🔷 *السّيرُ على الوجوه*:
اقتضت مشيئة الله العادلة أن تجعل الجزاء من جنس العمل، ولذلك فإن الذين تنكبّوا طريق الاستقامة، *فعَمُوا* عن رؤية الحقيقة، *وصَمّوا* عن سماع صوت الحق، *وخرسوا* عن قول كلمة العدل؛ هؤلاء سيحشرهم الله يوم القيامة *عُمياً وبُكْماً وصُمّاً*، كما قال تعالى: {ومن يهدِ الله فهو المهتد ومن يُضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه *ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبُكماً وصُماً* مأواهم جهنم كلما خَبَتْ زدناهم سعيراً، ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أءِذا كنا عِظاماً ورُفاتاً أءِنا لمبعوثون خلْقاً جديداً} [الإسراء: 97,98].
لقد مشى هؤلاء *مُكبين على وجوههم* عندما تنكّبوا صراط الاستقامة: {أفمن يمشي *مُكِباً على وجهه* أهدى أم من يمشي *سوياً على صراط مستقيم*}، فكان جزاؤهم من جنس عملهم !
🔷 *عندما تَحيقُ السيئاتُ بأهلها*:
لا شك أن *الثمار* من جنس *البذور*، وأن المخرجات من ذات المدخلات والنتائج من أصل المقدمات، وبذلك نعرف أنه لا غرو في أن تكون *الدنيا* مزرعة *الآخرة*، وأن يكون الإنسان هو الزارع فيها، وسيحصل في الآخرة على ثمرة ما زرعه في الدنيا.
وتطبيقاً لهذه القاعدة القرآنية، فإن الله يقول: {وبدا لهم سيئاتُ ما عملوا *وحاقَ بهم ما كانوا به يستهزءون*، وقيل اليوم *ننساكم* كما *نسيتم* لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصِرين} [الجاثية: 33,35]، فالذين نسوا الله في الدنيا نساهم الله في الآخرة، والذين استهزؤوا *بآيات الله* استهزأت بهم *ملائكة الله* وهي تذيقهم العذاب الأليم بما صنعوا !
🔷 *بُحيراتُ التكذيب*:
من المعلوم أن أطول الرسالات عمراً هي رسالة نوح عليه السلام، فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً داعياً، حيث تفنَّن خلال هذه القرون التسعة في دعوتهم سراً وعلانية، وتذكيرهم ليلاً ونهاراً، وما فتئ يدخل عليهم من كل باب، ويستخدم معهم كل وسيلة، لكنه وُوجه بالصّدّ والتكذيب !
وما زال التكذيب بآيات الله *يتساقط كالمطر*، حتى كوّن *بحيرةً نكدة* من العذاب الأُجاج الذي أغرق المكذبين، قال تعالى: {فكذبوه فنجيناه ومن معه في *الفُلك* وجعلناهم خلائف *وأغرقنا الذين كذّبوا بآياتنا* فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} [يونس: 73].
🔷 *الجزاءُ المناسب*:
إن قاعدة الجزاء الإلهي تقوم على أساس العدل المطلق، فالناس يختارون طريقهم بأنفسهم، ويصنعون مصيرهم بإرادتهم، وهذا ما يؤكده قوله تعالى: {إن الله *لا يَظلم الناسَ شيئاً* ولكن الناس *أنفسَهم يَظلمون*} [يونس: 44]، هذا في الدنيا، ويتأكد الأمر ذاته في المصير الأخروي، قال تعالى في ذات السورة: {ولو أن لكل نفس *ظلمت* ما في الأرض لافتدت به وأسَرّوا الندامة لمّا رأوا العذاب وقُضِيَ بينهم بالقسط وهم *لا يُظلمون*} [يونس: 54].
ولذلك لا مكان في المنهج الإسلامي للذرائع المكذوبة والمبررات الواهية، ولا يلومنّ أحدٌ إلا نفسه: { *بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى مَعاذيرَه*}!
🔷 بُورِكَ المُتَدَبِّرون
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
