منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007

تجمع انساني،اسلامي،ثقافي،ادبي،اجتماعي،تقني،رياضي،فني وترفيهي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
رباعيات في حبك
عبق ذكراك بقلمي مونتاجي والقائي الصوتي
عبارات عن القرآن في رمضان
في انتظار الزائر الكريم محمد محضار
من أي أنواع العبادة تعتبر قراءة القران
ما أبرز الفوائد من “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله”
كيف بين النبي امور الدين من خلال حديث جبريل المشهور
أحاديث عن الصبر والحلم والعفو والوفاء بالعهد
أقوال خلدها التاريخ عن الوفاء
الجمعة نوفمبر 01, 2024 8:20 am
الجمعة نوفمبر 01, 2024 8:01 am
الجمعة مارس 01, 2024 10:21 pm
الجمعة يوليو 14, 2023 12:05 am
الخميس أبريل 27, 2023 10:40 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:37 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:33 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:30 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:28 pm










شاطر
 

 أخـلاقيات الخـلاف

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ايمان الساكت
نائبة المدير العام -فراشة اشتياق - اديبة
ايمان الساكت

انثى
تاريخ التسجيل : 18/10/2013
عدد المشاركات : 56084
نقاط التقييم : 60064
بلد الاقامة : مصر- القاهره
علم بلدك : Egypt مصر
الحمل

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالسبت مايو 24, 2014 1:37 pm

للخلاف آداب وأخلاق يجمل الاتصاف بها والوقوف عليها للأخذ بها، من أبرزها :
أولاً: عدم التثريب بين المختلفين؛ فلستَ بأصدق إيماناً بالضرورة، ولا أوسعَ علماً، ولا أرجحَ عقلاً ممن تختلف معه، ولهذا قال يحيى بن سعيد: ما برح المستفتون يسألون، فيجيب هذا بالتحريم، وهذا بالإباحة، فلا يعتقد الْمُبيحُ أن الْمُحَرِّمَ هلك، ولا يعتقد الْمُحَرِّمُ أن المبيحَ هلك.

وكان الإمام أحمد يقول: ما عبر الجسر إلينا أفضل من إسحاق، وإن كنا نختلف معه في أشياء؛ فإنه لم يزل الناس يخالف بعضهم بعضا.

كتب أحدهم رأياً في مسألة من المسائل الفقهية ونشرها؛ فقال له أحد المناقشين: لماذا تبحث هذه المسألة التي لم يبحثها العلماء من قبلك؟!
قال له: لقد بحثوها وأوسعوها بحثاً.
قال له: إذاً فلماذا تبحثها وقد بحثوها، ألا يكفيك بحثهم عما فعلت.
إن أفهام الرجال ليست وحياً، والمدارس الفقهية، أو الدعوية ليست هي الإسلام، وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه.

وفي صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : ( وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ).

لاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي رجلاً من أصحابه اختاره لقيادة الجيش، والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر بين أظهُرهم، ويقول له: لا تنزل الناس على ذمة الله وذمة رسوله، ولا على حكم الله وحكم رسوله؛ لأنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله وحكم رسوله أم لا ، ولقد سمعت بأذني غير مرة من يتكلم بمسألة قصارى ما يُقال فيها: إنها اجتهادية؛ فيقول: أنا لا أتكلم من قِبل نفسي أنا لا أقول برأي، وإنما هذا منهج الله، هذا حكم الله، و أقول: سبحان الله؛ فهل الآخرون يأخذون من التوراة، أو الإنجيل؟ كلا؛ بل الجميع يدورون على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يكون المعنى قابلاً لأكثر من اجتهاد، وأكثر من محمل، وأكثر من رأي.


يقول ابن القيم -رحمه الله-: لا يجوز أن يقول لما أداه إليه اجتهاده، ولم يظفر فيه بنص إن الله حرم هذا وأوجب هذا، أو هذا حكم الله.

ويقول ابن تيميه -رحمه الله-:ولكن كَثِيرًا من النَّاسِ يَنْسُبُونَ ما يقولونه إلى الشَّرْعِ وليس من الشَّرْعِ ; بل يقولون ذلك إما جَهْلاً وَإما غَلَطًا وَإما عَمْدًا وَافْتِرَاءً.

إنه لا وصاية على الناس ولا إلزام بمذهب معين، وقد عرض المنصور على إمام دار الهجرة مالك بن أنس أن يعمم كتاب الموطأ على الأمصار، وأن يُلزم الناس بالأخذ به، فنهاه عن ذلك، وقال: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وعملوا بذلك، ودانوا به من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم.

وهذا من فقه هذا الإمام وتقواه؛ فإن كثيراً من المختلفين لو استطاع أحدهم أن يستميل إليه السلطان ليتقوى به على خصومه؛ لفعل.

وقد وقع هذا كثيراً في التاريخ والواقع؛ فإن كثيراً من المختلفين من المذاهب الفقهية أو الاعتقادية، ربما استنصروا بالسلطان على خصومهم وأعدائهم؛ فأبعدوهم وآذوهم.

ثانياً: الإنصاف كما قال عمار رضي الله عنه في صحيح البخاري: ( ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ : الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ ).

والإنصاف خلق عزيز يقتضي أن تنزل الآخرين منزلة نفسك في الموقف، والإنصاف ضرورة، وله قواعد منها:

1. أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين؛ فمن ثبت له أصل الإسلام لا يخرج من الإسلام ويحكم بكفره إلا بيقين، ومن ثبتت له السنة لا يخرج منها إلا بيقين، وهكذا من ثبت له شيء؛ فإنه لا يُنزع منه إلا بيقين.

2. الخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر؛ أي لو أنك حكمت لشخص بالإسلام بناءً على ظاهر الحال، حتى لو كان من المنافقين مثلاً أو ليس كذلك؛ فإن هذا أهون من أن تتسرع وتحكم على شخص بالكفر، ويكون ليس كذلك؛ فتقع في الوعيد ( وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللَّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ ). أي رجع عليه .

3. في مسائل الاجتهاد لا تأثيم ولا هجران، وهذا ذكره ابن تيمية -رحمه الله- وهذا مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون تأثيماً لكل من اجتهد في المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمن استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل ، وكان أهلاً لذلك، فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يكون ثمت تهاجر بين المؤمنين.

4. التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه، حتى لو كان من طائفة، أو كان من أصحاب قولٍ، يصح أن يوصف أنه كفر، وها هو الإمام أحمد -رحمه الله- كان يُكفّر الجهمية، ويكفر من يقول القرآن مخلوق، ومع ذلك لم يكفر أحداً منهم بعينه، لا المأمون ولا سواه، بل كان يدعو له، ويستغفر له، ويجعله في حِلٍ مما صنع فيه .

5. الأخذ بالظاهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) .

6. تسلط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، ولقد اتفق أهل السنة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ، بل عامة المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ، يقول ابن رجب -رحمه الله-: أكثر الأئمة غلطوا في مسائل يسيره، مما لا يقدح في إمامتهم وعلمهم فكان ماذا؟ لقد انغمر ذلك في بحر علمهم، وحُسن مقصدهم، ونصرهم للدين، والانتصاب للتنقيب عن زلاتهم ليس محموداً ولا مشكوراً، لاسيما في فضول المسائل التي لا يضر فيها الخطأ، ولا ينفع فيها كشفه وبيانه.

والعجيب أن كثيراً من الناس قد يتحفظون ويتورعون عن أكل الحرام -مثلاً-، أو عن شرب الخمر، أو عن مشاهدة الصور العارية والمحرمة، ولكن يصعب عليه كف لسانه؛ فتجده يَفْرِي في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول، ولهذا قرر العلماء أن كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لاسيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله.

قال الذهبي -رحمه الله-: ما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئتُ لسردت من ذلك كراريس.

سأل أحمد بن حنبل -رحمه الله- بعض الطلبة من أين أقبلتم؟ قالوا: جئنا من عند أبي كُريب، وكان أبو كُريب ينالُ من الإمام أحمد، وينتقده في مسائل؛ فقال نِعم الرجل الصالح! خذوا عنه وتلقوا عنه العلم، قالوا: إنه ينال منك ويتكلم فيك! قال أيُّ شيء حيلتي فيه، إنه رجلٌ قد ابتُلي بي. وحدث الأعمش عن زِرّ بن حُبيش وأبي وائل، وكان زر بن حُبيش علوياً؛ يميل إلى علي بن أبي طالب، وكان أبو وائل عثمانياً، وكانوا أشد شيء تحاباً وتوادّاً في ذات الله عز وجل، وما تكلم أحدهما في الآخر قط حتى ماتا، ولم يُحدث أبو وائل بحضرة زر؛ لأنه كان أكبر منه سناً، ولهذا قال الذهبي -رحمه الله-: وهو يترجم لأبي محمد بن حزم صاحب الْمُحلى وشيخ الظاهرية، قال: ولي ميل لأبي محمد بن حزم؛ لمحبته للحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقول في الرجال والعلل، وفي المسائل البشعة في الفروع والأصول، وأقطع- لاحظ قوله: وأقطع- بخطئه في غير ما مسألة، ولكني لا أكفره ولا أضلله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه.

إن من الإنصاف أن تقبل ما لدى خصمك من الحق والصواب، حتى لو كان فاسقاً، بل حتى لو كان مبتدعاً، بل حتى لو كان كافراً. ولذلك استنكر ابن تيمية -رحمه الله- على بعض المنتسبين للسنة فرارهم من التصديق، أو الموافقة على حق يقوله بعض الفلاسفة، أو المتكلمين؛ بسبب النفرة والوحشة، أو إعراضهم عن بعض فضائل آل البيت، وقال -رحمه الله-: لا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني، فضلاً عن الرافضي قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق.

ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسيره: إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع؛ فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق وبعدها عنه.

وهكذا تلوح لك في هذه النصوص؛ أمارات الإنصاف والعدل، حتى مع الخصوم المباعدين، فضلاً عن الإخوة المتحابين.

ثالثاً : استعمال الصبر والرفق والمداراة، واحتمال الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة، كما أمر الله -تبارك وتعالى- في ذلك في غير ما موضع من كتابه "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"[فصلت:34]، وبهذا استمال النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أعدائه، وعالج قسوتها وشماسها ونفارها، حتى لانت واستقادت وقبلت الحق؛ فالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة الصافية، والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل؛ من أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظيمٍ"[فصلت:35] .
كُنَّا مِنَ الدِّينِ قَبْلَ اليَومِ فِي سِعَةٍ *** حَتَّى بُلِينَا بِأَصْحَـــــــابِ الْمَقَايِيسِ
قَومٌ إِذَا اجْتَمَعُـــــوا صاحوا كأنهم *** ثَعَالِبٌ ضَبَحَـــتْ بَيْنَ النَّوَاوِيـــسِ
فسمع أبو حنيفة بذلك؛ فأرسل له هدية، وكانت هذه الهدية رشوة، لكنها رشوة بطريقة شرعية صحيحة؛ فلما قبض الهدية قال:
إِذَا مَا النَّاسُ يَــوْماً قَايَسُــونَا *** بِآبـــــِدَةٍ مِنَ الفُـــــتْيَا طَـرِيفَهْ
أَتَيْنَــــــاهُمْ بِمِقْيَاسٍ صَــحِيحٍ *** مُصِيبٍ مِنْ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَهْ
إِذَا سَمِعَ الفَقِيهُ بِهَا وَعَــــاهَا *** وَأَوْدَعَهَا بِحِبْرٍ فِي صَـحِيفَهْ
ومن ذلك: ألا تكثر العتاب والمحاسبة، وفي صحيح البخاري (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) وذكر فيه حديث عائشة قَالَت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ). ومن ذلك عدم الانتقام والتشفي، والانتصار للنفس.

رابعاً: عدم التعصب للمذهب أو الطريقة أو الشيخ أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب؛ ولهذا قيل: " حُبكَ الشيء يعْمِي وَيُصِمُّ " ، إن المتعصب أعمى، لا يعرف أعلى الوادي من أسفله، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل، وقد يتحول المتعصب بنفس الحرارة ونفس القوة من محب إلى مبغض؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في سنن الترمذي، ويروى مرفوعاً، والموقوف أصح: [ أَحبِب حَبِيبَكَ هَوْنًا ما عَسَى أَنْ يَكُونَ بغيضك يوماً ما وَأَبْغضْ بغيضك هَونا ما عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يوماً مَا].

وقد يكون الغلو أحياناً، أو المبالغة، أو التعصب لأقوام؛ هم أشد ما يكونون بعداً عن ذلك وكراهية له، ولكنهم قد يُبتلون بمن يتعصب لهم أو يغلو فيهم، فهذا الإمام محمد بن يحيى النيسابوري أخذه الحزن على الإمام أحمد لما مات في بغداد؛ فقال حقٌ على أهل كل بيت في بغداد أن يقيموا مناحة على موت الإمام أحمد؛ فقال الذهبي -رحمه الله-: إن النيسابوري تكلم بمقتضى الحزن، لا بمقتضى الشرع، وإلا فإن النياحة منهيٌ عنها في الشريعة.

وقال بعضهم: في خُراسان يظنون أن الإمام أحمد من الملائكة، ليس من البشر.
وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة.
قال الذهبي: هذا غلو لا ينبغي.
وقال محمد بن مصعب لسوط ضربه أحمد أكرم من أيام بشر الحافي كلها؛ فقال الذهبي -رحمه الله- بشر عظيم القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما هو عند الله تعالى والله أعلم بذلك.

لقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- رجلاً متواضعاً، بعيداً عن التكلف، ولكنَّ هذه الأشياء قد تخرج من أقوام في حالة انفعال في حزن أو غيره، وبكل حال فهي أقوال مرذولة ينبغي اطراحها والرد عليها وإنكارها، كما فعل الذهبي وغيره.

وصلتني ورقة من الإنترنت مكتوب فيها: ابن باز هو الجماعة، وإن شئت فالألباني.

نقول بملء أفواهنا: ابن باز -رحمة الله تعالى عليه- من أئمة المسلمين، ولكن من الصعب أن تُختصر الأمة في رجل لا في ابن باز، ولا الألباني، ولا ابن عثيمين، ولا في هذا ولا في ذاك؛ فإن هذه الأمة جعل الله فيها من الخير الكثير، وتنوع المواهب والقدرات والعلوم الكثير الطيب المبارك، واعتبار شخص واحد هو الجماعة، وأنه يتعين على الناس اتباعه، والأخذ عنه أمر مردود حتى بمقياس هؤلاء الأئمة؛ فإن الشيخ ابن باز -رحمه الله- لما كان مفتياً لهذه المملكة كان لا يرى رأيه ملزماً للناس، ويرى أن قوله مثل قول غيره من العلماء، يمكن أخذه بالدليل، ويمكن رده بالدليل، فلا تطلب من الناس أكثر مما يرى الشيخ نفسه، فمن الوفاء لـه أن تلتزم بهذا الأدب.

والتعصب يورث أحياناً نقيض ذلك، يورث ازدراء الآخرين ممن لا يدخلون معه في عصبيته، كما يروى عن بعض فقهاء الكوفة مثلاً أنه حج ونزل بالحجاز ولقي علماءها: عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وغيرهم، فلما رجع إلى الكوفة قال: يا أهل الكوفة! أبشروا فوالله لأنتم أهل فقه الزمان كله، لفقهاء الحجاز كلهم عطاء وطاووس وسعيد مثل صبيانكم بل مثل صبيان صبيانكم.

ولا أدري ما المراد بصبيان صبيانكم؛ يعني صبيانكم أفقه منهم.
وقال أحدهم عن ابن الجوزي وهو يعدد مثالبه وأخطاءه فيما يزعم قال: ما رأيت أحداً يوثق بعلمه ودينه وعقله راضياً عنه.

فعلق الذهبي -رحمه الله- بقوله: إذا رضي الله عنه فلا اعتبار بهؤلاء.
إنك كثيراً ما تسمع التقليل من شأن فلان؛ لأنه ليس على مذهبنا, ليس على طريقتنا, ليس من جماعتنا، فلان لا علم عنده, فلان ليس بشيء.


فيض ودى

فراشة اشتياق



________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالسبت مايو 24, 2014 2:02 pm

ايمان الساكت كتب:
للخلاف آداب وأخلاق يجمل الاتصاف بها والوقوف عليها للأخذ بها، من أبرزها :
أولاً: عدم التثريب بين المختلفين؛ فلستَ بأصدق إيماناً بالضرورة، ولا أوسعَ علماً، ولا أرجحَ عقلاً ممن تختلف معه، ولهذا قال يحيى بن سعيد: ما برح المستفتون يسألون، فيجيب هذا بالتحريم، وهذا بالإباحة، فلا يعتقد الْمُبيحُ أن الْمُحَرِّمَ هلك، ولا يعتقد الْمُحَرِّمُ أن المبيحَ هلك.

وكان الإمام أحمد يقول: ما عبر الجسر إلينا أفضل من إسحاق، وإن كنا نختلف معه في أشياء؛ فإنه لم يزل الناس يخالف بعضهم بعضا.

كتب أحدهم رأياً في مسألة من المسائل الفقهية ونشرها؛ فقال له أحد المناقشين: لماذا تبحث هذه المسألة التي لم يبحثها العلماء من قبلك؟!
قال له: لقد بحثوها وأوسعوها بحثاً.
قال له: إذاً فلماذا تبحثها وقد بحثوها، ألا يكفيك بحثهم عما فعلت.
إن أفهام الرجال ليست وحياً، والمدارس الفقهية، أو الدعوية ليست هي الإسلام، وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه.

وفي صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : ( وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ).

لاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي رجلاً من أصحابه اختاره لقيادة الجيش، والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر بين أظهُرهم، ويقول له: لا تنزل الناس على ذمة الله وذمة رسوله، ولا على حكم الله وحكم رسوله؛ لأنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله وحكم رسوله أم لا ، ولقد سمعت بأذني غير مرة من يتكلم بمسألة قصارى ما يُقال فيها: إنها اجتهادية؛ فيقول: أنا لا أتكلم من قِبل نفسي أنا لا أقول برأي، وإنما هذا منهج الله، هذا حكم الله، و أقول: سبحان الله؛ فهل الآخرون يأخذون من التوراة، أو الإنجيل؟ كلا؛ بل الجميع يدورون على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يكون المعنى قابلاً لأكثر من اجتهاد، وأكثر من محمل، وأكثر من رأي.


يقول ابن القيم -رحمه الله-: لا يجوز أن يقول لما أداه إليه اجتهاده، ولم يظفر فيه بنص إن الله حرم هذا وأوجب هذا، أو هذا حكم الله.

ويقول ابن تيميه -رحمه الله-:ولكن كَثِيرًا من النَّاسِ يَنْسُبُونَ ما يقولونه إلى الشَّرْعِ وليس من الشَّرْعِ ; بل يقولون ذلك إما جَهْلاً وَإما غَلَطًا وَإما عَمْدًا وَافْتِرَاءً.

إنه لا وصاية على الناس ولا إلزام بمذهب معين، وقد عرض المنصور على إمام دار الهجرة مالك بن أنس أن يعمم كتاب الموطأ على الأمصار، وأن يُلزم الناس بالأخذ به، فنهاه عن ذلك، وقال: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وعملوا بذلك، ودانوا به من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم.

وهذا من فقه هذا الإمام وتقواه؛ فإن كثيراً من المختلفين لو استطاع أحدهم أن يستميل إليه السلطان ليتقوى به على خصومه؛ لفعل.

وقد وقع هذا كثيراً في التاريخ والواقع؛ فإن كثيراً من المختلفين من المذاهب الفقهية أو الاعتقادية، ربما استنصروا بالسلطان على خصومهم وأعدائهم؛ فأبعدوهم وآذوهم.

ثانياً: الإنصاف كما قال عمار رضي الله عنه في صحيح البخاري: ( ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ : الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ ).

والإنصاف خلق عزيز يقتضي أن تنزل الآخرين منزلة نفسك في الموقف، والإنصاف ضرورة، وله قواعد منها:

1. أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين؛ فمن ثبت له أصل الإسلام لا يخرج من الإسلام ويحكم بكفره إلا بيقين، ومن ثبتت له السنة لا يخرج منها إلا بيقين، وهكذا من ثبت له شيء؛ فإنه لا يُنزع منه إلا بيقين.

2. الخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر؛ أي لو أنك حكمت لشخص بالإسلام بناءً على ظاهر الحال، حتى لو كان من المنافقين مثلاً أو ليس كذلك؛ فإن هذا أهون من أن تتسرع وتحكم على شخص بالكفر، ويكون ليس كذلك؛ فتقع في الوعيد ( وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللَّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ ). أي رجع عليه .

3. في مسائل الاجتهاد لا تأثيم ولا هجران، وهذا ذكره ابن تيمية -رحمه الله- وهذا مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون تأثيماً لكل من اجتهد في المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمن استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل ، وكان أهلاً لذلك، فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يكون ثمت تهاجر بين المؤمنين.

4. التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه، حتى لو كان من طائفة، أو كان من أصحاب قولٍ، يصح أن يوصف أنه كفر، وها هو الإمام أحمد -رحمه الله- كان يُكفّر الجهمية، ويكفر من يقول القرآن مخلوق، ومع ذلك لم يكفر أحداً منهم بعينه، لا المأمون ولا سواه، بل كان يدعو له، ويستغفر له، ويجعله في حِلٍ مما صنع فيه .

5. الأخذ بالظاهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) .

6. تسلط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، ولقد اتفق أهل السنة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ، بل عامة المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ، يقول ابن رجب -رحمه الله-: أكثر الأئمة غلطوا في مسائل يسيره، مما لا يقدح في إمامتهم وعلمهم فكان ماذا؟ لقد انغمر ذلك في بحر علمهم، وحُسن مقصدهم، ونصرهم للدين، والانتصاب للتنقيب عن زلاتهم ليس محموداً ولا مشكوراً، لاسيما في فضول المسائل التي لا يضر فيها الخطأ، ولا ينفع فيها كشفه وبيانه.

والعجيب أن كثيراً من الناس قد يتحفظون ويتورعون عن أكل الحرام -مثلاً-، أو عن شرب الخمر، أو عن مشاهدة الصور العارية والمحرمة، ولكن يصعب عليه كف لسانه؛ فتجده يَفْرِي في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول، ولهذا قرر العلماء أن كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لاسيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله.

قال الذهبي -رحمه الله-: ما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئتُ لسردت من ذلك كراريس.

سأل أحمد بن حنبل -رحمه الله- بعض الطلبة من أين أقبلتم؟ قالوا: جئنا من عند أبي كُريب، وكان أبو كُريب ينالُ من الإمام أحمد، وينتقده في مسائل؛ فقال نِعم الرجل الصالح! خذوا عنه وتلقوا عنه العلم، قالوا: إنه ينال منك ويتكلم فيك! قال أيُّ شيء حيلتي فيه، إنه رجلٌ قد ابتُلي بي. وحدث الأعمش عن زِرّ بن حُبيش وأبي وائل، وكان زر بن حُبيش علوياً؛ يميل إلى علي بن أبي طالب، وكان أبو وائل عثمانياً، وكانوا أشد شيء تحاباً وتوادّاً في ذات الله عز وجل، وما تكلم أحدهما في الآخر قط حتى ماتا، ولم يُحدث أبو وائل بحضرة زر؛ لأنه كان أكبر منه سناً، ولهذا قال الذهبي -رحمه الله-: وهو يترجم لأبي محمد بن حزم صاحب الْمُحلى وشيخ الظاهرية، قال: ولي ميل لأبي محمد بن حزم؛ لمحبته للحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقول في الرجال والعلل، وفي المسائل البشعة في الفروع والأصول، وأقطع- لاحظ قوله: وأقطع- بخطئه في غير ما مسألة، ولكني لا أكفره ولا أضلله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه.

إن من الإنصاف أن تقبل ما لدى خصمك من الحق والصواب، حتى لو كان فاسقاً، بل حتى لو كان مبتدعاً، بل حتى لو كان كافراً. ولذلك استنكر ابن تيمية -رحمه الله- على بعض المنتسبين للسنة فرارهم من التصديق، أو الموافقة على حق يقوله بعض الفلاسفة، أو المتكلمين؛ بسبب النفرة والوحشة، أو إعراضهم عن بعض فضائل آل البيت، وقال -رحمه الله-: لا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني، فضلاً عن الرافضي قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق.

ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسيره: إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع؛ فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق وبعدها عنه.

وهكذا تلوح لك في هذه النصوص؛ أمارات الإنصاف والعدل، حتى مع الخصوم المباعدين، فضلاً عن الإخوة المتحابين.

ثالثاً : استعمال الصبر والرفق والمداراة، واحتمال الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة، كما أمر الله -تبارك وتعالى- في ذلك في غير ما موضع من كتابه "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"[فصلت:34]، وبهذا استمال النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أعدائه، وعالج قسوتها وشماسها ونفارها، حتى لانت واستقادت وقبلت الحق؛ فالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة الصافية، والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل؛ من أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظيمٍ"[فصلت:35] .
كُنَّا مِنَ الدِّينِ قَبْلَ اليَومِ فِي سِعَةٍ *** حَتَّى بُلِينَا بِأَصْحَـــــــابِ الْمَقَايِيسِ
قَومٌ إِذَا اجْتَمَعُـــــوا صاحوا كأنهم *** ثَعَالِبٌ ضَبَحَـــتْ بَيْنَ النَّوَاوِيـــسِ
فسمع أبو حنيفة بذلك؛ فأرسل له هدية، وكانت هذه الهدية رشوة، لكنها رشوة بطريقة شرعية صحيحة؛ فلما قبض الهدية قال:
إِذَا مَا النَّاسُ يَــوْماً قَايَسُــونَا *** بِآبـــــِدَةٍ مِنَ الفُـــــتْيَا طَـرِيفَهْ
أَتَيْنَــــــاهُمْ بِمِقْيَاسٍ صَــحِيحٍ *** مُصِيبٍ مِنْ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَهْ
إِذَا سَمِعَ الفَقِيهُ بِهَا وَعَــــاهَا *** وَأَوْدَعَهَا بِحِبْرٍ فِي صَـحِيفَهْ
ومن ذلك: ألا تكثر العتاب والمحاسبة، وفي صحيح البخاري (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) وذكر فيه حديث عائشة قَالَت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ). ومن ذلك عدم الانتقام والتشفي، والانتصار للنفس.

رابعاً: عدم التعصب للمذهب أو الطريقة أو الشيخ أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب؛ ولهذا قيل: " حُبكَ الشيء يعْمِي وَيُصِمُّ " ، إن المتعصب أعمى، لا يعرف أعلى الوادي من أسفله، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل، وقد يتحول المتعصب بنفس الحرارة ونفس القوة من محب إلى مبغض؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في سنن الترمذي، ويروى مرفوعاً، والموقوف أصح: [ أَحبِب حَبِيبَكَ هَوْنًا ما عَسَى أَنْ يَكُونَ بغيضك يوماً ما وَأَبْغضْ بغيضك هَونا ما عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يوماً مَا].

وقد يكون الغلو أحياناً، أو المبالغة، أو التعصب لأقوام؛ هم أشد ما يكونون بعداً عن ذلك وكراهية له، ولكنهم قد يُبتلون بمن يتعصب لهم أو يغلو فيهم، فهذا الإمام محمد بن يحيى النيسابوري أخذه الحزن على الإمام أحمد لما مات في بغداد؛ فقال حقٌ على أهل كل بيت في بغداد أن يقيموا مناحة على موت الإمام أحمد؛ فقال الذهبي -رحمه الله-: إن النيسابوري تكلم بمقتضى الحزن، لا بمقتضى الشرع، وإلا فإن النياحة منهيٌ عنها في الشريعة.

وقال بعضهم: في خُراسان يظنون أن الإمام أحمد من الملائكة، ليس من البشر.
وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة.
قال الذهبي: هذا غلو لا ينبغي.
وقال محمد بن مصعب لسوط ضربه أحمد أكرم من أيام بشر الحافي كلها؛ فقال الذهبي -رحمه الله- بشر عظيم القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما هو عند الله تعالى والله أعلم بذلك.

لقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- رجلاً متواضعاً، بعيداً عن التكلف، ولكنَّ هذه الأشياء قد تخرج من أقوام في حالة انفعال في حزن أو غيره، وبكل حال فهي أقوال مرذولة ينبغي اطراحها والرد عليها وإنكارها، كما فعل الذهبي وغيره.

وصلتني ورقة من الإنترنت مكتوب فيها: ابن باز هو الجماعة، وإن شئت فالألباني.

نقول بملء أفواهنا: ابن باز -رحمة الله تعالى عليه- من أئمة المسلمين، ولكن من الصعب أن تُختصر الأمة في رجل لا في ابن باز، ولا الألباني، ولا ابن عثيمين، ولا في هذا ولا في ذاك؛ فإن هذه الأمة جعل الله فيها من الخير الكثير، وتنوع المواهب والقدرات والعلوم الكثير الطيب المبارك، واعتبار شخص واحد هو الجماعة، وأنه يتعين على الناس اتباعه، والأخذ عنه أمر مردود حتى بمقياس هؤلاء الأئمة؛ فإن الشيخ ابن باز -رحمه الله- لما كان مفتياً لهذه المملكة كان لا يرى رأيه ملزماً للناس، ويرى أن قوله مثل قول غيره من العلماء، يمكن أخذه بالدليل، ويمكن رده بالدليل، فلا تطلب من الناس أكثر مما يرى الشيخ نفسه، فمن الوفاء لـه أن تلتزم بهذا الأدب.

والتعصب يورث أحياناً نقيض ذلك، يورث ازدراء الآخرين ممن لا يدخلون معه في عصبيته، كما يروى عن بعض فقهاء الكوفة مثلاً أنه حج ونزل بالحجاز ولقي علماءها: عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وغيرهم، فلما رجع إلى الكوفة قال: يا أهل الكوفة! أبشروا فوالله لأنتم أهل فقه الزمان كله، لفقهاء الحجاز كلهم عطاء وطاووس وسعيد مثل صبيانكم بل مثل صبيان صبيانكم.

ولا أدري ما المراد بصبيان صبيانكم؛ يعني صبيانكم أفقه منهم.
وقال أحدهم عن ابن الجوزي وهو يعدد مثالبه وأخطاءه فيما يزعم قال: ما رأيت أحداً يوثق بعلمه ودينه وعقله راضياً عنه.

فعلق الذهبي -رحمه الله- بقوله: إذا رضي الله عنه فلا اعتبار بهؤلاء.
إنك كثيراً ما تسمع التقليل من شأن فلان؛ لأنه ليس على مذهبنا, ليس على طريقتنا, ليس من جماعتنا، فلان لا علم عنده, فلان ليس بشيء.


فيض ودى

فراشة اشتياق


حبيبتي الغالية الأستاذة/ إيمان الساكت
جزاكي الله خير الجزاء على مثل هذه المعلومات القيمة التي
تتحفينا بها شكرااااااا ألف ألف شكر
تحياتي و محبتي

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باسند
مستشارة اشتياق -الام الروحية لاشتياق
باسند

انثى
تاريخ التسجيل : 17/01/2014
عدد المشاركات : 51660
نقاط التقييم : 73176
بلد الاقامة : سويسرا
علم بلدك : علم العراق
الاسد

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالأحد مايو 25, 2014 10:25 pm

عزيزتي ايمان الساكت 

يسلمووا ايديك 

معلومات قيمه 

لك كل محبتي

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حمدي عصام فتح الله
مراقب الاقسام الادبية بقلم الاعضاء

اديب -ضمير اشتياق

حمدي عصام فتح الله

ذكر
تاريخ التسجيل : 30/10/2013
عدد المشاركات : 2943
نقاط التقييم : 3390
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالإثنين مايو 26, 2014 1:27 pm


كيف نختلف دون تجريح

ونتقبل بصدر رحب

الحياة اختلاف وكل شئ معرض للانتقاد

ولو الاختلاف لبارت السلع

في كل شئ نختلف

لكن نبقي اخوة بالصدق والتواصل

هكذا لنرتقي

موضوع رائع

الاخت القديرة/ايمان الساكت

خالص التقدير

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احاسيس
مراقبة الاقسام العامة
قطرات الندى
اديبة

احاسيس

انثى
تاريخ التسجيل : 06/02/2013
عدد المشاركات : 7517
نقاط التقييم : 8482
بلد الاقامة : الجزائر
علم بلدك : Algeria الجزائر
الحمل

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالثلاثاء مايو 27, 2014 3:11 pm

الاختلاف يوصل المفاهيم ويبسط الامور
ويجل الاشياء أكثر وضوحا من غير تعقيد ولا غموض
طرحك رائع
شكرا لك
تسلم الايادي

________________________________________________________________________

التوقيع
____[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]_
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المهندس محمد فرج
عضو موسس للمنتدى
المهندس محمد فرج

ذكر
تاريخ التسجيل : 15/12/2007
عدد المشاركات : 123667
نقاط التقييم : 126296
بلد الاقامة : ماريا وترابها زعفران
علم بلدك : Egypt مصر
الجوزاء

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالجمعة يونيو 12, 2015 7:55 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الدكتور خليل البدوي
مستشار اشتياق _موسوعة اشتياق المضيئة
الدكتور خليل البدوي

ذكر
تاريخ التسجيل : 28/08/2015
عدد المشاركات : 107926
نقاط التقييم : 126255
بلد الاقامة : عراقي مقيم في الاردن
علم بلدك : علم العراق
الثور

أخـلاقيات الخـلاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: أخـلاقيات الخـلاف   أخـلاقيات الخـلاف Emptyالإثنين فبراير 06, 2017 12:39 pm

الأستاذة العزيزة الغالية الرائعة المبدعة المتميزة@ايمان الساكت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أخـلاقيات الخـلاف
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007 :: الاقسام العامة  :: اشتياق العام والنقاش -
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المهندس محمد فرج - 123667
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
الدكتور خليل البدوي - 107926
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
احلام شحاتة - 61741
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
ايمان الساكت - 56084
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
باسند - 51660
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
مصطفى الشبوط - 17651
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
همسة قلم - 13947
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
نوره الدوسري - 8809
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
احاسيس - 7517
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1 
كاميليا - 7369
أخـلاقيات الخـلاف Vote_rcap1أخـلاقيات الخـلاف Voting_bar1أخـلاقيات الخـلاف Vote_lcap1