الصحافة الصفراء / الدكتور خليل البدوي

الصحافة الصفراء 
الدكتور خليل البدوي
    يقصد البعض بالصحافة الصفراء، صحافة الإثارة أياً كانت الإثارة سياسية (أسرار السياسيين والفنانين ورجال الأعمال وقضايا أخرى يتمثل في الاستفادة المالية) أو اجتماعية أو جنسية وقد يُقصد البعض الآخر مفهوم تضخيم الحدث والمبالغة في سرده، أنها صحافة تفتقر إلى المصداقية، والدقة، وتميل إلى التهويش والتهويل والمبالغة، وتعتمد على الإشاعات أو الأخبار الكاذبة أو الأخبار المحرفة أو الأخبار المصنوعة، وتشمل مجمل الممارسات القائمة على أساس الابتزاز في العمل الصحفي، واختلاق القصص المثيرة، والمبالغة المسيئة، وتحريف الكلام عن مواضعه بقصد الإثارة، وإن كان على حساب الغير وإدعاء العلم بالأشياء، ومحاولة تشويه صورة الآخرين، والترويج للأكاذيب والخرافات، دونما نظر لخطورة تأثيرها على وجدان الأمة ونفسية الجماهير.
     ساعد علي نشوء هذه الصحافة الناشر والصحفي وليم راندولف هيرست (1863- 1951)، وقد كانت له في كل ناحية من مناحي الولايات المتحدة الأمريكية صحيفة أو مجلة، فانتهج في نشر الأخبار نهجاً مثيراً، فأظهر الفضائح والجرائم مما ساعد علي نشوء الصحافة الصفراء. 
وينقل لنا السيد محسن محمد مؤلف كتاب "حكايات صحفية" ما يقوله "وليم هيرست" عن نفسه: 
"قوطعت لأني صديق لليهود، ثم قوطعت لأنني لست صديقاً لهم .. واتهمت أيضاً بأنني صديق لهتلر، ثم طرد هتلر جميع مراسلي من بلاده لأنني عدو له، ولم يحبني الجمهوريون لأنني لم أؤيد الرئيس" ?ريت ?وفر"، كما كر?ني الديمقراطيون لأني لم أؤيد « روزفلت"، والآن قاطعني الاشتراكيون والشيوعيون على السواء!".
    ويشير سيد محمود مؤلف كتاب"الصحافة المشبوهة"، إلى أن"وليم هيرست" اشترى صحيفة "جورنال" عندما كانت توزع ٣٠ ألف نسخة، وفي أشهر قليلة وصل توزيعها إلى ٤٠٠ ألف نسخة، فقد استطاع ?ذا الرجل جلب القراء السلبيين الذين لا يحرصون على قراءة الصحف بشكل عام إلى أطروحاته، خصوصاً بعد موقفه المتشدد والمعارض لفكرة دخول أمريكا الحرب بجانب إنكلترا، مما جعل السلطات تعطل وكالة الأنباء التي كان يمتلكها وتم طرد جميع مراسليه من فرنسا، وكان كل من يحمل إحدى صحفه في كندا يلقى به في السجن لمدة 5 أعوام ويدفع غرامة مالية بقيمة 5 آلاف دولار!
     بينما هناك من يرجعها إلى صحافة الكاريكاتير التي سا?م في انتشارها الرسام الش هير بلاتونريتشارد الذي ابتدع أول شخصية كاركاتيرية جماهيرية في الصحافة الأمريكية باسم "الولد الأصفر" الذي كان يناقش القضايا السياسية بطريقة ساخرة وموجعة للسياسيين، وبسببه أطلق لقب الصحافة الصفراء على ?ذا النوع من الصحافة.
بينما هناك رأي آخر يقول: لقد ولدت الصحافة الصفراء في أواخر القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً في مدينة نيويورك، وذلك حين أبدع أحد الكاريكاتوريين في تصوير الحياة في مباني المدينة المزدحمة، وبرزت من خلال الرسم طفلة بلباس أصفر نالت بعد ذلك شعبية كبيرة وصارت تعرف بالطفلة الصفراء، وعندما انتقل الرسام إلى صحيفة منافسة أخذ معه تلك "الطفلة" وراح يواصل رسمها هناك، وحافظت الصحيفة الأولى على "الطفلة الصفراء" عبر رسام آخر، ثم ظهرت الطفلة في مواد إعلانية ترويجية كثيرة لكلا الصحيفتين المتنافستين، ونشبت حرب التوزيع على أشدها بين الطرفين، وكانت الإثارة هي التي تقف وراء الجميع، ومن هتاك أطلق لقب « الصحافة الصفراء ** على صحافة الإثارة. 
    وهناك مصادر تشير إلى أن تعبير الصحافة الصفراء يعود إلى المسلك الذي أنتهجه الصحافي الأمريكي" بولستينجوزيف"، صاحب أ?م جائزة أمريكية في المجال الصحافي، فقد ابتدع هذا الصحافي طريقة جديدة في الصحافة تعتمد على الخبر القصير والفكرة البراقة، والبحث عن الجانب الآخر غير المعروف من الحقيقة، كان ذلك عام ١٨٨٣ بعد شراءه لصحيفة "نيويورك وولد".
     ومن التحليلات عن تسميتها بالصحافة الصفراءً لأنها كانت تطبع على أوراق صفراء رخيصة الثمن وقد تكون الصحف الصفراء يومية أو أسبوعية أو شهرية أو دورية.
     بينما يذهب رأي آخر إلى أنها تلك الكتب القديمة عديمة النفع والقيمة التي أكل الدهر عليها وشرب، واصفرت أوراقها وتقادمت معلوماتها، ولم تعد ذات صلة بالحاضر. 
    يقول صاحب القاموس المحيط: الصفرة، بالضم، السواد ـ من الأضداد ـ وقد اصفر فهو اصفر (وهي صفراء) والصفراء المرة (المرارة) المعروفة، والصفر بالتحريك: داء في البطن يصفر الوجه، واصفر .. افتقر وصفرت وطابه: مات. 
    يقول السيد محمد ناجي عمايره: أن مصطلح (الصحافة الصفراء) ومثله الكتب الصفراء إشارة ذات معنى إلى خلوها من المضمون، والى ما فيها من داء ومرض، وهزال وغرض. 
واحسب أن هذا هو المعنى المقصود بإلصاق هذا اللون وإضافته إلى الصحافة أو الكتب ليكون مجازاً يفيد القدح والذم.
   يضيف آخر: ?ي الصحافة التي تسترزق من أخبار و فضائح المجتمع و الفنانين و المواضيع الجنسية و مواضيع السحر و الشعوذة و قشور الدين، و الكثير من المعلومات التافهة والخاطئة، وأغلبية المادة الإعلامية (إن كان بالإمكان إطلاق هذه التسمية عليها) بهذه الصحف تكون مسروقة و مأخوذة من وسائل إعلام أخرى وفي الغالب من مواقع شبكة الانترنت.
وهناك كتابات وتحليلات طرحت منها:

 (الصحافة الصفراء.. نشأتها وتطورها وضوابطها (برنامج كواليس، الجزيرة نت).
   والصحافة الصفراء.. مرفوضة ومدعومة.. للناشط والكاتب الجزائري جمال الدين بوزيان.
 والفضائح.. نفايات الصحف الصفراء أم كنوزها، خدمة" واشنطن بوست" لجريدة "الشرق الأوسط ".
   وعن الصحافة الصفراء أحدثكم، للكاتب هاني الظا?ري، موقع الحوار المتمدن.
   و....?ل في اليمن صحافة صفراء؟ ، للكاتب اليمني عبد الرحمن عبد الخالق.
بقي أن نعرف أن هذه الصحافة تسمى في أوروبا "صحف التابولويد" أو الأشبه بالصحف الشعبية.
صحافة التابلويد هي كلمة تعني (المركز أو المكثف أو شديد الإيجاز، بالغ الصغر)، وتتميز عن غيرها من الصحف التقليدية بقطعها وشكلها المستطيل غالباً، وتصميم بنيتها بحيث يعرفها القارئ. 
ويقول السيد عبد العزيز محمد الذكير في مجلة الرياض اللكترونية: برزت كلمة "التابلويد" في عالم اللغة الانكليزية حوالي العام 1840م وجاءت لتخدم الطب فهي كانت تشير إلى عملية تركيز عنصر الدواء في هذه الحبة أو تلك.

 وفي العام 1900م سرقها الصحفيون - كما يسرقون غيرها من الكلمات - وجعلوها تشير إلى صحافة تكثر من استعمال المختصرات خدمة للقارئ وعادة تكون أخبارها حسية ومثيرة، وتميل إلى معالجات الموضوعات المثيرة، وظن مصنفوها أول الأمر أن هذا النوع من الصحافة يجتذب مسافري السكك الحديد وقطارات الأنفاق والحافلات لأن الصحف التقليدية تأخذ حيزاً بين أيدي القارئ وتجعله يضايق بها غيره.. أو ربما تطفل غيره من جيرانه في مقاعد القطار على قراءة الجريدة التي اشتراها الراكب لنفسه.
   وفي بريطانيا تحرص النخبة على اقتناء الصحف الرزينة.. وليس الـ .. تابلويد.. حتى لا يبوب نفسه ضمن الباحثين عن ثقافة الإثارة. 
وصحف التابلويد تستعمل الحروف المطبعية الكبيرة لذكر اسم الشخص وفي الصفحة الأولى، خصوصاً إذا جاء خلف اسمه فضيحة.
    وأياً كانت المفاهيم فإن الجميع يجمع على هذا النوع من الصحافة الصفراء أو صحف الإثارة بأنها تلقى هوى ورواجاً لدى  بعض القراء.
    وقد أصدرت"جمعية الصحافة الأمريكية الحرة" عام ١٩٩٨ دورية خاصة بمناسبة الاحتفال بالذكرى "115" بما يسمى بالصحافة الصفراء، بعنوان:
 "الشعيرة الفاصلة بين الصحافة الصفراء والمحترمة فاصل و?مي" ورد فيه أن هناك صحفاً في العالم اتهمت بالصحافة الصفراء لأن جريمتها الوحيدة كانت كشف الفساد والسرقات والاختلاسات، ناهيك عن الفساد الأخلاقي لبعض المتنفذين ومالكي رؤوس الأموال، بالإضافة إلى اتهامات أخرى.