم يكن ، كما نعتقد ، جادا فيما ذهب اليه ، فهو يحب ، في كثير من
الأحيان ان يخلط الجد بالهزل ؟ . "
- يقول الدكتور انه يخص المرأة المسترجلة ! بينما العنوان الدكتورة .
- اذا كانت الدكتورة هي التي فرضت عليه التزاما وشروطا في الدواء والتعليمات
فلماذا اذن الهجوم عليها بهذه الطريقة ؟ بدلا من الاحترام لمكانتها العلمية
ودورها الانساني ؟ اليست التعليمات الطبيبة صادرة عن رجاحة عقلها ؟ لماذا ننزل
بها الى هكذا مستوى ؟ .
يقول الدكتور لم نشأ ان نحذف من القصيدة شيئا ! لماذا تحذف يا أيها الدكتور هل
القصيدة ضد المرأة ؟ لقد قلت انها ضد المسترجلات أم أنت ياسيدي الدكتور تبرر
الأمر فحسب ؟
تقول يادكتور ان القصيدة مدعاة للرد عليها حتى تبين دور المرأة الفعال في
الحياة !!!! لماذا؟ ! .. الصافي كما تقول لم يقصد المرأة فلماذا ندافع عن دورها
الفعال . هل نحتاج ان نقول مرة اخرى ان شجرة التفاح تنتج تفاحا . ان كلمة امرأة
كافية للدلالة على الخصب والنشاط والحياة .
تقول ياسيادة الدكتور ان الصافي لاينكر دور المرأة الفعال واسهامها في بناء
المجتمع لكن انظر في ص 46 من المجموعة الكاملة قصيدة بعنوان معاشرة النساء :
ولايستطيع المرء والغيد معشرا
اذا لم يُنقّص عقله ، كالمغفلِ
فان يبق في عقلٍ سخرن بعقله
ويلقَ احتراما ، ان جهلنَ ويجهل ِ
الى ان يقول :
ومن تكتمل في العقل تفقد انوثة ً
فلا تستطيع العيش معْها بمنزل ِ
فتلقي عليك الدرس في كل لحظة
كاستاذة تلقي لطفل ٍ مغفل ِ
الى أن يقول :
اذا سار زيد جنب هند ، يلوح لي
على وجهه نقص الحجى والتأمل
يسابقها في الطيش جلبا لعطفها
مطيع ، متى تأمره كالعبد ، يفعل
اشاهد ( مأوى للمجانين ) سائرا
لأنهما سارا بعقل معطل ِ
مع العقل تمشي ام مع امرأة فان
تحاول بجهد جمع هذين تفشل ِ
عدوّان منذ البدء ، عقل ٌ ومرأة ٌ
وان لم تصدّقْ فالق َ آدم واسأل ِ

اذن ياأيها الدكتور الفاضل ! : هذا هو الصافي .. او ان جانبا منه هكذا ...
واترك لسواي ان يقرأ كل شعره في ديوانه ( 740 ) صفحة ويتجشم مشقة ايجاد ابيات
نصيرة للمرأة عساها تردعلى الصافي ذاته في تناوله القاسي والساخر، وسيكون
متفضلا لو وجد حبا واحتراما واكبارا لدور المرأة . وماذا نريد سوى ان نحترم
ونحب في حياة أسمى ما نتطلع فيها الى التقدير والتوقير لبعضنا البعض . ومن اجل
الأُم الارض ، والأرض الأُم سنعمل ونتفانى ونجل ونسمو بالمحبة .
واخيرا لابد من تراث شعري وفكري يشكل ارضية خصبة لتربية الاجيال على حب واحترام
الكائن المشمس والمقمر في آن الآ وهو : المرأة . ولو بقي الحال على التمييز فلا
قائمة تقوم لنا الاّ في سوق الهرج، اوحيثما ضاعت (" البطة ") في سوق الصفافير .

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 7:43 am

فمن هو أحمد الصافى النجفى الشاعر والإنسان؟

يقول جعفر الخليلى عن أصل عائلة الصافى فى الجزء السادس من كتابه «هؤلاء عرفتهم» بأنَّ أصلها يعود إلى السادة العلويين الذين يرجع تاريخ وجودهم فى العراق إلى القرن الرابع الهجري. وقد نزلوا فى نواحٍ متعددة من العراق شأنهم شأن آبائهم وأعمامهم من العلويين الذين كان يطاردهم الأمويون والعباسيون وينكلون بهم. الأمر الذى اضطر الكثيرين منهم للاختفاء بين القبائل ويغيرون نسبهم.

لندع النجفى يتحدث هو عن سيرته وعن التموجات والأحداث التى تكونت فيها شخصيته كإنسان وشخصيته كشاعر. وهو حديث أجراه معه الأديب السورى زهير الماردينى فى كتابه «أحمد الصافى النجفي» الصادر عن دار الريس.

يقول النجفي: «وُلدت فى بلدة النجف سنة 1897 فى اسرة علمية دينية من ناحية الأبوين. فإنَّ أبى السيد على الصافى ورث دراسة العلم الدينى عن أجداده حتى الجد السابع السيد عبد العزيز الذى كان أول مَنْ سكن فى النجف. وقد قدم إليها من مشيخة «المحمَّرة». وهو من أسرة علمية كبيرة تقيم هناك تُدعى آل أبى شوكة. وقد أقام فى النجف وشرع فى دراسة العلوم الدينية حتى أصبح من كبار مجتهدى عصره. وكان له فضلاً عن العلوم الدينية، علوم بالأنساب، حيث يروى عنه بعض معاصريه قائلاً:»... السيد عبد العزيز النسَّابة». أما جدِّى لأمِّى فهو الإمام الشيخ محمد حسين الكاظمى أكبر علماء عصره. وله ترجمة مفصلة فى كتاب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» للعالم المؤرخ آغا بزرك الطهراني. ويذكر له عدداً من المؤلفات من بينها كتاب هداية الأنام وهو فى علم الفقه ويقع فى بضعة مجلَّدات. والشيخ «محمد حسين» هذا ينتمى إلى أسرة آل معتوق اللبنانية التى تعيش فى بلدة الزرارية من قضاء صور. وقد قدم إلى النجف طلباً للعلم. لقد تعلمت شيئاً يسيراً من قراءة القرآن الكريم على يد (الشيخة) أولاً، ثم تعلمت الكتابة، وأكملت قراءة القرآن الكريم فى (الكُتَّاب). وكنت على صغر سنِّى أنوب عن المعلم فى إعطاء درس الخط للتلاميذ. وقد توفى أبى فى وباء الكوليرا الذى اجتاح العراق، وكان سنِّى يقل عن عشر سنين (سنة 1907)، فكفل العائلة أخى الأكبر محمد رضا الصافي. ثم خرجت من الكُتَّاب واقتفيت سيرة آبائى فى دراسة العلوم القديمة، فدرست الصرف والنحو والمنطق والمعاني، والبيان، وأصول الفقه الإسلامى على يد عدد من الأساتذة. وكان من أعظم أساتذتى العلاَّمة المجتهد الأكبر السيد أبو الحسن الأصفهاني. كنت ضعيف البنية منذ الطفولة. وقد تقدمت فى تلك العلوم لدرجة جعلت الكثيرين يأملون أن أكون خلفاً لجدِّى لأمِّى الشيخ محمد حسين الكاظمي. ولمَّا كنت ضعيف البنية منذ الطفولة، فقد كانت العلوم المعقدة ترهق أعصابي، مما أدى إلى إصابتى قبل الحرب العالمية الأولى بضعف عصبى شديد، جعل الأطباء يشيرون على أهلى بأن أمتنع عن تلك الدروس وأكتفى بالمطالعة بقصد التسلية فقط. فاتجهت منذ ذلك الحين إلى قراءة الأدب القديم والحديث، وقبلت بنهم على مطالعة الصحف والمجلات والكتب العصرية حيث رأيت عالماً جديداً، وآفاقاً واسعة تتجلَّى أمام عيني. من أهم المجلات التى تتلمذت عليها حين ذاك «المقتطف» و»الهلال». ومنذ ذلك الوقت وأنا أواصل قراءة كل ما يجد فى الثقافة العصرية سواء كانت علمية أو أدبية أو سياسية، كما رحت أواصل قراءة الصحف يومياً وكأنها فرض واجب عليَّ، رغبة منى فى الاتصال بكل ما يجد فى العالم. مطالعتى للصحف والمجلات فى سن باكرة، وتعرُّفى إلى الحياة العصرية، جعلتنى أشعر بواجبى نحو بلادي، لا سيما وقد احتلَّ الإنكليز العراق فى ذلك الوقت. فما كادت تضع الحرب أوزارها حتى تفاهمت مع عدد من شباب النجف وبعض رجالها، وفى طليعتهم رفيقى الذى كنت ألازمه سنوات، رغم أنه أكبر منى سناً وعلماً، وهو المرحوم الشيخ محمد رضا اشبيبى رئيس المجمع العلمى العراقى سابقاً. وكان من رفاقى المرحوم سعد صالح، الذى شغل وزارة الداخلية فيما بعد. تفاهمت مع الشبيبى وسعيد وغيرهم على أنه من الضرورى أن نغتنم فرصة الاستفتاء المقبلة على مصير العراق بناءً على مبادئ الرئيس الأميركى ويلسون الأربعة عشر.

حيث أخذت بذور الثورة تسرى فى العراق سريان النار فى الهشيم حتى اندلعت لأول مرة فى بلدة الرميثة، ثم امتدَّت إلى معظم أنحاء العراق..

وهنا أصبحت الاجتماعات فى بيتنا علنية من قبل الزعماء والضباط الذين كانوا يساهمون فى توجيه الثوار. وقد كان ذلك فى أوائل أيلول (سبتمبر) سنة 1920. وبعد أن استمرَّت ستة أشهر، ساق الإنكليز قوة كبرى، اضطر الثوار على أثرها إلى الانسحاب من مواقعهم متَّجهين إلى جهة الكوفة.. وعندما أصبحنا نسمع المدافع تطلق بين ذى الكفل والكوفةعقدنا أنا ورفيقى سعيد صالح ورفيقان آخران، اجتماعاً قررنا على أثره مبارحة العراق حتى نرى كيف ستتطور الأمور..

ولمَّا حدثت ثورة رشيد عالى الكيلانى فى العراق، وكنت حينذاك فى لبنان، بادرت إلى المساهمة فى تأييد الثورة برغم ما كنت أعانيه من أمراض. فكنت على رأس مظاهرة طلاب الجامعة الأميركية فى بيروت ثانى يوم قيام الثورة. كما كنت أتعاون مع بعض العناصر القومية فى لبنان بإرسال متطوعين إلى العراق. وعندما انتهت الثورة وأعقبتها حرب فيشي، وقرب الإنكليز من لبنان، فرَّ اصحابى الذين كانوا يتعاونون معى إلى برلين وروما، أما أنا فلم أكن أستطيع الفرار. ولذا اعتقلنى الإنكليز لدى دخولهم إلى لبنان ووضعونى وديعة فى سجن الفرنسيين فى غرفة على سطح إدارة الأمن العام الفرنسية، تمهيداً لنقلى إلى معتقل الميِّة وميِّة. وبعد أن مرَّ على سجنى شهر ونصف شهر نقلت عند اشتداد مرضى إلى مستشفى سان جورج، وتوسطت حكومة العراق عند الإنكليز للإفراج عنِّى فخرجت من السجن.

هذا موجز من تاريخ حياتي. أما من ناحية الشعر فقد قدَّمت منه حتى الآن للمكتبة العربية عشرة دواوين مطبوعة بالإضافة إلى دواوين أخرى معدَّة للطبع.

وهكذا تظهر بلسان الشاعر عناصر سيرته التى تكوَّنت فيها شخصيته كشاعر وكإنسان.

وحين أصبح النجفى شاعراً معروفاً بدأ حياة جديدة. وحدَّد طريقه لسيرته مختلفاً فيها عمَّا كان عليه الأمر فى بدايات حياته. وقد أمضى الجزء الأكبر والأهم من حياته حتى وفاته بين دمشق وبيروت. جاء إليهما قادماً من طهران كما يقول فى عام 1930. وكانت مقاهى دمشق «الهافانا» و»الكمال» و»الروضة» الأماكن التى كان يقضى فيها معظم وقته. إذ كانت تلك المقاهى لزمن غير بعيد ملتقى الشعراء والأدباء من كل المدارس والاتجاهات. وكان ذلك شأنه فى بيروت. فكان يتنقَّل بين المقاهى الواقعة وسط العاصمة «فلسطين» و»فاروق» حيث كانت تنتشر المكتبات وكان ينتشر روادها من الأدباء والشعراء، وبين مقهى «الحاج داود» و»مقهى البحرين» على شاطئ البحر الذى أصبح اليوم ملتقى عدد من الفنادق الكبيرة العامرة مثل «الفينيسيا» و»السان جورج»، أم تلك التى يجرى بناؤها مكان فندق «النورماندي» القديم الذائع الصيت.

على أن شاعرنا كان قد بدأ يكتب الشعر منذ شبابه الأول. وفى ثلاثينات القرن الماضى أغوته فكرة المغامرة فى ترجمة رباعيات الخيام إلى العربية. لكنه كان بحاجة إلى تعلُّم اللغة الفارسية وإتقانها وإلى الغوص فى الأدب الفارسى وفى الشعر خصوصاً. وهذا ما فعله. فضلاً عن أنه أعاد قراءة العصر الذى عاش فيه الخيام لكى يستطيع أن يدخل بعمق فى تلك الرباعيات ويحاول فهم أبعاد ومقاصد الخيام فى كل فكرة أو صورة، لكى يتمكن من فهم الإشارات التى تدل على تلك الأبعاد والمقاصد. ويروى النجفى معاناته والمخاوف التى واجهته وهو يخوض تلك المغامرة من دون أن يستولى عليه القنوط.

وهكذا خرجت رباعيات الخيام إلى العربية بجهد الصافى النجفى كواحدة من الترجمات الأولى. لكن النجفى اضطر للاعتراف بأنه، إذ صادف صعوبات فى فهم بعض المعاني، فقد تصرَّف تصرُّفاً محدوداً فى الترجمة آخذاً فى الاعتبار ضرورة أن تكون الترجمة شعراً لكى تصل إلى القارئ العربى فى صورة رباعيات شعرية لا نثرية. ويبدو من حديث النجفى عن أصداء ترجمته لرباعيات الخيام أنها قوبلت بالتقدير من قبل أدباء فرس ومن قبل أدباء عرب.

أما شعر الصافى النجفى فقد تميَّز ببساطة اللغة ومفرداتها. إذ هو كان يريد أن يوصل إلى القارئ العادى أفكاره ومشاعره ونقده الساخر واللاذع للتقاليد ولسياسيى بلداننا ولسياساتهم التى كانت توغل فى الفساد والتخلف والقمع وتعيد بلداننا إلى الوراء فى كل الميادين. يقول فى إحدى قصائده التى ينتقد فيها بعض الذى كان سائداً فى وطنه:

وطن سراجين الذئاب تسوسه

مـاذا يـدر لشــعبه تـقـديســـــه

وطن تطير من الأسى أرواحه

وتثور من جور الطغاة نفوسه

وكان النجفى قد أدخل السجن بعد انتصار الحلفاء فى معركة لبنان ضد جيش فيشى الفرنسى الذى كان تابعاً لهتلر (1941). والتهمة التى كانت موجهة إليه أنه كان واحداً من الذين أيَّدوا ثورة رشيد عالى الكيلانى ضد الإنكليز فى العراق (1940). وهى الثورة التى اعتبر قائدها الكيلانى من أنصار هتلر. وقد جرت يومذاك محاولات للإفراج عن النجفي.

على أن سيرة هذا الشاعر لا تختصرها كلمات قليلة. فهو قد عاش من عام 1897 حتى عام 1977. وهو عمر مديد. لكنه عمر حافل بكل صعوبات الحياة وزهد العيش متنقلاً بين العراق وسوريا ولبنان.

هذا هو أحمد الصافى النجفى الذى استمتعت على مدى أعوام النصف الأول من الخمسينات فى الجلوس معه برفقة عدد من أصدقائى من أدباء تلك المرحلة، وفى مقدمتهم حسين مروة ورئيف خورى وعبد اللطيف شرارة وعبد المطلب الأمين. وكان ذلك فى مقاهى “فلسطين” و”فاروق” و”الحاج داود” و”البحرى”.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 7:44 am

منذ مدة، بات هناك ما يمكن وصفه بـ»هجر» للشعر الكلاسيكي المعاصر، وبات نادراً ما تتوفر أعمالهم في المكتبات، وهناك قلة قليلة من الجيل الجديد، يقرأون هذا النوع من الشعر، من الياس أبو شبكة إلى بشارة الخوري (الأخطل الصغير) ورشيد أيوب والمعالفة واحمد شوقي وخليل مطران وحافظ ابراهيم وحتى الجواهري وسعيد عقل. وفي هذا الإطار، يكون جهد محمد مظلوم في إعادة تسليط الضوء على الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي (1896- 1977) في «الغربة الكبرى لمسافرٍ بلا جهة/ دراسة ومختارات من شعر أحمد الصافي النجفي»(قريبا عن منشوارت «الجمل«) كأنه محاولة لكسر نمطية هجران الشعر الكلاسيكي، وحسب ما يتوصل اليه مظلوم أن الصافي النجفي لم تحظَ تجربته بدراسة نقدية رصينة تتناسب مع أهمية إنجازه الشعري، ودوره في مسار تطوُّر القصيدة العربية وانتقالها من مرحلة التقليد إلى حقبة التجديد، فأغلبُ الكتب المتوفِّرة في المكتبة العربية، والتي تدور حول تجربته وشعره، هي من نوع الشهادات الشخصية، عن سيرة الشاعر، كما أنَّ قسماً كبيراً من تلك المؤلفات يعتمدُ بشكل أساسي على استذكارات شخصية، ولقاءات مع الشاعر، يستعيدها عددٌ من مريديه وقرَّائه وأصدقائه. وإزاء ندرة الكتب النقدية، التي تقارب تجربة الصافي النجفي الشعرية، مقاربة فنية ثقافية شاملة، وتحاول الإحاطة بعوالمها المركَّبة، والكشف عن بنيتها المضمرة، بقيَ هذا الشاعر في عزلة من نوع آخر. وكما حرص هو دائماً على هجران الناس، وإنكار النقاد وهجوهم، ها هم يقتصُّون منه بشكل آخر معاكس، أو لعلَّهم لا يجرؤون على المغامرة لتفحص أرثه رغم رحيله، ربَّما فَرَقاً من ذلك العالم صعب المراس والقياد الذي تعيش فيه قصائده، العالم الذي يبدو عصياً وغريباً رغم بساطته. وما يقوله مظلوم فيه جانب كبير من الحقيقة، في المقابل هناك بعض الدراسات النقدية عن النجفي نافدة من دور النشر والمكتبات، وغيابها عن التداول يرتبط من دون شك بتراجع الإقبال على الشعر عموماً، والشعر الكلاسيكي(المعاصر) خصوصاً. فاذا كان الشعر في دائرة الانحسار، فكيف يكون الأمر في الدراسات عنه؟!

يحاول محمد مظلوم في هذه الدراسة، وكذلك المختارات الواسعة من أشعاره، لفتَ الانتباه إلى أهمية اختراق تلك العزلة الأصعب والأكبر: «عُزلة الشاعر بعد موته، بعد عُزلته الكُبرى في حياته». كما يحاولُ الإضاءةَ على المناطق الأشدِّ عتمةً في تجربته في التمرُّد والاغتراب والانشقاق والعصيان ورفض التلقينات الأبويَّة في الثقافة والوعي والحياة بشكل عام، وتقصي فرادته في ذلك، وهي فرادة صادرة عن وعي أخلاقي وإحساس عالٍ ونادر بالحرية الإنسانية.

ولا شك أن تجربة النجفي وسفراته ورحلاته المتعددة تدل على أركان شعره، فهو ولد عام 1897 في النجف في أسرة دينية حجازية في الأصل، توفي والده بالكوليرا التي عمت العراق عام 1907. كان النجفي ضعيف البنية أرهقته الدراسات، فأصيب ببعض أنواع العصاب أي الانهيار العصبي الشديد، فأشار الأطباء عليه التوقف عن متابعة الدروس، فاتجه إلى المطالعة في الأدب القديم والصحف والمجلات مكتسباً معلومات ثقافية واسعة. أخذ ينشر مقالاته في مجلتي «المقتطف» و»الهلال» المصريتين. ويروي في سيرته «قبل انتهاء الحرب العالمية بسنة واحدة رغبت عن لباس المشيخة وبالتالي عن البقاء في مدينة النجف، فهربت مع رفيقي السيد محمد علي كمال الدين، قاصدين البصرة للاشتغال فيها، وقد اخترنا في طريقنا خطوط الحرب بين الأتراك والانكليز من جهة وكدنا نمسك بيد الأتراك بتهمة التجسُّس». خلع النجفي «لباس المشيخة» مُبكراً وترك مدينة النجف في رحلة عاثرة إلى إيران لم تدم طويلاً خلال الحرب العالمية الأولى. وعندما عاد إلى مسقط رأسه وجدها قد سقطت بيد الإنكليز، واشتعل حماسة في مقاومة المستعمرين معولاً على ثورة الشريف حسين. وكان بيته، في مدينة النجف، مقراً للنضال يلهب فيهم ويؤجج سنا الثورة شعراً وفعلاً. وبعد أفول الثورة وهزيمتها نصبت له الأعواد لشنقه، فأدركه الخبر، وسرعان ما غادرها ثانية إلى إيران. وحين عاد بعد ثماني سنوات وجد إرث الثورة قد جرى اقتسام سهامه، معاصروه وأقران ممن عاصروا الحقبتين كالزَّهاوي، والرّصافي، والجواهري، والشبيبي، وعلي الشرقي، أصبحوا نواباً في مجلس الأعيان، وانخرطوا في المؤسسات الناشئة آنذاك، في حين اضطرَّ من جانبه إلى العيش في المنفى. وبما أن لكلِّ ثورة في العراق ضحيَّةً شعرية من طراز رفيع، فقد كان الصافي النجفي ضحيَّة ثورة العشرين بامتياز.

لم يسكت النجفي أو يهدأ في مواجهته الانكليز، الذين كانوا يحكمون البلد، وراح ينظم شعرا «وطنيا» أثار حافظة الانكليز، الذين اعتقلوه، حيث قضى أربعين يوما في السجن الانكليزي كانت حصيلتها مجموعة شعرية سماها «حصاد السجن». فكان لهم ما أرادوا وله ما أراد:

سجنت وقد مرتْ ثلاثون حجةً من العمرِ فيها للسجونِ تشوّقْتُ

سعى «دعبلٌ» للسجنِ طولَ حياتِه فخابَ، وفي المسعى لسجني توَفّقْتُ

ونفي إلى بيروت، ومنها عاد مجددا إلى العراق، ويروي البعض أنه قبل تراب عراقه بشوق ولهفة، ولكنه لم يلبث أن أصيب بمرض عضال، نصحه الأطباء أثره بالسفر إلى بلاد أقل حرارة وألطف جوا، وهكذا كان حيث ترك بلاده متوجها إلى سوريا ولبنان «حيث الجو معتدل والطبيعة حافلة بالمجاذبات»، كما سوف يقول بعد ذلك بنصف قرن، حين راح يروي ذكرياته عن تلك المرحلة.

وصل النجفي إلى دمشق في العام 1930، ومنذ استقر فيها، جعل من مقهى «الهافانا» الثقافي محطته الدائمة. ولقد طابت الإقامة للشاعر في دمشق يومها وصارت العاصمة السورية بالنسبة إليه «جنة الخلد«. أما حياته في هذه المدينة كما يقول أصحابه في تلك الفترة فكانت اقل من متواضعة. فهو لدى مغادرته المقهى كان يقصد «بيته» الذي كان عبارة عن غرفة ملحقة بأحد الجوامع قرب سوق الحميدية.

كانت صور النجفي في دمشق، صورة «الشريد» الذي لا أهل له أو وطن، نزيل الفنادق والمقاهي والغرف القديمة الباردة، ولأن المسافة قصيرة بين دمشق وبيروت كان النجفي يستغل أية مناسبة للمجيء إلى لبنان، مع التذكير ان والدته من منطقة صور اللبنانية. سوف يمضي في لبنان الشطر الأكبر من حياته، حيث سكن مدنه وكتب عنها بدءاً ببيروت مروراً بطرابلس فبعلبك وصيدا وجزين وانتهاء بصور. ومع أن النجفي الآتي من العراق، لم يطق ضجة بيروت ولكنه استعذب بحرها، فكان يخلو إلى مقاهيها الشعبية البحرية، ولا سيما إلى مقهى الحاج داوود الذي قتلته تحولات المدينة ومزالق الحرب الأهلية. كان النجفي يجلس جلسة مزاجية، ويأوي مساء إلى غرفة شديدة التواضع تقع بالقرب من مستشفى «أوتيل ديو». وفي أثناء مرضه نادرا ما كان الصافي النجفي يعرض نفسه على الأطباء. ولولا بعض أصدقائه، ما كان دخل المستشفى يوما.

في المقلب الآخر يروي جعفر الخليلي في كتابه «هكذا عرفتهم» أن النجفي كان يتنقَّل من مدينة إلى مدينة في جنوب لبنان، بدءًا بمدينة صور التي لم يحبها، مروراً بصيدا التي أقام فيها فترة من الزمن. وفي صيف العام 1958، وتحديداً «فندق طانيوس» شمال صيدا، وكان لبنان يحترق في أتون احداث 1958، والفندق خال إلا من رجل نحيل القامة غريب الاطوار عرف انه شاعر، ولأن صاحب الفندق يحب الشعراء ويتعاطف معهم، سمح له ان يقيم كضيف ونزيل وحارس في الوقت نفسه. وهكذا إذ وجد الرجل نفسه وحيداً في الفندق والنيران تحتدم في لبنان، لم يجد أمامه إلا أن يكتب الشعر، فكتب قصائد كونت ديواناً حمل اسم «الشلال». ورغم تنقلات النجفي في البلدان والمدن فهو بقي محافظاً على زيه البدوي، الكوفية والعقال، والعباءة وما يختفي تحتها، ويقول خليل برهومي في كتابه «شاعر الغربة والألم»: للصافي مظهر ينفر، وجوهر يحير، كان دائما يظهر بمظهر واحد لا يتغير في أيامه ولياليه. كوفية عراقية بالية، وجلباب مهتري ريم، ونعل بال قديم. أنه «البدوي الذي يسعى إلى أن يكون نبيَّاً»(محمد مظلوم)، بعد أن يغمر الطوفان كل شيء إزاءه، ولذلك كان بأسه أقوى من بؤسه، فهو القادم من الصحراء، إلى مدن البحر، والحجر، ولكنَّه ظلَّ متمسكاً بزيِّ الأعراب، متوَّجاً بعقاله، في وقت تحولت فيه الرؤوس إلى «حاسرة، والسيقان المضمومة تحت الثوب القديم غدت منفرجة في البنطال»، وهذا بحسب محمد مظلوم تعبير إضافي، عن الشخصية الاستبطانية، والمزاج المختلف، وإشارات ظاهرية للتأكيد على تمايزه عن محيطه.

بدأ المنفى المركب في حياة الشاعر من الحلقة الأكثر حميمية ودفئاً: العائلة، فنشأت غربته من هناك! حيث كان أهله يسمُّونه وسط أفراد العائلة بـ»العجمي» وينادونه بهذا النسب الغريب،

غريباً لدى أهلي أُعَدُّ من الصِّبا ولمْ آتِ لولا غُربتي بِغَريبِ

يسمُّونني بالأعجميِّ لغُربتي فما كنتُ من أفهامِهم بقريبِ

عاش النجفي غريباً داخل نفسه وغريباً بين أهله وعشيرته، فكتب أجمل قصائد الغربة، والمعاناة من السجن التي وصفها بالغربة داخل الغربة. وخلال وجوده في إيران، صار أكثر ميلاً إلى التأثر بتجارب عدد من «الشعراء المنزوين» كما يسمِّيهم.

كانت رحلة الصافي «المذعور مما حوله من نكبات وقبح وإنكار، تستدعي أن يجتاز المضيق مموَّهاً بحرَّاسٍ أقوياء»، فكان كلٌّ من المعري والمتنبي قناعي التمويه في ذلك الاجتياز الصعب، فالمعري صنوه في العزلة، وفي السيرة الشخصية لكلٍّ منهما تشابهٌ ظاهرٌ، فكلاهما لم يتزوَّج، ولم ينجب لدوافع فلسفية وجودية، وكلاهما «رهين محبسين» أو ثلاثة سجون حيث يقول المعري:

أَراني في الثَلاثَةِ مِن سُجوني فَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ النَبيثِ

لِفَقدِيَ ناظِري وَلُزومِ بَيتي وَكَونِ النَفسِ في الجَسَدِ الخَبيثِ

أما النجفي فهو رهين محبسين معاصرين: «ضنى وفقر» وسجن ثالث حقيقي وليس مجازياً:

رهينُ المحبسينِ: ضنىً وفَقْرِ وأُسجنُ؟ جلَّ ذلكَ مِنْ نصيبِ

أما التماهي مع المتنبي، فيبدو أكثر كثافة، بفعل متانة عناصر الدمج، والتفاعل بين الشخصيتين، رغم تباعد العصر بينهما، فكلاهما شدَّ الرحال في وقت ما من حياته إلى شرق البلاد وغربها: إيران والشام، وإن اختلفت بينهما المطامح أو المطامع كما يسميها النجفي:

إنَّ عندي روحَ النبيِّ، ولكنْ ليسَ عندي مطامعُ الْمُتنبِّي.

لقد جمع الصافي في رحلة تماهيه المزدوج هذا، بين زهو المتنبي وكبريائه، وترفُّعه، وقلقه، وبين زهد المعرِّي، وعزلته.

شاعر آخر، قارب الصافي تجربته روحياً، وإن لم تصل تلك المقاربة، إلى ذلك «التماهي» وهو عمر الخيام وجانب المقاربة بين حياة النجفي والخيام- والثاني قريب كذلك في فلسفته من المعري- تتضح في نزعة التشاؤم من الوجود، وفي رحلة الشكّ والحيرة والقلق الوجودي، في ما يتعلق بثنائية: الإلحاد/ الإيمان، التي عبر عنها الخيام في رباعياته تعبيراً دقيقاً، وهي تلخِّصُ إلى حدٍّ نوعاً من السيرة الأخرى للنجفي، في تقلبه في أسئلة الوجود، وموقفه المضاد للتديُّن الذي بدأ من الأمواج:

مسالكُ دِيننِا مُلئتْ صُخوراً تعوقُ السَّالكينَ عنِ الْمُرورِ

قد اخْتلفَ الورى دِيناً ولكنْ تساووا في المآثمِ والشُّرورِ.

وإلى اليوم يفضل عشاق الشعر ترجمة النجفي لرباعيات الخيام، على رغم ان الرجل رفض ذات يوم اعادة طبعها حين عرضت عليه دار نشر بيروتية ذلك مقابل 10 آلاف ليرة لبنانية قائلاً، حسب رواية يوردها عبدالواحد لؤلؤة: «إنني الآن أجد الرباعيات تدعو، إلى الالحاد والخمر والتشكيك وانا أشعر بالواجب، ورسالتي في شعري هي ضد رسالة الخيام».

حاول النجفي في مجمل أشعاره، وبجرأة قصوى أن لا يترك قصيدته تنجرف إلى الوزن الشعري بصرامة التفعيلة وتراكيبها، التي تشدَّها إلى مناطق معهودة في الذاكرة. ولهذا، فعادة ما كان يؤخذ عليه عدم اهتمامه بموسيقى قصائده، أو أنه ينحو بشعره نحو «نثرية» ما، وهي في معتقد النقد القديم: الوزن الشعري المجلجل، فموسيقاه خافتة منسابة، لا تكاد تشعر معها أنك أمام قصيدة موزونة، بالمعنى التقليدي، أو بالتراتبية التي ألفتها الذاكرة. وبدا الصافي النجفي للنقد في عصره متمثلاً بنموذج مارون عبود، وكأنه «أعجمي» يرطن بين فصحاء، تماماً كما اتهمه أهله في صغره، كان مارون عبود في كتابه «مجددون ومجترون» أكثر النقَّاد قسوة في الحكم على شعره. إذ اعتبره شعر أغراض ومناسبات، ولا صلة له بفن كتابة الشعر، وشبَّهه بالشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي. وكان مارون عبود يسخر من الزهاوي ومن نوع الشعراء الذين يقاربون كتابة الشعر، أو يقرضونه، من دون أن يراعوا الشروط الفنية لكتابة الشعر، الشروط التي جعلت من الشعراء الآخرين شعراء كباراً. ويذهب عبود في نقده لشعر النجفي فيعتبره أشبه بشعر أبي العلاء المعري، الذي لم يكن شعراً بنظر عبود، بل نثراً في شكل الشعر، عبَّر فيه فيلسوف المعرة عن فلسفته في الحياة.

وبرأي محمد مظلوم، إنَّ واحداً من أسباب مشكلات النقد مع شعر النجفي، هو غرابته وغربته بشكل عام، وجرأته على المروق، وكسر المعتاد في الذائقة والذاكرة معاً. فقد قرأ الشعر الفارسي جيداً، ولعله أول شاعر عربي استفاد من ثقافته الفارسية، ودمجها عضوياً في أشعاره ورؤيته، وقد صار معروفاً الآن أنَّ الشعر الفارسي، بشكل عام، لا يميل إلى التعقيد اللفظي، إنما يقوم على سهولة ظاهرية مفرطة، ولكنَّ هذا الشعر وبسبب مزجه المناخ العرفاني بالحياة اليومية، واهتمامه بأن تكون المتعة في القراءة مزدوجة في التلقي المباشر والتأويل البعيد، قد صوَّر للبعض أن هذا السياق غر المألوف من «السهل الممتنع» يبدو وكأنَّهُ إسفافٌ، ويمكن أن يراه دعاة شعر «الديباجة» و»الفخامة» وقوعاً في العادية، ولهذا فإنَّ ما وصفه عبود بغياب «الديباجة في شعر الصافي» هو تعبير دقيق عن ذلك المأزق النقدي، الذي لا يستطيع تقبُّل الشعر خالياً من الديباجة القديمة، وظهوره عارياً أو على الأقل في إهاب جديد.

ومع استغنائه الاختياري عن أبرز الأغراض الأساسية في الشعر العربي، فهو أكثر الشعراء تطرُّقاً لموضوعات جديدة، ومعانٍ مختلفة في شعره، إنَّه بتمردَّه على الأغراض الموروثة، ورغم موقفه المضاد لشعر التفعيلة، لكنه في العمق يعدَّ الممهِّد الحقيقي لكن الخفيِّ للقصيدة العربية الحديثة، ذات المناخ الشعري المتموَّج وغير الخاضع لأحادية الغرض أو حتميته.

عندما رحل الصافي النجفي يوم 27 حزيران يونيو 1977 في بغداد كان في الثمانين من عمره، وكانت شهور قليلة فقط قد مضت عليه منذ عاد إلى وطنه وهو الذي كان له نظرة غير ومنسية للأوطان، مثله مثل الكثير من اللبنانيين والعرب ذاق جراح الحرب الاهلية، عندما عاد النجفي إلى بغداد، كانت ست واربعون سنة قد انقضت منذ غادرها منفياً أو هارباً من الاستعمار أولاً، ومن المناخ الجاف ثانياً، حيث لم يعد اليها الا لماماً وفي فترات متفرقة، هو الذي فضّل دائماً أن يعيش في بيروت وبقية المدن اللبنانية. وبقيت حكاياته في المقاهي البحرية علامة من العلامات الثقافية.




________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 8:06 am

سر في حياة الصافي أبقاه نصف قرن خارج العراق
د. جلال الخياط
الشرق الأوسط

مرت ذكرى ربع قرن على وفاة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، وبهذه المناسبة نسلط الضوء على احدى وثائق حياته، وندعي انها احيطت بالكتمان حتى كتابة هذه السطور؟

في عام 1930 ترك الصافي بلده واتجه الى سورية ولبنان وقال في مناسبات شتى ان صحته هي التي دفعته الى الهجرة وانه لا يطيق احتمال حر العراق، وقبل ذلك كان قد ترك بلاده وعاد. وفي ايران قضى ثماني سنوات ورجع الى ذاك الجو الحار، ولكنه ما آب خلال ست واربعين سنة من رحلة التغرب والتشرد والطواف في سورية ولبنان حتى اصيب باطلاقات في رئته وساقه فأجبر على العودة، وكان قد كف بصره، وما لبث في بغداد اشهرا حتى مات. وفي لقاءاتي المستمرة معه حاولت ان اعرف شيئا مما لا اعرف عن حياته وآرائه، الا انه كان منهكا ينتقل من موضوع الى موضوع، حدثني كيف اصيب، وكيف نقل الى المستشفى وكان قلقا جدا على اشعاره التي لم تطبع (المجموعة الكاملة لاشعار احمد الصافي النجفي غير المنشورة.. صدرت في بغداد عام 1977 بعد وفاة الشاعر بأيام)، حتى وصلت الى السفارة العراقية، قلت من قام بذلك؟ قال ام حسن، قلت من ام حسن؟ اطرق قليلا وقال: زوجة ابو محمد، وفي تلك الحقبة الطويلة التي تقترب من نصف قرن خارج العراق لم يشأ الصافي ان يزور بلده اياما معدودات، لماذا؟ أهناك سبب خفي؟ هذا ما اميل اليه، دواع لم تكشف عنها الايام.

الحبيبة

اظن، وبعض الظن اثم، ان هناك وراء سفر الصافي وعدم عودته الى العراق قصة حب عارمة، وافترض هنا، ولا امتلك برهانا، ان للشاعر امرأة احبها واحبته ولكن احداث العراق بعد ثورة العشرين وسفر الشاعر الى الخليج وبقاءه في ايران سنوات لم تتح له الزواج ممن يحب. وانه عاد في يوم ما فرأى انها تزوجت، والمرأة آنذاك وربما الآن في بعض الاماكن، لا تستطيع ان تحتج على هيمنة ذويها في فرض الزواج عليها فتساق الى ليلة العرس سوق الابل، احساسي ان وراء سفر الصافي عام 1930 قصة حب وبقاءه بعيدا عن وطنه بسبب ذلك الحب له ما يؤيده في بعض شعره، ولا اود اثارة ما فات او تمادي اناس في تصورات لا واقع يؤيدها، ان كانت في حياة شاعر اسرار فلا بد له ان يشير اليها اشارات عابرة، ان لم يرد التصريح، او يمسها مسا رفيقا في شعره. للصافي قصيدة يقول فيها: «وكم من هوى في فؤادي دفين»، (ينظر للكاتب: احمد الصافي النجفي ـ عالم حر، ص 41)، وان كان هذا قولا شائعا عند الشعراء فإن له ابياتا في قصيدة اخرى، (عالم حر، ص 65) لا بد ان نتوقف عندها، منها:

خلقت حبيبتي لما خلقنا=ففيم اتيتني بعد الشباب

اذن، هي حبيبة، غابت طويلا او غاب عنها طويلا، ثم وافته بعد الشباب، واظن انها كانت وزوجها وذووها في سفرة الى سورية ولبنان، لأن الحبيبة او غيرها من نساء العراق لا يستطعن السفر بمفردهن، وكان الشاعر قطع معها مفازة قفرا من حب لم يثمر سوى ظمأ السراب معينه الوحيد:

لقد كنا نتيه بقفر حب=ظماء لا نعب سوى السراب

وهو يحبها حبا لا تنتهي اشواقه حتى لو تماهيا او تلاشيا واصبحا كائنا واحدا:

فليس اليوم يروى منك شوقي=ولو اني شربتك كالشراب

وكانت عنده كشمس اضاءت من جديد بعد غياب طويل، فيا للشاعر المضنى الذي فرض ابتعاده عن هذه المرأة سلوك حياته كلها فزهد بالدنيا وما فيها:

عرفتك بالضمير ولم يبن لي=خيالك في ملامحه العذاب
ولما ان رأيتك قلت شمسي=اضاءت لي وكانت في غياب

وهما زورقان تتقاذفهما الامواج وتكاد تقضي عليهما، ونبحث عن تفصيلات لدقائق الصراع الذي حكم حياتيهما ولا نعثر عليها، فما الذي جرى للشاعر قبل 1930؟:

كأنا زورقان قد التقينا=هوالك من مصارعة العباب

اذن، هناك معاناة وواضح ان اللقاء حدث بعد مرور سنين طويلة:

تماسكنا حنانا واتحدنا=اقارب نلتقي بعد اغتراب


وحتى يمكن ان نقتحم الحقيقة ونكشف عن الوثيقة كاملة ان نعرف من هذه القريبة؟ وتم لقاؤهما بعد ان ولى الشباب ولكن هذا اللقاء اعاد الى الشاعر عهد ذلك الشباب:

تلاقينا وقد ولى شبابي=فأرجع لي اللقا عهد الشباب

وهذا الشباب لم يشُبه نزق او طيش وكأن الشاعر يخشى ان يتهم بهما:

شباب جل عن نزق وطيش=فما نخشى العواقب في الحساب

ويقول ان الفتيان يحسدون هواه ويدرسون عنده وحبيبته فنون التصابي، وهذا ما لا نعتد به فقد عرفناه من شعراء كثيرين:

سيحسدنا الشباب على هوانا=ويدرس عندنا فن التصابي

وثانية: من هذه الحبيبة؟ هل نستطيع ان ندعي ان الصافي لم يعد خلال ست واربعين سنة الى بلده ولو عودة سريعة، بسبب منها، وانها وهي قريبة له، قد تكون تزوجت قريبا آخر، والعوائل آنذاك تعيش عادة في دار كبيرة تضم افرادا كثيرين، فلا يود الشاعر ان يسكن والحبيبة دارا واحدة ربما ابعادا ان يكون مصدر ازعاج او كدر وهذا ما يتفق وشدة حساسية عرفت عن الشاعر، وفيما قرأت عن الشاعر لم اجد اشارة الى هذه المسألة سوى لدى عبد الله الشيتي في كتابه عن الصافي (رحلة عمر)، ففي (ص 28) يقول ان الشاعر يفر من اجابة الصحافيين عن اسباب عزوبيته، ويقول: «ان الاسباب خاصة بي وحدي» او يقول: «دع عنك هذه الاسئلة وهات ما ينفع القراء وما ينفع الشعر». قضية صحته ومرضه ومناخ العراق غير المناسب له، ملفقة، انطلت على كثيرين والسبب كامن في حبيبته التي فجع بزواجها من غيره وربما يكون قريبا له، وهذا لا يعني ان صحته كانت دوما على ما يرام والجو في سورية ولبنان لا يوافق الصافي وحده، لكن العراقيين كلهم او من يسكنون في البلاد الحارة.

الصافي نصير المرأة

النكد الذي كدر على الصافي حياته ووجهها وجهة معينة، ان صح، لم يحمله ان يكون عدوا للمرأة او مدينا لمؤسسة الزواج، ولا اظن انه كان صادقا كل الصدق في مهاجمته الزواج او هجائه لبعض النساء، وربما كان هذا وذاك تغطية للسر الذي لم يرد الكشف عنه او انه ضرب من طرافة او نوع من تعويض او افهام للقارئ انه اتخذ من هذا الاشكال موقفا محددا:

يتمي وعيشي في العزوبة اغنيا=عن مشكل لأب ولابن مزمنِ
لا ذا لبري طالب فأعقه=أو ذاك أطلب بره فيعيقني

وهو الى الهزل اقرب منه الى الجد حين يقول:

من رام حفظا لعقل عاش مبتعدا=عن ثرثرات النسا او صخب ولدان
فالزوج تأخذ نصف العقل زوجته=ويأخذ الولد منه نصفه الثاني

ووردت عنه حكايات عاطفية هي اقرب الى المداعبات، فقد ارسلت اليه احداهن صورا لها طالبة اختيار واحدة لتكبرها، فما الذي اختار؟:

وغانية أهدت اليّ رسومها=موحدة حسنا منوعة شكلا
وقالت لي اختر ايهن مكبرا=لابعثه منها فقلت ابعثي الاصلا
رسومك طبعات حسان وانما=ارى الطبعة الاولى هي الطبعة المثلى

واخرى لم تكن صادقة معه، آثرت الهاتف وفضلته على اي حبيب:

متى اترجى منك صدق العواطف=وقلبك مقسوم على ألف هاتف


الطرافة والسخرية

دأب شعراء، قديما وحديثا، على الجد فيما ينظمون، ما عدا استثناءات او ما شاع من ادب السخف في القرن الرابع الهجري، ولم يكونوا في حياتهم الخاصة بذات الجد الذي نراه في قصائدهم او الحزن الذي يشيع فيها. وبطل الاحزان والكآبة والتعاسة في الشعر العربي: ابو العتاهية، اورث كثيرا من متلقي شعره امراضا نفسية لا تشفى، وقلما كنا نرى في الاشعار عامة ما يسر ويفرح ويبعد بعض اسباب الشقاء عن الناس حتى اشاع الصافي النجفي هذه الظاهرة، فصوره الساخرة من الحياة واهلها تملأ جنبات اشعاره كلها وتثبت ذاتيته المفرطة وتكشف عن موقفه الفكري بوضوح وكان قد رفع شعارا يصلح لكل الازمنة:

انا لفي زمن لفرط شذوذه=من لا يجن به فليس بعاقل

وله في مدينته النجف رأي:

فصادرات بلدتي مشائخ=وواردات بلدتي جنائز

وللقنبلة الذرية عنده مهمة محددة:

لم تحل في عيني قنابل ذرة=الا غداة ارى بغال الناس
لم ألق غير قنابل ذرية=لعلاج هذا الداء بعد الياس

وله حل جذري للقضاء على تباريح الحب:

يا رب شوه لي وجوه الغيد=كيلا اعذب منهمو بصدود

وحل جذري آخر للقضاء على الفقر:

كم غني لم يعطه الله نسلا=وفقير يبلى بنسل كبير
فلو ان الامور كانت بكفي=كنت اخصي في الكون كل فقير

ووجه هجاء نفاذا الى المنضدين وعمال المطابع لكثرة الاخطاء الطباعية في شعره:

لأغلاط المطابع في قريضي=جروح وسط قلبي لا تزول
فشوهت المطابع منه وجها=وعدت كأنما شعري فضول
فهل ابقى اطوف على البرايا=بأجمعهم اصحح ما اقول
اود بأنني ما قلت شعرا=ولم ينشر ولا شمت العذول

وله في وصف أحد المهووسين:

شواربه اذا ثارت حروب=كفته عن سيوف او رماح
يعقفها فتذعر منها خوفا=كهر قد تحفز للكفاح
والنساء سبب أول لحوادث السيارات وضحاياها غاب عن انظمة المرور وقوانينها:

كم سائق سيارة=بلحاظكم دهورتمو
وموضوعاته الطريفة الساخرة كثيرة تكاد تتابع معظم مظاهر الحياة في جانبيها المضيء والمعتم. وبعد محاولات التجديد عند شعراء المهاجر وقبلها ووقوفا عند الجواهري وبدوي الجبل والياس ابي شبكة وبشارة الخوري ونزار قباني ومرورا بحركات التجديد بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اذا تلاشت اوزان الخليل وبقي (المتدارك) وحده وسادت قصيدة النثر وابتداع الشعراء لايقاع قصائدهم الداخلي الخاص، يظل احمد الصافي النجفي علامة مضيئة، شخصا وعطاء في عالم الشعر العربي، قديمه وحديثه.




________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 8:08 am

الشاعر الساخر أحمد الصافي النجفي

قال الصافي صادرات بلدتي مشائخ وواردات بلـدتي جنائز

حورب لمحاولته السماح بالتصفيق في الندوات الادبية في النجف

فشل فآثر التشرد لكنه كان نجم زمانه

لم يقم للصافي مهرجان فقال

(كان ذاك السلام لـي مهرجاناً مهرجاني على الرصيف يُقـام)

حياة (الشاعر أحمد الصافي النجفي) (1897- 1977)، كما أرخها الشاعر والأكاديمي النجفي ألآخر (إبراهيم العاتي) ولا ادري كيف يكون (العاني) نجفيا. (الشاعر أحمد الصافي النجفي) عانى في حياته ألوانا من المفارقات، بين غربة بعضها اختياري وبعضها جبري، عاش (الصافي النجفي) بين شقاء اضفاه على نفسه، خشيةً ان يحرم من البقاء في دمشق حيث كان يعيش في غرفة بالية، ليس بينها وبين القبر من فارق غير أنها فوق الأرض. رفض أكثر من مرة راتباً جارياً من العراق، أو من أهل اليسار، بعد ضغط السنين، وإلحاح المرض المزمن استجاب لطلب سفير العراق ببيروت (ناصر الحاني)، أوائل الستينات قبل راتباً غير مشروط بتطويق حريته أو تحديد أسلوب حياته. (أحمد بن علي بن صافي النجفي) ولد عام 1897 اي قبل القرن العشرين في النجف في أسرة دينية كان والده (علي الصافي) قد ورث فقه الدين عن أجداده، أما جدّه لأُمه فهو (الإمام الشيخ محمد حسين الكاظمي) أكبر فقهاء عصره له عدد من المؤلفات الدينية. تعلم(أحمد الصَافي النجفي) بعض اجزاء القرآن على (شيخة)، ثم تعلم الكتابة وأكمل قراءة القرآن في (مدرسة الملا) اي في (الملا) كما نقول نحن العراقيين. كان رغم صغر عمره ينوب عن المعلم في تدريس الخط للتلاميذ. توفي والده بالكوليرا التي عمت العراق عام 1907 كان أحمد في العاشرة من عمره فتسلم شقيقه الأكبر (محمد رضى) إعالة العائلة. بعد تخرجه من (الملا) اتقن الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان وأصول الفقه من كبار المعلمين منهم المجتهد الأكبر ( السيد أبو الحسن الأصفهاني) لثماني اعوام فأتقن هذه العلوم. كان(أحمد الصَافي النجفي) ضعيف البنية أرهقته الدراسات فأصيب ببعض انواع العصاب اي الانهيار العصبي الشديد فأشار الأطباء عليه التوقف عن متابعة الدروس فاتجه إلى المطالعة في الأدب القديم والصحف والمجلات فاكتسب معلومات ثقافية واسعة. أخذ ينشر مقالاته في مجلة (المقتطف) و (الهلال) مجلتان صغيرتان الحجم مصورتان جامعتان تنشران مقالات لا تنشرها صحف ذاك الزمن تصدران في مصر، الكثير منها مما يحدث في اوربا، كانتان تثقافيتان يجد القراء فيهما كل ما هو جديد ذاك الزمن للانجازات العلمية الحادثة في اوربا. كانت المجلتان ليس لهما ضريب كانتا تصلان العراق حتى البصرة. لم يكن بوسعي شرائهما فكنت اقرأهما في المكتبة العامة في البصرة، كانتا تنشران في مصر من دار (الهلال), مؤسسها (جرجي زيدان) اللبناني الاصل. اما (المقتطف) فكان يصدرها فريق من المثقفين وهي اول واوحد مجلة علمية كانت تصدر في العالم وهي المجلة الوحيدة التي عرفت العالم العربي بـ (نظرية التطور) لـ (جارلس داروين) كانت تصدر من مصر، كنت ذلك في الثانوية اتابعها في المكتبة منحتني الكثير من العلوم كان يحررها مجموعة من مثقفي ذاك الزمان اللبنانيين الاصل في العام خاصة كانت فريدة زمانها.

صدرت كتب عديدة عن حياة (أحمد الصَافي النجفي) وشعره النير بالاظافة لما أرخه الشاعر والأكاديمي النجفي الآخر (الدكتور إبراهيم العاتي) في كتابه (أحمد الصَافي النجفي.. غربة الروح ووهج الإبداع)، الصادر عن دار العلم للطباعة والنشر، بيروت 2007، سجل (العاتي) رصداً دقيقاً مكثفاً لحياة وشعر (أحمد الصَافي النجفي)، أحد أبرز شعراء العربية المعاصرين، من الذين اختلط شعرهم بحياتهم، وكان بدايتهم ونهايتهم. قبل هذا، حظا (أحمد الصَافي النجفي) بأكثر من ترجمة حياته فلم تغيبه الغربته عن مؤرخي الأدب العراقيين، فحفل كتاب (شعراء الغري) للكاتب النجفي (علي الخاقاني) توفي عام 1979 عرفته في بغداد يوم تأسست جمعية الصحفيين التي رأسها (محمد مهدي الجواهري) في عهد (عبد الكريم قاسم)، (علي الخاقاني) في كتابة ترجم حياة (أحمد الصَافي النجفي) في عرضه واحد من (شعراء الغري) اي النجف كانت وافية. اما كتاب (إبراهيم العاتي) في تأليفه اعتمد ترجمات عدد من الأدباء ومؤلفين عربا وعراقيين مما أثار اهتمامهم بـ (أحمد الصَافي النجفي). (إبراهيم عبد الستار) في طبعة (عبقرية الصافي) عن طرابلس- لبنان 1974، و (إبراهيم الكيلاني) في كتابه (الشاعر أحمد الصافي النجفي) من دمشق 1980، و (عبد اللطيف شرارة) في كتابه (الصافي) طبعة بيروت 1981، والطبيب الأديب (عبد السلام العجيلي) في (وجوه الراحلين) طبعة دمشق 1982، و (سلمان هادي طعمة) في (أحمد الصافي شاعر العصر) طبعة بغداد 1985. كان لمسقط رأس الشاعر النجف أو الغري خاصة قد لا تتكرر في المدن الدينية الأخرى لانها محافظة متزمتة متشددة اشد المحافظة والتزمت والتشدد على التقاليد، رسخت في المتوارث لكنها أخذت قدسيتها من واقع المدينة، والرغبة في المحافظة على تراثها. إلى جانب ذلك البعض في النجف المدينة تواقون للانفتاح، واستيعاب الجديد، لكن وفق التقليد المتوافر والظروف. في وقت عُدى التصفيق في الأماسي الأدبية، أو الاحتفالات التكريمية، وما أكثرها بالنجف، من المحرمات. ليس غريباً أن يكون (أحمد الصَافي النجفي) كبش الفداء، من الثائرين على تحريم التصفيق، رغم عدم أهمية الممارسة إلا أن منعها يتبعه ممنوعات أخرى، يكرس الشعور بالضغط والكبت. من مثل هذا الإجراء المتوارث.



في عام 1920 أصدر الحاكم الإنكليزي أمراً بإلقاء القبض (أحمد الصَافي النجفي) لكونه من المحرضين على ثورة العشرين فاضطر إلى مغادرة العراق إلى إيران واستقر بولاية شيراز هناك تعلم اللغة الفارسية وعمل مدرساً للآداب العربية في ثلاث مدارس. تابع نشر مقالاته في الصحف والمجلات فلفت الأنظار إليه وانتخب عضواً في النادي الأدبي وبعدها عيّن عضواً في لجنة التأليف والترجمة، ثم كلفته وزارة المعارف في ايران ترجمة كتاب في (علم النفس) لمؤلفيه (علي الجارم) و (أحمد أمين) من العربية إلى الفارسية للتدرّس في دار المعلمين بطهران فترجمه بدقة الى الفارسية، ثم ترجم (رباعيات الخيام) من الفارسية إلى العربية اذ تعتبر أفضل ترجمة لأنه نقلها عن الأصل الفارسي. طبعت للمرة الأولى في طهران. قضى ثماني سنوات في طهران ثم عاد إلى العراق بطلب الحكومة العراقية وأصدقائه ليخدم العراق فعيّن قاضياً في مدينة الناصرية شغلها لثلاث سنوات. في عام 1930 ذهب إلى سورية للاستشفاء. كان يتنقل بين دمشق وبيروت متابعاً رسالته الأدبية. عندما اندلعت الحرب بين الحلفاء والمحور عام 1941 أدخل الصافي النجفي السجن بأمر السلطات الإنكليزية، مكث في التوقيف أربعين يوماً تحت إدارة الأمن العام الفرنسي ثم أفرج عنه ونظم في السجن ديوانه (حصاد السجن) هذه بعض الأبيات االمنظومة في السجن: (لئن أسجن فما الأقفاص إلا لليث الغاب أو للعندليب) ثم (ألا يا بلبلاً سجنوك ظلماً فنحت لفرقة الغصن الرطيب). أمضى الصافي 36 عاماً متنقلاً بين سورية ولبنان كانت المقاهي ضالته في دمشق كان يرتاد مقاهى (الهافانا) و (الكمال) و (الروضة) لانها كانت ملتقى الشعراء والأدباء والصحفيين. كان (أحمد الصَافي النجفي) قليل الدخل فاتخذ غرفة قديمة في (مدرسة الخياطين) كان من أصدقائه بدمشق (الدكتور عبد السلام العجيلي) و (فخري البارودي) و (بدوي الجبل) و (محمد الحريري) و (أحمد الجندي) و (عمر أبو ريشة) و (سعيد الجزائري). من أصدقائه في لبنان( الشاعر القروي) و (ميخائيل نعيمة) و (مارون عبود) وغيرهم. في إقامته في لبنان كان يرتاد (مقهى الحاج داود) و (مقهى البحرين) و (مقهى فاروق) في الليل كان يأوي إلى غرفة متواضعة قرب مستشفى (أوتيل ديو). كان في جميع هذه المقاهي يدخن النركيلة وهي ممارسة شائعة في العراق ولبنان وسوريا وخاصة في مصر اذ كانت مواضعا للحشاشين.

(أحمد الصَافي النجفي) تمرد منع التصفيق في تقاليد المناسبات في النجف واستنكاره الزعامة الدينية، قيل أنه اتفق مع صديقه (صالح الجعفري كاشف الغطاء) ت 1979، وهو متمرد آخر وفق ما جائت به قصائده، أن يبادر إلى التصفيق بعد قول (الجعفري) شعرا (فحيوا بالسلام مصفقينا)، حدث أن صفق لـ (أحمد الصَافي النجفي) تبعه الشباب بالتصفيق، فشكاه القوم عند أخيه والقيم على أمره، عدّت تلك من البدع والضلال. مما سبب انحسار النجف عن النشاط الأدبي والفكري والفلسفي، من ضيقه بالتقاليد ووراثة القديم قال: (إن الغري بلدة تليق أن تقطنها الشيوخ والعجائز) ثم (فصادرات بلدتي مشائخ وواردات بلـدتي جنائز). الجدير بالذكر أن حوزة النجف الدينية يمتد تاريخها إلى القرن الخامس الهجري. تخرج سنوياً المئات من فقهاء الدين، فيها أيضاً مقبرة عظيمة، هي مقبرة (السلام) حيث مرقد ضريح (الإمام علي بن أبي طالب) تستقبل الآلاف من الجنائز في الشهر. كانت مهنة ناعشة للمغسلين وحفاري القبور ومقاولي ارسال الجنائز من انحاء العالم الشيعي ووكلاء استلام الجنائز النجفيين. بعض الجنائز كانت تأتي من الهند والباكستان. كان احد زملائي في المدرسة الابتدائية والده الايراني وكيلا لاستلام الجنائز من الهند ثم ارسالها الى النجف. كان قيما على اقامة القرايات في الشارع وتولى قيام السبايات في الشوارع في عاشوراء. كان (أحمد الصَافي النجفي) معروفا بالنقيضين بالظرف وبالجد، هواجس الهيام والاهتمال بالشعراء الأقدمين والمعاصرين، احب واجل (أبو العلاء المعري) فيلسوف المعرة بشكل خاص لتوافقه الروحي اذ كان (أحمد الصَافي النجفي) يحمل تطلعات فلسفية قال في شعره (مقامي بين فلسفة وشـعر فأيهما أتـابع لست أدري) ثم (فلي روح بظرف أبي نواس ولكن فـي وقاري كالمعري). (أحمد الصَافي النجفي) عشق (أبو الطيب المتنبي) ايضا، الواقع من لم يعشق (المتنبي) فهو ليس (عاشق شعر)، (المتنبي) قال (وما الشعر الا من رواة قصائدي اذا قلت شعرا اصبج الدهر منشدا). في اقامة (أحمد الصَافي النجفي) في إيران في العشرينات، درس وهام بشعر وأدب (عمر الخيام) وشعراء إيران الفلاسفة كـ (الفردوسي) حيث انتهل من الشعر الفارسي باللغة الفارسية التي اتقنها. 00

(أحمد الصَافي النجفي) وقف موقفا مغايرا من الشاعر أحمد شوقي ت 1932، اذ لم يكن مرتاحا منه لانه كان يطلق عليه لقب أمير الشعراء. اذ ليس في الشعر امارات او سلاطين. كان الصافي يعطي الإمارة ان كانت هناك امارة ـ (إيليا أبو ماضي) ت 1957 بقوله: (سألتـني الشعراء أيـن أميرهم فأجبـت إيليـا بقـول مطلق) ثم (قالوا وأنت! فقلت ذاك أميركم فأنا الأمير لأمة لم تخلق). (أحمد الصَافي النجفي) يخلع الإمارة من (شوقي) لأنه كان في حصر شعره في العزيز (الخديوي توفيق) في عصر الخديويين في مصر. إثر ذلك قال (أحمد الصَافي النجفي) في شعره (وأميـر رام أن أمدحه قلت احتاج لمن يمدحني) ثم (إن لي فوق معاليك عُلاً كنت لو تفهما تفهمني). (أحمد الصَافي النجفي) كان منفعلا مما يقولة الشاعر (نزار قباني) الذي التقي بـ (الصافي) في مقاهي دمشق. نقل (إبراهيم العاتي) عن (الصافي) قوله في (قباني)، أنه لم يقل الحقيقة في بيته التالي (وشعري ما اشتراه الملوك والأمراء)، فقال (الصافي) أليس هو القائل لأحد الرؤساء (ليتني أستطيع أن أصنع من أجفاني حمائلاً لسيفك)؟. اشمأز الصافي من قول نزار مع أنه قال متغزلاً (فصلت من جلد النساء عباءة..وبنيت أهراماً من الحلمات). الحقيقة ان هذا البيت يثير الاشمئزاز والتقزز اذ كيف يبني أهراماً من حلمات النساء هل يذبح مليون امرأة . (أحمد الصَافي النجفي) أحب معروف (الرصافي) و (بدوي الجبل) و (العقاد) وغيرهم من معاصريه، واحب زواره في مقاهي دمشق وبيروت. عاش الصافي النجفي حياة الفقر اذ لم يمدح امير الكويت ولا ملك السعودية للحصول على الدولارات المنفوطة كانت ايامه بائسة بين غرفة بائسة بسوق الحميدية بدمشق مساءً وبالمقاهي نهاراً. في الغرفة كان يتدفأ برؤية المصباح، في المقهى يلتحف بالجرائد حول صدره إن مسه البرد، وهي قراطيسه أيضاً، كان يدون قصائده على ورقها، كان يحرر ما كتبه على حواشي الجريدة أو أغلفة عُلب السكائر، ثم يحررها بعد عودته إلى غرفته في دفاتر أشعاره. كان حضوره أو تردده على المقهى يأتي بالرزق على صاحب المقهى. نقل (العاتي) عن ما كتبه (فؤاد الشايب) عام 1943: أن صاحب مقهى انقطع عنه الصافي إلى مقهى آخر، فأتاه باكياً متوسلاً: (قل ماذا تريد... مر بما تشاء وعد إلى المقهى، الله يستر عرضك، أنا وأولادي تحت أمرك، وإذا أردت أن لا يتناول أحد مجالسيك مشروباً فاغمزني عليه). اذ كان حضور (أحمد الصَافي النجفي) في المقهى ينتج عنه حضور الشعراء والأدباء الذين يجالسوه لوقت أطول، على هذا يحسب صاحب المقهى رزقه. ممن زاروه فيها (بدر شاكر السياب)، الذي كتب عنه مقالاً بعد عودته إلى العراق في مجلة (أهل النفط) البغدادية. من أعجب العجب إنه لم يقم (أحمد الصَافي النجفي) اي مهرجان تكريمي في حياته، رغم كثرة المعجبين وعظم مراتبهم، بل ولا أمسية تكريمية في حياته، تحايل عليه الكثيرون، لكن بلا طائل، لأنه لم يألف المجاملة. همس بأذنه أحد المعجبين، من الذين لا يعرفهم، قائلاً (أنت الطائر المحكي والآخر الصدى) فاعتبر هذا مهرجانه، لخلوه من المجاملة والمحاباة وما إليهما، وعندها قال: (جاء مَنْ لم أعرفه، قال سـلام قلت مََنْ؟ قال (مَنْ بشعرك هاموا) ثم (كان ذاك السلام لـي مهرجاناً مهرجاني على الرصيف يُقـام) هام (أحمد الصَافي النجفي) حباً كبيراً بدمشق ونظم فيها القصيدة التالية: (أتيت جلق مجتازاً على عجل فأعجبتني حتى اخترتها وطنا) ثم (يكاد ينسى غريب الدار موطنه في ربعها، ويعاف الأهل والسكنا).

كشف مؤلف كتاب حياة الشاعر (أحمد الصَافي النجفي) وأسلوب عيشه وأخلاقه وشجونه، من شعره، يرى فيه شاعراً صادقاً، لا علاقة له، كما يبدو، بما شاع حول العديد من كبار الشعراء بأن شعرهم غيّر حياتهم، لم يمارس العشق ويظهر في شعره عاشقاً، وصف (أحمد الصَافي النجفي) عوزه وغربته وغرفته، وعلى حد قول مؤلف الكتاب (داخله مفقود والخارج منه مولود). لذا عُرف(أحمد الصَافي النجفي) بشاعر المعاني. (إن أول تلك المميزات وأهمها هي البساطة في طرح الأفكار، وتناول الأشياء، والمعالجة الفنية للموضوعات، وهو يعبر عن ذلك أصدق تعبير). اختار العروبة واظهر اعتداده بها، ليس عقيدة او حزبية، (أحمد الصَافي النجفي) بقي يعنمر الكوفية والعقال والدشداشة لباسا عربيا من الصنف البسيط. ليست ككوفيات وعقل السعوديين ودشاديشهم المستوردة من هونك كونك، عزف المؤلف عن وصف ملابس الصافي بالرثة تجنبا لاي مس بالمشاعر. مات (أحمد الصَافي النجفي) كما مات (الجاحظ) و (أبو العلاء المعري) أعزبَا ربما لم يمس امرأة. لم يرث أحداً ولم يرثه أحد، أحب فتاة نجفية لم يقترنها، عاش ومات مستأنساً بالخيال. في لبنان شهد (أحمد الصَافي النجفي) الأحداث الدامية فكان يسير في جوار الحيطان والمباني المتهدمة خوفاً من الرصاص. اشتد إطلاق الرصاص عشوائياً في منتصف كانون الثاني 1976 فآوى إلى غرفته القريبة من مستشفى (أوتيل ديو) مكث خمسة أيام دون طعام وأصيب جدار غرفته بخمس رصاصات. عند توقف إطلاق الرصاص خرج ليفتش عن رغيف خبز يسد به جوعه، سار قليلاً عن منزله فأحس بحرارة تسري في جسمه ظنّ في بادئ أن حمّى شديدة قد انتابته إلا أنه لم يتمالك نفسه فسقط أرضاً عند باب جاره وإذا به مصاب بعدة رصاصات. اتصل جاره بالسفارة العراقية وأعلمها بما جرى فأرسلت له سيارة إسعاف ونقلته إلى مستشفى المقاصد لإسعافه وبعدها نقل الصافي إلى بغداد في 1976 وأدخل مدينة الطب للمعالجة وقال في هذا الحادث هذين البيتين: (بين الرصاص نفدت ضمن معارك فبرغم أنف الموت ها أنا سالم) بقي (أحمد الصَافي النجفي) عليلا تحت المعالجة إلى أن وافته المنية يوم 27 - 7 - 1977 بعد وفاته أقامت له وزارة الإعلام ووزارة الثقافة والفنون مهرجاناً تأبينياً شارك فيه كبار الشخصيات الأدبية والشعرية في العراق والوطن العربي ومما جاء في كلمة سعيد فرحا (ومهما تكن آراء النقاد في شعر أحمد الصافي النجفي، فهو بحق ظاهرة قوية منفردة في شعرنا العربي، له شخصيته التي لم تتأثر بأحد، وله قوته اللغوية والشعرية الخاصة وملأ مكانه بجدارة في أدبنا العربي الحديث. عاش فارساً رحالة ومات شهيد أحداث أمته التي أحب صحاريها وجبالها الخضراء الشامخة). دواوينه الشعرية هي (الأمواج) 1932 ـ (أشعة ملعونة) 1938 ـ (الأغوار) 1944 ـ (إيثار) 1946 ـ (ألحان اللهيب) 1948 ـ (الهواجس) 1949 ـ (شرر) 1952 ـ (الشلال) ـ (حصاد السجن) ـ (اللفحات) – (هزل وجد) ـ (شباب السبعين نثرا).

النجف في تاريخها المتقارب اولدت شاعران لامعان، الشاعر (محمد سعيد الحبوبي النجفي) شاعر الحب والهيام وبنت الدنان حيث قال (اسقني كأسا وخذ كأسا اليك فلذيذ العيش ان نشتركا) كانه اعاد عصر الشاعر ابو نؤاس الذي قال (اترك الربع وسلمى جانبا واحتسي كرخية مثل القبس) و (قصتي اعظم قصة صارت الظبية لصة – خبأته في مكان للخليفة فيه حصة) الفارق بين الشاعر (ابو نؤاس) والشاعر (محمد سعيد الحبوبي) كان الشاعر (ابو نؤاس) يعيش حياة المجون في عصر عباسي منطلق اما الشاعرمحمد سعيد الحبوبي) فقد كان معمما سليل ائمة لكنه انطلق خارج التقليد فاحسن التشبيب بالملاح من النساء وكؤوس الراح في الليالي حتى الصباح في سراديب النجف. رغم انه عاش عصر العراق المعثمن ثم الملكية. الشاعر اللامع الثاني الذي اولدنه النجف (أحمد الصَافي النجفي) عام 1897 عاش وعاصر العديد من الاحداث بعضها حسن واغلبها سيئ التي مر بها العراق حيث رحل عام 1977 الذي قال (إن الغري بلدة تليق أن تقطنها الشيوخ والعجائز) ثم (فصادرات بلدتي مشائخ وواردات بلـدتي جنائز). مات (أحمد الصَافي النجفي) مخلدا كاقرانه (معروف الرصافي) و (بدوي الجبل) و (جبران خليل جبران) و (ميخائيل نعيمة) و (ايليا ابو ماضي) مخلدون في تاريخ الشعر العربي الحديث. تحية لـ (نزار قباني) الذي قال (انكحوا جواريكم كما تشاؤون) فهي انزلاقة بعضها سيئ اكثرها حسن.

توما شماني

عضو اتحاد المؤرخين العرب

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ايمان الساكت
نائبة المدير العام -فراشة اشتياق - اديبة
ايمان الساكت

انثى
تاريخ التسجيل : 18/10/2013
عدد المشاركات : 56084
نقاط التقييم : 60064
بلد الاقامة : مصر- القاهره
علم بلدك : Egypt مصر
الحمل

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالسبت نوفمبر 15, 2014 8:56 pm

الاستاذة الراقية/ احلام


سلمتى على حسن الاختيار


موضوع غاية فى الروعه والافاده


دمتى بهذا التميز والعطاء


ارق التحايا

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أحمد الصافي النجفي Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحمد الصافي النجفي   أحمد الصافي النجفي Emptyالسبت نوفمبر 15, 2014 8:58 pm

ايمان الساكت كتب:
الاستاذة الراقية/ احلام


 سلمتى على حسن الاختيار


  موضوع غاية فى الروعه والافاده


   دمتى بهذا التميز والعطاء


    ارق التحايا

الأستاذة الرائعة إيمان الساكت

مرورك و لا أروع

تحياتي و مودتي
Surprised

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحمد الصافي النجفي
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عبود غفلة الشمرتي النجفي أمير شعراء الحسجة والشعر الشعبي العراقي
» من هو وديع الصافي ...؟؟؟؟
» السيد الصافي مع سائق التكسي في مكة المكرمة حول الشيعة
» الشاعر العراقي الشعبي الشيخ حسين قسام النجفي
» د . أحمد أبو زيد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007 :: اقسام الثقافة والتاريخ والادب العالمي :: اشتياق التاريخ والتراث وسيرة حياة المشاهير-
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المهندس محمد فرج - 123667
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
الدكتور خليل البدوي - 107926
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
احلام شحاتة - 61741
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
ايمان الساكت - 56084
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
باسند - 51620
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
مصطفى الشبوط - 17651
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
همسة قلم - 13947
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
نوره الدوسري - 8809
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
احاسيس - 7517
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1 
كاميليا - 7369
أحمد الصافي النجفي Vote_rcap1أحمد الصافي النجفي Voting_bar1أحمد الصافي النجفي Vote_lcap1