[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]عميد معهد العلوم الاجتماعية الدكتور فريدريك معتوق
رئيس اتحاد بلديات ساحل الزهراني الاستاذ علي مطر
مدير كلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتور وسام غياض
رئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع الدكتور شبيب دياب
ممثل الاساتذة واعضاء مجلس الفرع
الزملاء الاساتذة
اعضاء تجمع خريجي معهد العلوم الاجتماعية
الاعزاء الطلاب
لم ازين القاعة والمنبر لاستقبلكم لانني وبكل صدق لم اجد وروداً اجمل من ورود المعرفة التي تزود ، وتلك التي تحصل .
يسعدنا في معهد العلوم الاجتماعية الفرع الخامس ،ان نستقبل السيد عميد المعهد الدكتور فردريك معتوق ،عميداً، ومفكراً ، وصديقاً، ومحاضراً ، محتفين برائعته "الموسوعة الميسرة في العلوم الاجتماعية " ، التي تسد فراغاً كبيراً في مكتبتنا العربية ، وتيسر على القارئين والمتابعين ، وعلماء الاجتماع ، والطلاب ، مهمة البحث ، والكشف عن مكنونات هذا العلم الرائد المتجدد .
كنز علمي ، أدبي ، ثقافي ، واجتماعي ، نحتفي بالحديث عنه اليوم ، مؤكدين أهميته ودوره في بلورة علم الاجتماع ، وتقديمه علماً حيوياً قادرا على ان يحيط بدقائق حياة المجتمعات وعلائقها فيما بينها .
كما واني في هذه المناسبة اشد على أيدي طلابنا الاعزاء في بداية مهمتي التي اتمنى ان تكون خيراً وفلاحاً على هذه المؤسسة ، وعلى طلابنا الذين نتوسم فيهم الخير والصلاح والعمل الجدَي، حرصاً على حياتهم المستقبلية . وسيبقى معهدهم هذا باذن الله ، بيتهم الثاني ، وحصن ثقافتهم ، وركن علاقاتهم وتواصلهم ، سيبقى هذا المعهد بهمة القيمين عليه من رأس الهرم ، معالي رئيس الجامعة اللبنانية ، والحاضن الدائم ، العميد معتوق ، والاساتذة المصادر الغنية للمعرفة ، والاداريين ، شعلة منيرة ، نستنير الطريق من خلالها ، ونواجه الصعاب بسلاحها ، سلاح العلم والسلوك والخلق .
ايها الاعزاء اعاهدكم بالتعاون مع زملائي اننا ، لن نوفر جهداً يساهم في تأمين فائدة علمية لكم ، ويساهم في تطوير وتوفير وسائل العمل في المعهد الاسلكناه . وقد كانت باكورة عملنا تنظيم سلسلة من الندوات العلمية في ميادين اجتماعية مختلفة ، سندأب على مواكبتها ، وستكون مواسمها بعض اشعاعات تنير دروبكم ، دروب العلم والمعرفة .
واليوم سوف نستهل هذه الباقة من الندوات مع عميد الحرف والكلمة ، القلم الذي يسيل حروفاً ذهبية . ويشاركه اليوم في الاطلالة على الموسوعة فعلا الميسَرة :
الدكتور معضاد رحال :
معضاد هات المسك مسك جهاد وانـثـر شـذاك بـمـعـهـد وقَـاد
وأقحم بعـلـم الاجتـمـاع مـنـارة واشرع سنى موسوعة للضاد
واصدح بصوت المجد حتى ينثني جـهـل وتـعـلو رايـة الارشـاد
وارسم على موسوعة قمر الهدى وانشر صروح بنائها الجواد
فلانت سيـف الاجتـمـاع ونسـره تـعـلو به لـمـشارف الابـعـاد
نسر ايضاً حلَق الينا من معقل آخر للعلوم الاجتماعية ، من الفرع الثاني الذي تعاهدنا معه ومع بقية المعاقل الفروع ان نسمو ونعلو بمعهدنا الى قمة علمية تضيْ المجتمع اللبناني ، عنيت به الدكتور نزار أبو جودة :
نـزار الجـود ماـذا في الـخـبـايـا سوى كـنـز ينـير بنا العشايا
لك الراحات في الجليَ اخضرار تميط عن الصعوبات الخفايا
حمــلـت الاجتـمـاع اخاـً وخلـاً وارسيـت الدعائـم والزوايا
لنا مـوسوعـة صيـغـت بكـف لها في البذل امـجـاد الحكايا
وأنـت بسـاحـها خـوَاض يـمَ على شـطـيه تنتـعش الحـنايا
ختام ندوتنا مسك وكل المسك ، انه العميد الاستاذ الدكتور فريدريك معتوق :
طوبى لسفر صغته بوريد ايه عميـد نـضالنا المـعـدود
أيقضت علم الاجتماع وصنته بصحائف كاللؤلؤ المنضود
ترنو لجامعة كأن حصونـها فلـذ تعـز بعزمها المشدود
فانثر دراريك الحسان فانـها شهد العقول وبلغة الموعود
يغنى بفكرك موطن ومعاهد وينير ضوؤك عتمة المكدود
وكانت كلمة افتتاحية القاها الدكتور معظاد رحال شرح فيها اهمية الكتاب موضوع المحاضرة مثنيا على دور العميد معتوق في وضع اسس لعلم الاجتماع من خلال كتابه الجديد وخصوصا لناحية ضبط المصطلحات التي يتم اللغط فيها كثيرا مناقشا بها كتاب العميد موضوع المحاضرة:
نص المناقشة:
بداية أود ان اعبر عن سعادتي لهذه الفرصة التي اتاحت لي تقديم هذه الموسوعة لجمهرة من المهتمين بالمصطلحات والمفاهيم كأدوات معرفية للبحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية، حيث ان هذا العمل يمثَل علامة فارقة ونقلة نوعية متقدمة في تحديد المصطلحات والمفاهيم السوسيولوجية وقولبتها في اطار سياقها الاجتماعي المعاش، حيث يتصدر موضوع التغيرات العميقة التي تشهدها مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة واجهة الأحداث، ويسير ايقاع التغيير بشكل متسارع ، ما يترك آثارا على جميع نواحي الحياة.
ان نقاش هذه الموسوعة ونقدها ،كمن يحفر في الصخر، لما تتميز به من متانة الأفكار ورصانتها بشكل موضوعي، حيث يصبح "التعفير" في ثنايا الكلمات والحروف احدى الوسائل للامساك ببعض الهفوات، التي غالبا ما يكون الباحث قد تنبه اليها مبررا حصولها بشكل منطقي لا يدخله اللبس او الابهام، كمعيار التعريف بعلماء الاجتماع ص. 13
توقفت امام سؤال طرحته احدى الطالبات على الانترنت بتاريخ 28 تشرين الثاني عام 2007 تقول فيه: انا طالبة في علم الاجتماع وعندي سؤال ملح لماذا نقوم بدراسة علم الاجتماع الغربي ولرواد غربيين ؟ اليس لدينا روادنا؟ ما هي اهمية علم الاجتماع في الوطن العربي؟
ان نشأة هذا العلم في العالم العربي التي بدأت في أوائل القرن العشرين، جاءت معبرة عن واقع أزمة العلم ذاته، من حيث تبعيته المطلقة للمنتج الغربي، الأوروبي في ذلك الوقت. وقد جرت محاولات جادة ساهمت في تقديم تعريفات جيدة الا انها اعتمدت على ترجمات الرواد الأوائل لكل من المدرستين الفرنسية والبريطانية بالأساس. حيث ان الكتابات العربية المتاحة اقتصرت على كتابات ابن خلدون الرائدة في هذا المجال، وهى كتابات، رغم أهميتها، تختلف بدرجة كبيرة عن المنتج الغربي المعاصر. من هنا، فإن تبرير تلك الترجمات يستند إلى الرغبة في التعريف بالعلم، وفتح مجالات جديدة أمام الأجيال الطالعة للاستفادة من تلك الترجمات، مع محاولة التطوير المحلي لهذا العلم، وصبغه بالشكل والماهية العربيين، وهو ما لم يحدث بشكل كاف حتى الآن.
ورغم وطأة السياق الاجتماعي والسياسي على طبيعة المنتج الفكري والثقافي العربي بشكلٍ عام، فإن اللافت للنظر أن معظم القائمين على هذا العلم لا يتحلون بالقدر المطلوب من الرؤى التغييرية الحقيقية للعالم. فمعظمهم اكتفى بمهمة البحث عن علاج للمشكلات الاجتماعية من منظور اخلاقي تجريدي ، وقد توزع المشتغلون بعلم الاجتماع بين من سيطرت عليهم الرؤى المحافظة الجامدة المرتبطة بالموروث المقدس، ومن تجلى لديهم الانحياز الاجتماعي لصالح الفئة الحاكمة على حساب الفئات الأخرى الأكثر اتساعا . او بين الذين لهم رؤى دينية محافظة لا تمت الى العلم ونظرياته ومناهجة بصلة، حيث لم تحرك فيهم الرغبة الثورية التي ارتبطت بعلم الاجتماع الغربي دوافع تغيير الواقع الاجتماعي العربي عبر القرن العشرين وحتى الآن،. لقد تركت تلك الارتباطات والأصول الاجتماعية تأثيراتها المختلفة في القائمين على هذا العلم، وهو الأمر الذي انعكس لا محالة على طريقة نقلهم له، سواء عبر كتاباتهم المحافظة المختلفة، أو عبر طرائق تدريسهم التي لم تنطو على أى قدر من بعث الرؤى الجديدة، والحض على فهم الواقع الاجتماعي المعاش ومحاولة تغييره. وهذا ما ابعد العلم عن غايته ،فبدلا من ان يكون وسيلة للتحرر والتقدم والوحدة ساعد بقصد، او غير قصد، على تكريس التخلف والتبعية والتجزئة.
وبالتالي، فإن العلم لم يستطع أن يفرض لنفسه توجهاته العربية الخاصة به، من خلال مدارس عربية سوسيولوجية متابعة للواقع العربي وراصدة تحليليا ونظريا تحولاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد شهدت العقود الأخيرة انتشارا واسعا للعلوم الاجتماعية، وزاد الاهتمام بها في مختلف المجالات، وازداد التخصص في ميادينها، واصبحت تتفرع الى علوم متعددة تتناول مختلف مظاهر النشاطات التي تصدر عن الانسان كفرد او جماعة، وتعتمد المنهج العلمي اسلوبا للبحث والدراسة، ما يحفز على توفير المصطلحات والمفاهيم بشكل دقيق وموَحد، ويسهَل العمل على المشتغلين في هذا الحقل ، حيث ان تعدد المصطلحات للمفهوم الواحد يؤدي الى بلبلة التقدم في ميدان الانتاج العلمي وعرقلته.
ولما كانت مهمة الجامعة ومنهج العمل الجامعي يعتمدان على الفكر النقدي ، فان الدكتورمعتوق حمل هذا الهم، وجعل من هذا النقد مذهبا علميا عاما، محاولا اخراج الطلاب والمشتغلين في علم الاجتماع من ثنائية انقسام السوسولوجيا بين الفرنكوفونية والآنكلوفونية والنظريات التي تجمع بين الاثنتين على حد سواء، لافتا النظر الى المساهمات العربية من ابن خلدون مرورا بابن خلَكان وصولا الى الاجتماعيين المحدثين وما قاموا به من اعمال تتناول البنية الاجتماعية العامة، مركزا على دور المفاهيم والمصطلحات المستخدمة التي لم يواكب استخدامها التطورات المستجدة والمتتالية التي عجزت عن توصيف المشكلات التي يعانيها المجتمع العربي بشكل دقيق وموضوعي.
استنادا الى هذا الفهم وهذه المسؤولية انطلق فردريك معتوق بموسوعته مركَزا على اهمية التحليل السوسيولوجي، وعلى ضرورة استبدال التحليل لأفكارنا ومنشئها باعتماد الموضوعية والدقة العلمية الرصينة في تجديد المصطلحات والمفاهيم، وهي الطريقة التي سماها جان لوك " طريقة الأفكار الجديدة ". وبهذا يكون معتوق قد استخدم احد اشكال الطريقة الخارجة عن المألوف في الفلسفة المعاصرة التي تقوم على محاولة البحث عن تأملات الآخرين وآرائهم حول المشاكل المطروحة، موضحا كيف يتم الاعتراض؟ كيف تتم الصياغة؟ وكيف تطرح الحلول؟ حيث يبدو هذا خطوة اساسية في الطريقة العامة للمناقشة العقلانية.
لقد توزعت الموسوعة على قسمين: يحتوي القسم الأول على التعريف بالمصطلحات والنظريات الاجتماعية، بينما يتناول القسم الثاني التعريف بأبرز المشتغلين في علم الاجتماع على المستويين العالمي والعربي
بدا ان محتويات القسمين منسجمان ومتسقان مع بعضهما البعض الى حد بعيد، فتفسير النظرية وتحليلها لا يكون موضوعيا الا اذا اعتمدت المصطلحات التي تتوافق معها زمانيا ومكانيا، حيث ان استيراد هذه المصطلحات والترجمات غير الدقيقة يفرغها من مضمونها الأصلي الأمر الذي يوجب ضبطها ووضعها في مكانها المناسب.
تشتمل الموسوعة على جملة من المفاهيم والقضايا المحورية التي تحتاجها دراسة المجتمعات البشرية الحديثة وما قبل الحديثة، وتتميز بالجمع بين الشمول والتنوع مع التزام المنهج النقدي، وهذا ما يميزها في المساهمة في اذكاء روح البحث العلمي عند القارئ وتحفيزه على المتابعة.
فالمصطلح هو تعبير عن مفهوم يرتبط باذهان الناس ويؤثر فــــي سلوكهم، ويعجز الكثيرون ممّن لهم موقف مخالف له من انتقاصه ونقده او تغييره ،مخافة اصطدامهم بقوّة الواقع عند اختباره. فيلجأ هؤلاء الى استعمال المصطلحات نفسها بعد تفريغها من مضمونها او اقتصارهاعلى بعض معناها ، كالقول بانّ الديمقراطية تعني الانتخابات مع انّها اوسع من ذلــــك واشمل بكثير ، فهي نمط حياة وطريقة عيش تمتلك نظاما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفرديا بشكل متكامل .ومن خلال الاطلاع على بعض المصطلحات الرائجة اليوم وتطوّرها والنظر الى كيفيّـــــة استعمالها ، نتنبّه الى كمائن فكرية يراد زرعها من خلال اعتماد مصطلحـات تتناسب مع سياسة الاقوياء الذين يسخّرون وسائل اعلامهم ومناهجهم التربوية والثقافية ونفوذهم للترويج لما يريدون تصويره للناس من خلال ربطهم بهذه المصطلحات ، وخاصة اذا ما وعينا ان المصطلحات تلخص العقائد والايديولوجيا والمبادئ والاديان، كاطلاق مصطلح الاشتراكية على الفكر الماركسي ، ومصطلح الديمقراطية على النظام الليبرالي الرأسمالي،ومصطلح الخلافة على النظام السياسي في الاسلام ومصطلح الارهاب وغير ذلك. وللأثر الذي تحدثه المصطلحات عموما وجب ضبطها بالمفاهيـــــم العلمية والموضوعية التي تتآلف مع بنية المجتمع قبل اخذها والقبول بها، والا فقدت الامة تدريجيا ثقافتها المميّزة وذابــت هويتها . ومهما تباينت المواقف في النظر إلى المصطلحات فان الثابت الوحيد هو أن هذه المصطلحات والمفاهيم تفرض نفسها على المشهد المعاصر فكرياً وواقعياً، وتفرض على الكاتب والباحث والمفكر أن يتعامل معها. فالمفاهيم والمصطلحات التي تنشأ في بيئة ما وتفرض نفسها على المجتمع، يعتمدها العقل كمفاتيح معرفيّة للفهم أولاً، ولإيصال الأفكار أو تصديرها والدعوة إليها ثانياً.
بناء على ما تقدم، فإن السؤال هو: هل نختار المفاهيم والمصطلحات التي نفكّر ونعبّر من خلالها؟ إن الجواب هو: نعم ولا في الوقت ذاته، فهي في وقتٍ ما كانت خياراً، ولكنها تحوّلت مع الوقت الى كونها ضرورة تفرض نفسها على خياراتنا نتيجة تفاعل مجموعة من العناصر السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية والاقتصادية. فهناك مصطلحات تم تداولها في اللغة العربية كما لو كانت كتابا مقدسا وفي ظاهر امرها تظهر بصورة محايدة ولكن في واقع الامر هي مصطلحات متحيزة لوجهة النظر الغربية المعادية للعرب وللانسانية بوجه عام، كمصطلح الديمقراطية والعلمانية والحرية التي يختلف معناها الظاهري عن الباطني، اضافة الى مصطلحات أخرى تحمل اكثر من مدلول على حساب البنية الفكرية لكل مجتمع ، والتي ربما تتفق مع مجتمع وتختلف مع اخر على حساب موروثه الثقافي وما يحمله من مرجعيات. والخطورة، أيضا،لا تظهر في فرض هذه المفاهيم والمصطلحات لنفسها فحسب، بل تكمن كذلك في ما تلغيه أو تهمّشه من مفاهيم أخرى تتسم بالمرونة والتسامح.
لقد انطلق معتوق من أن منشأ النزاع في الأمور ليس نزاعا حول الكلمات، بل الى تحميلها اكثر مما يراد لها ان تقول، بحيث لا يدعو استعمالها الى اي لبس. وهكذا عمل على
لملمة المفاهيم والمصطلحات المشتتة واعاد صياغتها ودوزنتها في ضوء تجربته العلمية والبحثية بما يتوافق ومقصدها الأصلي. وهنا يعرض المؤلف مجموعة من المفاهيم التي لم تترجم واخرى تمت ترجمتها بطريقة مغايرة لمقصدها الأساس.فمصطلح مرونية مثلا (Resilience) ص. 149 ، لم تأت على ذكره معاجم العلوم الاجتماعية ، (كالمعجم النقدي لعلم الاجتماع ، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية )، بالرغم من شيوع استخدامه في مجال العلوم الاجتماعية وعلم النفس الاجتماعي، فمعناه الأصلي في الغرب يشير الى قدرة المعادن على الصمود امام التغيرات الحرارية، في حين ان معناه السوسيو-نفس اجتماعي يأخذ ابعادا اكثر شمولية حيث يشير الى ظاهرة صمود الفرد امام صدمة عنيفة تناولت حياته ص. 149 وهنا يفند معتوق وظائف الصمود الاجتماعي لدى الفرد من خلال تضافر مجموعة من العناصر الفردية والعائلية والمؤسساتية لاستعادة الضحية نشاطها الطبيعي. ولم يكتف معتوق بما وقع بين يديه من مصطلحات، بل اضاف مصطلحات جديدة تحاكي البنية الاجتماعية العربية قديمها وحديثها ، فقد احتوت موسوعته تفسيرا وتحليلا لمفهوم العصبية والجاه عند ابن خلدون، اضافة الى مصطلحات اخرى كست ص 86 البيت والمونة ص. 168وغيرها من المصطلحات البلدية التي لم يتطرق اليها احمد زكي بدوي في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ولا بودون بوريكو في المعجم النقدي لعلم الاجتماع. وعمل معتوق على ترجمة المفاهيم والمصطلحات الى اللغات العربية والفرنسية والانكليزية وتفسيرها وتحليلها وابراز العلاقة القائمة بينها بصفتها عملية تجميع وتركيب ناجمة عن تلاقي الأفعال الفردية في السياق الاجتماعي العام.
ففي سياق حديثه عن المناهج ص. 159 – 167 ، فلم يكتف بتعدادها وترجمتها كغيره، بل سبر غورها واعطى امثلة على كيفية استخدامها من ابن خلدون الى دوركايم الى ماكس فيبر، مركزا على الفوارق بين المنهج ( Methode) والمنهجية ( Methodologie)، انطلاقا من ادراكه بخلط الطلاب بين هذين الممصطلحين، فالمنهج هو الأداة التي يختارها الباحث في مقاربته الظاهرة التي يدرسها، في حين ان المنهجية تقوم على الخطوات التي تمكن الباحث من دراسة الظاهرة بشكل موضوعي. وهنا يضع معتوق اصبعه على الجرح الذي يعانيه غالبية الطلاب في تحديد مسار ابحاثهم وضبطها من خلال تركيزه على المسار الذي على الطالب او الباحث اتباعه حتى يبقى ضمن الدائرة التي توصله الى الأهداف المتوخاة من البحث.
لقد اتجه المؤلف ايضا الى تصويب تفسير النظريات الاجتماعية وطريقة التعامل معها، انطلاقا من ان اهمية النظرية تنبع من اتساقها بالحياة العامة حتى يمكن ملاحظتها ويطلق عليها تسميات متعددة ( كالمعتقدات والتخيلات...) ، كما ان النظريات الفيزيائية تستخدم في تفسير الوقائع الاجتماعية مثل ( الضغط يولد الانفجار). فرغم انها نظرية فيزيائية الا انها يؤخذ بها عند تفسير الواقعة الاجتماعية، ما يعني ان للنظرية دورا هاما في حياتنا العامة حيث تعطينا مجالا اوسع لفهم الظواهر الاجتماعية التي نعايشها يوميا، وتعطينا القدرة على التنبؤ بسير هذه الظاهرة.
لقد اختار المؤلف عدة نظريات تتسم بشموليتها وقدرتها على تفسير الفعل الاجتماعي من ناحية، وما اثارته من جدل ونقاش من ناحية ثانية. فمن نظرية داروين التي تعتبر من اكثر النظريات التي انتشرت في الأوساط العلمية واحدثت دويا كبيرا في قطاعات متنوعة مرورا بنظرية دوركايم والفعل الاجتماعي الى بيار بورديو، وما اثارته نظرية الهابيتوس من جدل واسع عندما طرحها لأول مرة في كتابه نظرية الممارسة، وان اختيار معتوق نظرية الحقول عند بورديو ص. 175 نابع من اهمية الاعتماد على الحقل الخاص بدراسة الظاهرة حيث ان بورديو يعتبر "ان النظرية من دون بحث امبريقي خواء والبحث الامبريقي من دون نظرية هراء" .
في القسم الثاني يفتح المؤلف بابا لم يسبقه اليه احد حيث يعرَف من خلاله، بعدد من رواد علم الاجتماع العرب، فاسحا المجال لعمليات التبادل الثقافي والمعرفي بين المشتغلين في مجالات البحث الاجتماعي، منوها باختصار شديد بما قدموه في هذا المجال. وبهذا يكون معتوق قد حقق عدة اهداف برمية واحدة. فالى جانب اعترافه بالجهد الذي قدمه بعض العلماء العرب والأجانب، ان كان على مستوى التنظير او على مستوى الترجمة، فانه قدم مادة غنية بالمعلومات عن ابرز اعمال الباحثين في العمل الاجتماعي من ابن خلدون الى اوغست كونت الى بورديو، وصولا الى العلماء العرب واللبنانيين بوجه خاص .
وعلى الرغم من هذا الفيض في التفتيش والتقميش، يبقى معتوق متواضعا الى اقصى درجات التواضع حين يقول في ص.13 " ان هناك عددا من الأعلام لم آت على ذكرهم لعدم اطلاعي على اعمالهم ، اذ جل من لا يخطىء" وهنا ينطبق عليه القول: "كلما ازددت معرفة ازددت تواضعا"
فردريك معتوق واحد من ابرز علماء الاجتماع العرب واكثرهم حداثة وتأثيرا، فهو الى جانب اشغاله منصب عميد معهد العلوم الاجتماعية منذ تسع سنوات ونيف، ما زال يعمل في المجال البحثي والاكاديمي، حيث اصدر خلال العقود الأخيرة ما يزيد على عشرين مؤلفا في ميادين اجتماعية ومعرفية مختلفة وبلغات عدة. وتأتي هذه الموسوعة لتشكل قيمة مضافة الى غزارة انتاجه الثقافي والمعرفي، ولتغني المكتبة العربية بما تحتويه من نظريات ومصطلحات ومفاهيم وفهارس تم اعدادها واتقانها بمستوى رفيع من الرصانة العلمية والموضوعية.
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
