إبن امبارح مقالة دكتور مصطفى محمود

إبن امبارح ...
لم أكتب هذا الكلام إلا بعد أن فاض بي الهم و غُلُب حماري و باظت أعصابي .
و ما سأعرضه ليس مشكلة خاصة بي وحدي و لكنها مشكلة جيلنا كله .
و المشكلة هي مشكلة الآباء الذين ينظرون إلينا نظرة لا تتغير مهما تعلمنا و كبرنا و طلع لنا شنب .. فنحن في نظرهم " شوية عيال " .
واحد زي حلاتي سني 25 سنة و أسمع من يقول لي " تعرف إيه انت في الدنيا يا ابن امبارح " .
و ياما شلتك على كتفي و انت في اللفة ماتساويش ثلاثة أبيض .
" و هو كل من طلع له شنب بقى راجل .. ؟! " .
و أنا أحب والدي و أحترمه ، و أَعلم قيمة رضاه و مكانته عند الله .. و لكن لكل شيء حدود .. و فيه حاجات تجنن .
أنا مثلاً أقطن في حي بلدي مختلط بجميع الفئات .. طلبة و عمال و موظفين .. و أنا شخصياً في نهائي إحدى الكليات و أعمل موظفاً في نفس الوقت .. و قبل ذلك كنت أعمل بالمدابغ .. ثم بالفاخورة .. ثم الرمالي بالسيدة .. ثم بأحد مصانع الحلوى .. و أخيراً إلتحقت بهذه الوظيفة .. و بحكم هذه الأعمال المتعددة أصبحت لي خبرة بالحياة و بالناس .. و لكني مع ذلك ما زلت في نظر السيد الوالد .. " العيل ابن امبارح اللي لا راح و لا جه .. " .
إذا حاولت أن أُبدي رأياً كان هو أول من يُسَخِّف هذا الرأي .. " و انت إيه كمان اللي حاتتكلم في أمور ماتفهمهاش .. ! " .
التجديد في أثاث البيت عيب .. و اللبس النظيف حرام .. و الأكل في مواعيد محددة كلام فارغ .. و استبدال الطبلية القديمة أم رجلين مكسرة بسفرة لطيفة .. إفتراء على الله و بَطَر ، و البطر من زوايل النعم .. و دهان البيت فخفخة كدابة .. و طلب الهدوء للمذاكرة مالوش لازمة .. و اللي عاوز يذاكر حايذاكر في مولد أو في سويقة .
و الذهاب بأختي 18 سنة إلى السينما بوظان .. و شراء الصحف و المجلات إسراف .. و الإشتراك في أحد النوادي تلف .. و عيشة قرف في قرف .
تَحمَّلنا و رَضِخنا للأوامر حتى بلغت الروح الحلقوم .
لو صادف و جالسته مع أصدقائه ، وجدته يُلقي الحِكَم و المواعِظ في التربية الحديثة .. " و إن كِبِر ابنك خاويه " و " الجواز سُترة للبنت و صيانة للولد " و " المشورة في الرأي من حُسن الفِطَن " إلخ .. إلخ .
فإذا ترك جلسة الأصحاب و دخل البيت .. تبخرت كل هذه النصائح و انقلبت إلى العكس .. فلا مشورة .. و لا احترام لصغير و لا لكبير .
لي أخ أكبر تجاوز الثلاثين ، إختار فتاة يحبها و تحبه .. و طلب من الوالد السير في إجراءات الزواج .. لكنه رفض .. لأنها لم تأت عن طريقه هو ، فهي لذلك " بنت ملعونة مش بتاعت عيش .. و اشمعنى عاوز تتجوز اليومين دول !! .. لسه بدري عليك .. لما تكمل خمسة و ثلاثين .. أربعين سنة " .
و تتعجب إذا قلت لك .. إني حينما أشتري قميصاً جديداً أُخفيه عن العيون ، و أُبِلُه ثم ألبسه مكرمشاً حتى يبدو نص عمر ، لأتخلص من الموشح الذي يستقبلني به الوالد العزيز عن المصاريف اللي مالهاش لازمة .. و العياقة .. و الوجاهة .. و الظاهر إحنا بقينا خواجات .
و ليس هذا حالي وحدي .. فلي صديق محترم ، موظف قد الدنيا .. و عمره ربع قرن .. و مازال أبوه يناديه بلقب " يا واد " .. و يستولى على مرتبه و يعطيه مصروفه اليومي .. فإذا فتح فمه إحتجاجاً .. صرخ الوالد في استنكار " آدي آخرة تربيتنا . خسارة شقانا و تعبنا .. الواد بيبجح فيّا " .
و صديق ثانٍ يعمل محصلاً بأحد الأفران و منتسب في كلية ، و في العام الماضي حصل على درجة امتياز في القانون التجاري و المحاسبة ..
و مع ذلك أسمع بأذني السيد والده يلوح يديه في وجهه قائلاً ..
" و ده يفهم غيه في الدنيا والا يعرف إيه عن المسئولية العيل ده ! .. و الله بعد ما أموت حايلف عالأبواب يشحت " .
و صديق ثالث غلبان صمم أبوه على تزويجه بالإكراه من فتاة لا يحبها و لا يطيقها لأنه يريد أن يفرح به ..
" و الله العظيم .. ثلاثة أيمان بالله العظيم لو خرجت عن طوعي لا انت ابني و لا اعرفك .. و أنا يا ابني راجل كبير .. لو عشت السنة دي مش حاعيش السنة الجاية .. و عاوز أشوفك عريس و اتهنى بيك " .
و العريس الغلبان طالب أيضاً و موظف .. إيراده على قده .. يريد أن ينتظر حتى يجد شريكة حياته التي يحبها و تحبه .. و حتى تتحسن ظروفه المادية .
باللـّـــه عليــك .. كيــف يفكــر هــؤلاء الآبـــاء .. ؟! .
و كيــف نعيــش معهــم و هـم بهـذا الجمــود .. ؟! .
عُمر . ع. أ.
خرطة أبو السعود
****************
رد الدكتور على الراسل :
هذه الرسالــة لكل أب ليستفيــد العِبـرة .. و يأخـذ درســاً في معاملــة الأبنــاء ..
أمـا أنـا .. فليــس عنـدي مـا أقــولـه .
من كتاب / إعترافات عشاق

محمد فرج كتب:

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أخي الفاضل أستاذ


محمد فرج

بارك الله فيك