[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فاليري كولان سيمار كاتبة ومحللة نفسانية فرنسية تمارس اليوم أيضا مهنة التوجيه السلوكي الحياتي. بدأت مشوارها الفكري بــ"حزن الآخرين" ثم أصدرت "أقوى من القدر"، تلته مجموعة من المؤلفات منها شهادة ذاتية، "محللي النفساني وحبيبي في آن واحد" و"رجالنا عراة". عرف كتابها "حينما تستيقظ النساء" نجاحا كبيرا. هنا حوار حول كتابها الصادر أخيرا "مذكر/ مؤنث المصالحة الكبرى".
¶ تكتبين في الصفحة 29 من كتابك الجديد "مذكر/مؤنث، المصالحة الكبرى": "بفضل الحرب استولى الرجال على السلطة". كيف تم ذلك؟
- سؤال ممتاز! في كتابي "مذكر/مؤنث، المصالحة الكبرى"، أروي كيف كان للنساء سلطة على الرجال في بداية تاريخ البشرية. في الواقع لم يكن البشر يعرفون قوانين الإنجاب فكانوا يعتقدون أن النساء هن المسؤولات الوحيدات عن الحياة على وجه الأرض. وكان الرجال يرون أنفسهم مجرد أبناء لهن. يذهبون إلى الصيد من أجل تأمين لقمة العيش. كانت قوتهم العضلية في خدمة الحياة. كانت الإلهات/ الأمهات المعبودات إلهات الحب والخصوبة.
بدون شك، في العصر الحجري الأخير، ومن جراء ملاحظة الحيوانات الاليفة تمكن الرجال شيئا فشيئا من أن يعوا الدور الذي يلعبونه في ولادة أطفالهم. هكذا بدأ يظهر في التماثيل إله شاب إلى جانب الإلهة، ينظر إليها باحترام.
بدأت الامور تتطور وربما لهذا السبب أصبحت النساء يتعسفن في استعمال سلطتهن ضد الرجال. نجد في العالم كله آثار طقوس في غاية الفظاظة والقسوة.
¶ هل من أمثلة؟
- في الربيع من كل عام يتوّج شاب ملكا بغية إقامة وليمة جنس بينه وبين الكاهنة العظمى ثم يقتل بعد التنكيل به ضربا وإهانة في غالب الأحيان. كان المنعطف الكبير في نحو 5000 سنة قبل مولد المسيح. ففي فترة الغزوات الآتية من الشمال، مثلها مثل مسألة ولادة الأطفال، أصبحت القوة البدنية التي كانت تعتبر ثانوية من قبل، هي أيضا قضية موت أو حياة.
هكذا أصبح الرجال أبطالا للمرة الأولى في تاريخ الإنسانية وتم طرد الكاهنات من المعابد وأخذ الكهان مكانهن. تأسس النظام البطريركي على القوة كقيمة وليس على الحب. تالياً، قدّم للرجال ضمانا بالمحافظة على السلطة وكرس أفضليتهم على النساء. في المناسبة، كلمة "فحولة" ذاتها في اللغة الفرنسية يعني مصدرها اللاتيني "القوة" Virilité/vir. بصفة آلية تنقل القوة - التي هي ضرورية للحرب- شرعية الحكم إلى الرجال وتضمن لهم المحافظة عليه. لهذا السبب من صالحهم أن يغذّوا الحروب.
¶ لم يظلم النظام البطريركي المرأة فقط، بل، في نظرك، حرم الرجال من جزء كبير من ذواتهم. ما هو؟
- حرم الرجال من كل ذلك الجزء الذي كانوا يعيشونه في الماضي، من مثل دونيتهم أمام المرأة وعواطفهم وقدرتهم على ربط علاقات وصداقات حميمية وروحانيتهم (في مقابل الدين الذي يملي قوانين أخلاقية). خوف الرجال من استعادة النساء لسلطتهن السابقة هو الذي أدى إلى ظهور النظام الأبوي. كما كانوا في الأمس محتقرين وغير معترف لهم بأدنى قيمة، يفعل الرجال الشيء نفسه مع النساء اليوم. يحتقرون كل القيم التي كانت عزيزة على قلوبهم والتي تنكروا لها.
¶ تكتبين في الصفحة 88 أن "الفعل قيمة ذكورية والحب قيمة أنثوية". ألا تبالغين هنا؟
- لا البتة. إذا اعتبرنا أننا كلنا ذكور وإناث في الوقت نفسه، وهذا ما انتبه إليه قبلنا بكثير عالم النفس يونغ، فهمنا إذاً، سواء أكنا نساء أم رجالاً، مدى أهمية إيجاد توازن بين قطبي كياننا. لا معنى لعمل مجرد من الحب، ولا جدوى من حب بدون ادنى عمل. أن نحب ما نفعل هو أجمل مثال على التوازن بين قيم المذكر وقيم المؤنث، وهو مفتاح النجاح في كل الميادين.
هناك مثل فرنسي يقول العيون التي تبكي كثيرا تلمع أكثر وكتاب الزميلة الكاتبة الصحفية بمجلةELLE فاليري كولان سيمار يبحر بنا في عالم الذين بكوا كثيرا من خلال تجارب مريرة عصفت بحياتهم إلا أنهم قرروا الخروج منها والبحث عن ضوء شمعة بدلا من صب اللعنات علي الظلام.
وقد جمعت لنا فاليري كولان سيمار قصص هؤلاء في حوارات اجرتها معهم وكان الهدف الأساسي منها ليس فقط التأمل في تصاريف القدر ولكن أيضا الخوض في أغوار النفس البشرية التي إذا ما أرادت تحولت ارادتها إلي قوة هائلة قد تستطيع بها التغلب علي اقسي المحن, كما تستطيع بها نقل الجبال وتحويل مجري الانهار.
تعرض الكاتبة تسعة نماذج انسانية قررت أن تبني حياتها من جديد بعد محن قاسية تعرضت لها من صراع مع المرض المزمن, إلي مواجهة درامية مع الموت إلي فقد عزيز أو مواجهة حادث اغتصاب مدمر أو الصراع مع المخدرات المميتة وغيرها. وأهمية كتاب فاليري كولان سيمار تكمن في أنه شهادة ميلاد لحياة ثانية يحياها كل من اعتقد أنه علي وشك مغادرة الحياة أو أن الحياة قررت التخلي عنه, وتحذر الكاتبة من أن الطريق ليس سهلا وأن المشوار طويل جدا وطويل بقدر المعاناة وصعب بقدر الألم وتقول بشكل محدد وأسلوب قاطع: إن الألم ماهو إلا ابرة مؤشرة تبين لنا الطريق إلي التغيير وتركز فاليري كولان سيمار علي ميكانيزم التغيير وكيمياء البحث عن وسيلة للخروج من النفق المظلم وتعطي الانطباع بأن هناك إرادة بشرية ولكن هناك أيضا قبسا من نور إلهي يضيء فجأة هذه النفوس الضامرة من هول المحنة فترتوي بهذا النور, وتري أن للنفق نهاية وأن للعذاب حدا ما إن يصل اليه حتي ينكسر لتبدأ رحلة الخلاص.
واحدي هذه الشخصيات تستحق قراءة خاصة لأنها نموذج صارخ للارادة البشرية التي تحدثنا عنها.
فتحت عنوان هذا الحادث الذي غير حياتي تروي السيدة سولانج سان أرومان الحادث الذي تعرضت له وأدي إلي خروج احدي عظام العمود الفقري من مكانه ولم يلحظ الاطباء ذلك خلال12 عاما حتي ذهبت ذات يوم للعلاج من ألم في الظهر وعندما اجري الأطباء اشعة لي اصيبوا بهلع شديد وعلمت أن احدي عظام عمودي الفقري مكسورة وأن أي عملية أو أي اصلاح تؤدي في80% إلي شلل كامل, وقضاء بقية العمر فوق كرسي متحرك.
وبدأت متاعب سولانج لأنها ارادت تبني نظام جديد في الحياة يجنبها الحركة فبدأت المتاعب بزيادة وزنها من40 كيلو إلي93 واصبح لا ترتدي إلا الملابس الكبيرة الحجم وبدأ نشاطها في العمل يتقلص واصبحت سجينة الامتار القليلة المسموح لها فيها بالحركة وتحولت سولان من سيدة ناجحة إلي كتلة من اللحم المتراكم وانهارت نفسيتها حتي جاء اليوم الذي سئلت فيه احدهم اية دراسات قمت بها في حياتك؟ فأجابت: الفنون الجميلة. وفي هذه اللحظة ادركت سولانج ضرورة ان تغير نظرتها إلي نفسها اولا وأن تقبل نفسها بشكلها الجديد حتي يقبلها الأخرون.
وما ليثت حتي انخرطت في العمل النقابي ونجحت فيه واصبح يطلب منها كل يوم فريق العمل عملت مع مهندسين معماريين ثم مع مستشاريين وزاريين ثم مع وزراء وتحولت سولانج إلي شخصية مهمة مطلوبة من الجميع رغم ظروفها الحركية ومظهرها الخارجي.
وتقول سولانج في ختام حكايتها إن المهم أن يستطيع الانسان اكتشاف الاشياء الايجابية في محنته وإنه حتي من فوق كرسي متحرك يستطيع الانسان أن يكون ناجحا.
هذا الكتاب أو هذا السفر المتميز يستحق أن نقرأه جميعا بل يستحق أن يترجم إلي لغتنا العربية حتي ينتفع به من تألموا في الحياة ومن يحبون التأمل في احوالها.
الجمعة نوفمبر 01, 2024 8:20 am
