المرأة التي نقضت غَزْلَها
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ولا تكونوا كالتي نقضت غَزْلها من بعدِ قوةٍ أَنْكاثاً [النحل: 92]. فمَن هي هذه المرأة التي تعدّدت روايات علماء التفسير بشأنها حتّى ذكروا في بعض الروايات أنّها شخصية وهمية ضرب الله تعالى المثل بها للدِّلالة على عدم الوفاء بالعهود ونقض المواثيق! بينما ذكرت الروايات الأخرى بأنّ هذه المرأة تدعى (رَيْطة) وهي امرأة قرَشية كانت تعيش في مكّة وتلقّب بـ(الجعراء) وكانت امرأة حمقاء تغزل الغزل هي وجواريها، فإذا غزلت وأبرمَتْ أَمَرَتهن فنقضن ما غزلن فكان عملهن هباءً منثوراً!
من خلال قصتها هذه نستطيع أنْ نستشفّ بعض الملامح من شخصيتها فهي كانت نموذجاً:
1- لـلـمـرأة الغـنـيـة المترَفــة: والـدليـل اتخاذها الجواري، ولكنها في الوقت نفسه مبذّرة لأنها آثرت إنفاق أموالها على أشياء لا تنفع مثل شراء الغَزْل وإبرامه ومن ثُمّ نَقْضه.
2- للمرأة التي لا ترفق بجواريها وخادماتها إلى درجة أنّها كانت تكلفهنّ من الأعمال وتستنفد طاقاتهن ثم تستخفّ بجهودهنّ وتضيّع أوقاتهن هباءً.
3- للمرأة التي تهدر أوقاتها وأوقات جواريها في مجالس تافهة؛ فقد كان بإمكانها استغلال هذه الأوقات في أشياء مثمرة ومفيدة ممّا ينفعها وينفع جواريها من أمور الدنيا والآخرة. مثلما فعلت زُبيدة زوجة هارون الرشيد التي ذكر ابن خَلِّكان عنها (أنّه كان لها مائة جارية كلهنّ يحفظن القرآن الكريم... وكان يُسْمَعُ لهنّ في القصر دَويٌّ كدويِّ النحل، وكان وِرْدُ كل واحدة عُشْر القرآن).
4- للمرأة التي تملك أهدافاً واهتمامات تافهة تقتصر فقط على إبرام الغَزْل ونَقْضه.
5- رَيْطة صورة المرأة التي لا تقدّر قيمة العمل بل على العكس تستصغره وتحتقره لأنها جعلته وسيلة لإتلاف المال وفرصة لإضاعة الوقت مع أنه كان من الأجدر لها أنْ توظّف عملها هذا - مهما كان صغيراً - لخدمة مجتمعها لا سيّما أن الله سبحانه وتعالى في العديد من الآيات القرآنية يحثّ على العمل وقل اعملوا....
6- للمرأة التي تدفن موهبتها ومهارتها بيدها مع أنّه كان بإمكانها تنمية هذه الموهبة - الغزل - واستثمارها لمساعدة الفقراء والمحتاجين كما فعلت أم المؤمنين زينب بنت جحش؛ فقد كان يُروى عنها أنّها امتهنت الخياطة وكانت تُنفق من خلالها على الفقراء والمساكين.
7- للمرأة الحمقاء لأنّ تصرفها هذا بعيد كل البُعْد عن الاتزان، وكما قال قتادة: فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعدِ إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه!!
8- للمرأة التي تعاني من نقصٍ أو حرمان في حياتها الشخصية، وتسعى للتعويض عنه بهذا التصرف الشاذّ وغير السويّ الذي يدل على بُعدها عن الله سبحانه وتعالى.
خِتاماً نقول: إنّ أعداء الأمة يكيدون للإسلام ويعملون ليلاً ونهاراً نساءً ورجالاً دون كلَل أو تعب للوصول إلى مبتغاهم؛ لذلك لا يليق بالمرأة المسلمة اليوم التي سمعت وقرأت تحذير الله سبحانه وتعالى ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدِ قوّةٍ أنكاثاً.. أنْ تعيش بعد ذلك بلا قضية ودون هدف واضح فتضيّع مواهبها ومهاراتها، أو تسعى لتوظيفها في معصية الله تعالى، وأن تضنّ بجهودها وطاقاتها وتبخل بأوقاتها وأموالها وتنأى عن العمل لدين الله، لأنها بذلك ستخون الأمانة وستنقض عهدها مع الله تعالى كما نقضت تلك المرأة غَزْلها فأصبح عملها هباءً منثورا.
________________________________________________________________________
التوقيع
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
