منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007

تجمع انساني،اسلامي،ثقافي،ادبي،اجتماعي،تقني،رياضي،فني وترفيهي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
كل عام وانتم بخيربمناسبة عيد الفطرالمبارك
عبارات عن القرآن في رمضان
كل عام وانتم بخير بمناسبة راس السنة الهجرية
في انتظار الزائر الكريم محمد محضار
من أي أنواع العبادة تعتبر قراءة القران
ما أبرز الفوائد من “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله”
كيف بين النبي امور الدين من خلال حديث جبريل المشهور
أحاديث عن الصبر والحلم والعفو والوفاء بالعهد
أقوال خلدها التاريخ عن الوفاء
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
الجمعة مارس 01, 2024 10:21 pm
الثلاثاء يوليو 18, 2023 10:57 pm
الجمعة يوليو 14, 2023 12:05 am
الخميس أبريل 27, 2023 10:40 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:37 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:33 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:30 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:28 pm










شاطر
 

 الأمثال في القرآن الكريم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:38 pm



وإلى هذين الوجهين أشار المحقّق الطوسي بقوله :

والاِحباط باطل ، لاستلزامه الظلم ولقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَل مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه ). (1)

ثمّ إنّ العبد بما انّه لا يملك شيئاً إلاّ بما أغناه الله وأعطاه ، فهو ينفق من مال الله سبحانه ، لأنّه وما في يده ملك لمولاه فهو عبد لا يملك شيئاً إلاّ بتمليكه سبحانه ، فمقتضى تلك القاعدة أن ينفق لله وفي سبيل الله ولا يتبع عمله بالمنّ والأذى.

وبعبارة أخرى : أنّ حقيقة العبودية هي عبارة عن حركات العبد وسكناته لله سبحانه ، ومعه كيف يسوّغ له اتّباع عمله بالمنِّ والأذى.

ولذلك يقول سبحانه : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى ).

ثمّ إنّه سبحانه شبّه أصحاب المنِّ والأذى بالمرائي الذي لا يبتغي بعمله مرضاة الله تعالى ، ولا يقصد به وجه الله غير انّ المانّ والمؤذي يقصد بعمله مرضاة الله ثمّ يتبعهما بما يبطله بالمعنى الذي عرفت ، والمرائي لا يقصد بأعماله وجه الله سبحانه فيقع عمله باطلاً من رأس ، ولذلك صحّ تشبيههما بالمرائي مثل تشبيه الضعيف بالقوي.

وأمّا حقيقة التمثيل فتوضيحها بالبيان التالي :

نفترض أرضاً صفواناً أملس عليها تراب ضئيل يخيل لأوّل وهلة أنّها أرض نافعة صالحة للنبات ، فأصابها مطر غزير جرف التراب عنها فتركها صلداً صلباً

__________________

1 ـ المصدر نفسه.
115

أملس لا تصلح لشيء من الزرع ، كما قال سبحانه : ( كمَثَل صَفْوان عَلَيْهِ تُراب فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكهُ صَلداً لا يَقْدِرُون على شيء مِمّا كسبوا ).

فعمل المرائي له ظاهر جميل وباطن رديء ، فالإنسان غير العارف بحقيقة نيّة العامل يتخيل أنّ عمله منتج ، كما يتصور الإنسان الحجر الأملس الذي عليه تراب قليل فيتخيل انّه صالح للنبات ، فعند ما أصابه مطر غزير شديد الوقع ونفض التراب عن وجه الحجر تبين أنّه حجر أملس لا يصلح للزراعة ، فهكذا عمل المرائي إذا انكشفت الوقائع ورفعت الأستار تبين أنّه عمل رديء عقيم غير ناتج.

ثمّ إنّ المانّ والمؤذي بعد الإنفاق أشبه بعمل المرائي.
116

سورة البقرة

9


التمثيل التاسع

( وَمَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغاءَ مَرضَاتِ اللهِ وَتَثْبيتاً مِنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَين فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ). (1)

تفسير الآية

« الربوة » : هي التلُّ المرتفع.

و « الطلّ » : المطر الخفيف ، يقال : أطلّت السماء فهي مطلِّة. وروضة طلّة ندية.

شبّه سبحانه في التمثيل السابق عمل المانِّ والمؤذي بعد الاِنفاقب والمرائى بعمله بالأرض الصلبة التي عليها تراب يصيبها مطر غزير يكتسح التراب فلا يظهر إلاّ سطح الحجر لخشونته وصلابته ، على عكس التمثيل في هذه الآية حيث إنّها تشبّه عمل المنفق لمرضاة الله تبارك وتعالى بجنة خضراء يانعة تقع على أرض مرتفعة خصبة تستقبل النسيم الطلق والمطر الكثير النافع ، وقيّد المشبه به ببستان مرتفع عن الأرض ، لأنّ تأثير الشمس والهواء فيه أكمل فيكون أحسن منظراً وأذكى ثمراً ، أمّا الأماكن المنخفضة التي لا تصيبها الشمس في الغالب إلاّ قليلاً فلا تكون كذلك.

__________________

1 ـ البقرة : 265.
117

قال الرازي : إنّ المراد بالربوة الأرض المستوية الجيدة التربة بحيث تربو بنزول المطر عليها وتنمو ، كما قال سبحانه : ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّت وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ ).

ويؤيده أنّ المثل مقابل الصفوان الذي لا يؤثر فيه المطر.

وعلى كلّ حال فهذا النوع من الأرض إن أصابها وابل أتت أكلها ضعفين فكان ثمرها مِثْلَي ما كانت تثمر في العادة ، وإن لم يصبها وابل بل أصابها الطلّ تعطي أكلها حسب ما يترقّب منها.

فالذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أشبه بتلك الجنة ذات الحاصل الوافر المفيد والثمين.

ثمّ إنّ قوله سبحانه : ( ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم ) بيان لدوافع الإنفاق وحواجزه وهو ابتغاء مرضاة الله أولاً ، وتقوية روح الإيمان في القلب ثانياً ، ولعلّ السرّ في دخول « من » على ( من أنفسهم ) مع كونه مفعولاً لقوله ( تثبيتاً ) لبيان أنّ هذا المنفق ينفق من نفس قد روّضها وثبّتها في الجملة على الطاعة حتى سمحت لله بالمال الغزير فهو يجعل من مقاصده في الإنفاق ، تثبيتها على طاعة الله وابتغاء مرضاته في المستقبل.
118

سورة البقرة

10


التمثيل العاشر

( أَيَوَّدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَأَصابهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ). (1)

تفسير الآية

ودّ الشيء : أحبه. و « الجنة » هي الشجر الكثير الملتفّ كالبستان سمّيت بذلك ، لأنّها تجن الأرض وتسترها وتقيها من ضوء الشمس ونحوه.

و « النخيل » جمع نخل أو اسم جمع.

و « الاَعناب » جمع عنب وهو ثمر الكرم ، والقرآن يذكر الكرم بثمره والنخل بشجره لا بثمره.

و « الاِعصار » ريح عاصفة تستدير في الأرض ثمّ تنعكس عنها إلى السماء حاملة معها الغبار كهيئة العمود ، جمعه أعاصير ، وخصّ الأعاصير بما فيها نار ، وقال : ( إعصار فيه نار ) ، وفيه احتمالات :

أ : أن يكون المراد الرياح التي تكتسب الحرارة أثناء مرورها على الحرائق

__________________

1 ـ البقرة : 266.
119

فتحمل معها النيران إلى مناطق نائية.

ب : العواصف التي تصاحبها الصواعق وتصيب الأرض وتحيلها إلى رماد.

ج : البرد الشديد الذي يطلق على كلّ ما يتلف الشيء ولو بتجفيف رطوبته.

والمتعين أحد الأوّلين دون الثالث ، وإلاّ لكان له سبحانه أن يقول كمثل ريح صرّ وهو البرد الشديد ، قال سبحانه في صدقات الكفار ونفقاتهم في الدنيا : ( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ في هذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ ريحٍ فِيهَا صِرّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون ). (1)

نعم ربما يفسر الصرّ بالسموم الحارة القاتلة. (2) وعندئذ تّتحد الآيتان في المعنى.

وعلى كلّ حال فالمقصود هو نزول البلاء على هذه الجنة الذي يؤدي إلى إبادتها بسرعة.

ثمّ إنّه سبحانه بينما يقول : ( جنّة من نَخيلٍ وَأَعْناب ) الظاهر في كون الجنّة محفوفة بهما ، يقول أيضاً : ( فِيها مِنْ كُلّ الثَّمَرات ) ، فكيف يمكن الجمع بين الأمرين؟

والظاهر انّ النخيل والأعناب لمّا كانا أكرم الشجر وأكثرها نفعاً خصّهما بالذكر وجعل الجنة منهما ، وإن كانت محتوية على سائر الأشجار تغليباً لهما على غيرهما.

إلى هنا تم تفسير مفردات الآية.

__________________

1 ـ آل عمران : 117.

2 ـ مجمع البيان : 1 / 491.
120

وأمّا التمثيل فيتركب من مشبه ومشبه به.

أمّا المشبه فهو عبارة عمن يعمل عملاً صالحاً ثمّ يردفه بالسيئة ، كما هو المروي عن ابن عباس ، عندئذٍ يكون المراد من ينفق ويتبع عمله بالمنّ والأذى.

قال الزمخشري : ضربت الآية مثلاً لرجل غني يعمل الحسنات ، ثمّ بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها. (1)

وأمّا المشبه به فهو عبارة عن رجل طاعن في السن لَحِقته الشيخوخة وله أولاد صغار غير قادرين على العمل وله جنّة محفوفة بالنخيل والأعناب تجري من تحتها الأنهار وله من كلّ الثمرات ، وقد عقد على تلك الجنة آمالاً كبيرة ، وفجأة هبّت عاصفة محرقة فأحرقتها وأبادتها عن بكرة أبيها فكيف يكون حال هذا الرجل في الحزن والحسرة والخيبة والحرمان بعد ما تلاشت آماله ، فالمنفق في سبيل الله الذي هيأ لنفسه أجراً وثواباً أُخروياً عقد به آماله ، فإذا به يتبع عمله بالمعاصي ، فقد سلط على أعماله الحسنة تلك أعاصير محرقة تبيد كلّ ما عقد عليه آماله.

__________________

1 ـ الكشاف : 1 / 299.

121

سورة البقرة

11


التمثيل الحادي عشر

( الّذينَ يَأكُلُونَ الرّبا لا يَقُومُونَ إلاّ كَما يَقُومُ الّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ ذلِكَ بأنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرّبوا وَأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحَرَّمَ الرّبوا فَمَنْ جاءَهُ مَوعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ). (1)

تفسير الآية

« الربا » الزيادة كما في قولهم ربا الشيء يربو إذا زاد ، والربا هو الزيادة على رأس المال ، فلو أقرض أحد أحداً عشرة إلى سنة فأخذ منه في نهاية الأجل أكثر ممّا دفع فهو ربا إذا شرطه في العقد.

و « التخبّط » والخبط بمعنى واحد ، وهو المشي على غير استواء ، يقال : خبط البصير إذا اختلّت جهة مشيه ، ويقال للذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه : هو يخبط خبطة عشواء ، أي يضرب على غير اتساق.

وعلى هذا فالمراد من قوله : ( يَتَخَبَّطهُ الشَّيْطان ) أي يخبطه الشيطان ويضربه ، وبالتالي يصرعه.

____________

1 ـ البقرة : 275.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:39 pm



و « السَلَف » أي الماضي يقال سلف يسلف سلوفاً ، ومنه الأمم السالفة أي الماضية.

وأمّا قوله ( مِنَ المَسّ ) فالظرف متعلق بيقوم ، أي لا يقومون إلاّ كما يقوم المصروع من المسّ.

وحاصل معنى الآية أنّ آكل الربا لا يقوم إلاّ كقيام من يخبطه الشيطان فيصرعه ، فكما أنّ قيامه على غير استواء فهكذا آكل الربا.

فالتشبيه وقع بين قيام آكل الربا وقيام المصروع من خبط الشيطان ، فيطرح هنا سؤالان :

الأوّل : ما هو المراد من أنّ آكل الربا لا يقوم إلاّ كقيام المصروع ؟

الثاني : ما هو المراد من كون الصرع من مس الشيطان ؟

أمّا الأوّل : فقد اختلف فيه كلمة المفسرين على وجوه :

1. ذهب أكثرهم إلى أنّ المراد قيامهم يوم القيامة قيام المتخبطين ، فكأنّ آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً ، وذلك كالعلامة المخصوصة بآكل الربا ، فيعرفه أهل الموقف أنّه آكل الربا في الدنيا.

وعلى ضوء هذا فيكون معنى الآية انّهم يقومون مجانين كمن أصابه الشيطان بمسٍّ.

2. انّهم إذا بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين لقوله : ( يخرجون من الاَجداث سراعاً ) إلاّ آكلة الربا فانّهم يقومون ويسقطون ، لأنّه سبحانه أرباه في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم فهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع ولا يقدرون.
123

ويؤيده ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : أُسري بي إلى السماء رأيت رجالاً بطونهم كالبيوت فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء ياجبرئيل ؟ قال : هؤلاء آكلة الربا.

3. انّ المراد من المسّ ليس هو الجنون ، وإن كان المسّ يستعمل فيه ، بل المراد من تبع الشيطان وأجاب دعوته ، كما هو الحال في قوله سبحانه : ( إِنَّ الّذينَ اتَّقَوا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُون ) (1) ، وذلك لأنّ الشيطان يدعو إلى طلب اللّذات والشهوات والاشتغال بغير الله ، فهذا هو المراد من مسّ الشيطان ، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطاً ، فتارة يجرّه الشيطان إلى اتّباع النفس والهوى ، وتارة تجرّه الفطرة إلى الدين والتقوى فتضطرب حياته ويسودها القلق.

فلا شكّ أنّ آكل الربا يكون مفرطاً في حب الدنيا متهالكاً عليها ، ولذلك تكون حياته الدنيوية حياة غير منظمة وعلى غير استواء.

وهناك وجه رابع ذكره السيد الطباطبائي وهو :

إنّ الإنسان الممسوس الذي اختلّت قوته المميزة لا يفرق بين الحسن والقبيح ، والنافع والضار ، والخير والشر ، فهكذا حال المرابي في أخذه للربا فانّ الذي تدعو إليه الفطرة أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه مما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه. وأمّا إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه مع زيادة ، فهذا شيء ينهدم به قضاء الفطرة وأساس المعيشة ، فانّ ذلك ينجرّ من جانب المرابى إلى اختلاس المال من يد المدين وتجمّعه وتراكمه عند المرابي ، فانّ هذا المال لا يزال ينمو ويزيد ، ولا ينمو إلاّ من مال الغير ، فهو بالانتقاص

__________________

1 ـ الأعراف : 201.
124

والانفصال من جانب ، والزيادة والانضمام من جانب آخر.

وينجرّ من جانب المدين المؤدي للربا إلى تزايد المصرف بمرور الزمان تزايداً لا يتداركه شيء مع تزايد الحاجة ، وكلما زاد المصرف أي نما الربا بالتصاعد زادت الحاجة من غير أمر يجبر النقص ويتداركه وفي ذلك انهدام حياة المدين.

فالربا يضادّ التوازن والتعادل الاجتماعي ويفسد الانتظام الحاكم على هذا الصراط المستقيم الإنساني الذي هدته إليه الفطرة الاِلهية.

وهذا هو الخبط الذي يبتلى به المرابي كخبط الممسوس ، فانّ المراباة يضطره أن يختل عنده أصل المعاملة والمعاوضة فلا يفرّق بين البيع والربا ، فإذا دُعي إلى أن يترك الربا ويأخذ بالبيع ، أجاب : انّ البيع مثل الربا لا يزيد على الربا بمزية ، فلا موجب لترك الربا وأخذ البيع ، ولذلك استدل تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم : ( إِنَّما البيعُ مثْل الرّبا ). (1)

وهناك سؤال : وهو انّه لماذا قيل البيع مثل الربا بل كان عليهم القول بأنّ الربا مثل البيع ، لأنّ الكلام في الربا لا في البيع فوجب عليهم أن يشبهوا الربا بالبيع ، لا على العكس.

والجواب انّهم شبهوا البيع بالربا لأجل المبالغة وهو انّهم جعلوا حلّية الربا أصلاً ، وحلّية البيع فرعاً ، فقالوا : إنّ البيع مثل الربا.

هذا كلّه حول الأمر الأوّل.

وأمّا الأمر الثاني وهو كون الجنون معلولاً لوطأة الشيطان ومسّه ، فنقول :

إنّ ظاهر الآية أنّ الجنون نتيجة تصرف الجن في المجانين ، مع أنّ العلم

__________________

1 ـ الميزان : 2 / 411.
125

الحديث كشف علّة الجنون وهو حدوث اختلالات في الأعصاب الإدراكية ، فكيف يجمع بين مفاد الآية وما عليه العلم الحديث ، وهذا من قبيل تعارض النقل والعقل ؟

وأجاب عنه بعض المفسرين بأنّ هذا التشبيه من قبيل المجاراة مع عامّة الناس في بعض اعتقاداتهم الفاسدة حيث كان اعتقادهم بتصرف الجن في المجانين ، ولا ضير في ذلك ، لأنّه مجرد تشبيه خال عن الحكم حتى يكون خطأً غير مطابق للواقع.

فحقيقة معنى الآية هو أنّ هؤلاء الآكلين للربا حالهم حال المجنون الذي يتخبطه الشيطان من المس ، وأمّا كون الجنون مستنداً إلى مس الشيطان فأمر غير ممكن ، لأنّ الله سبحانه أعدل من أن يسلط الشيطان على عقل عبده ، أو على عبده المؤمن. (1)

وأجاب عنه السيد الطباطبائي بأنّ الله تعالى أجلّ من أن يستند في كلامه إلى الباطل ، ولغو القول بأي نحو كان من الاستناد إلاّ مع بيان بطلانه ورده على قائله ، وقد قال تعالى في وصف كلامه : ( وَإِنَّهُ لكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ). (2)

وقال تعالى : ( إنَّهُ لَقَولٌ فَصْلٌ * وَما هُوَ بِالْهَزْلِ ). (3)

وأمّا انّ استناد الجنون إلى تصرف الشيطان وذهاب العقل ينافي عدله تعالى ، ففيه انّ الإشكال بعينه مقلوب عليهم في اسنادهم ذهاب العقل إلى الأسباب

__________________

1 ـ نقله في الميزان : 2 / 413 ولم يذكر المصدر ؛ وفي تفسير المنار : 3 / 95 ما يقرب من ذلك نقله عن البيضاوي في تفسيره.

2 ـ فصلت : 42.

3 ـ الطارق : 13 ـ 14.
126

الطبيعية فانّها مستندة أخيراً إلى الله تعالى مع إذهابها العقل. (1)

وهناك كلام آخر للسيد الطباطبائي ولعلّه يقلع الشبهة : انّ استناد الجنون إلى الشيطان ليس على نحو الاستقامة ومن غير واسطة بل الأسباب الطبيعية كاختلال الأعصاب والآفة الدماغية أسباب قريبة وراءها الشيطان ، كما أنّ أنواع الكرامات تستند إلى الملك مع تخلل الأسباب الطبيعية في البين ، وقد ورد نظير ذلك فيما حكاه الله عن أيوب عليه‌السلام إذ قال : ( أنّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) (2) ، وإذ قال : ( أَنّي مَسَّنِيَ الضُرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ) (3) والضرّ هو المرض وله أسباب طبيعية ظاهرة في البدن ، فنسب ما به من المرض المستند إلى أسبابه الطبيعية إلى الشيطان. (4)

__________________

1 ـ الميزان : 2412.

2 ـ ص : 41.

3 ـ الأنبياء : 83.

4 ـ الميزان : 2 / 413.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:39 pm

آل عمران

12


التمثيل الثاني عشر

( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون * الحَقُّ مِنْ رَبّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِين ). (1)

تفسير الآية

ذكر سبحانه كيفية ولادة المسيح من أُمّه « مريم العذراء » وابتدأ بيانه بقوله : ( إذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ... ) وانتهى بقوله : ( قالَتْ رَبّ أَنّي يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشَاءُ إذا قَضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ). (2)

وبذلك أثبت انّ المسيح مخلوق لله سبحانه مولود من أُمّه العذراء دون أن يمسّها بشر وانّه عليه‌السلام آية من آيات الله سبحانه ، ولما كانت النصارى تتبنّى ألوهية المسيح وانّه يؤلف أحد أضلاع مثلث الألوهية الرب والابن وروح القدس ، وكانت تؤمن انّه ابن الرب ، لأنّه ولد من مريم بلا أب.

ولما احتجوا بهذا الدليل أمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافاه الوحي مجيباً على استدلالهم بأنّ

__________________

1 ـ آل عمران : 59 ـ 60.

2 ـ آل عمران : 45 ـ 47.
128

كيفية خلق المسيح يضاهي كيفية خلق آدم. حيث إنّ آدم خلق من تراب بلا أب وأُمّ ، فإذا كان هذا أمراً ممكناً ، فمثله المسيح حيث ولد من أُمّ بلا أب فهو أهون بالاِمكان.

وبعبارة أخرى : انّ المسيح مثل آدم في أحد الطرفين ، ويكفي في المماثلة المشاركة في بعض الأوصاف ، ففي الحقيقة هو من قبيل تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة الشبهة.

إنّ من الأسئلة المثارة حول قوله سبحانه : ( ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فيكون ) هو انّ الأنسب أن يقول : « ثم قال له كن فكان » فلماذا قال : ( فيكون ) لأنّ أمره سبحانه بالتحقّق أمر يلازم تحقّق الشيء دفعة.

والجواب انّه وضع المضارع مكان الماضي وهو أمر جائز ، والنكتة فيه هي تصوير الحالة الماضية فإنّ تكوّن آدم كان أمراً تدريجياً لا أمراً دفعياً.

وبعبارة أخرى : انّ قوله : ( كن ) وإن كان دالاً على انتفاء التدريج ولكنّه بالنسبة إليه سبحانه ، وأمّا بالنسبة إلى المخلوق فهو على قسمين : قسم يكون فاقداً له كالنفوس والعقول الكلية ، وقسم يكون أمراً تدريجياً حاصلاً بالنسبة إلى أسبابها التدريجية ، فإذا لوحظ الشيء بالقياس إليه تعالى فلا تدريج هناك ولا مهلة ـ لانتفاء الزمان والحركة في المقام الربوبي ، ولذا قال سبحانه : ( وَما أَمْرنا إلاّ واحدةٌ كَلَمْحٍ بالْبَصَر ) (1) وأمّا إذا لوحظ بالقياس إلى وجود الممكن وأسبابه فالتدريج أمر متحقق ، وبالجملة فقوله ( فيكون ) ناظر إلى الحالة الماضية. (2)

وهناك وجه آخر ذكره المحقّق البلاغي عند تفسير قوله سبحانه : ( بَدِيعُ

__________________

1 ـ القمر : 50.

2 ـ الميزان : 3 / 212 ؛ المنار : 3 / 319.
129

السَّمواتِ والاََرْض وَإذا قَضى أَمْراً فَانَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون ).

إنّ قوله : ( فيكون ) تفريع على قوله ( يقول ) وليس جزاءً لقوله تعالى ( كن ) ، لأنّ الكون بعد الفاء ، هو نفس الكون المأمور به لا جزاءه المترتب عليه ، وتوهم أنّه جزاء لذات الطلب أو ملكوت مع الطلب مدفوع ، بأنّه لو صحّ لوجب أن ينصب مع أنّه مرفوع. (1)

وعلى كلّ تقدير فالقرآن الكريم يستدل على إبطال إلوهية المسيح بوجوه مختلفة ، منها هو تشبيه ولادة المسيح بآدم. والتمثيل المذكور يتكفّل بيان هذا الأمر أيضاً ، وفي الحقيقة الآية منحلّة إلى حجتين تفي كلّ واحدة منهما بنفي الاَلوهية عن المسيح.

إحداهما : انّ عيسى مخلوق لله ـ على ما يعلمه الله لا يضل في علمه ـ خلقة بشر وإن فقد الأب ومن كان كذلك كان عبداً لا رباً.

وثانيهما : انّ خلقته لا تزيد على خلقة آدم ، فلو اقتضى سنخ خلقه أن يقال بإلوهيته بوجه لاقتضى خلق آدم ذلك مع أنّهم لا يقولون بها فيه فوجب أن لا يقولوا بها في عيسى عليه‌السلام أيضاً لمكان المماثلة.

ويظهر من الآية انّ خلقة عيسى كخلقة آدم خلقة طبيعية كونية وإن كانت خارقة للسنّة الجارية في النسل وهي حاجة الولد في تكوّنه إلى والد. (2)

__________________

1 ـ آلاء الرحمن : 1 / 120.

2 ـ الميزان : 3 / 212.
130

آل عمران

13


التمثيل الثالث عشر

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ * مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هذِهِ الحَياةِ الدُّنيا كَمَثَلِ ريحٍ فِيها صِرّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون ). (1)

تفسير الآيات

الصرّ : الريح الباردة نحو صرصر ، قال الشاعر :

لا تعدلنّ أتاويين (2) تضربهم




نكباء صرّ بأصحاب المحلات

ونقل الطبرسي عن الزجّاج أنّه قال : الصرّ صوت لهب النار التي كانت في تلك الريح ، وأضاف : ويجوز أن يكون الصرّ صوت الريح الباردة الشديدة.

وعلى كلّ تقدير فالمراد هو الريح السامة التي تهلك الحرث.

والمراد من ( حرث قوم ظلموا أنفسهم ) الذين زرعوا في غير موضع الزراعة

__________________

1 ـ آل عمران : 116 ـ 117.

2 ـ الأتاوي : جمع الإتاوة : الخراج.
131

أو في غير وقتها ، فهبّت عليه العواصف فذهب أدراج الرياح ، إذ لا شكّ انّ للزمان والمكان تأثيراً بالغاً في نمو الزرع ، فالنسيم الهادئ الذي يهب على الزرع ويلامسه والأرض الخصبة كلها عوامل تزيد في طراوة الزرع ونضارته.

هذا هو المشبه به ، فالكافر إذا أنفق ماله في هذه الحياة الدنيا بغية الانتفاع به ، فهو كمن زرع في غير موضعه أو زمانه ، فلا ينتفع من إنفاقه شيئاً ، فانّ الكفر وما يتبعه من الهوى يبيد إنفاقه ، ولذلك قال سبحانه : ( إِنَّ الّذينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْني عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً ).
132

الأنعام

14


التمثيل الرابع عشر

( أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُون ). (1)

تفسير الآية

نزلت الآية في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام ، وذلك انّ أبا جهل آذى رسول الله فأخبر بذلك حمزة ، وهو على دين قومه ، فغضب وجاء ومعه قوس فضرب بها رأس أبي جهل وآمن ، وهو المروي عن ابن عباس.

وقيل : إنّها نزلت في عمار بن ياسر حين آمن وأبي جهل ، وهو المروي عن أبي جعفر ، ولكن الظاهر انّها عامة في كلّ مؤمن وكافر ، ومع ذلك لا يمنع هذا نزولها في شخصين خاصين.

ففي هذه الآية تمثيلات وتشبيهات جعلتها من قبيل التشبيه المركب نذكرها تباعاً :

1. يقول سبحانه : ( أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) وقد شبّه الكافر ب‍ « الميت » الذي هو مخفف الميّت والمؤمن بالحي.

__________________

1 ـ الأنعام : 122.
133

وليست الآية نسيجاً وحدها فقد شبّه المؤمن في غير واحد من الآيات بالحي ، والكافر بالميت ، قال سبحانه : ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوتَى ) (1) ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّاًً ) (2) و ( وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلاَ الأمْواتُ ). (3)

2. يقول سبحانه : ( وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النّاسِ ) فقد شبّه القرآن بالنور ، حيث إنّ المؤمن على ضوء القرآن يشق طريق السعادة ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُم بُرهانٌ مِنْ رَبّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً ). (4)

وقال سبحانه : ( مَا كُنْتَ تَدري مَا الكِتابُ ولاَ الإيمَانُ ولكِن جَعَلْناهُ نُوراً ) (5) ، فالقرآن ينوّر الدرب للمؤمن .

3. يقول سبحانه ( كمَن مَثله فِي الظُلمات لَيْس بِخارجٍ مِنْها ) ، فالمراد من الظلمة إمّا الكفر أو الجهل ، ويؤيد الأوّل قوله سبحانه : ( اللهُ وَلِيُّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّور ). (6)

ثمّ إنّه سبحانه شبه الكافر بالذي يمكث في الظلمات لا يهتدي إلى شيء بقوله : ( كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمات ) ولم يقل : كمن هو في الظلمات ، بل توسط لفظ المثل فيه ، ولعل الوجه هو تبيين انّه بلغ في الكفر والحيرة غاية يضرب به المثل.

هذا هو تفسير الآية على وجه التفصيل.

__________________

1 ـ الروم : 52.

2 ـ يَس : 70.

3 ـ فاطر : 22.

4 ـ النساء : 174.

5 ـ الشورى : 52.

6 ـ البقرة : 257.
134

وحاصل الآية : انّ مثل من هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل ، والمهتدي والضال ، ـ مثله ـ من كان ميتاً فأحياه الله وجعل له نوراً يمشي به في الناس مستضيئاً به ، فيميز بعضه من بعض.

هذا هو مثل المؤمن ، ولا يصح قياس المؤمن بالباقي على كفره غير الخارج عنه ، الخابط في الظلمات المتحير الذي لا يهتدي سبيل الرشاد.

وفي الحقيقة الآية تشتمل على تشبيهين :

الأوّل : تشبيه المؤمن بالميّت المحيا الذي معه نور.

الثاني : تشبيه الكافر بالميّت الفاقد للنور الباقي في الظلمات ، والغرض انّ المؤمن من قبيل التشبيه الأوّل ، دون الثاني.
135

الأعراف

15


التمثيل الخامس عشر

( وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتّى إذا أَقلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ المَوتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون * وَالبَلَد الطَّيّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَومٍ يَشْكُرُون ). (1)

تفسير الآية

« أقلّ » من الإقلال ، وهو حمل الشيء بأسره.

والنكد : العسر الممتنع من إعطاء الخير ، يقال نكد إذا سئل فبخل ، قال الشاعر :

وأعطي ما أعطيته طيّباً




لا خير في المنكود والناكد

« البلد الطيب » : عبارة عن الأرض الطيب ترابها ، ففي مثلها يخرج الزرع نامياً زاكياً من غير كدٍّ ولا عناء ، كلّ ذلك بإذنه سبحانه.

والبلد الخبيث هي الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها إلاّ شيئاً

__________________

1 ـ الأعراف : 57 ـ 58.

136

قليلاً ، وكأنّها لا تعطي إلاّ شيئاً قليلاً وهو بالعسر.

وتصريف الآيات عبارة عن تكررها.

ذكر سبحانه في الآية الاُولى بأنّه يرسل الرياح مبشرةً برحمته ، فإذا حملت سحاباً ثقالاً بالماء ساقه سبحانه إلى بلد ميت فتحيا به الأرض وتؤتي ثمراتها.

وعاد سبحانه في الآية الثانية إلى القول بأنّ هطول المطر وسقي الأرض جزء مما يتوقف عليه خروج النبات ، وهناك شرط آخر وهو أن تكون الأرض خصبةصالحة للزراعة دونما إذا كانت خبيثة ، هذا هو حال المشبه به.

وأمّا المشبه فهو انّه سبحانه يُشبِّهُ المؤمن بأرض طيبة تلين بالمطر ويحسن نباتها ويكثر ريعها ، كما تشبه قلب الكافر بالأرض السبخة لا تنبت شيئاً ، فقلب المؤمن كالأرض الطيبة وقلب الكافر كالأرض السبخة.
137

الاَعراف

16


التمثيل السادس عشر

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغَاوِين * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْركْهُ يَلْهَث ذلِكَ مَثَلُ الْقَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * ساءَ مَثَلاً الْقَومُ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُون ). (1)

تفسير الآيات

النبأ : الخبر عن الأمر العظيم ومنه اشتقاق النبوة ، أخلد إلى الأرض أي سكن إليها.

السلخ : النزع ، وقوله : ( أخْلد إلى الأرض ) لصق بها ، واللهث أن يدلع الكلب لسانه من العطش ، واللهاث حرّ العطش.

هذا هو تفسير مفردات الآية ، وأمّا المضمون فالآية تمثيل يتضمن مشبهاً ومشبهاً به ، أمّا الثاني فقد اختلفت كلمة المفسرين في المراد منه ، فالأكثر على أنّ المراد هو بلعم بن باعوراء الذي كان عالماً من علماء بني إسرائيل ، وقيل من

__________________

1 ـ الأعراف : 175 ـ 177.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:40 pm



الكنعانيين أوتي علم بعض كتاب الله ، ولكنّه كفر به ونبذه وراء ظهره ، فلحقه الشيطان وصار قريناً له وكان من الغاوين الضالين الكافرين.

والإمعان في الآية يعرب عن بلوغ الرجل مقاماً شامخاً في العلم والدراية ، وعلى الرغم من ذلك فقد سقط في الهاوية ، وإليك ما يدل على ذلك في الآية :

أ : لفظ ( نبأ ) حاك عن أنّه كان خبراً عظيماً لا خبراً حقيراً.

ب : قوله : ( الذي آتَيْناهُ آياتنا ) حاك عن إحاطته بالحجج والبيّنات وعلم الكتب السماوية.

ج : قوله : ( فانسلخ منها ) يدل على أنّ الآيات والعلوم الإلهية كانت تحيط به إحاطة الجلد بالبدن إلاّ انّه خرج منها.

ويؤيد ذلك انّه سبحانه يعبر عن التقوى باللباس ، ويقول : ( وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيرٌ ). (1)

د : قوله : ( فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطان ) يدل على أنّ الشيطان كان آيساً من كفره وقد انقطعت صلته به ، لكنّه لما انسلخ من الآيات لحقه الشيطان واتبعه فأخذ يوسوس له كلّ يوم إلى أن جعله من الضالين.

إلى هنا تم تفسير الآية الاُولى ، وأمّا الآية الثانية فهي تتضمن حقيقة قرآنية ، وهي انّه سبحانه تبارك وتعالى كان قادراً على رفعه وتنزيهه وتقريبه إليه ، ولكنّه لم يشأ ، لأنّ مشيئته سبحانه لا تتعلق بهداية من أعرض عنه واتّبع هواه ، إذ كيف يمكن تعلق مشيئته بهداية من أعرض عن الله وكذب آياته ، ولذلك يقول :

( وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ) أي لرفعناه بتلك الآيات « ولكن ما شئنا » وليس

__________________

1 ـ الأعراف : 26.
139

ذلك للبخل منه سبحانه ، بل لفقدان الأرضية الصالحة ، لأنّه أخلد إلى الأرض ولصق بها ، وكأنّها كناية عن الميل والنزوع إلى التمتع بالملاذ الدنيوية ، ومعه كيف تشمله العناية الربانية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى وجه آخر لعدم تعلّق مشيئته بهدايته ، وهو انّ هذا الإنسان بلغ في الضلالة والغواية مرحلة صارت سجية وطبيعة له ، ومزج بها روحه ونفسه وفطرته ، فلا يصدر منه إلاّ التكذيب والإدبار عن آياته ، فلذلك لا يؤثر فيه نصيحة ناصح ولا وعظ واعظ ، ولتقريب هذا الأمر نأتي بتمثيل في ضمن تمثيل ، ونقول :

( فَمَثَلهُ كَمَثل الكَلْب انْ تَحْمل عَلَيه يَلْهَث أَوْ تَتْركهُ يَلهَث ) ، وذلك لأنّ اللهث أثر طبيعي لسجيته فلا يمكن أن يخلّص نفسه منها.

هذا هو المشبه به ، وهو يعرب عن أنّ الهداية والضلالة بيد الله تبارك وتعالى ، وقد تعلّقت مشيئته بهداية الناس بشرط أن تتوفر فيه أرضية خصبة تؤهله لتعلّق مشيئته تعالى به ، فمن أخلد إلى الأرض ولصق بها ، أي أخلد إلى المادة والماديات ، فلا تشمله الهداية الإلهية بل هو محكوم بالضلال لكن ضلالاً اختيارياً مكتسباً.

هذا هو حال المشبه به ، وقد عرفت أنّ التمثيل يتضمن تمثيلاً آخر.

وأمّا المشبه فقد اختلفت كلمة المفسرين فيه ، فربما يقال : إنّ المراد أُمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر ، وكانت قصته انّه قرأ الكتب وعلم أنّ الله سبحانه يرسل رسولاً في ذلك الوقت ، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول ، فلمّـا بعث سبحانه محمداً حسده ومرّ على قتلى بدر فسأل عنهم ، فقيل : قتلوا في حربهم مع النبي ، فقال : لو كان نبياً لما قتل أقرباءه ، وقد ذهب إلى الطائف ومات بها ، فأتت أُخته
140

الفارعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألها عن وفاته ، فذكرت له انّه أنشد عند موته :

كل عيش وإن تطاول دهراً




صائر مرة إلى أن يزولا

صائر ليتني كنت قبل ما قد بدالي




في قلال الجبال أرعى الوعولا

إنّ يوم الحساب يوم عظيم




شاب فيه الصغير يوماً ثقيلاً

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها أنشديني من شعر أخيك فأنشدت :

لك الحمدُ والنعماءُ والفضلُ ربّنا




ولا شيء أعلى منك جدّاً وأمجدُ

مليكٌ على عرش السّماءِ مهيمنٌ




لعزّته تعنُو الوجوهُ وتسجدُ

ثمّ أنشدته قصيدته التي يقول فيها :

وقف الناس للحسابِ جميعاً




فشقيّ معذّب وسعيد

والتي فيها :

عند ذي العرش تُعرضونَ عليه




يعلمُ الجهرَ والسِـراءَ الخفيّا

141

يوم يأتي الرحمنُ وهو رحيم




إنّه كان وعدُهُ مأتيّا

ربّ إن تعفُ فالمعافاةُ ظنّي




أو تُعاقِبْ فلم تعاقِب بريّا

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ أخاك آمن شعره ، وكفر قلبه » وأنزل الله تعالى الآية. (1)

وقيل : إنّه أبو عامر بن النعمان بن صيفى الراهب الذي سمّاه النبي الفاسق ، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح ، فقدم المدينة ، فقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا الذي جئت به ، قال : « جئت بالحنيفية دين إبراهيم » ، قال : فأنا عليها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لست عليها ولكنّك أدخلت فيها ما ليس منها ».

فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب منّا طريداً وحيداً ، فخرج إلى أهل الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا السلاح ، ثمّ أتى قيصر وأتى بجند ليخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ، فمات بالشام طريداً وحيداً.

والظاهر انّ المشبه ليس خصوص هذين الرجلين ، بل كما قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « الأصل في ذلك بلعم ، ثم ضربه الله مثلاً لكل موَثر هواه على هدى الله من أهل القبلة ». (2)

وفي الآية دلالة واضحة على أنّ العبرة في معرفة عاقبة الإنسان هي أُخريات حياته ، فربما يكون موَمناً في شبابه ويرتد عن الدين في شيخوخته وهرمه ، فليس

__________________

1 ـ مجمع البيان : 2 / 499 ـ 500.

2 ـ مجمع البيان : 2 / 500.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:41 pm



صلاح الإنسان وفلاحه في عنفوان شبابه دليلاً على صلاحه ونجاته في آخر عمره.

وبذلك يعلم أنّ ترضّي القرآن عن المهاجرين والأنصار في قوله سبحانه : ( لَقَدْ رَضِي اللهُ عَنِ الْمُؤمِنينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ). (1)

ويؤيد ما ذكرناه انّه سبحانه حدّد ظرف الرضا بقوله : ( إِذ يُبايعونك ) ولا يكون دليلاً على رضاه طيلة حياتهم ، فلو دلّ دليل على زلّة واحد منهم ، فيؤخذ بالثاني جمعاً بين الدليلين.

وقد يظهر مفاد قوله سبحانه : ( والسَّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا الأنهَارُ خالِدينَ فِيهَا أَبَداً ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ ). (2)

فانّ الآية دليل على شمول رضى الله لهم ، فيؤخذ بالآية مالم يدل دليل قطعي على خلافها ، فلو ثبت بدليل متواتر أو خبر محفوف بالقرينة ارتداد واحد منهم أو صدور معصية كبيرة أو صغيرة ، فيؤخذ بالثاني ، وليس بين الدليلين أي خلاف ، إذ ليس مقام صحابي أو تابعي أعلى من مقام ما جاء في هذه الآية ، أعني من آتاه الله سبحانه آياته وصار من العلماء الربانيين ولكن اتبع هواه فانسلخ عنها.

فما ربما يتراءى من إجماع غير واحدمن المفسرين بهذه الآيات كلى عدالة كافة الصحابة فكأنّها غفلة عن مفادها وإغماض عما صدر عن غير واحد من الصحابة من الموبقات والمعاصي والله العالم.

__________________

1 ـ الفتح : 18.

2 ـ التوبة : 100.
143

سورة التوبة

17


التمثيل السابع عشر

( وَالذّين اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤمِنينَ وإِرْصاداً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إلاّ الحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَومٍ أَحقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهّرين * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ على تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدي القَومَ الظّالِمين ). (1)

تفسير الآيات

« الضرار » : هو إيجاد الضرر عن عناد.

« الإرصاد » بمعنى الاِعداد.

« البنيان » مصدر بنى.

و « التقوى » خصلة من الطاعة يحترز بها عن العقوبة ، والواو فيه مبدلة من الياء لأنّها من وقيت.

« شفا » : شفا البئر وغيره ، جُرفَه ، ويضرب به المثل في القرب من الهلاك.

__________________

1 ـ التوبة : 107 ـ 109.
144

« الجرف » جرف الوادي جانبه الذي يتحفر أصله بالماء ، وتجرفه السيول فيبقى واهياً.

قال الراغب : يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه ، أي يذهب به ، جرف

هار البناء وتهوّر : إذا سقط ، نحو : إنهار.

ذكر المفسرون انّ بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم ، فأتاهم وصلى فيه ، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غُنْم بن عوف ، فقالوا : نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد وكانوا اثني عشر رجلاً ، وقيل خمسة عشر رجلاً ، منهم : ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، ونبتل بن الحرث ، فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء ، فلمّا فرغوا منه ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتجهّز إلى تبوك.

فقالوا : يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي فيه لنا وتدعو بالبركة.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي على جناح سفر ، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه » ، فلمّـا انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد.

إنّ الآية تشير إلى الفرق الشاسع بين من بنى بنياناً على أساس محكم ، ومن بناه على شفا جرف ، فالأوّل يبقى عبر العصور ويحتفظ بكيانه في الحوادث المدمرة ، بخلاف الثاني فانّه سوف ينهار لا محالة بأدنى ضربة.

فالمؤمن هو الذي يعقد إيمانه على قاعدة محكمة وهو الحقّ الذي هو تقوى الله ورضوانه ، بخلاف المنافق فانّه يبني إيمانه على أضعف القواعد وأرخاها وأقلّها
145

بناءً وهو الباطل ، فإيمان المؤمن ودينه من مصاديق قوله : ( أَفَمَنْ أسَّس بُنيانه على تقوى من الله ورضوان ) ولكن دين المنافق كمن ( أسّس بنيانه على شفا جرف هار ) فلا محالة ينهار به في نار جهنم.
146

سورة يونس

18


التمثيل الثامن عشر

( إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَمَاءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأكُلُ النَّاسُ والأنْعَامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْهَا أَتاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأن لَمْ تَغْنَ بالاَمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُون * واللهُ يَدعُو إلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ). (1)

تفسير الآيات

قوله : ( فاخَتلَطَ بهِ نَبات الأرض ) فلو قلنا بأنّ الباء للمصاحبة ، يكون معناه أي اختلط مع ذلك الماء نبات الأرض ، لأنّ المطر ينفد في خلل النبات ، وإن كانت الباء للسببية يكون المراد انّه اختلط بسبب الماء بعض النبات ببعض حيث إنّ الماء صار سبباً لرشده والتفاف بعضه ببعض.

قوله : ( ازّيّنت ) أصله تزينت ، فادغمت التاء بالزاى وسكِّنت الزاي فاجلبت لها ألف الوصل.

فقوله : ( أخذت الأرْضُ زُخرفها وازَّيّنت ) تعبير رائع حيث جعلت

__________________

1 ـ يونس : 24 ـ 25.
147

الاَرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كلّ لون فاكتستها وتزينّت بغيرها من ألوان الزين.

قوله : ( قادرون عليها ) ، أي متمكنون من استثمارها والانتفاع بثبوتها.

قوله : ( أتاها أمرنا ) كناية عن نزول بعض الآفات على الجنات والمزارع حيث يجعلها « حصيداً » شبيهاً بما يحصد من الزرع في استأصاله.

قوله : ( كأن لم تغن ) بمنزلة قوله : كأن لم ينبت زرعها.

قوله : ( دار السلام ) فهو من أوصاف الجنة ، لأنّ أهلها سالمون من كل مكروه ، بخلاف المقام فانّها دار البلاء.

هذا ما يرجع إلى تفسير مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها الجملي ، فنقول :

نفترض أرضاً خصبة رابية صالحة لغرس الأشجار وزرع النبات وقد قام صاحبها باستثمارها من خلال غرس كلّ ما ينبت فيها ، فلم يزل يتعاهدها بمياه الأمطار والسواقي ، فغدت روضة غنّاء مكتظة بأشجار ونباتات متنوعة ، وصارت الأرض كأنّها عروس تزيّنت وتبرجت ، وأهلها مزهوّون بها يظنّون انّها بجهدهم ازدهرت ، وبإرادتهم تزيّنت وانّهم أصحاب الأمر لا ينازعهم فيها منازع. فيعقدون عليها آمالاً طويلة ، ولكن في خضم هذه المراودات يباغتهم أمره سبحانه ليلاً أو نهاراً فيجعل الطري يابساً ، كأنّه لم يكن هناك أي جنة ولا روضة.

هذا هو المشبه به والله سبحانه يمثل الدنيا بهذا المثل ، وهو انّ الإنسان ربما يغتر بالدنيا ويعوّل الكثير من الآمال عليها مع سرعة زوالها وفنائها ، وعدم ثباتها واستقرارها.
148

يقول موَيد الدين الاصفهاني المعروف بالطغرائي في لاميته المعروفة بلامية العجم :

ترجو البقاء بدار لا ثبات لها




فهل سمعت بظل غير منتقل

وقد أسماها سبحانه متاع الحياة الدنيا في مقابل الآخرة التي أسماها بدار السلام في الآية التالية ، وقال : ( الله يدعو إلى دار السلام ).

ثمّ إنّه يبدو من كلام الطبرسي انّ هذا التمثيل من قبيل التمثيل المفرد ، فذكر أقوالاً :

أحدها : انّه تعالى شبَّه الحياة الدنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثمّ الانقطاع.

وثانيها : إنّه شبهها بالنبات على ما وصفه من الاغترار به ثمّ المصير إلى الزوال عن الجبائي وأبي مسلم.

وثالثها : إنّه تعالى شبَّه الحياة الدنيا بحياة مقدَّرة على هذه الاَوصاف. (1)

والحقّ أنّه من قبيل الاستعارة التمثيلية حيث يعبر عن عدم الاعتماد والاطمئنان بالدنيا بما جاء في المثل ، وإنّما اللائق بالاعتماد هو دار السلام الذي هو سلام على الإطلاق وليس فيها أي مكروه.

وقد قيّد سبحانه في الآية دار السلام ، بقوله : ( عند ربّهم ) للدلالة على قرب الحضور وعدم غفلتهم عنه سبحانه هناك.

ويأتي قريب من هذا المثل في سورة الكهف ، أعني : قوله :

__________________

1 ـ مجمع البيان : 3 / 102.
149

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ على كُلّ شَيْءٍ مُقْتَدراً ). (1) وسيوافيك بيانها في محلها.

ويقرب من هذا ما في سورة الحديد ، قال سبحانه :

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْو وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ في الأمْوالِ وَالأولادِ كَمَثلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيج فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إلاّ مَتاعُ الغُرُور ). (2)

__________________

1 ـ الكهف : 45.

2 ـ الحديد : 20.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:42 pm

سورة هود

19


التمثيل التاسع عشر

( إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات وَأَخْبتُوا إِلى رَبّهِمْ أُولئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُون * مَثَلُ الفَريقَين كَالأعْمى وَالأصَمّ وَالبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُون ). (1)

تفسير الآيات

يصوّر سبحانه الكافر كالأعمى والاَصم ، والمؤمن بالبصيروالسميع ، ثمّ ينفي التسوية بينهما ـ كما هو معلوم ـ غير انّ هذا التمثيل يستقي مما وصف به سبحانه كلا الفريقين بأوصاف خاصة.

فقال في حقّ الكافر : ( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُون ). (2)

والمراد كان لهم أسماعاً وأبصاراً ولكنّهم لم يكونوا يستخدمونها في سماع الآيات ورؤية الحقائق ، فنفي الاستطاعة كناية عن عدم استخدام الأسماع ، كما أنّ نفي الأبصار كناية عنه.

ثمّ إنّه سبحانه وصف المؤمن في الآية التالية بأوصاف ثلاثة :

__________________

1 ـ هود : 23 ـ 24.

2 ـ هود : 20.

151

أ : الإيمان بالله.

ب : العمل الصالح.

ج : التسليم إلى الله حيث قال : ( وأخبتوا إلى ربّهم ).

فالمؤمن الصالح ثمرة من شجرة الإيمان كما انّ التسليم والانقياد والخضوع والاطمئنان لما وعد الله من آثاره أيضاً.

فالمؤمن هو الذي يسمع آياته ويبصرها في سبيل ترسيخ الإيمان في قلبه واثماره.

ثمّ إنّه مثّل الكافر والمؤمن بالتمثيل التالي ، وقال : ( مَثَلُ الفَريقَين كَالأعْمى والأصم وَالبَصير وَالسَّميع هَلْ يَسْتَويان مَثلاً أَفَلا تَذَكَّرُون ).

أي مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع. ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم ، لأنّ المؤمن ينتفع بحواسه بأعمالها في معرفة المنعم وصفاته وأفعاله ، والكافر لا ينتفع بها فصارت بمنزلة المعدومة.

ثمّ إنّه وصف الوضع بين الأعمى والأصم كما وصفها بين البصير والسميع ، وذلك لإفادة تعدّد التشبيه بمعنى :

أنّ حال الكافر كحال الأعمى .

وحال الكافر أيضاً كحال الأصم .

كما أنّ حال المؤمن كالبصير.

وحاله أيضاً كالسميع.

وحاصل الكلام : انّه لا يستوي البصير والسميع مع الأعمى والأصم ، والمؤمن والكافر أيضاً لا يستويان.
152

سورة الرعد

20


التمثيل العشرون

( لَهُ دَعْوَةُ الحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيءٍ إلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَمَا دُعاءُ الكافِرِينَ إلاّ فِي ضَلالٍ ). (1)

تفسير الآية

تقدم الظرف في قوله : ( لَهُ دَعْوَةُ الحَقّ ) لأجل إفادة الحصر ، ويؤيّده ما بعده من نفي الدعوة عن غيره.

كما أنّ إضافة الدعوة إلى الحقّ من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي الدعوة الحقّة له ، لأنّ الدعوة عبارة عن توجيه نظر المدعو إلى الداعي ، والاِجابة عبارة عن إقبال المدعو إليه ، وكلا الأمرين يختصان بالله عزّ اسمه. وأمّا غيره فلا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ـ وعند ذاك ـ كيف يمكن أن يجيب دعوة الداعي.

فالنتيجة انّ الدعوة الحقّة التي تستعقبها الإجابة هي لله تبارك وتعالى ، فهو حي لا يموت ، ومريد غير مكره ، قادر على كلّ شيء ، غني عمّن سواه.

__________________

1 ـ الرعد : 14.
153

وبذلك يعلم أنّ الدعوة على قسمين : دعوة حقّة ودعوة باطلة ، فالحقّة لله ودعوة غيره دعوة باطلة ، أمّا لأنّه لا يسمع ولا يريد ، أو يسمع ولا يقدر. وأشار إلى القسم الباطل بقوله : ( وَالّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجيبُونَ لَهُمْ بِشَيءٍ ) ، وقد عرفت وجه عدم الاستجابة.

ثمّ إنّه سبحانه استثنى صورة واحدة من عدم الاستجابة ، لكنّه استثناء صوري وهو في الحقيقة تأكيد لعدم الاستجابة ، وقال : ( إلاّ كَباسِط كَفَيّه إِلى الماء لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ ).

فدعوة الأصنام والأوثان وطلب الحاجة منهم ، أشبه بحال الظمآن البعيد من الماء كالجالس على حافة البئر والباسط كفه داخل البئر ليبلغ الماء فاه ، مع البون البعيد بينه وبين الماء.

قال الطبرسي : هذا مثل ضربه الله لكلّ من عبد غير الله ودعاه رجاء أن ينفعه ، فانّ مثله كمثل رجل بسط كفيه إلى الماء من مكان بعيد ليتناوله ويسكن به غلته ، وذلك الماء لا يبلغ فاه لبعد المسافة بينهما ، فكذلك ما كان يعبده المشركون من الأصنام لا يصل نفعها إليهم ولا يستجيب دعاءهم. (1)

وربما تفسّر الآية بوجه آخر ، ويقال : لا يستجيبون إلاّ استجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه ، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. (2)

والظاهر رجحان الوجه الأوّل ، لأنّ الآلهة بين جماد لا يشعر أو ملك أو جن

__________________

1 ـ مجمع البيان : 3 / 284.

2 ـ الكشاف : 2 / 162.
154

أو روح يشعر ولكن لا يملك شيئاً ، فهذا الوجه يختص بما إذا كان الإله جماداً لا غير.

ثمّ إنّه سبحانه يقول في ذيل الآية : ( وَما دُعاء الكافرينَ إلاّ في ضَلالٍ ) ، فانّ الضلال عبارة عن الخروج عن الطريق وسلوك ما لا يوصل إلى المطلوب ، ودعاء غيره خروج عن الطريق الموصل إلى المطلوب ، لأنّ الغاية من الدعاء هو إيجاد التوجّه ثمّ الإجابة ، فالآلهة الكاذبة إمّا فاقدة للتوجّه ، وإمّا غير قادرة على الاستجابة ، فأي ضلال أوضح من ذلك.
155

سورة الرعد

21


التمثيل الواحد والعشرون

( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فسالَتْ أَودِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْربُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأمَّا مَا يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ ). (1)

تفسير الآية

« الوادي » : سفح الجبل العظيم ، المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر ، ولعل منه اشتقاق الدية ، لأنّه جمع المال العظيم الذي يوَدى عن القتيل.

« القدر » : اقتران الشيء بغيره دون زيادة أو نقصان ، فإذاكانا متساويين فهو القدر ، والقدْر والقَدَرْ لغتان مثل الشَّبْر والشَّبَر.

والاحتمال : رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل.

و « الزبد » : هو خبث الغليان ومنه زبد القدر وزبد السيل.

و « الجفاء » ممدوداً يقال : أجفأت القدر بزبدها ، إذا ألقَتْ زبدها.

و « الإيقاد » : إلقاء الحطب في النار.

__________________

1 ـ الرعد : 17.
156

« والمتاع » ما تمتّع به.

و « الحق » في اللغة هو الأمر الثابت ويقابله الباطل ، فالأوّل بمفهومه الواسع يشمل كلّ موجود أو ناموس ثابت لا يطرأ عليه التحول والتبدل حتى أنّ القوانين الرياضية والهندسية وكثير من المفاهيم الطبيعية إذا كانت على درجة كبيرة من الثبات فهي حقّ لا غبار عليها.

و « المكث » : الكون في المكان عبر الزمان.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الآية تمثل للحق والباطل مثلاً واحداً يستبطن تمثيلات متعددة :

الأوّل : انّ السيل المتدفق من أعالي الجبال الجاري في الوديان يحمل معه في سيره زبداً رابياً عليه ، فالحقّ كماء السيل والباطل الزبد الطافح عليه.

الثاني : انّ المعادن والفلزات المذابة في القدر إذا أوقدت عليها النار ، تذاب ويعلو عليها الخبث ، فالغاية من الإذابة هو فصل المعادن والفلزات النفيسة عن خبثها وزبدها.

وعندئذٍ فالحقّ كالذهب والفضة والمعادن النفيسة والباطل كخبثها وزبدها الطافح.

الثالث : انّ ما له دوام وبقاء ومكث وينتفع به الناس كالماء وما يتخذ للحلية أو المتاع يمثّل الحق ، وما ليس كذلك كزبد السيل وخبث القدر الذي يذهب جفاءً يمثّل الباطل.

وأمّا التفصيل فإليك توضيح الآية :

( أَنْزَلَ مِنَ السماء ماءً فَسالَتْ أَودِيَة ) الواقعة في محل الأمطار المختلفة في
157

السعة والضيق ، والكبر والصغر ( بقدرها ) أي كلّ يأخذ بقدره ، ففيضه سبحانه عام لا يحدد وإنّما التحديد في الآخذ ، فكلّ يأخذ بقدره وحده ، فقدر النبات يختلف عن قدر الحيوان ، وهو عن الإنسان ، فكلّ ما يفاض عليه الوجود إنّما هو بقدر قابليته ، كما أنّ السيل المنحدر من أعالي الجبال مطلق غير محدد ، ولكن يستوعب كل وادٍ من ماء السيل بقدر قابليته وظرفيته.

( فَاحْتَمَل السَّيْلُ زَبداً رابِياً ) أي طافياً عالياً فوق الماء.

إلى هنا تمّت الإشارة إلى التمثيل الأوّل.

ثمّ إنّ الزبد لا ينحصر بالسيل الجارف بل يوجد طافياً على سطح أنواع الفلزات والمعادن المذابة التي تصاغ منها الحلي للزينة والاَمتعة ، كما قال سبحانه ( ومِمّا يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ).

إلى هنا تمّت الإشارة إلى التمثيل الثاني ، كما قال : ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحقّ وَالباطل ) أي كذلك يوصف الحقّ والباطل ليأخذ طريقه بين الناس ، ثمّ أشار إلى التمثيل الثالث وهو انّ من سمات الحق بقاءه وانتفاع الناس به ( فَأمّا الزبد فيذهب جفاءً ) حيث إنّ زبد السيل وزبد ما يوقدون عليه ينطفئ بعد مدة قصيرة كأن لم يكن شيئاً مذكوراً فيذهب جفاءً باطلاً متلاشياً.

( وَأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) فانّ الماء الخالص أو المعادن الخالصة التي فيها انتفاع الناس يمكث في الأرض.

ثمّ إنّه سبحانه ختم الآية بقوله : ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثال ) وقد مرّ في المقدمات معنى ضرب المثل ، وقلنا انّ المراد هو وصف حال المشبه وبيانه.

هذا ما يرجع إلى تفسير ظاهر الآية ، لكن الآية من غرر الآيات القرآنية التي
158

تبحث عن طبيعة الحقّ والباطل وتكونهما وكيفية ظهورهما والآثار المترتبة عليهما ، ولا بأس بالإشارة إلى ما يمكن الاستفادة من الآية.

1. انّ الإيمان والكفرمن أظهر مصاديق الحق والباطل ، ففي ظل الإيمان بالله تبارك وتعالى حياة للمجتمع وإحياء للعدل ، والعواطف الإنسانية ، فالأمّة التي لم تنل حظها من الإيمان يسودها الظلم والاَنانية وانفراط الأواصر الإنسانية التي تعصف بالمجتمع الإنساني إلى الهاوية.

2. انّ الزبد أشبه بالحجاب الذي يستر وجه الحقّ مدة قصيرة ، فسرعان ما يزول وينطفئ ويظهر وجه الحقيقة أي الماء والفلزات النافعة.

فهكذا الباطل ربما يستر وجه الحقيقة من خلال الدعايات المغرضة ، ولكنّه لا يمكث طويلاً فيزول كما يزول الزبد ، يقول سبحانه : ( وَقُلْ جَاءَ الحَقّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ). (1)

وقال تعالى : ( وَيَمْحُ اللهُ الباطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ ). (2)

3. انّ الماء والفلزات منبع البركات والخيرات له ، والزبد خبث لا ينتفع منه ، فهكذا الحق والباطل ، فما هو الحقّ كالإيمان والعدل ينتفع به الناس ، وأمّا الباطل كالكفر والظلم لا ينتفع منه الناس.

4. انّ الماء فيض مادي يفيضه الله سبحانه إلى السماء على الوديان والصحاري ، فكل يأخذ بمقدار سعته ، فالوادي الكبير يستوعب ماء كثيراً بخلاف الوادي الصغير فلا يستوعب سوى قليلاً من الماء وهكذا الحال في الأرواح والنفوس فكل نفس تنال حظها من المعارف الإلهية حسب قابليتها ، فهناك نفس

__________________

1 ـ الإسراء : 81.

2 ـ الشورى : 24.
159

كعرش الرحمن ونفس أخرى من الضيق بمكان يقول سبحانه : ( ولَقَدْ خَلَقكُمْ أَطواراً ).

وفي الحديث النبوي : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ». (1)

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لكميل : « إنّ هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها ». (2) فالمعارف الإلهية كالسيل المتدفق والقلوب كالأودية المختلفة.

ويمكن أن يكون قوله ( بقدرها ) إشارة إلى نكتة أخرى ، وهي انّ الماء المتدفق هو ماء الحياة الذي ينبت به الزرع والأشجار المثمرة في الأراضي الخصبة. دون الأراضي السبخة التي لا ينبت فيها إلاّ الأشواك .

5. انّ الماء يمكث في الأرض وينفذ في أعماقها ويبقى عبر القرون حتى ينتفع به الناس من خلال استخراجه ، فهكذا الحقّ فهو ثابت لا يزول ، ودائم لا يضمحل ، على طرف النقيض من الباطل ، فللحق دولة وللباطل جولة.

6. انّ الباطل ينجلي بأشكال مختلفة ، كما أنّ الزبد يطفو فوق الماء والمعدن المذاب بأنحاء مختلفة ، فالحقّ واحد وله وجه واحد ، أمّا الباطل فله وجوه مختلفة حسب بعده من الحقّ وتضادّه معه.

7. انّ الباطل في وجوده رهن وجود الحقّ ، فلولا الماء لما كان هناك زبد ، فالآراء والعقائد الباطلة تستمد مقوماتها من العقائد الحقّة من خلال إيجاد تحريف في أركانها وتزييفها ، فلو لم يكن للحقّ دولة لما كان للباطل جولة ، وإليه يشير سبحانه : ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ).

__________________

1 ـ بحار الأنوار : 4 / 405.

2 ـ نهج البلاغة : قسم الحكم ، برقم 127.
160

8. انّ في تشبيه الحقّ بالماء والباطل بالزبد إشارة لطيفة إلى أنّ الباطل كالزبد ، فكما أنّه ينعقد في الماء الذي له هيجان واضطراب والذي لا يجري على منوال هادئ ، فهكذا الباطل إنّما يظهر في الاَوضاع المضطربة التي لا يسودها أي نظام أو قانون.

9. انّ حركة الباطل وإن كانت مؤقتة إنّما هي في ظل حركة الحقّ ونفوذه في القلوب ، فالباطل يركب أمواج الحق بغية الوصول إلى أهدافه ، كما أنّ الزبد يركب أمواج الماء ليحتفظ بوجوده.

10. انّ الباطل بما انّه ليس له حظ في الحقيقة ، فلو خلص من الحقيقة فليس بإمكانه أن يظهر نفسه ، ولو في فترة قصيرة ، ولكنّه يتوسم من خلال مزجه بالحقّ حتى يمكن له الظهور في المجتمع ، ولذلك فالزبد يتكون من أجزاء مائية ، فلو خلص منها لبطل ، فهكذا الباطل في الآراء والعقائد.

قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

« فلو انّ الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين ، ولو انّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين ، ولكن يوَخذ من هذا ضغث ، ومن هذا ضغث فيمزجان ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى ». (1)

ثمّ إنّ بعض من كتب في أمثال القرآن جعل قوله سبحانه : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّهُا تِلْكَ عُقْبَى الّذينَ

__________________

1 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 49.
161

اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكافِرينَ النّارُ ). (1) من الأمثال.

ولكن الظاهر انّه ليس من باب التمثيل ، لأنّه فرع وجود مشبه ومشبه به مع أنّ الآية هي بصدد بيان جزاء المتقين والكافرين ، فقال : إنّ جزاء المتقين هو انّهم يسكنون الجنة التي تجري من تحتها الأنهار وأُكلها وظلها دائم.

وهذا بخلاف الكافرين فانّ عقباهم النار ، وليست هاهنا أُمور أربعة بل لا تتجاوز الاثنين ، وعلى ذلك فيكون المثل بمعنى الوصف ، أي حال الجنة ووصفها التي وعد المتقون هو هذا.

نعم ذكر الطبرسي وجهاً ربما يصح به عدّ الآية مثلاً ، فلاحظ. (2)

__________________

1 ـ الرعد : 35.

2 ـ مجمع البيان : 3 / 296.
162

سورة إبراهيم

22


التمثيل الثاني والعشرون

( مَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرّيحُ في يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيد ). (1)

تفسير الآية

« العصف » : شدة الريح ، يوم عاصف أي شديد الريح ، وإنّما جعل العصف صفة لليوم مع أنّه صفة للريح لأجل المبالغة ، وكأنّ عصف الريح صار بمنزلة جعل اليوم عاصفاً ، كما يقال : ليل غائم ويوم ماطر.

انّه سبحانه يشبّه عمل الكافرين في عدم الانتفاع به برماد في مهب الريح العاصف ، فكما لا يقدر أحد على جمع ذلك الرماد المتفرق ، فكذلك هؤلاء الكفار لا يقدرون مما كسبوا على شيء فلا ينتفعون بأعمالهم البتة.

وقال سبحانه في آية أخرى : ( وَقَدِمْنَا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ). (2)

والمراد من أعمالهم ما يعد صالحاً في نظر العرف كصلة الأرحام وعتق الرقاب

__________________

1 ـ إبراهيم : 18.

2 ـ الفرقان : 23.
163

وفداء الأسارى وإغاثة الملهوفين ، لأنّهم بنوا أعمالهم على غير معرفة الله والإيمان به فلا يستحقون شيئاً عليه.

وأمّا الأعمال التي تعد من المعاصي الموبقة ، فهي خارجة عن مصبّ الآية لوضوح حكمها.والآية دليل على أنّ الكافر لا يثاب بأعماله الصالحة يوم القيامة إذا أتى بها لغير وجه الله.

نعم لو أتى بها طلباً لرضاه ورضوانه فلا غرو في أن يثاب به ويكون سبباً لتخفيف العذاب.
164

سورة إبراهيم

23


التمثيل الثالث والعشرون

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيّبَة أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُوَْتي أُكُلَهَا كُلَّ حينٍ بِإذْنِ رِبّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون ). (1)

تفسير الآيات

انّه سبحانه تبارك وتعالى مثل للحق والباطل ، أو الكفر والإيمان بتمثيلات مختلفة ، وقد جاء التمثيل في هذه الآية بأنّ مثل الإيمان كشجرة لها الصفات التالية :

أ : انّها طيبة : أي طاهرة ونظيفة في مقابل الخبيثة ، فانّ الشجر على قسمين : منها ما هو طيب الثمار كالتين والنخل والزيتون وغيرها ، ومنها ما هو خبيث الثمار كالحنظل.

ب : أصلها ثابت ، أي لها جذور راسخة في أعماق الأرض لا تزعزعها العواصف الهوجاء ولا الأمواج العاتية.

ج : فرعها في السماء ، أي لها أغصان مرتفعة ، فهي بجذورها الراسخة تحتفظ بأصلها وبفروعها في السماء وتنتفع من نور الشمس والهواء والماء.

__________________

1 ـ إبراهيم : 24 ـ 25.
165

وهذه الفروع والأغصان من الكثرة بحيث لا يزاحم أحدها الآخر ، كما أنّها لا تتلوث بما على سطح الأرض.

د : ( تعطى أكلها كل حين ) أي في كلّ فصل وزمان ، لا بمعنى كلّ يوم وكل شهرحتى يقال بأنّه ليس على وجه البسيطة شجرة مثمرة من هذا النوع.

وبعبارة أخرى : انّ مثل هذه الشجرة لا تبخس في عطائها ، بل هي دائمة الأثمار في كل وقت وقّته الله لاثمارها.

هذا حال المشبه به ، وأمّا حال المشبه ، فقد اختلفت كلمتهم إلى أقوال لا يدعمها الدليل ، والظاهر انّ المراد من المشبه هو الاعتقاد الحقّ الثابت ، أعني التوحيد والعدل وما يلازمهما من القول بالمعاد.

فهذه عقيدة ثابتة طيبة لا يشوبها شيء من الشرك والضلال ولها ثمارها في الحياتين.

والذي يدل على ذلك هو انّه سبحانه ذكر في الآية التالية ، قوله : ( يُثَبّتُ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ ) (1) ، وهذا القول الثابت عبارة عن العقيدة الصالحة التي تمثلها كلمة التوحيد والشهادة بالمعاد وغيرهما ، قال السيد الطباطبائي :

القول بالوحدانية والاستقامة عليه ، هو حقّ القول الذي له أصل ثابت محفوظ عن كلّ تغير وزوال وبطلان ، وهو الله عزّ اسمه أو أرض الحقائق ، وله فروع نشأت ونمت من غير عائق يعوقه عن ذلك من عقائد حقة فرعية وأخلاق زاكية وأعمال صالحة يحيا بها المؤمن حياته الطيبة ويعمر بها العالم الإنساني حق

__________________

1 ـ إبراهيم : 27.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:42 pm



عمارته ، وهي التي تلائم سير النظام الكوني الذي أدى إلى ظهور الإنسان بوجوده المنظور على الاعتقاد الحق والعمل الصالح. (1)

ثمّ إنّه سبحانه ختم الآية بقوله : ( وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثال للنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون ) ، أي ليرجعوا إلى فطرتهم فيتحقّقوا من أنّ السعادة رهن الاعتقاد الصحيح المثمر في الحياتين.

وبذلك يعلم انّ ما ذكره بعض المفسرين بأنّ المراد كلمة التوحيد لا يخالف ما ذكرنا ، لأنّ المراد هو التمثل بكلمة التوحيد لا التلفظ بها وحده حتى أنّ قوله سبحانه : ( إِنَّ الّذينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوفٌ عََلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) (2) يراد منه التحقّق بقوله ( ربّنا الله ) لا التلفظ بها ، وقد أشار سبحانه إلى العقيدة الصحيحة ، بقوله : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (3).

فالكلم الطيّب هو العقيدة ، والعمل الصالح يرفع تلك العقيدة.

وبذلك يعلم أنّ كلّ عقيدة صحيحةلها جذور في القلوب ، ولها فروع وأغصان في حياة الإنسان ولهذه الفروع ثمار ، فالاعتقاد بالواجب العادل الحكيم المعيد للإنسان بعد الموت يورث التثبت في الحياة والاجتناب عن الظلم والعبث والفساد إلى غير ذلك من العقائد الصالحة التي لها فروع.

إلى هنا تمّ المثل الأوّل للمؤمن والكافر أو للإيمان والكفر.

____________

1 ـ الميزان : 12 / 52.

2 ـ الأحقاف : 13.

3 ـ فاطر : 10.
167

وربما يقال : الرجال العظام من المؤمنين هم كلمة الله الطيبة ، وحياتهم أصل البركة ، ودعوتهم توجب الحركة ، آثارهم وكلماتهم وأقوالهم وكتبهم وتلاميذهم وتاريخهم ... وحتى قبورهم جميعها ملهمة وحيّة ومربّية.

ولكن سياق الآيات لا يؤيده ، لأنّه سبحانه يفسر الكلمة الطيبة بما عرفت ، أعني قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ).

والمراد من القول الثابت هو الكلمة الطيبة ، وقلب المؤمن هو الأرض الطيبة التي ترسخ فيها جذور تلك الشجرة.
168

سورة إبراهيم

24


التمثيل الرابع و العشرون

( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ منْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار ). (1)

تفسير الآية

مثّل سبحانه تبارك وتعالى للعقيدة الصالحة بالمثل السابق ومقتضى الحال أن يمثل للعقيدة الباطلة بضد المثل السابق ، فهي على طرف النقيض مما ذكر في الآية السابقة ، وإليك البيان :

فالكفر كشجرة لها هذه الأوصاف :

أ : انّها خبيثة مقابلة الطيبة ، أي لا يطيب ثمارها كشجرة الحنظل.

ب : ( اجتثت من فوق الأرض ) في مقابل قوله ( أصلها ثابت ) وحقيقة الاجتثاث هي اقتلاع الشيء من أصله ، أي اقتطعت واستؤصلت واقتلعت جذورها من الأرض.

ج : ( ما لها من قرار ) أي ليس لتلك الشجرة من ثبات ، فالريح تنسفها وتذهب بها ، وبالتالي ليس لها فروع وأغصان أو ثمار.

__________________

1 ـ إبراهيم : 26.
169

هذا هو المشبه به ، وأمّا المشبه فهو عبارة عن العقيدة الضالة الكافرة التي لا تعتمد على برهان ولا دليل ، يزعزعها أدنى شبهة وشك.

فينطبق صدر الآية التالية على التمثيل الأوّل ، وذيله على التمثيل التالي ، أعني : قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) هذا هو المنطبق على التمثيل الأوّل

وأمّا المنطبق على التمثيل الثاني فهو قوله : ( وَيُضِلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) أي يضل أهل الكتاب بحرمانهم من الهداية ، وذلك لأجل قصورهم في الاستفادة عن الهداية العامة التي هي متوفرة لكل إنسان ، أعني : الفطرة ودعوة الأنبياء .

وقوله : ( يفعل الله ما يشاء ) بمعنى انّه تعلّقت مشيئته بتثبيت المؤمنين وتأييدهم وإضلال الظالمين وخذلانهم ، ولم تكن مشيئته عبثاً وإنّما نابعة من حكمة بالغة.
170

سورة إبراهيم

25


التمثيل الخامس والعشرون

( وَأَنذِرِ النّاسَ يَوم يَأْتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الّذينَ ظَلَمُوا رَبّنَا أَخّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولَ مِنْهُ الجِبال ). (1)

تفسير الآيات

إنّ الآية تمثل حال قوم شاهدوا نزول جزء من العذاب والبلاء فعادوا يظهرون الندم على أعمالهم البغيضة ويطلبون الإمهال حتى يتلافوا ما فاتهم من الإيمان والعمل الصالح ، كما يحكي عنه سبحانه ، ويقول : ( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ) أي مشاهدة نزول العذاب في الدنيا بشهادة استمهالهم ، كما في قوله تعالى : ( فَيَقول الذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ).

فيرد دعوتهم بأنّ هذا الطلب ليس طلباً صادقاً وإنّما ألجأهم إليه رؤية

__________________

1 ـ إبراهيم : 44 ـ 46.
171

العذاب.

فيخاطبهم سبحانه بقوله : ( أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ).

وعلى ما ذكرنا يكون مفاد الآية : حلفتم قبل نزول العذاب بأنّه ليس لكم زوال من الراحة إلى العذاب ، وظننتم انّكم بما تمتلكون من القوة والسطوة أمّة خالدة مالكة لزمام الأمور ، فلماذا تستمهلون ؟ ثمّ يخاطبهم بجواب آخر وهو قوله : ( وَسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ) أي سكنتم ديار من كذب الرسل فأهلكهم الله وعرفتم ما نزل بهم من البلاء والهلاك والعذاب كقوم عاد وثمود ، وضربنا لكم الأمثال وأخبرناكم بأحوال الماضين لتعتبروا فلم تتعظوا.

وعلى ذلك فالمشبه به هو حال الأمم الهالكة بأفعالهم الظالمة.

والمشبه هو الأمم اللاحقة لهم الذين رأوا العذاب فاستمهلوا الأجل وندموا ولات حين مناص.
172

النحل

26


التمثيل السادس والعشرون

( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمّا رَزَقْناهُمٍ تَاللهِ لَتُسئَلُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ * وَيَجْعَلُونَ للهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَه وَلَهُمْ ما يَشْتَهون * وإِذا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاَُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيم * يَتوارَى مِنَ القَومِ مِنْ سُوءِ ما بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُون * لِلَّذينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَة مثلُ السَّوءِ وَللهِ المَثَلُ الأعلى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكيم ). (1)

تفسير الآيات

إنّ الله سبحانه هو الواجب الغني عن كل من سواه ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيد ) (2) فلا يصحّ وصفه بما يستشمُّ منه الفقر والحاجة ، لكن المشركين غير العارفين بالله كانوا يصفونه بصفات فيها وصمة الفقر والحاجة ، وقد حكاها سبحانه في غير واحد من الآيات ، فقال : ( وَجَعَلُوا للهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاََنْعامِ نَصِيباً فَقَالُوا هذا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَمَا كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللهِ وَمَا كانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ سَاءَ ما يَحْكُمُون ). (3)

__________________

1 ـ النحل : 56 ـ 60.

2 ـ فاطر : 15.

3 ـ الأنعام : 136.
173

فقد أخطأوا في أمرين :

أ : فرز نصيب لله من الحرث والأنعام ، وكأنّه سبحانه فقير يجعلون له نصيباً ممّا يحرثون ويربّون من أنعامهم.

ب : الجور في التقسيم والقضاء ، فيعطون ما لله إلى الشركاء دون العكس ، وما هذا إلاّ لجهلهم بمنزلته سبحانه وأسمائه وصفاته.

وقد أشار إلى ما جاء تفصيله في سورة الأنعام على وجه موجز في المقام ، وقال : ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَفتَرُون ).

ونظير ما سبق انّهم كانوا يبغضون البنات ويجعلونها لله ، ويحبون البنين ويجعلونهم لأنفسهم ، وإليه يشير سبحانه بقوله : ( وَيَجْعَلُونَ للهِ البَناتِ سُبحانهُ وَلَهُم ما يَشتَهُون ) والمراد من الموصول في ( ما يشتهون ) هو البنون ، وبذلك تبيّن معنى قوله سبحانه : ( لِلّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوء ) أي انّ المشركين المنكرين للآخرة يصفونه سبحانه بصفات السوء التي يستقبحها العقل ويذمّها ، وقد عرفت كيفية وصفهم له فوصفوه عند التحليل بالفقر والحاجة والنقص والاِمكان ، والله سبحانه هو الغني المطلق ، فهو أعلى من أن يوصف بأمثال السوء ، ولكن الموحّد يصفه بالكمال كالحياة والعلم والقدرة والعزّة والعظمة والكبرياء ، والله سبحانه عند المؤمنين ( هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ الْمُوَْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَبّارُ الْمتَكَبّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبَارِئ الْمُصَوّرُ لَهُ الأسْماءُ الْحُسْنى ) (1) ويقول سبحانه : ( وَلَهُ المَثَلُ الأعلى فِي

__________________

1 ـ الحشر : 23 ـ 24.

174

السَّموات وَالأرض ) (1) وقال : ( لَهُ الاََسماءُ الحُسْنى ). (2)

ومنه يظهر جواب سؤال طرحه الطبرسي في « مجمع البيان » ، وقال : كيف يمكن الجمع بين قوله سبحانه ( وَلله المثل الأعلى ) وقوله : ( فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون ). (3)

والجواب انّ المراد من ضرب الأمثال هو وصفه بما يدل على فقره وحاجته أو تشبيهه بأُمور مادية ، وقد تقدم انّ المشركين جعلوا له نصيباً من الحرث والأنعام ، كما جعلوا الملائكة بناتاً له ، يقول سبحانه : ( وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الّذينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمن اناثاً ) ، (4) ويقول سبحانه : ( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِنّة نَسباً ). (5) إلى غير ذلك من الصفات التي يتنزه عنها سبحانه ، فهذا النوع من التمثيل أمر محظور ، وهو المراد من قوله ( فَلا تَضْرِبُوا لله الأمْثال ).

وأمّا التمثيل لله سبحانه بما يناسبه كالعزّة والكبرياء والعلم والقدرة إلى غير ذلك ، فقد أجاب عليه القرآن ولم ير فيه منعاً وحظراً ، بشهادة انّه سبحانه بعد هذا الحظر أتى بتمثيلين لنفسه ، كما سيتضح في التمثيل الآتي.

وربما يذكر في الجواب بأنّ الأمثال في الآية جمع « المِثْل » بمعنى « الند » ، فوزان قوله ( لا تضربوا لله الأمثال ) كوزان قوله : ( فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً ) (6) ، ولكنّه معنى بعيد ، فانّ المثل بفتح العين يستعمل مع الضرب ، دون المثل بسكون

____________

1 ـ الروم : 27.

2 ـ طه : 8.

3 ـ النحل : 74.

4 ـ الزخرف : 19.

5 ـ الصافات : 158.

6 ـ البقرة : 22.
175

العين بمعنى الند فلم يشاهد اقترانه بكلمة الضرب.

ويقرب ممّا ذكرنا كلام الشيخ الطبرسي حيث يقول :

إنّ المراد بالأمثال الاَشباه ، أي لا تشبّهوا الله بشيء ، والمراد بالمثل الأعلى هنا الوصف الأعلى الذي هو كونه قديماً قادراً عالماً حياً ليس كمثله شيء.

وقيل إنّ المراد بقوله : ( المثل الأعلى ) : المثل المضروب بالحق ، وبقوله : ( فلا تضربوا لله الأمثال ) : الأمثال المضروبة بالباطل. (1)

وفي الختام نودُّ أن نشير إلى نكتة ، وهي انّ عدّ قوله سبحانه ( للّذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ) من قبيل الأمثال القرآنية لا يخلو من غموض ، لأنّ الآية بصدد بيان نفي وصفه بصفات قبيحة سيئة دون وصفه بصفات عليا فأين التمثيل ؟

إلاّ أن يقال : إنّ التشبيه ينتزع من مجموع ما وصف به المشركون ، حيث شبّهوه بإنسان له حاجة ماسّة إلى الزرع والأنعام وله بنات ونسبة مع الجن إلى غير ذلك من أمثال السوء ، فالآية بصدد ردّ هذا النوع من التمثيل ، وفي الحقيقة سلب التمثيل ، أو سوق المؤمن إلى وصفه سبحانه بالأسماء الحسنى والصفات العليا.

__________________

1 ـ مجمع البيان : 3 / 367.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:43 pm

النحل

27


التمثيل السابع والعشرون

( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالأرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمن رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَستَوون الحمدُ للهِ بَلْ أَكْثَرهُمْ لا يَعْلَمُون ). (1)

تفسير الآيات

ندّد سبحانه بعمل المشركين الذين يعبدون غير الله سبحانه ، بأنّ معبوداتهم لا تملك لهم رزقاً ولا نفعاً ولا ضراً ، فكيف يعبدونها مع أنّها أشبه بجماد لا يرجى منها الخير والشر ، وإنّما العبادة للإله الرازق المعطى المجيب للدعوة ؟

هذا هو المفهوم من الآية الأولى.

ثمّ إنّه سبحانه يمثّل لمعبود المشركين والمعبود الحق بالتمثيل التالي :

افرض مملوكاً لا يقدر على شيء ولا يملك شيئاً حتى نفسه ، فهو بتمام معنى الكلمة مظهر الفقر والحاجة ، ومالكاً يملك الرزق ويقدر على التصرف فيه ، فيتصرف في ماله كيف شاء وينعم كيف شاء. فهل هذان متساويان ؟ كلاّ.

____________

1 ـ النحل : 73 ـ 75.
177

وعلى ضوء ذلك تمثّل معبوداتهم الكاذبة مثل العبد الرق المملوك غير المالك لشيء ، ومثله سبحانه كمثل المالك للنعمة الباذل لها المتصرف فيها كيف شاء.

وذلك لأنّ صفة الوجود الإمكاني ـ أي ما سوى الله ـ نفس الفقر والحاجة لا يملك شيئاً ولا يستطيع على شيء.

وأمّا الله سبحانه فهو المحمود بكلّ حمد والمنعم لكلّ شيء ، فهو المالك للخلق والرزق والرحمة والمغفرة والإحسان والإنعام ، فله كلّ ثناء جميل ، فهو الربّ ودونه هو المربوب ، فأيّهما يصلح للخضوع والعبادة ؟

ويدل على ما ذكرنا انّه سبحانه حصر الحمد لنفسه ، وقال : الحمد لله أي لا لغيره ، فالحمد والثناء ليس إلاّ لله سبحانه ، ومع ذلك نرى صحة حمد الآخرين بأفعالهم المحمودة الاختيارية ، فنحمد المعطي بعطائه والمعلم لتعليمه والوالد لما يقوم به في تربية أولاده.

وكيفية الجمع انّ حمد هؤلاء تحميد مجازى ، لأنّ ما بذله المنعم أو المعلم أو الوالد لم يكن مالكاً له ، وإنّما يملكه سبحانه فهو أقدرهم على هذه الأعمال ، فحمد هؤلاء يرجع إلى حمده وثنائه سبحانه ، ولذلك صح أن نقول : إنّ الحمد منحصر بالله لا بغيره. ولذلك يقول سبحانه في تلك الآية : ( وَالحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرهُمْ لا يَعْلَمُون ) أي الشكر لله على نعمه ، يقول الطبرسي : وفيه إشارة إلى أنّ النعم كلّها منه. (1)

__________________

1 ـ مجمع البيان : 3 / 375.

178

النحل

28


التمثيل الثامن والعشرون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَينَمَا يُوَجّههُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقيم ). (1)

تفسير الآية

كان التمثيل السابق يبيّن موقف الآلهة الكاذبة بالنسبة إلى العبادة والخضوع وموقفه تبارك وتعالى حيالها ، ولكن هذا التمثيل جاء لبيان موقف عبدة الأصنام والمشركين وموقف المؤمنين والصادقين ، فيشبّه الأوّل بالعبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء ، ويشبّه الآخر بإنسان حرّ يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.

نفترض عبداً رِقاً له هذه الصفات :

أ : أبكم لا ينطق وبالطبع لا يسمع لما في الملازمة بين البكم وعدم السماع ، بل الأوّل نتيجة الثاني ، فإذا عطل جهاز السمع يسري العطل إلى اللسان أيضاً ، لأنّه إذا فقد السمع فليس بمقدوره أن يتعلم اللغة.

ب : عاجز لا يقدر على شيء ، ولو قلنا بإطلاق هذا القيد فهو أيضاً لا

____________

1 ـ النحل : 76.
179

يبصر ، إذ لو أبصر لا يصح في حقّه انّه لا يقدر على شيء.

ج : ( كَلّ على مولاه ) : أي ثقل ووبال على وليّه الذي يتولّى أمره.

د : ( أَينما يُوجّهه لا يَأْتِ بِخَير ) لعدم استطاعته أن يجلب الخير ، فلا ينفع مولاه ، فلو أرسل إلى أمر لا يرجع بخير.

فهذا الرق الفاقد لكلّ كمال لا يرجى نفعه ولا يرجع بخير.

وهناك إنسان حرٌّ له الوصفان التاليان :

أ : يأمر بالعدل.

ب : وهو على صراط مستقيم.

أمّا الأوّل ، فهو حاك عن كونه ذا لسان ناطق ، وإرادة قوية ، وشهامة عالية يريد إصلاح المجتمع ، فمثل هذا يكون مجمعاً لصفات عليا ، فليس هو أبكمَ ولا جباناً ولا ضعيفاً ولا غير مدرك لما يصلح الأمة والمجتمع. فلو كان يأمر بالعدل فهو لعلمه به فيكون معتدلاً في حياته وعبادته ومعاشرته التي هي رمز الحياة.

وأمّا الثاني : أي كونه على صراط مستقيم ، أي يتمتع بسيرة صالحة ودين قويم.

فهذا المثل يبيّن موقف المؤمن والكافر من الهداية الإلهية ، وقد أشار سبحانه إلى مغزى هذا التمثيل في آية أخرى ، وقال : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلى الحَقِّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدِّي إلاّ أن يُهَدى فَما لكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون ). (1)

هذا التفسير مبني على أنّ التمثيل بصدد بيان موقف الكافر والمؤمن غير انّ هناك احتمالاً آخر ، وهو انّ التمثيل تأكيد للتمثيل السابق وهو تبيين موقف الآلهة الكاذبة والإله الحق.

__________________

1 ـ يونس : 35.

180

النحل

29


التمثيل التاسع والعشرون

( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُون * وَلا تَكُونُوا كالّتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوةٍ أَنكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمّةٌ هِي أَرْبى مِنْ أُمّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيّننَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون ). (1)

تفسير الآيات

التوكيد : التشديد ، يقال أوكدها عقدك ، أي شدّك ، وهي لغة أهل الحجاز و « الأنكاث » : الأنقاض ، وكلّ شيء نقض بعد الفتح ، فقد انكاث حبلاً كان أو غزلاً.

و « الدخل » ما أُدخل في الشيء على فساد ، وربما يطلق على الخديعة ، وإنّما استعمل لفظ الدخل في نقض العهد ، لأنّه داخل القلب على ترك البقاء ، وقد نقل عن أبي عبيدة ، انّه قال : كلّ أمر لم يكن صحيحاً فهو دخل ، وكلّ ما دخله عيب فهو مدخول.

هذا ما يرجع إلى تفسير لغات الآية وجملها.

____________

1 ـ النحل : 91 ـ 92.

181

وأمّا شأن نزولها فقد نقل عن الكلبي أنّها امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ، ثمّ تأمرهنَّ أن ينقضن ما غزلن ولا يزال ذلك دأبها ، واسمها « ريطة » بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة ، وكانت تسمّى فرقاء مكة. (1)

إنّ لزوم العمل بالميثاق من الأمور الفطرية التي جُبل عليها الإنسان ، ولذلك نرى أنّ الوالد إذا وعد ولده شيئاً ، ولم يف به فسوف يعترض عليه الولد ، وهذا كاشف انّ لزوم العمل بالمواثيق والعهود أمر فطر عليه الإنسان.

ولذلك صار العمل بالميثاق من المحاسن الاَخلاقية التي اتّفق عليها كافة العقلاء.

وقد تضافرت الآيات على لزوم العمل به خصوصاً إذا كان العهد لله ، قال سبحانه : ( وَأوفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كانَ مَسْؤولاً ) (2)

وقال تعالى : ( وَالّذِينَ هُمْ لأماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُون ). (3)

وفي آية ثالثة : ( وَأوفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ). (4)

وفيما نحن فيه يأمر بشيء وينهى عن آخر.

أ : فيقول ( أَوفُوا بِعَهْدِ اللهِ إذا عاهَدْتُمْ ) فيأمر بالوفاء بعهد الله ، أي العهود التي يقطعها الناس مع الله تعالى. ومثله العهد الذي يعهده مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة المسلمين ، فكلّ ذلك عهود إلهية وبيعة في طريق طاعة الله سبحانه.

____________

1 ـ الميزان : 12 / 335.

2 ـ الإسراء : 34.

3 ـ المؤمنون : 8.

4 ـ البقرة : 40.
182

ب : ( وَلا تَنْقُضُوا الإيْمان بَعْد تَوكيدها ) فالأيمان جمع يمين.

فيقع الكلام في الفرق بين الجملتين ، والظاهر اختصاص الأولى بالعهود التي يبرمها مع الله تعالى ، كما إذا قال : عاهدت الله لأفعلنّه ، أو عاهدت الله أن لا أفعله.

وأمّا الثانية فالظاهر انّ المراد هو ما يستعمله الإنسان من يمين عند تعامله مع عباد الله.

وبملاحظة الجملتين يعلم أنّه سبحانه يؤكد على العمل بكلّ عهد يبرم تحت اسم الله ، سواء أكان لله سبحانه أو لخلقه.

ثمّ إنّه قيّد الأيمان بقوله : بعد توكيدها ، وذلك لأنّ الأيمان على قسمين : قسم يطلق عليه لقب اليمين ، بلا عزم في القلب وتأكيد له ، كقول الإنسان حسب العادة والله وبالله.

والقسم الآخر هو اليمين المؤكد ، وهو عبارة عن تغليظه بالعزم والعقد على اليمين ، يقول سبحانه : ( لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الإيْمان ). (1)

ثمّ إنّه سبحانه يعلّل تحريم نقض العهد ، بقوله : ( وَقَد جَعَلتم الله علَيكم كفيلاً انّ الله يعلم ما تَفْعلون ) أي جعلتم الله كفيلاً بالوفاء فمن حلف بالله فكأنّه أكفل الله بالوفاء.

فالحالف إذا قال : والله لأفعلنّ كذا ، أو لأتركنّ كذا ، فقد علّق ما حلف عليه نوعاً من التعليق على الله سبحانه ، وجعله كفيلاً عنه في الوفاء لما عقد عليه

__________________

1 ـ المائدة : 89.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:44 pm



اليمين ، فإن نكث ولم يفِ كان لكفيله أن يؤدبه ، ففي نكث اليمين ، إهانة وإزراء بساحة العزة.

ثمّ إنّه سبحانه يرسم عمل ناقض العهد بامرأة تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، قال : ( وَلاتَكُونُوا كَالّتى نَقَضَت غزلها مِنْ بعْدل قُوّة أنكاثاً ) مشيراً إلى المرأة التي مضى ذكرها وبيان عملها حيث كانت تغزل ما عندها من الصوف والشعر ، ثمّ تنقض ما غزلته ، وقد عرفت في قوله ب‍ « الحمقاء » فكذلك حال من أبرم عهداً مع الله وباسمه ثمّ يقدم على نقضه ، فعمله هذا كعملها بل أسوأ منها حيث يدل على سقوط شخصيته وانحطاط منزلته.

ثمّ إنّه سبحانه يبين ما هو الحافز لنقض اليمين ، ويقول إنّ الناقض يتخذ اليمين واجهة لدخله وحيلته أوّلاً ، ويبغي من وراء نقض عهده ويمينه أن يكون أكثر نفعاً ممّا عهد له ولصالحه ثانياً ، يقول سبحانه : ( تَتَّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة ) فقوله « أربى » من الربا بمعنى الزيادة ، فالناقض يتخذ أيمانه للدخل والغش ، ينتفع عن طريق نقض العهد وعدم العمل بما تعهد ، ولكن الناقض غافل عن ابتلائه سبحانه ، كما يقول سبحانه : ( إنّما يبلوكم الله به وليبيّننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ).

أي انّ ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به ، وأقسم ليبيّنن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق ، ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هوا لمهتدي. (1)

__________________

1 ـ الميزان : 12 / 336.

184

النحل

30


التمثيل الثلاثون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون ). (1)

تفسير الآيات

« رغد » عيش رغد ورغيد : طيّب واسع ، قال تعالى : ( وكلا منها رغداً ).

يصف سبحانه قرية عامرة بصفات ثلاث :

أ : آمنة : أي ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم ، ولا يُشنُّ عليهم بقتل النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، وكانت آمنة من الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول.

ب : مطمئنة : أي قارّة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو ضيق ، فانّ ظاهرة الاغتراب إنّما هي نتيجة عدم الاستقرار ، فترك الأوطان وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمّل المشاق رهن عدم الثقة بالعيش الرغيد فيه ، فالاطمئنان رهن الأمن.

____________

1 ـ النحل : 112 ـ 113.
185

ج : ( يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان ) ، الضمير في يأتيها يرجع إلى القرية ، والمراد منها حاضرة ما حولها من القرى ، والدليل على ذلك ، قوله سبحانه حاكياً عن ولد يعقوب : ( وَاسئلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ التِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصادِقُون ). (1) والمراد من القرية هي مصر الحاضرة الكبيرة يومذاك.

وعلى ذلك فتلك القرية الواردة في الآية بما انّها كانت حاضرة لما حولها من الاَصقاع فينقل ما يزرع ويحصد إليها بغية بيعه أو تصديره.

هذه الصفات الثلاث تعكس النعم المادية الوافرة التي حظيت بها تلك القرية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى نعمة أخرى حظيت بها وهي نعمة معنوية ، أعنيبعث الرسول إليها ، كما أشار إليه في الآية الثانية ، بقوله : ( وَلَقد جاءهُمْ رسول منهم ).

وهوَلاء أمام هذه النعم الظاهرة والباطنة بدل أن يشكروا الله عليها كفروا بها.

أمّا النعمة المعنوية ، أعني : الرسول فكذّبوه ـ كما هو صريح الآية الثانية ـ وأمّا النعمة المادية فالآية ساكتة عنها غير انّ الروايات تكشف لنا كيفية كفران تلك النعم.

روى العياشي ، عن حفص بن سالم ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ قوماً في بني إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها ، فلم يزل الله بهم حتى اضطروا إلى التماثيل يبيعونها

__________________

1 ـ يوسف : 82.
186

ويأكلونها ، وهو قول الله : ( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ». (1)

وفي رواية أخرى عن زيد الشحّام ، عن الصادق عليه‌السلام قال : كان أبي يكره أن يمسح يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له إلاّ أن يمصّها ، أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها ، قال : فانّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم ، ثم قال : إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة.

قال عليه‌السلام : فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد ، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلاّ أكلته من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به ، فأكلوه وهي القرية التي قال الله تعالى : ( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ). (2)

وبذلك يعلم أنّ ما يقوم به الجيل الحاضر من رمي كثير من فتات الطعام في سلة المهملات أمر محظور وكفران بنعمة الله. حتى أنّ كثيراً من الدول وصلت بها حالة البطر بمكان انّها ترمي ما زاد من محاصيلها الزراعية في البحار حفظاً لقيمتها السوقية ، فكلّ ذلك كفران لنعم الله.

ثمّ إنّه سبحانه جزاهم في مقابل كفرهم بالنعم المادية والروحية ، وأشار إليها

__________________

1 ـ تفسير نور الثقلين : 3 / 91 ، حديث 247.

2 ـ تفسير نور الثقلين : 3 / 92 ، حديث 248.
187

بآيتين :

الاَُولى : ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ).

الثانية : ( فَأخذهم العذاب وهم ظالمون ).

فلنرجع إلى الآية الأولى ، فقد جزاهم بالجوع والخوف نتيجة بطرهم.

وهناك سؤال مطروح منذ القدم وهو أنّه سبحانه جمع في الآية الأولى بين الذوق واللباس ، فقال : ( فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الجُوعِ ) مع أنّ مقتضى استعمال الذوق هو لفظ طعم ، بأن يقول : « فأذاقها الله طعم الجوع ».

ومقتضى اللفظ الثاني أعني : اللباس ، أن يقول : « فكساهم الله لباس الجوع » فلماذا عدل عـن تلك الجملتين إلى جملة ثالثــة لا صلـة لها ـ حسب الظاهر ـ بين اللفظين ؟

والجواب : انّ للإتيان بكلّ من اللفظين وجهاً واضحاً.

أمّا استخدام اللباس فلبيان شمول الجوع والخوف لكافة جوانب حياتهم ، فكأنّ الجوع والخوف أحاط بهم من كلّ الأطراف كإحاطة اللباس بالملبوس ، ولذلك قال : ( لباس الجوع والخوف ) ولم يقل « الجوع والخوف » لفوت ذلك المعنى عند التجريد عن لفظ اللباس.

وأمّا استخدام الذوق فلبيان شدة الجوع ، لأنّ الإنسان يذوق الطعام ، وأمّا ذوق الجوع فانّما يطلق إذا بلغ به الجوع والعطش والخوف مبلغاً يشعر به من صميم ذاته ، فقال : ( فَأَذاقَهُمُ الله لِباس الجوع والخَوف ).

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وأمّا ما هو المرادمن تلك القرية بأوصافها الثلاثة ، فقد عرفت من الروايات خصوصياتها.
188

نعم ربما يقال بأنّ المراد أهل مكة ، لأنّهم كانوا في أمن وطمأنينة ورفاه ، ثمّ أنعم الله عليهم بنعمة عظيمة وهي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكفروا به وبالغوا في إيذائه ، فلا جرم أن سلط عليهم البلاء.

قال المفسرون : عذّبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام.

وأمّا الخوف ، فهو انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.

ويؤيد ذلك الاحتمال ما جاء من وصف أرض مكة في قوله : ( أَوَ لَمْ نُمَكّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلّ شَيْءٍ ). (1)

ومع ذلك كلّه فتطبيق الآية على أهل مكة لا يخلو من بُعد.

أمّا أوّلاً : فلأنَّ الآية استخدمت الأفعال الماضية مما يشير إلى وقوعها في الأزمنة الغابرة.

وثانياً : لم يثبت ابتلاء أهل مكة بالقحط والجوع على النحو الوارد في الآية الكريمة ، وان كان يذكره بعض المفسرين.

وثالثاً : انّ الآية بصدد تحذير المشركين من أهل مكة من مغبّة تماديهم في كفرهم ، والسورة مكية إلاّ آيات قليلة ، ونزولها فيها يقتضي أن يكون للمثل واقعية خارجية وراء تلك الظروف ، لتكون أحوال تلك الأمم عبرة للمشركين من أهل مكة وما والاها.

__________________

1 ـ القصص : 57.
189

الاِسراء

31


التمثيل الواحد والثلاثون

( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَة إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ). (1)

تفسير الآيات « الغلُّ » : ما يقيَّد به ، فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، ومعنى قوله : ( مغلولة إلى عنقك ) أي مقيَّدة به.

« الحسرة » : الغم على ما فاته والندم عليه ، وعلى ذلك يكون محسوراً ، عطف تفسير لقوله « ملوماً » ، ولكن الحسرة في اللغة كشف الملبس عما عليه ، وعلى هذا يكون بمعنى العريان.

أمّا الآية فهي تتضمن تمثيلاً لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، والأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، فشبّه منع الشحيح بمن تكون يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الاِعطاء والبذل ، فيكون تشبيه لغاية المبالغة في النهي عن الشح والإمساك ، كما شبّه إعطاء المسرف بجميع ما عنده بمن بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف ، فيبقى الثالث وهو المفهوم من الآية

__________________

1 ـ الإسراء : 29 ـ 30.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:44 pm



وإن لم يكن منطوقاً ، وهو الاقتصاد في البذل والعطاء ، فقد تضمّنته آية أخرى في سورة الفرقان ، وهي : ( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُروا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ). (1)

وقد ورد في سبب نزول الآية ما يوضح مفادها.

روى الطبري أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت : قل له : إنّ أمّي تستكسيك درعاً ، فإن قال : حتى يأتينا شيء. ، فقل له : انّها تستكسيك قميصك.

فأتاه ، فقال ما قالت له ، فنزع قميصه فدفعه إليه ، فنزلت الآية.

ويقال انّه عليه‌السلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئاً يلبسه ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلامه الكفّار ، وقالوا : إنّ محمداً اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة ( إِنَّ ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي يوسع مرة ويضيق مرة ، بحسب المصلحة مع سعة خزائنه. (2)

روى الكليني عن عبدالملك بن عمرو الأحول ، قال : تلا أبو عبد الله هذه الآية : ( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَم يسرفُوا وَلم يقتروا وَكان بين ذلكَ قواماً ).

قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، فأرخى كفه كلها ، ثمّ قال : هذا الإسراف ، ثمّ قبض قبضة أخرى فأرخى بعضها ، وقال : هذا القوام. (3)

__________________

1 ـ الفرقان : 67.

2 ـ مجمع البيان : 3 / 412.

3 ـ البرهان في تفسير القرآن : 3 / 173.
191

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وهذا الدستور الإلهي تمخض عن سنّة إلهية في عالم الكون ، فقد جرت سنته سبحانه على وجود التقارن بين أجزاء العالم وانّ كلّ شيء يبذل ما يزيد على حاجته إلى من ينتفع به ، فالشمس ترسل 450 ألف مليون طن من جرمها بصورة أشعة حرارية إلى أطراف المنظومة الشمسية وتنال الأرض منها سهماً محدوداً فتتبدل حرارة تلك الأشعة إلى مواد غذائية كامنة في النبات والحيوان وغيرهما ، حتى أنّ الأشجار والأزهار ما كان لها أن تظهر إلى الوجود لولا تلك الأشعة.

إنّ النحل يمتصّ رحيق الاَزهار فيستفيد منه بقدر حاجته ويبدل الباقي عسلاً ، كل ذلك يدل على أنّ التعاون بل بذل ما زاد عن الحاجة ، سنة إلهية وعليها قامت الحياة الإنسانية.

ولكن الإسلام حدّد الإنفاق ونبذ الاِفراط والتفريط ، فمنع عن الشح ، كما منع عن الإسراف في البذل.

وكأنّ هذه السنّة تجلت في غير واحد من شؤون حياة الإنسان ، ينقل سبحانه عن لقمان الحكيم انّه نصح ابنه بقوله : ( وَ اقْصُدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ). (1)

بل يتجلّى الاقتصاد في مجال العاطفة الإنسانية ، فمن جانب يصرح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام. (2)

ومن جانب آخر يقول الإمام علي عليه‌السلام : « هلك فيّ اثنان : محب غال ، ومبغض قال ». (3)

__________________

1 ـ لقمان : 19.

2 ـ حلية الأولياء : 1 / 86.

3 ـ بحار الأنوار : 34 / 307.
192

فالاِمعان في مجموع ما ورد في الآيات والروايات يدل بوضوح على أنّ الاقتصاد في الحياة هو الأصل الأساس في الإسلام ، ولعله بذلك سميت الأمة الإسلامية بالاَُمة الوسط ، قال سبحانه : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ). (1)

وهناك كلمة قيمة للاِمام أمير المؤمنين عليه‌السلام حول الاعتدال نأتي بنصها :

دخل الإمام علي العلاء بن زياد الحارثى وهو من أصحابه يعوده ، فلمّا رأي سعة داره ، قال :

« ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟

بلى إن شئت بلغت بها الآخرة ، تقري فيها الضيف ، وتصل فيها الرَّحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة ».

فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال : « وماله؟ » قال : لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال : « عليّ به ». فلمّا جاء قال :

« يا عديّ نفسك : لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلّ لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ؟! أنت أهون على الله من ذلك ».

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك !

قال : « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل ( الحق ) أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره ! » (2)

__________________

1 ـ البقرة : 143.

2 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 209.
193

الكهف

32


التمثيل الثاني والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنَّتين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لاََجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُوَْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماوَُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً ). (1)

تفسير الآيات

« الحفّ » من حفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به ، وحفاف الشيء جانباه كأنّهما

__________________

1 ـ الكهف : 32 ـ 43.
194

أطافا به ، فقوله في الآية ( فَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مطيفاً بهما ، وقوله : ( ما أظن أن تبيد ) فهو من باد الشيء ، يبيد بياداً إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة.

« حسباناً » : أصل الحسبان السهام التي ترمى ، الحسبان ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه فيكون النار والريح من مصاديقه ، وفي الحديث انّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الريح : « اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ».

« الصعيد » يقال لوجه الأرض « زلق » أي دحضاً لا نبات فيه ويرادفه الصلد ، كما في قوله سبحانه : ( فتركه صلداً ) (1)

هذا ما يرجع إلى مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها ، فهو تمثيل للمؤمن والكافر بالله والمنكر للحياة الأخروية ، فالأوّل منهما يعتمد على رحمته الواسعة ، والثاني يركن إلى الدنيا ويطمئن بها ، ويتبين ذلك بالتمثيل التالي :

قد افتخر بعض الكافرين بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فضرب الله سبحانه ذلك المثل يبين فيها بأنّه لا اعتبار بالغنى الموَقت وانّه سوف يذهب سدى ، أمّا الذي يجب المفاخرة به هو تسليم الإنسان لربه وإطاعته لمولاه.

وحقيقة ذلك التمثيل انّ رجلين أخوين مات أبوهما وترك مالاً وافراً فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرب إلى الله بالإحسان والصدقة ، وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعاً بين الجنتين فافتخر الاَخ الغني على الفقير ، وقال : ( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) ، وما هذا إلاّ لأنّه كان يملك جنتين من أعناب ونخل مطيفاً

__________________

1 ـ البقرة : 264.
195

بهما وبين الجنتين زرع وافر ، وقد تعلّقت مشيئته بأن تأتي الجنتان أكلها ولم تنقص شيئاً وقد تخللها نهر غزير الماء وراح صاحب الجنتين المثمرتين يفتخر على صاحبه بكثرة المال والخدمة.

وكان كلما يدخل جنته يقول : ما أظن أن تفنى هذه الجنة وهذه الثمار ـ أي تبقى أبداً ـ وأخذ يكذب بالساعة ، ويقول : ما أحسب القيامة آتية ، ولو افترض صحة ما يقوله الموحِّدون من وجود القيامة ، فلئن بعثت يومذاك ، لآتاني ربي خيراً من هذه الجنة ، بشهادة أعطائي الجنة في هذه الدنيا دونكم ، وهذا دليل على كرامتي عليه.

هذا ما كان يتفوّه به وهو يمشي في جنته مختالاً ، وعند ذاك يواجهه أخوه بالحكمة والموعظة الحسنة.

و يقول : كيف كفرت بالله سبحانه مع أنّك كنت تراباً فصرت نطفة ، ثمّ رجلاً سوياً ، فمن نقلك من حال إلى حال وجعلك سوياً معتدل الخلقة ؟

وبما انّه ليس في عبارته إنكار للصانع صراحة ، بل إنكار للمعاد ، فكأنّه يلازم إنكار الربّ.

فإن افتخرت أنت بالمال ، فأنا أفتخر بأنّي عبد من عباد الله لا أُشرك به أحداً.

ثمّ ذكّره بسوء العاقبة ، وانّك لماذا لم تقل حين دخولك البستان ما شاء الله ، فانّ الجنتين نعمة من نعم الله سبحانه ، فلو بذلت جهداً في عمارتها فإنّما هو بقدرة الله تبارك وتعالى.

ثمّ أشار إلى نفسه ، وقال : أنا وإن كنت أقل منك مالاً وولداً ، ولكن أرجو

196

أن يجزيني ربي في الآخرة خيراً من جنتك ، كما أترقب أن يرسل عذاباً من السماء على جنتك فتصبح أرضاً صلبة لا ينبت فيها شيء ، أو يجعل ماءها غائراً ذاهباً في باطن الأرض على وجه لا تستطيع أن تستحصله.

قالها أخوه وهو يندّد به ويحذّره من مغبّة تماديه في كفره وغيّه ويتكهن له بمستقبل مظلم.

فعندما جاء العذاب وأحاط بثمره ، ففي ذلك الوقت استيقظ الاَخ الكافر من رقدته ، فأخذ يقلّب كفّيه تأسّفاً وتحسّراً على ما أنفق من الأموال في عمارة جنتيه ، وأخذ يندم على شركه ، ويقول : يا ليتني لم أكن مشركاً بربي ، ولكن لم ينفعه ندمه ولم يكن هناك من يدفع عنه عذاب الله ولم يكن منتصراً من جانب ناصر.

هذه حصيلة التمثيل ، وقد بيّنه سبحانه على وجه الإيجاز ، بقوله : ( المالُ والبنونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقيِاتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ). (1)

وقد روى المفسرون انّه سبحانه أشار إلى هذا التمثيل في سورة الصافات في آيات أخرى ، وقال : ( قالَ قائلٌ مِنْهُمْ إِنّي كانَ لِي قَرينٌ * يَقول أءِنّكَ لَمِنَ المُصَدّقينَ * أإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أإنّا لَمَدِينُونَ * قالَ هَل أَنْتُمْ مُطَّلِعُون * فَاطَّلَعَ فرآهُ فِي سَواءِ الجَحِيم ). (2)

إلى هنا تبيّـن مفهوم المثل ، وأمّا تفسير مفردات الآية وجملها ، فالاِمعان فيما ذكرنا يغني الباحث عن تفسير الآية ثانياً ، ومع ذلك نفسرها على وجه الإيجاز.

__________________

1 ـ الكهف : 46.

2 ـ الصافات : 51 ـ 55.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:45 pm



( واضرب لهم ) أي للكفار مع المؤمنين ( مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما ) أي للكافر ( جنتين ) أي بستانين ( من أعناب وحففناهما ) أحدقناهما بنخل ( وجعلنا بينهما زرعاً ) يقتات به ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ثمرها ( لم تظلم ) تنقص ( منه شيئاً وفجّرنا خلالهما نهراً ) يجري بينهما ( وكان له ) مع الجنتين ( ثمر فقال لصاحبه ) المؤمن ( وهو يحاوره ) يفاخره ( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) عشيرة ( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه ثمارها. ( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر ( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم ( هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي ) في الآخرة على زعمك ( لاَجدنّ خيراً منها منقلباً ) مرجعاً ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجادله ( أكفرت بالذى خلقك من تراب ) لأنّ آدم خلق منه ( ثم من نطفة ثمّ سوّاك ) عدلك وصيّرك ( رجلاً ). أمّا أنا فأقول ( لكنّا هو الله ربي ولا أُشرك بربي أحداً ولولا إذ دخلت جنتك قلت ) عند اعجابك بها ( ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله ). ( إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً ) وصواعق ( من السماء فتصبح صعيداً زلقاً ) أي أرضا ً ملساء لا يثبت عليهاقدم ( أو يصبح ماؤها غوراً ) بمعنى غائراً ( فلن تستطيع له طلباً ) حيلة تدركه بها ( وأحيط بثمره ) مع ما جنته بالهلاك فهلكت ( فأصبح يقلب كفيه ) ندماً وتحسراً ( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثمّ سقط الكرم ( ويقول يا ليتني ) كأنّه تذكّر موعظة أخيه ( لم أُشرك بربي أحداً ولم تكن له فئة ) جماعة ( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها و ( ما كان منتصراً ) عند هلاكها بنفسه ( هنالك ) أي يوم القيامة ( الولاية ) الملك ( لله الحقّ ). (1)

__________________

1 ـ السيوطي : تفسير الجلالين : تفسير سورة الكهف.
198

الكهف

33


التمثيل الثالث والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيءٍ مُقتدراً ). (1)

تفسير الآيات

« الهشيم » : ما يكسر ويحطم في يبس النبات ، و « الذر » والتذرية : تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كلّ جهة.

تحدّث التمثيل السابق عن عدم دوام نعم الدنيا التي ربما يعتمد عليها الكافر ، ولأجل التأكيد على تلك الغاية المنشودة أتى القرآن بتمثيل آخر يجسم فيها حال الحياة الدنيوية وعدم ثباتها بتمثيل رائع يتضمن نزول قطرات من السماء على الأراضي الخصبة المستعدة لنمو البذور الكامنة فيها ، فعندئذٍ تبتدئ الحركة فيها بشقها التراب وإنباتها وانتفاعها من الشمس إلى أن تعود البذور باقات من الاَزهار الرائعة ، فربما يتخيل الإنسان بقاءها ودوامها ، فإذا بالأعاصير والعواصف المدمِّرة تهب عليها فتصيرها أعشاباً يابسة ، وتبيدها عن بكرة أبيها وكأنّها لم تكن موجودة قط. فتنثر الرياح رمادها إلى الأطراف ، فهذا النوع من الحياة والموت يتكرر

__________________

1 ـ الكهف : 45.
199

على طول السنة ويشاهده الإنسان باُمّ عينه ، دون أن يعتبر بها ، فهذا ما صيغ لأجله التمثيل.

يقول سبحانه : ( وَاضربْ لَهُم مثل الحياة الدُّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ) على وجه يلتف بعضه ببعض ، يروق الإنسان منظره ، فلم يزل على تلك الحال إلى أن ينتقل إلى حالة لا نجد فيها غضاضة ، وهذا ما يعبر عنه القرآن ، بقوله : ( فأصبح هشيماً ) أي كثيراً مفتتاً تذوره الرياح فتنقله من موضعه إلى موضع ، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات ( وكان الله على كلّ شيء مقتدراً ).

ثمّ إنّه سبحانه يشبّه المال والبنين بالورود والأزهار التي تظهر على النباتات ووجه الشبه هو طروء الزوال بسرعة عليها ، فهكذا الأموال والبنون.

وإنّما هي زينة للحياة الدنيا ، فإذا كان الأصل مؤقتاً زائلاً ، فما ظنّك بزينته ، فلم يكتب الخلود لشيء مما يرجع إلى الدنيا ، فالاعتماد على الأمر الزائل ليس أمراً صحيحاً عقلائياً ، قال سبحانه : ( المال وَالبَنُون زينَة الحَياة الدُّنيا ).

نعم ، الخلود للأعمال الصالحة بمالها من نتائج باهرة في الحياة الأخروية ، قال سبحانه : ( وَالباقياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّك ثَواباً وخَيرٌ مَردّا ). (1)

ثمّ إنّه سبحانه يؤكد على زوال الدنيا وعدم دوامها من خلال ضرب أمثلة ، فقد جاء روح هذا التمثيل في سورة يونس الماضية. (2)

__________________

1 ـ مريم : 76.

2 ـ انظر التمثيل الرابع عشر وسورة يونس 25 ، كما يأتي مضمونها عند ذكر التمثيل الوارد في سورة الحديد ، الآية 20.
200

ايقاظ

ثمّ إنّه ربما يُعدُّ من أمثال القرآن قوله : ( وَلَقَد صرفنا في هذا القرآن للناسِ من كلّ مثل وكانَ الإنسان أكثر شيء جدلاً ). (1)

والحق انّه ليس تمثيلاً مستقلاً وإنّما يؤكد على ذكر نماذج من الأمثال خصوصاً فيما يرجع إلى حياة الماضين التي فيها العبر.

ومعنى قوله : ( ولقد صرّفنا ) أي بيّنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وإنّما عبر عن التبيين بالتصريف لأجل الإشارة إلى تنوّعها ليتفكر فيها الإنسان من جهات مختلفة ومع ذلك ( وَكانَ الإنسانُ أكثرَ شىءٍ جَدلاً ) أي أكثر شيء منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة.

__________________

1 ـ الكهف : 54.

201

الحج

34


التمثيل الرابع والثلاثون

( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز ). (1)

تفسير الآيات

كان العرب في العصر الجاهلي موحدين في الخالقية ، ويعربون عن عقيدتهم ، بأنّه لا خالق في الكون سوى الله سبحانه ، وقد حكاه سبحانه عنهم في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرضَ لَيقُولُنَّ خَلقهُنَّ العَزِيزُ العَلِيم ). (2)

ولكنّهم كانوا مشركين في التوحيد في الربوبية ، وكأنّه سبحانه ـ بزعمهم ـ خلق السماوات والأرض وفوّض تدبيرهما إلى الآلهة المزعومة ، ويكشف عن ذلك إطلاق المشركين لفظ الاَرباب في جميع العهود على آلهتهم المزعومة ، يقول سبحانه : ( أَأَرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ) (3) والآية وإن كانت تفصح عن



عقيدة المشركين في عهد يوسف إلاّ أنّها تماثل إلى حد كبير عقيدة المشركين في مكة ، بشهادة انّ الآية نزلت للتنديد بهم والحطِّ من عقيدتهم الفاسدة.

وهناك آيات أخرى تكشف عن شركهم في الربوبية :

يقول سبحانه : ( وَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلهةً لَعلَّهُمْ يُنْصَرُون ) (1) فقد كانوا يعبدون آلهتهم في سبيل نصرتهم في ساحات الوغى ، قال سبحانه : ( وَ اتّخذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلهةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ). (2)

فكان الهدف من الخضوع لدى الآلهة هو طلب العزّ منهم في مختلف المجالات ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أنّ مشركي عصر الرسول لم يكونوا موحدين في الربوبية ، وإن كانوا كذلك في مجال الخالقية.

وهناك آيات كثيرة تصف الأصنام والأوثان بأنّها لا تملك كشف الضرّ ، كما لا تملك النفع والضرّ ، ولا النصر في الحرب ، ولا العزة في الحياة ، كل ذلك يدل على أنّ المشركين كانوا يعتقدون أنّ في آلهتهم قوة وسلطاناً يكشف عنهم الضرّ ويجلب إليهم النفع ، وهذه عبارة أخرى عن تدبيرهم للحياة الإنسانية ، يقول سبحانه : ( قُلِ ادْعُوا الّذينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّر عَنْكُمْ وَلا تحْوِيلاً ). (3) وقال تعالى : ( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرّك ). (4)

وقال تعالى : ( إِن تَدَعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ) (5) إلى غير ذلك من الآيات التي تبطل تدبير الآلهة المزيفة.

__________________

1 ـ يَس : 74.

2 ـ مريم : 81.

3 ـ الإسراء : 56.

4 ـ يونس : 106.

5 ـ فاطر : 14.

____________

1 ـ الحج : 73 ـ 74.

2 ـ الزخرف : 9.

3 ـ يوسف : 39.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:46 pm



إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه سبحانه ضرب في المقام أمثالاً أبطل بها ربوبية الأصنام ، بالبيان التالي :

أمّا الذباب ، فهو عندهم أضعف الحيوانات وأوهنها ، ومع ذلك فآلهتهم عاجزون عن خلق الذباب ، وإن سلب الذباب منهم شيئاً لا يستطيعون استنقاذه منه.

فقد روي أنّ العرب كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله ، يقول سبحانه : ( يا أَيُّها الناس ضربَ مثل فاستمعوا له انَّ الذينَ تَدعُون مِنْ دُونِ الله ) أي يعبدونه والدعاء هنا بمعنى العبادة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِين ) (1) فدعاؤه سبحانه عين عبادته كما أنّ دعاء الآلهة المزيّفة ـ بما انّها أرباب عند الداعي ـ عبادة لها.

( لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ) مع صغره وضعفه ( وان يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه ) كما عرفت من أنّ الذباب ربما يأكل العسل الموجود على رؤوس الأصنام.

( ضعف الطالب والمطلوب ) وفيها احتمالات :

الأوّل : انّ المراد من الطالب والمطلوب هو العابد والمعبود ، فالإنسان ضعيف كما هو واضح ، وقال سبحانه : ( وَخلق الإنْسان ضعيفاً ) والمطلوب ، أعني : الأصنام مثله لأنّه جماد لا يقدر على شيء.

__________________

1 ـ غافر : 60.
204

الثاني : ويحتمل أن يكون المراد من الطالب هو الذباب الذي يطلب ما طليت به الأصنام ، والمطلوب هي الأصنام التي تريد استنقاذ ما سلب منها.

الثالث : المراد من الطالب الآلهة فانّـهـم يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون على استنقاذ ما سلبهم ، والمطلوب الذباب حيث يطلب للاستنقاذ منه ، والغاية من التمثيل بيان ضعف الآلهة لتنزيلها منزلة أضعف الحيوانات في الشعور والقدرة.

ثمّ إنّه سبحانه يعود ليبين منشأ إعراضهم عن عبادة الله وانكبابهم على عبادة الآلهة ، بقوله : ( ما قَدَرُوا الله حقّ قدره انّ اللهَ لقوىّ عَزيز ) أي ما نزلوه المنزلة التي يستحقها ولم يعاملوه بما يليق به ، فلذلك أعرضوا عن عبادة الخالق وانصرفوا إلى عبادة المخلوق الذي لا ينفع ولا يضر ، فلو كان هؤلاء عارفين بالله وأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، لاعترفوا بأنّه لا خالق ولا رب سواه ، وعلى ضوء ذلك لا معبود سواه ، ولكن لم يقدروا الله بما يليق به ، فلذلك شاركوه أضعف المخلوقات وأذلّهم ، مع أنّه سبحانه ( هو القويُّ العَزيز ) بخلاف الآلهة فانّهم الضعفاء والأذلاّء.
205

النور

35


التمثيل الخامس والثلاثون

( اللهُ نُورُ السَّمواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكوة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحٌ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِيّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرة مُبارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيم ). (1)

تفسير الآية

المشكاة : كوّة غير نافذة ، وتُتخذ في جدار البيت لوضع بعض الاَثاث ومنها المصباح وغيره ، وربما تكون الكوّة مشرفة على ساحة الدار وتجعل بينها زجاجة ، لتحفظ المصباح من الرياح ، ولتضيء الساحة والغرفة معاً.

ومنه حافظة المصباح ، وهي ما تصنع على شكل مخروطي توضع على المصباح لتحفظه من الرياح ، وفي أعلاها ثقب يخرج منه الدخان.

« المصباح » : السراج ، وهو آلة يتألف من أُمور أربعة :

أ : وعاء للزيت ، ب : فتيل يشتعل بالزيت ، ج : زجاجة منصوبة عليه ، د : آلة التحكم بالفتيل.

__________________

1 ـ النور : 35.
206

ثمّ إنّ أفخر أنواع الزيوت هو المأخوذ من شجرة الزيتون المغروسة في مكان تشرق عليه الشمس من كل الجوانب حيث تكون في غاية الصفاء وسريعة الاشتعال ، بخلاف المغروسة في جانب الشرق أو جانب الغرب ، فانّها لا تتعرض للشمس إلاّ في أوقات معينة.

قال العلاّمة الطباطبائي :

والمراد بكون الشجرة لا شرقية ولا غربية ، انّها ليست نابتة في الجانب الشرقي ، ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار ، ويضيء الظل عليها في الطرف الآخر ، فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفو الدهن المأخوذ منها ، فلا تجود الاِضاءة. (1)

إلى هنا تمَّ ما يرجع إلى مفردات الآية ، فعلى ذلك فالمشبه به عبارة عن مشكاة فيها مصباح وعليها زجاجة ، يوقد المصباح من زيت شجرة الزيتون المغروسة المتعرضة للشمس طول النهار على وجه يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار ، لأنّ الزيت إذا كان خالصاً صافياً يرى من بعيد كأنّ له شعاعاً فإذا مسّتْهُ النار ازداد ضوءاً على ضوء.

فالمشبه به هو النور المشرق من زجاجة مصباح ، موقد من زيت جيد صافٍ موضوع على مشكاة ، فانّ نور المصباح تجمعه المشكاة وتعكسه فيزداد إشراقاً.

وأمّا قوله في آخر الآية : ( نور على نور ) بمعنى تضاعف النور وأنّ نور الزجاجة مستمد من نور المصباح في إنارتها.

قال العلاّمة الطباطبائي :

__________________

1 ـ الميزان : 15 / 124.
207

فأخذ المشكاة ، لأجل الدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جوِّ البيت.

واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن وجودته الموَثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله.

وجودة الضياء على ما يدل عليه كون زيته يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار.

واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون نور الزجاجة مستمد من نور المصباح. (1)

هذا هو حال المشبه به ، وإنّّما الكلام في المشبه أو الممثل له ، فقد طبقت كلّ طائفة ذلك الممثل على ما ترومه ، وإليك الأقوال :

القول الأوّل : المشبه به هداية الله ، إذ قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات وصارت بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء.

وأمّا عدم تشبيهها بضوء الشمس مع أنّه أبلغ ، فلأجل انّ المراد وصف الضوء الكامل وسط الظلمة ، لأنّ الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنّما هي الشبهات التي هي كالظلمات ، وهداية الله تعالى فيما بينها كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات.

القول الثاني : المراد من النور : القرآن ، ويدل عليه قوله تعالى : ( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبين ). (2)

__________________

1 ـ لميزان : 15 / 125.

2 ـ المائدة : 15.
208

القول الثالث : المراد هو الرسول ، لأنّه المرشد ، ولأنّه تعالى قال في وصفه : ( وسِراجاً مُنِيراً ). (1) ولعلّ مرجع القولين الأخيرين هو الأوّل ، لأنّ القرآن والرسول من شعب هداية الله سبحانه.

القول الرابع : إنّ المراد ما في قلب المؤمنين من معرفة الشرائع ، ويدل عليه انّه تعالى وصف الإيمان بأنّه نور والكفر بأنّه ظلمة ، فقال : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للاِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ ). (2)

وقال تعالى : ( لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور ) (3). وحاصله انّ إيمان المؤمن قد بلغ في الصفاء عن الشبهات والامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور.

وعلى هذا فالتمثيل مفرداً وهو تشبيه الهداية وما يقرب منها بنور السراج ، ولا يجب أن يكون في مقابل كل ما للمشبه به من الأمور موجود في المشبه بخلاف الوجه التالى.

القول الخامس : إنّ المراد هو القوى المدركة ومراتبها الخمس ، وهي : القوة الحسّاسة ، القوة الخيالية ، القوة العقلية ، القوة الفكرية ، القوة القدسية.

وإليها أشارت الآية الكريمة : ( وَكَذلِكَ أَوحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنتَ تَدري ما الكِتابُ وَلا الإيمانُ ولكِن جعلناهُ نُوراً نهدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادنا ). (4)

فإذا عرفت هذه القوى فهي بجملتها أنوار ، إذ بها تظهر أصناف

__________________

1 ـ الأحزاب : 46.

2 ـ الزمر : 22.

3 ـ إبراهيم : 1.

4 ـ الشورى : 52.
209

الموجودات ، وهذه المراتب الخمس يمكن تشبيهها بالاَُمور الخمسة التي ذكرها الله تعالى ، وهي : المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت.

وعلى هذا فالتمثيل مركباً نظير القول الآتي :

القول السادس : إنّ النفس الإنسانية قابلة للمعارف والإدراكات المجردة ، ثمّ إنّه في أوّل الأمر تكون خالية عن جميع هذه المعارف ، فهناك تسمى عقلاً هيولانياً ، وهي المشكاة.

وفي المرتبة الثانية يحصل فيها العلوم البديهية التي يمكن التوصل بتركيباتها إلى اكتساب العلوم النظرية. ثم إن أمكنه الانتقال إن كانت ضعيفة فهي الشجرة ، وإن كانت أقوى من ذلك فهي الزيت ، وإن كانت شديدة القوة فهي الزجاجة التي كأنّها الكوكب الدرّي ، وإن كانت في النهاية القصوى وهي النفس القدسية التي للأنبياء فهي التي ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ).

وفي المرتبة الثالثة يكتسب من العلوم الضرورية العلوم النظرية ، إلاّ أنّها لا تكون حاضرة بالفعل ، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استحضارها قدر عليه ، وهذا يسمّى عقلاً بالفعل وهو المصباح.

وفي المرتبة الرابعة أن تكون تلك المعارف حاصلة بالفعل ، وهذا يسمّى عقلاً مستفاداً ، وهو نور على نور ، لأنّ الحكمة ملكة نور وحصول ما عليه الملكة نور آخر. ثم إنّ هذه العلوم التي تحصل في الأرواح البشرية ، إنّما تحصل من جوهر روحاني يسمى بالعقل الفعال وهو مدبر ما تحت كرة القمر وهو النار.

القول السابع : إنّه سبحانه شبّه الصدر بالمشكاة ، والقلب بالزجاجة ، والمعرفة بالمصباح ، وهذا المصباح إنّما يوقد من شجرة مباركة وهي إلهامات الملائكة. وإنّما شبّه الملائكة بالشجرة المباركة لكثرة منافعهم ، ولكنّه وصفها بأنّها
210

لا شرقية ولا غربية لأنّها روحانية ، ووصفهم بقوله : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) لكثرة علومهم وشدة اطّلاعهم على أسرار ملكوت الله تعالى.

القول الثامن : إنّ المراد من ( مثل نوره ) ، أي مثل نور الإيمان في قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمشكاة فيها مصباح ، فالمشكاة نظير صلب عبد الله ، والزجاجة نظير جسد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمصباح نظير الإيمان في قلب محمد أو نظير النبوة في قلبه.

القول التاسع : إن « المشكاة » نظير إبراهيم عليه‌السلام ، والزجاجة نظير إسماعيل عليه‌السلام ، والمصباح نظير جسد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والشجرة النبوة والرسالة.

القول العاشر : إنّ قوله : ( مثل نوره ) يرجع إلى المؤمن. (1)

إنّ المشبه هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين ، والمشبه به النور المشرق من زجاجة ، وقوله سبحانه : ( يَهدي الله لنوره من يشاء ) استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ، ومن المعلوم من السياق انّ المراد بقوله : ( من يشاء ) هم الذين يذكرهم الله سبحانه بقوله بعد هذه الآية : ( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ) (2) فالمراد بمن يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم. والمعنى انّ الله إنّما هدى المتلبسين بكمال الإيمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر. (3)

وقوله : ( يضرب الله الأمثال للناس والله بكلّ شيء عليم ) إشارة إلى أنّ المثل المضروب تحته طور من العلم ، وإنّما اختير المثل لكونه أسهل الطرق لتبين الحقائق والدقائق ، ويشترك فيه العالم والعامي فيأخذ منه كلّ ما قسم له ، قال تعالى : ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إلاّ العالِمُون ). (4)

__________________

1 ـ تفسير الفخر الرازى : 23 / 231 ـ 235.

2 ـ النور : 37.

3 ـ الميزان : 18 / 125 ـ 126.

4 ـ العنكبوت : 43.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:47 pm

النور

36


التمثيل السادس والثلاثون

( وَالّذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَمآنُ ماءً حَتّى إذَا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوفّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الحِسَابِ ). (1)

تفسير الآية

« السراب » : ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنّه ماء يجري ، و « القيعة » : بمعنى القاع أو جمع قاع ، وهو المنبسط المستوي من الأرض ، والظمآن هو العطشان.

يشبه سبحانه أعمال الكفار تارة بالسراب كما في هذه الآية ، وأخرى بالظلمات كما في التمثيل الآتي ، ولعلّ المشبه في الأوّل هو حسناتهم ، وفي الثاني قبائح أعمالهم.

وإليك توضيح التمثيل الوارد في الآية :

قال سبحانه : ( وَالّذِينَ كَفَرُوا أَعمالهم ) أي ما يعملون من الطاعات ويقدمون من قرابين وأذكار يتقربون بها إلى آلهتهم ، مثلها ك‍ ( سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ).

____________

1 ـ النور : 39.
212

فقد وصف الظمآن بصفات عديدة :

الاَُولى : حسبان السراب ماءً ، كما قال سبحانه : ( كَسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ).

الثانية : إذا وصل إلى السراب لم يجده شيئاً نافعاً ، كما قال سبحانه ( حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) وإنّما خصّ الظمآن به مع أنّ السراب يتراءى ماء لكلّ راءٍ ، لأن المقصود هو مجيء الرائي إلى السراب ، ولا يجيئه إلاّ الظمآن ليرتوي ويرفع عطشه.

الثالثة : عند ما يشرف على السراب لا يجد فيه ماءً ، ولكن يجد الله سبحانه عنده ، كما قال سبحانه : ( وَوَجد الله عنده ).

وهذا خبر عن الظمآن ، ولكن المقصود منه في هذه الجملة هو الكافر ، والمعنى وجد أمر الله ووجد جزاء الله ، وذلك عند حلول أجله واشرافه على الآخرة.

فالكافر يتصوّر أنّ ما يقدم من قرابين وأذكار سوف ينفعه عند موته وبعده ، وسوف تقوم الآلهة بالشفاعة له ، ولكن يتجلّـى له خلاف ذلك وانّ الأمر أمر الله لا أمر غيره فلا يجدون أثراً من ألوهية آلهتهم.

فعند ذلك يجدون جزاء أعمالهم ، كما يقول سبحانه : ( فَوَفّاهُمُ اللهُ حسابهم ).

ثمّ إنّه سبحانه يصف نفسه بقوله : ( وَاللهُ سريع الحساب ).

وبذلك تبين انّ الآية المباركة لبيان حال الظمآن الحقيقي إلى قوله : ( لم يجده شيئاً ) ، كما أنّها من قوله ( ووجد ... ) يرجع إلى الظمآن لكن بالمعنى المجازي وهو الكافر.
213

وحاصل التمثيل هو انّ الطاعة والعبادة والقربات كلها لله تبارك وتعالى ، فمن قدمها إليه وقام بها لأجله فقد بذر بذرة في أرض خصبة سوف ينتفع بها في لقائه سبحانه.

وأمّا من عبد غيره وقدم إليه القربات راجياً الانتفاع به ، فهو كرجاء الظمآن الذي يتصوّر السراب ماءً فيجيئه لينتفع به ولكنّه سرعان ما يرجع خائباً.

إلى هنا تمَّ ما يشترك فيه الظمآن والكافر ، أي المشبه به والمشبه ، ولكن المشبه ، أعني : الكافر الذي شبه بالظمآن فهو يختص بأُمور أخرى.

أولاً : انّه عند مجيئه إلى الانتفاع بأعماله يجد الله هو المجازي لا غير.

وثانياً : انّه سبحانه يجزيه بأعماله.

وثالثاً : فيوفيه حسابه.

وما ذلك إلاّ لأنّ الله سريع الحساب.

وعلى ضوء ما ذكرنا فقد أُريد من الظمآن الاسم الظاهر الظمآن الحقيقي ، وأُريد من الضمائر الثلاثة في « وجد » « وفّاه » « حسابه » الظمآن المجازي أعني الكافر الخائب.

214

النور

37


التمثيل السابع والثلاثون

( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاها وَمَنْ لَمْ يَجعلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ). (1)

تفسير الآية

« اللجيّ » : منسوب إلى اللجّة ، وهي في اللغة البحر الواسع العميق ، ولكنّه استخدم في لازم معناه وهو تردد أمواجه ، فانّ البحر كلما كان عميقاً وواسعاً تزداد أمواجه ، وعلى ذلك فيكون المراد من قوله ( بحرٍ لجيّ ) أي بحر متلاطم.

و « السحاب » : عبارة عن الغيوم الممطرة ، بخلاف الغيم فهو أعم ، وانّما استخدم كلمة السحاب ليكون سبباً لازدياد الظلم.

هذا ما يرجع إلى تفسير مفردات الآية ، وأمّا المقصود فهو كالتالي.

انّه سبحانه شبه في الآية السابقة أعمال الكافرين ، لأجل عدم الانتفاع بها بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء ، ولكنّه تعالى شبّه أعمالهم في هذه الآية بالظلمة وخلوّها من نور الحق ببحر لجيّ فوقه سحابة سوداء ممطرة ويعلو ماءه

__________________

1 ـ النور : 40.
215

موج فوق موج ، فراكب هذا البحر تغمره ظلمة دامسة لا يرى أمامه شيئاً حتى لو أخرج يده فانّه لا يراها مع قربها منه.

هذا هو المشبه به ، وأمّا المشبه فالأعمال التي يقوم بها الكافر باطلة محضة ليس فيها من الحقّ شيء مثل هذا البحر اللجي المحيط به عتمة الظلام الذي ليس فيه نور.

ثمّ إنّ الآية تشير إلى ظـلمات ثلاث.

الاَُولى : ظلمة البحر المحجوب من النور.

الثانية : ظلمة الأمواج المتلاطمة.

الثالثة : السحاب الأسود الممطر.

فتراكم هذه الظلمات يحجب كلّ نور من الوصول ، وهكذا الحال في الكافر ففي أعماله ظلمات ثلاث يمكن بيانها بأنحاء مختلفة :

النحو الأوّل : ظلمة الاعتقاد ، ظلمة القول ، ظلمة العمل.

النحو الثاني : ظلمة القلب ، ظلمة البصر ، ظـلمة السمع.

النحو الثالث : ظلمة الجهل ، ظلمة الجهل بالجهل ، ظلمة تصوّر الجهل علماً. (1).

ويمكن أن تكون هذه الظلمات المتراكمة إشارة إلى أمر آخر وهو إصرار الكافر المتزايد على كفره وقبائح أعماله.

ولذلك يصفه سبحانه بقوله : ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ).

__________________

1 ـ انظر تفسير الفخر الرازى : 24 / 8 ـ 9.
216

إيقاظ

ثمّ إنّ بعض المؤلفين في أمثال القرآن ذكروا الآية التالية واعتبروها من الأمثال ، قال سبحانه : ( وَقَالُوا ما لِهذا الرَّسُول يَأكُلُ الطَّعام وَيَمْشي فِي الأسْواقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأكُلُ مِنْها وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثال فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ). (1)

ولكن الآية رغم ما جاء فيها من لفظ الأمثال ليست من قبيل التمثيل ، وإنّما هي بصدد نقل ما وصف به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لسان الكفّار ، حيث وصفوه بأنّه يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، فلا يصلح للرسالة.

ثمّ نقموا منه بأنّا سلمنا انّه رسول ، ولكنّه لماذا لا ينزل إليه ملك فيكون معه نذيراً ليتصل إنذاره بالغيب بتوسط الملك ؟

ثمّ نقموا منه أيضاً بأنّه لماذا لم يُلقَ إليه كنز من السماء حتى يصرفه في حوائجه المادية ، أو لماذا لا تكون له جنّة يأكل منها ، ثمّ في الختام وصفوه بأنّه مسحور.

فقال سبحانه اعتراضاً وتنديداً بوصفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيجاباً وسلباً بقوله ( انظر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثال ) أي انظر كيف وصفوك تارة بأنّك تأكل وتمشي في الأسواق ، وأخرى بعدم اقترانك بملك ، وثالثة بالفقر ، ورابعة بكونك مسحوراً بتخيّل انّه رسول يأتيه ملك الوحي بالرسالة والكتاب.

وليس هاهنا مشبه ولا مشبه به ولا تمثيل ليبين موقف الرسول ، ولأجل ذلك صرّحنا في المقدمة انّه ليس من الأمثال القرآنية.

__________________

1 ـ الفرقان : 7 ـ 9.

217

العنكبوت

38


التمثيل الثامن والثلاثون

( مَثَلُ الّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإنّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُون * إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيم * وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُهَا إلاّ العالِمُون ). (1)

تفسير الآيات

ضرب سبحانه لآلهة المشركين مثلاً بالذباب تارة ، وبيت العنكبوت أخرى ، أمّا الأوّل فقد مضى البحث عنه ، وأمّا الثاني فهو ما تتضمنه الآية من تشبيه آلهة المشركين ومعبوداتهم المزيفة بأوهن البيوت وهو بيت العنكبوت.

وقد مرّ انّ التشبيه يترك تأثيراً بالغاً في النفوس مثل تأثير الدليل والبرهان ، فتارة ينهى عن الغيبة ويقول : لا تغتب فانّه يوجب العذاب ويورث العقاب ، وأخرى يمثل عمله بالمثل التالي : وهو انّ مثل من يغتاب مثل من يأكل لحم الميت ، لأنّك نلت من هذا الرجل وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيب ، فكان نيلك منه كعمل من يأكل لحم الميت وهو لا يعلم ما يفعل به ولا

____________

1 ـ العنكبوت : 41 ـ 43.
218

يقدر على الدفع.

ثمّ إنّ الغرض من تشبيه الآلهة المزيفة بهوام وحشرات الأرض كالبعوض والذباب والعنكبوت هو الحط من شأنها والاستهزاء بها.

إنّ العنكبوت حشرة معروفة ذكورها أصغر أجساداً من إناثها ، وهي تتغذى من الحشرات التي تصطادها بالشبكة التي تمدها على جدران البيوت ، فتصنع تلك الشبكة من مادة تفرزها لها غدد في باطنها محتوية على سائل لزج تخرجه من فتحة صغيرة ، فيتجدد بمجرد ملامسته للهواء ويصير خيطاً في غاية الدقة ، وما أن تقع الفريسة في تلك الشبكة حتى تنقض عليها وتنفث فيها سمـاً يوقف حركاتها ، فلا تستطيع الدفاع عن نفسها. (1)

ومع ذلك فما نسجته بيتاً لنفسها من أوهن البيوت ، بل لا يليق أن يصدق عليه عنوان البيت ، الذي يتألف من حائط هائل ، وسقف مظلٍّ ، وباب ونوافذ ، وبيتها يفقد أبسط تلك المقومات هذا من جانب ، ومن جانب آخر فانّ بيتها يفتقد لأدنى مقاومة أمام الظواهر الجوية والطبيعية ، فلو هبّ عليه نسيم هادئ لمزق النسيج ، ولو سقطت عليه قطرة من ماء لتلاشى ، ولو وقع على مقربة من نار لاحترق ، ولو تراكم عليه الغبار لمزق.

هذا هو حال المشبه به ، والقرآن يمثل حال الآلهة المزيفة بهذا المثل الرائع. وهو انّها لا تنفع ولا تضرّ ، لا تخلق ولاترزق ، ولا تقدر على استجابة أي طلب.

بل حال الآلهة المزيفة الكاذبة أسوأ حالاً من بيت العنكبوت ، وهو انّ العنكبوت تنسج بيتها لتصطاد به الحشرات ولولاه لماتت جوعاً ، ولكن الأصنام والأوثان لا توفر شيئاً للكافر.

__________________

1 ـ انظر دائرة معارف القرن الرابع عشر : 6 / 772.
219

وبذلك تقف على عظمة التمثيل الوارد في قوله : ( وَإنّ أَوهن البُيُوت لَبَيْتُ العَنْكَبُوت لَو كانُوا يَعْلَمُون ).

ثمّ إنّ قوله : ( لو كانوا يعلمون ) ليس قيداً لقوله : ( أَوهن البُيُوت لَبَيْتُ العَنْكَبُوت ) ، لأنّه من الواضح لكلّ أحد انّ بيت العنكبوت في غاية الوهن ، وانّما هو من متمّمات قوله : ( اتخذوا ) أي لو علموا انّ عبادة الآلهة كاتخاذ العنكبوت بيتاً سخيفاً ، ربما أعرضوا عنها.

ثمّ إنّه سبحانه أردف المثل بآية أخرى ، وقال : ( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يدعُونَ مِنْ دُونِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكيم ) والظاهر انّ « ما » في قوله : ( ما يدعون ) موصولة ، أي انّه يعلم ما يعبد هؤلاء الكفار وما يتخذونه من دونه أرباباً. ولكن علمهم لا يضر إذ هو العزيز الذي لا يغالب فيما يريد والحكيم في جميع أفعاله.

ثمّ قال سبحانه : ( وَتِلْكَ الأمْثال نَضْرِبها لِلنّاس وما يعقلها إلاّ العالمون ) أي نذكر تلك الأمثال ، وما يفهمها إلاّ العلماء العاقلون.

220

الروم

39


التمثيل التاسع والثلاثون

( وَلَهُ مَنْ فِي السَّموات وَالأرْضِ كُلّ لَهُ قانِتُون * وَهُوَ الّذي يَبْدَوَُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأعْلى فِي السَّموات وَالأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيم * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً من أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يعْقِلُون ). (1)

« القانت » : هو الخاضع ، الطائع ، فقوله : ( كلّ له قانتون ) أي خاضعون وطائعون له في الحياة والبقاء والموت والبعث ، وبالجملة كلّ ما في الكون مقهور لله سبحانه.

ثمّ إنّ هذه الآيات تتضمن برهاناً على إمكان المعاد وتمثيلاً على بطلان الشرك في العبادة ، أمّا البرهان فقوله سبحانه : ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّموات وَالأرْض كُلّ لَهُ قانِتُون ) واللام في قوله « وله » للملكية ، والمراد منه الملكية التكوينية ، كما أنّ قنوطهم وخضوعهم كذلك ، ومفاد الآية انّ زمام ما في الكون بيده سبحانه ، والكل مستسلمون لمشيئته سبحانه دون فرق بين الصالحين والطالحين ، وذلك لأنّه سبحانه

__________________

1 ـ الروم : 26 ـ 28.
221

هو الخالق الذي يدبر العالم كيفما يشاء ، والمربوب مستسلم لربه.

ثمّ إنّه سبحانه رتَّب على ذلك مسألة إمكان المعاد ، بقوله : ( وَهُوَ الّذي يَبْدَوَُا الخَلْق ثُمَّ يُعيدهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ).

وحاصل البرهان : انّـه سبحانـه قادر على الخلق من العدم ـ كما هو المفروض ـ فالقادر على ذلك قادر على الإعادة ، إذ ليس هو إعادة من العدم ، بل إعادة لصورة الأجزاء المتماسكة وتنظيم المتفرقة ، فالخالق من لا شيء أولى من أن يكون خالقاً من شيء.

ثمّ إنّ هذه الأولوية حسب تفكيرنا ورؤيتنا ، وإلاّ فالاَُمور الممكنة أمام مشيئته سواء ، قال على عليه‌السلام :

وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوى والضعيف في خلقه إلاّ سواء. (1)

ولأجل توضيح هذا المعنى ، قال سبحانه : ( وَلَهُ المَثَلُ الأعلى فِي السَّمواتِ وَالأرْض وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكيم ) والمراد من المثل الوصف ، والمراد من المثل الأعلى هو الوصف الأتم والأكمل ، الذي له سبحانه ، فهو علم كله ، قدرة كله ، حياة كله ، ليس لأوصافه حد.

إلى هنا تمَّ ما ذكره القرآن من البرهان على إمكانية قيام المعاد بحشر الأجسام.

وإليك بيان الأمر الثاني وهو التنديد بالشرك في العبادة من خلال التمثيل الآتي.

__________________

1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 185.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:48 pm



ألقى سبحانه المثل بصورة الاستفهام الإنكاري ، وحاصله : هل ترضون لأنفسكم أن تكون عبيدكم وإماؤكم شركاء لكم في الأموال التي رزقناكم إيّاها على وجه تخشون التصرف فيها بغير إذن هؤلاء العبيد والإماء ورضاً منهم ، كما تخشون الشركاء الاَحرار.

والجواب : لا ، أي لا يكون ذلك أبداً ولا يصير المملوك شريكاً لمولاه في ماله ، فعندئذٍ يقال لكم : كيف تجوزون ذلك على الله ، وأن يكون بعض عبيده المملوكين كالملائكة والجن شركاء له ، امّا في الخالقية أو في التدبير أو في العبادة.

والحاصل : انّ العبد المملوك وضعاً لا يصحّ أن يكون في رتبة مولاه على نحو يشاركه في الأموال ، فهكذا العبد المملوك تكويناً لا يمكن أن يكون في درجة الخالق المدبر فيشاركه في الفعل ، كأن يكون خالقاً أو مدبراً ، أو يشاركه في الصفة كأن يكون معبوداً.

فالشىء الذي لا ترضونه لأنفسكم ، كيف ترضونه لله سبحانه ، وهو ربّ العالمين؟ وإلى ذلك المثل أشار ، بقوله :

( ضَرَبَ الله لَكُم مَثلاً مِنْ أَنْفُسكُم ) أي ضرب لكم مثلاً متخذاً من أنفسكم منتزعاً من حالاتكم ( هَل لَكُمْ من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم ) فقوله : ( هل لكم ) شروع في المثل المضروب ، والاستفهام للإنكار ، وقوله « ما » في ( مما ملكت ) إشارة إلى النوع أي من نوع ما ملكت أيمانكم من العبيد والاِماء.

فقوله : ( من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) مبين للشركة ، فقوله شركاء مبتدأ والظرف بعده خبره ، أي شركاء فيما رزقناهم على وجه تكونون فيه سواء ، وعلى ذلك يكون من في شركاء ، زائدة.
223

فقوله : ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) بيان للشركة ، أي يكون العبيد كسائر الشركاء الأحرار ، فكما أنّ الشريك يخاف من شركائه الأحرار ، كذلك يخاف من عبده الذي يعرف أنّه شريك كسائر الشركاء.

ثمّ إنّه يتم الآية ، بقوله : ( كَذلك نُفصّل الآيات لقوم يعقلون ) ، وعلى ذلك فالمشبه هو جعل المخلوق في درجة الخالق ، والمشبه به جعل المملوك وضعاً شريكاً للمالك.
224

فاطر

40


التمثيل الأربعون

( وَما يَسْتَوي البَحْران هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمن كُلّ تَأْكُلُون لَحْماً طَريّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِليةً تَلْبَسُونَها وَتَرى الفُلكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ). (1)

تفسير الآية

« الفرات » : الماء العذب ، يقال للواحد والجمع ، قال سبحانه : ( وأَسْقَيناكُمْ ماءً فُراتاً ) ، وعلى هذا يكون عذب قيداً توضيحياً.

« الاَُجاج » : هو شديد الملوحة والحرارة من قولهم أجيج النار.

« مواخر » من مخر ، يقال مخرت السفينة مخراً ، إذا شقت الماء بجؤجئها مستقبلة له.

فالآية بصدد ضرب المثل في حقّ الكفر والإيمان ، أو الكافر والمؤمن.

وحاصل التمثيل : انّ الإيمان والكفر متمايزان لا يختلط أحدهما بالآخر ، كما أنّ الماء العذب الفرات لا يختلط بالملح الاَُجاج.

وفي الوقت نفسه لا يتساويان في الحسن والنفع ، قال سبحانه : ( وَما يَسْتَوي البَحْران هذا عَذبٌ فُراتٌ سائِغٌ شرابهُ وَهذا مِلحٌ أجاج ) بل انّ

__________________

1 ـ فاطر : 12.
225

الكافر أسوأ حالاً من البحر الاَُجاج الذي يشاطر البحر الفرات في أمرين :

أ : يستخرج من كلّ منهما لحماً طرياً يأكله الإنسان ، كما قال سبحانه : ( وَمن كلٍّ تأكُلون لَحماً طَرياً ).

ب : يستخرج من كلّ منهما اللآلئ التي تخرج من البحر بالغوص وتلبسونها وتتزينون بها.

إلى هنا تمَّ التمثيل ، ثمّ إنّه سبحانه شرع لبيان نعمه التي نزلت لأجلها السورة ، وقال :

( وَتَرى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله لعلّكم تشكرون ) ، والدليل على أنّه ليس جزء المثل تغير لحن الكلام ، حيث إنّ المثل ابتدأ بصيغة الماضي ، وقال : ( وَما يستوى البحران ) ولكن ذيله جاء بصيغة المخاطب ( وترى الفلك ) وهذا دليل على أنّه ليس جزء المثل.

مضافاً إلى أنّ مضمون الجملة جاء في سورة النحل ، وقال : ( وَهُوَ الّذي سَخَّرَ البَحْرَ لتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ). (1)

وبذلك يظهر انّ وزان الآية ، وزان قوله سبحانه : ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوُبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهى كَالحِجارة أَو أَشَدُّ قَسوةً وانّ مِنَ الحِجارةِ لَمَا يَتفجّرُ مِنْهُ الأنْهارُ وَإنّ مِنْها لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنهُ الماءُ وإِنّ مِنْها لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَما اللهُ بِغافلٍ عَمّا تعْمَلُون ). (2)

فكما أنّ الحجارة ألين من قلوبهم ، فهكذا الملح الاَُجاج أفضل من الكافر ، حيث إنّه يفيد.

__________________

1 ـ النحل : 14.

2 ـ البقرة : 74.

226

فاطر

41


التمثيل الواحد والأربعون

( وَما يَسْتَوِي الأعْمى وَالبَصِير * وَلا الظُّلُماتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِلُّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَما يَسْتَوِي الاَحْياءُ وَلاَ الأمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمعٍ مَنْ فِي الْقُبُور ). (1)

تفسير الآيات

« الحرور » : شدة حرّ الشمس ، وقيل : هو السموم. وقال الراغب : الحرور : الريح الحارة.

هذا تمثيل للكافر والمؤمن ، أمّا الكافر فقد شبّهه بالصفات التالية :

1. الأعمى ، 2. الظلمات ، 3. الحرور ، 4. الأموات.

كما شبّه المؤمن بأضدادها التالية :

1. البصير ، 2. النور ، 3. الظل ، 4. الأحياء.

وما ذلك إلاّ لأنّ الكافر لأجل عدم إيمانه بالله سبحانه وصفاته وأفعاله ، فهو أعمى البصر تغمره ظلمة دامسة لا يرى ما وراء الدنيا شيئاً ، وتحيط به نار ،

____________

1 ـ فاطر : 19 ـ 22.
227

قال سبحانه : ( انّ جَهَنّم لَمُحيطَةٌ بِالكافِرين ) (1) وظاهر الآية انّ النار محيطة بهم في هذه الدنيا وإن لم يشعروا بها ، كما أنّه ميت لا يسمع نداء الأنبياء وإن كان حياً يمشي ، وهذا بخلاف المؤمن فانّه يبصر بنور الله يغمره نور زاهر. يرى دوام الحياة إلى ما بعد الموت ، فهو في ظلّ ظليل رحمته ، وانّه يسمع نداء الأنبياء ويؤمن به.

وبعبارة واضحة : الكافر مجالد مكابر ، والمؤمن واعٍ متدبر.

__________________

1 ـ التوبة : 49.
228

يس

42


التمثيل الثاني والأربعون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالثٍ فَقالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قالُوا ما أَنْتُمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلاّ تَكْذِبُونَ * قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَما عَلَيْنا إلاّ الْبَلاغُ الْمُبينُ * قالُوا إِنّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ * قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ * وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنّيإِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبينٍ * إِنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ الْمُكْرَمينَ * وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنّا مُنْزِلينَ * إِنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ * يا حَسْرَةً عَلى العِبادِ ما يَأْتيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ). (1)

__________________

1 ـ يس : 13 ـ 30.
229

تفسير الآيات

« التعزيز » : النصرة مع التعظيم ، يقول سبحانه في وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فَالّذينَ آمَنُوا بهِ وَعَزّروه وَنَصَرُوه ) (1)

« طيّـر » : تطير فلان وإطيّـر ، أصله التفاوَل بالطير ، ثمّ يستعمل في كلّ ما يتفاءل به ويتشاءم ، فقوله ( إِنّا تطيرنا بِكُمْ ) أي تشاءمنا بكم.

وبذلك يظهر معنى قوله : ( إِنّما طائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) أي انّ الذي ينبغي أن تتشاءموا به هو معكم ، أعني : حالة إعراضكم عن الحق الذي هو التوحيد وإقبالكم على الباطل.

« الرجم » : الرمي بالحجارة.

« الصيحة » : رفع الصوت.

هذا التمثيل تمثيل إخباري يشرح حال قوم بعث الله إليهم الرسل ، فكذبوهم وجادلوهم بوجوه واهية.

ثمّ أقبل إليهم رجل من أقصى المدينة يدعوهم إلى متابعة الرسل بحجة انّ رسالتهم رسالة حقّة ، ولكنّ القوم ما أمهلوه حتى قتلوه ، وفي هذه الساعة عمّت الكاذبين الصيحة فأهلكتهم عامة ، فإذا هم خامدون.

هذا إجمال القصة وأمّا تفصيلها :

فقد ذكر المفسرون انّ المسيح عليه‌السلام بعث إلى قرية انطاكية رسولين من الحواريّين باسم : شمعون ويوحنّا ، فدعيا إلى التوحيد وندّدا بالوثنية ، وكان القوم وملكهم غارقين في الوثنية.

__________________

1 ـ الأعراف : 158.
230

وناديا أهل القرية بانّا إليكم مرسلون ، فواجها تكذيب القوم وضربهما ، فعززهما سبحانه برسول ثالث ، واختلف المفسرون في اسم هذا الثالث ، ولا يهمنا تعيين اسمه ، وربما يقال انّه « بولس ». فعند ذلك أخذ القوم بالمكابرة والمجادلة والعناد ، محتجين بوجوه واهية :

أ : انّكم بشر مثلنا ولا مزية لكم علينا ، وما تدعون من الرسالة من الرحمن ادّعاء كاذب ، فأجابهم الرسل بأنّه سبحانه يعلم انّا لمرسلون إليكم ، وليس لنا إلاّ البلاغ كما هو حق الرسل.

ب : انّا نتشاءم بكم ، وهذه حجة العاجز التي لا يستطيع أن يحتج بشيء ، فيلوذ إلى اتهامهم بالتشاؤم والتطيّر.

ج : التهديد بالرجم إذا أصرّوا على إبلاغ رسالتهم والدعوة إلى التوحيد والنهي عن عبادة الأوثان ، وقد أجاب الرسل بجوابين :

الأوّل : انّ التشاؤم والتطير معكم ، أي أعمالكم وأحوالكم ، وابتعادكم عن الحق ، وانكبابكم على الباطل هو الذي يجر إليكم الويل والويلات.

الثاني : انكم قوم مسرفون ، أي متجاوزون عن الحد.

كان الرسل يحتجون بدلائل ناصعة وهم يردون عليهم بما ذكر ، وفي خضمِّ هذه الاَجواء جاء رجل من أقصى المدينة نصر وعزّز قول الرسل ودعوتهم محتجاً بأنّ هؤلاء رسل الحقّ ، وذلك للاَُمور التالية :

أوّلاً : انّ دعوتهم غير مرفقة بشيء من طلب المال والجاه والمقام ، وهذا دليل على إخلاصهم في الدعوة ، وقد تحمّلوا عناء السفر وهم لا يسألون شيئاً.

ثانياً : انّ اللائق بالعبادة من يكون خالقاً أو مدبراً للعالم ، ومن بيده مصيره

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:48 pm



في الدنيا والآخرة وليس هو إلاّ الله سبحانه الذي ينفعني ، فكيف أترك عبادة الخالق الذي بيده كلّ شيء ، وأتوجه إلى عبادة المخلوق ( الآلهة المزيفة ) التي لا تستطيع أن تدفع عني ضراً ولا تنفعني شفاعتهم ؟! فلو اتخذت إلهاً غيره سبحانه كنت في ضلال مبين ، فلمّا تم حجاجه مع القوم وعزز الرسل وبين برهان لزوم اتباعهم ، أعلن ، وقال : أيّها النّاس : ( إنّي آمنت بربّكم فاسمَعُون ).

ثمّ يظهر من القرائن انّ القوم هجموا عليه وقتلوه ، ولكنّه سبحانه جزاه ، فأدخله الجنة ، وهو فرح مستبشر يودّ لو علم قومه بمصيره عند الله.

فلمّا تبيّن عناد القوم وقتل من احتج عليهم بحجج قوية نزل عذابه سبحانه ، فعمَّتهم صيحة واحدة أخمدت حياتهم وصيّرتهم جماداً.

ففي هذه اللحظة الحاسمة التي يختار الإنسان الضلالة على الهداية ، والباطل على الحقّ ، يصح أن يخاطبهم سبحانه ، ويقول :

( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يسْتهزءون ).

هذه حقيقة القصة استخرجناها بعد الاِمعان في الآيات ، وقد أطنب المفسرون في سرد القصة ، نقلاً عن مستسلمة أهل الكتاب الذين نشروا الأساطير بين المسلمين ، نظراء وهب بن منبّه ، فلا يمكن الاعتماد على كلّ ما جاء فيها. (1)

ثمّ إنّ في الآيات نكات جديرة بالمطالعة :

الاَُولى : يذكر المفسرون انّ الرسولين لم يكونا مبعوثين من الله مباشرة ، وانّما بعثا من قبل المسيح عليه‌السلام. مثل الرسول الثالث ، ولما كان بعث المسيح بأمر من الله سبحانه ، نسب فعل المسيح إليه سبحانه ، وقال : ( إذْ أرسلنا إليهم اثنين ).

__________________

1 ـ لاحظ مجمع البيان : 4 / 418 ـ 420.
232

الثانية : لقد وقفت على أنّ القوم قاموا بالجدال والعناد ، فقالوا : ما أنتم إلاّ بشر مثلنا ، والجملة تحتمل وجهين :

الوجه الأوّل : أنتم أيّـهـا الرسل بشر ، والبشر لا يكون رسولاً من الله ، وعلى هذا فالمانع من قبول رسالاتهم كون أصحابها بشراً.

الوجه الثاني : انّ المانع من قبول دعوة الرسالة هي عدم توفر أي مزية في الرسل ترجحهم ، ويشعر بذلك قوله : « مثلنا » وإلاّ فلو كان الرسل مزودين بشيء آخر ربما لم يصح لهم جعل المماثلة عذراً للربّ.

الثالثة : انّ القصة تنمُّ عن أنّ منطق القوة كان منطق أهل اللجاج ، فالقوم لما عجزوا عن رد برهانهم التجأوا إلى منطق القوة ، بقتل دعاة الحق وصلحائه ، وقالوا : ( لئن لم تنتهوا لنرجمنَّكم ).

الرابعة : انّ التطير كان سلاح أهل العناد والمكابرة ، ولم يزل هذا السلاح بيد العتاة الجاحدين للحق ، فيتطيرون بالعابد ، وغير ذلك.

الخامسة : يظهر من صدر الآيات انّ الرسل بعثوا إلى القرية ، وقد تطلق غالباً على المجتمعات الكبيرة والصغيرة ، ولكن قوله : ( وجاء من أقصى المدينة رجل ) يعرب انّها كانت مدينة ومجتمعاً كبيراً لا صغيراً.

السادسة : انّه سبحانه يصف الرجل الرابع الذي قام بدعم موقف الرسل بأنّه كان من أقصى المدينة ، وما هذا إلاّ لأجل الإشارة إلى عدم الصلة والتواطئ بينه وبين الرسل ، ولذلك قدّم لفظ أقصى المدينة على الفاعل ، أعني : « رجل » ، وقال : ( وجاء من أقصى المدينة ).

السابعة : انّ قوله : ( ومالي لا أعبد الذي فطرني ) دليل على أنّ العبادة هي
233

الخضوع النابع عن الاعتقاد بخالقية المعبود ومدبريته ، وماله من الأوصاف القريبة من ذلك ، ولذلك يرى أنّه يعلل إيمانه وتوحيده ، بقوله : ( ما لي لا أعبد الذي فطرني ).

كما أنّه يعلل حصر عبادته له وسلبها عن غيره ، بعجزهم عن رد ضرّ الرحمن بعدم الجدوى في شفاعتهم.

الثامنة : قلنا أنّ القرائن تشهد بأنّ من قام بالدعوة إلى طريق الرسل من القوم ، قتل عند دعوته وجازاه الله سبحانه بأن أدخله الجنة ، والمراد من الجنة هو عالم البرزخ لا جنة الخلد التي لا يدخلها الإنسان إلاّ بعد قيام الساعة.

التاسعة : كما أنّ في كلام الرجل المقتول ، بقوله : ( يا لَيْت قومي يعلمون بما غفر لي ربّي ) دليلاً على وجود الصلة بين الحياة البرزخية والمادية ، حيث أبلغ بلاغاً إلى قومه ، وتمنى أن يقفوا على ما أنعم الله عليه بعد الموت ، حيث قال : ( قيل ادخل الجنّة قال يا ليت قومي يعلمون ).
234

يس

43


التمثيل الثالث والأربعون

( أَوَ لَمْ يَرَ الاِِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِين * وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحيِي العِظام وَهِيَ رَمِيم * قُلْ يُحْييها الّذي أَنْشَأَها أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيم ). (1)

تفسير الآيات

روى المفسرون أنّ أُبي بن خلف ، أو العاص بن وائل جاء بعظم بالٍ متفتت ، وقال : يا محمد أتزعم انّ الله يبعث هذا ، فقال : نعم ، فنزلت الآية ( أَوَ لم يَرَ الإنْسان ).

فضرب الكافر مثلاً ، وقال : كيف يحيي الله هذه العًام البالية ؟

وضرب سبحانه مثلاً آخر ، وهو انّه يحييها من أنشأها أوّلاً ، فمن قدر على إنشائها ابتداءً يقدر على الإعادة ، وهي أسهل من الإنشاء والابتداء ، وقد عرفت أنّ إطلاق لفظ الأسهلية إنّما هو من منظار الإنسان ، وأمّا الحقّ جلّ وعلا فكل الأشياء أمامه سواء.

قال سبحانه : ( وَضَرَبَ لَنا مثلاً ) أي ضرب مثلاً في إنكار البعث بالعظام

__________________

1 ـ يس : 77 ـ 79.
235

البالية ، واستغرب ممن يقول انّ الله يحيي هذه العظام ونسي خلقه ( قال من يحيي العظام وهي رميم ) ومثل سبحانه بالرد عليه بمثال آخر ، وقال : ( قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرة وهو بكلّ خلق عليم ) من الابتداء والاعادة ، وقد مرّ هذا المثل بعبارة أخرى في قوله : ( وَهُوَ الّذِي يَبْدَوَُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ). (1)

__________________

1 ـ الروم : 27.
236

الزمر

44


التمثيل الرابع والأربعون

( وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون * قُرآناً عَربياً غَيرَ ذي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون * ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُركاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَويانِ مَثلاً الحمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُون ). (1)

« الشكس » : السيء الخلق ، يقال : شركاء متشاكسون ، أي متشاجرون لشكاسة خلقهم.

« سلماً » : أي خالصاً لا يملكه إلاّ شخص واحد ولا يخدم إلاّ إياه.

هذه الآيات تمثل حالة الكافر والمؤمن ، فهناك مشبه ومشبه به.

أمّا المشبّه به ، فهو عبارة عن عبد مملوك له شركاء سيئى الخلق متنازعون فيه ، فواحد يأمره وآخر ينهاه ، وكلّ يريد أن يتفرّد بخدمته ، في مقابل عبد مملوك لرجل يطيعه ويخدمه ولا يشرك في خدمته شخصاً آخر.

فهذان المملوكان لا يستويان.

وأمّا المشبه فحال الكافر هو حال المملوك الذي فيه شركاء متشاكسون ،

__________________

1 ـ الزمر : 27 ـ 29.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:49 pm



فهو يعبد آلهة مختلفة لكلّ أمره ونهيه وخدمته ، ولا يمكن الجمع بين الآراء والأهواء المختلفة ، بخلاف المؤمن فانّه يأتمر بأمر الخالق الحكيم القادر الكريم.

وهذا المثل وإن كان مثلاً واضحاً ساذجاً مفهوماً لعامة الناس ، ولكن له بطن لا يقف عليه إلاّ أهل التدبر في القرآن ، فهو سبحانه بصدد البرهنة على توحيده الذي أشار إليه في قوله : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُون ). (1)

وقال سبحانه : ( ءَأَربابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ). (2)

__________________

1 ـ الأنبياء : 22.

2 ـ يوسف : 39.
238

الزخرف

45


التمثيل الخامس والأربعون

( وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوّلِينَ * وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبيٍّ إلاّ كانوا بِهِ يَسْتَهْزءُون * فَأَهْلَكْنا أَشدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمضى مَثَلُ الأوّلِين ). (1)

تفسير الآيات « البطش » : تناول الشيء بصولة ، وربما يراد منه القوة والمنعة ، يذكر سبحانه في هذه الآيات الأمم الماضية التي بعث الله سبحانه رسله إليهم ، فكفروا بأنبيائه وسخروا منهم لفرط جهالتهم وغباوتهم فأهلكهم الله سبحانه بأنواع العذاب مع ما لهم من القوة والنجدة.

هذا هو حال المشبه به ، والمشبه عبارة عن مشركي عصر الرسالة الذين كانوا يستهزئون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيوعدهم سبحانه بما مضى على الأوّلين ، بأنّه سبحانه أهلك من هو أشد قوة ومنعة من قريش وأتباعهم فليعتبروا بحالهم ، يقول سبحانه : ( كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الاََوّلين ) أي الأمم الماضية ( وما يأتيهم من نبي إلاّ كانوا به يستهزءُون ) فكانت هذه سيرة الأمم الماضية ، ولكنه سبحانه لم يضرب عنهم صفحاً فأهلكهم ، كما قال : ( فأهلكنا أشدّ منهم بطشاً ومضى مثل الأوّلين ). أي

__________________

1 ـ الزخرف : 6 ـ 8.
239

مضى في القرآن ـ في غير موضع منه ـ ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تصير مسير المثل.

وبعبارة أخرى : انّ كفار مكة سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم فليحذروا أن ينزل بهم من الخزي مثلما نزل بالأمم الغابرة ، فقد ضربنا لهم مثَلَهم ، كما قال تعالى : ( وَكُلاً ضَرَبنا لَهُمُ الأمْثال ). (1)

إيقاظ

ثمّ إنّه ربما عدّ من أمثال القرآن ، قوله سبحانه : ( وَإذا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيم ). (2)

كان المشركون في العصر الجاهلي يعدّون الملائكة إناثاً وبناتاً لله تبارك وتعالى ، يقول سبحانه : ( وَجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ) فردّ عليهم بقوله : ( أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون ).

وقال سبحانه : ( وَيَجْعَلُونَ للهِ البَناتِ سُبحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُون ) (3)

فعلى ذلك فالملائكة عند المشركين بنات الله سبحانه.

ثمّ إنّ الآية تحكي عن خصيصة المشركين بأنّـهم إذا رزقوا بناتاً ظلّت وجوههم مسودة يعلوها الغيظ والكظم ، قال سبحانه : ( وَإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ) أي وصف الله به ، وقد عرفت انّهم وصفوه بأنّ الملائكة بنات الله.

__________________

1 ـ الفرقان : 39.

2 ـ الزخرف : 17.

3 ـ النحل : 57.
240

( ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم ) فليست الآية من قبيل المثل الاخباري ولا الانشائي ، وإنّما هي بمعنى الوصف ، أي وصفوه بأنّه صاحب بنات ، وهم كاذبون في هذا الوصف ، فلا يصح عدّ هذه الآية من آيات الأمثال.

241

الزخرف

46


التمثيل السادس والأربعون

( فَاسْتَخَفَّ قوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِين * فَلَمّا آسفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقناهُمْ أَجْمَعِين * فَجَعَلْناهُمْ سلفاً وَمَثَلاً للآخِرِين ). (1)

تفسير الآيات

« آسفونا » : مأخوذ من أسف أسفاً إذا اشتد غضبه.

وقال الراغب : الآسف : الحزن والغضب معاً ، وقد يقال لكلّ واحد منهما على الانفراد ، والمراد في الآية هو الغضب.

السلف : المتقدم.

انّه سبحانه يخبر عن انتقامه من فرعون وقومه ، ويقول : فلمّا آسفونا ، أي أغضبونا ، وذلك بالاِفراط في المعاصي والتجاوز عن الحد ، فاستوجبوا العذاب ، كما قال سبحانه : ( انتقمنا منهم ) ثمّ بين كيفية الانتقام ، وقال : ( فَأَغْرَقناهم أجمعين ) فما نجا منهم أحد ( فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين ) ، أي جعلناهم عبرة وموعظة لمن يأتى من بعدهم حتى يتّعظوا بهم.

فالمشبه به هو قوم فرعون واستئصالهم ، والمشبه هو مشركو أهل مكة وكفّارهم ، فليأخذوا حال المتقدمين نموذجاً متقدماً لمصيرهم.

__________________

1 ـ الزخرف : 54 ـ 56.
242

الزخرف

47


التمثيل السابع والأربعون

( وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ * وَقالُوا ءالِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون * إِنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيم )

تفسير الآيات

« الصدّ » : بمعنى الانصراف عن الشيء ، قال سبحانه : ( يصدّون عنك صدوداً ) ، ولكن المراد منه في الآية هو ضجة المجادل إذا أحس الانتصار.

« تمترُنَّ » : من المرية وهي التردد بالاَمر.

ذكر المفسرون في سبب نزول الآيات انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قرأ : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُون * لَوْ كانَ هوَُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلّ فِيها خالِدُونَ * لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ ). (2)

__________________

1 ـ الزخرف : 57 ـ 61.

2 ـ الأنبياء : 98 ـ 100.
243

امتعضت قريش من ذلك امتعاضاً شديداً ، فقال عبد الله بن الزبعرى : يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ».

فقال : خصمتك وربّ الكعبة ، ألست تزعم انّ عيسى بن مريم نبي وتثني عليه خيراً ، وعلى أُمّه ، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما ، وعزير يعبد ، والملائكة يعبدون ، فإن كان هؤلاء في النار ، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ، ففرحوا وضحكوا. (1)

وإلى فرحهم وضجّتهم ، يشير سبحانه بقوله : ( إذا قومك منه يصدّون ) حيث زعموا انّهم وجدوا ذريعة للرد عليه وإبطال دعوته ، فنزلت الآية إجابة عن جدلهم الواهي ، قال سبحانه :

( ولمّا ضرب ابن مريم مثلاً ) أي لما وصف المشركون ابن مريم مثلاً وشبهاً لآلهتهم ( إذا قومك منه يصدون ) أي أحس قومك في هذا التمثيل فرحاً وجذلاً وضحكاً لمّا حاولوا إسكات رسول الله بجدلهم ، حيث قالوا في مقام المجادلة : ( وقالوا ءآلهتنا خير أم هو ) يعنون آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى ، فإذا كان عيسى من حصب النار كانت آلهتنا هيناً.

وبذلك يعلم انّ المشركين هم الذين ضربوا المثل حيث جعلوا المسيح شبهاً ومثلاً لآلهتهم ، ورضوا بأن تكون آلهتهم في النار إذا كان المسيح كذلك ازداد فرح المشركين وظنوا انّهم التجأوا إلى ركن ركين أمام منطق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثمّ إنّه سبحانه يشير في الآيات السابقة إلى القصة على وجه الاِجمال ، ويجيب

__________________

1 ـ الكشاف : 3 / 100.لاحظ سيرة ابن هشام : 1 / 385 ، وقد ذكرت القصة بتفصيل.
244

على استدلال ابن الزبعرى.

أوّلاً : انّهم ما أرادوا بهذا التمثيل إلاّ المجادلة والمغالبة لا لطلب الحق ، وذلك لأنّ طبعهم على اللجاج والعناد ، يقول سبحانه : ( ما ضربوه لك إلاّ جدلاً بل هم قوم خصمون ).

وثانياً : انّهم ما تمسكوا بهذا المثل إلاّ جدلاً وهم يعلمون بطلان دليلهم ، إذ ليس كلّ معبود حصب جهنم ، بل المعبود الذي دعا الناس إلى عبادته كفرعون لا كالمسيح الذي كان عابداً لله رافضاً للشرك ، فاستدلالهم كان مبنياً على الجدل وإنكار الحقيقة ، وهذا هو المراد من قوله : ( ما ضربوه لك إلاّ جدلاً بل هم قوم خصمون ).

ولذلك بدأ سبحانه يشرح موقف المسيح وعبادته وتقواه وانّه كان آية من آيات الله سبحانه ، وقال : ( إِنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثلاً لِبَني إِسرائيل ) ، أي آية من آيات الله لبني إسرائيل ، فولادته كانت معجزة ، وكلامه في المهد معجزة ثانية وإحياوَه الموتى معجزة ثالثة ، فلم يكن يدعو قطُّ إلى عبادة نفسه.

ثمّ إنّه سبحانه من أجل تحجيم شبهة حاجته إلى عبادة الناس ، يقول : ( وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَة في الأرض يخلفُون ) أي يطيعون الله ويعبدونه ، فليس الاِصرار على عبادتكم وتوحيدكم إلاّ طلباً لسعادتكم لا لتلبية حاجة الله ، وإلاّ ففي وسعه سبحانه أن يخلقكم ملائكة خاضعين لاَمره.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى خصيصة من خصائص المسيح ، وهي انّ نزوله من السماء في آخر الزمان آية اقتراب الساعة.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:50 pm



إلى هنا تم تفسير الآية ، وأمّا التمثيل فقد تبين ممّا سبق حيث شبهوا آلهتهم بالمسيح ورضوا بأن تكون مع المسيح في مكان واحد وإن كان هو النار. فالذي يصلح لأن يكون مثلاً إنّما هو قوله : ( ولما ضرب ابن مريم مثلاً ) وقد عرفت انّ الضارب هو ابن الزبعرى ، وأمّا قوله : ( وَجَعَلناه مثلاً لبني إِسرائيل ) فالمثل فيه بمعنى الآية.

إيقاظ :

ربما عُدّت الآية التالية من الأمثال القرآنية : ( وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ وَآمنُوا بِما نُزّلَ على مُحمّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّ الّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الباطِلَ وَأَنَّ الّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِنْ رَبّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ) (1) والظاهر انّ المثل في الآية بمعنى الوصف لا بمعنى التمثيل المصطلح ، أي تشبيه شيء بشيء ويعلم ذلك من خلال تفسير الآيات.

تفسير الآيات

« بال » البال : الحال التي يكترث بها ، ولذلك يقال : ما باليت بكذا بالةً أي ما اكترثت به ، قال : ( كفّر عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالهُم ) ، وقال : ( فَما بال القُرون الأولى ) أي حالهم وخبرهم ، ويعبَّر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان ، فيقال خطر كذا ببالي. (2)

__________________

1 ـ محمد : 2 ـ 3.

2 ـ مفردات الراغب : 67 مادة بال.
246

إنّ هذه الآيات بشهادة ما تليها تبين حال كفّار قريش ومشركي مكة الذين أشعلوا فتيل الحرب في بدر. فقال : ( انّ الّذين كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبيلِ الله ) أي منعوا الآخرين من الاهتداء بهدى الإسلام ، فهؤلاء أضلّ أعمالهم ، أي أحبط أعمالهم وجعلها هباءً منثوراً. فلا ينتفعون من صدقاتهم وعطياتهم إشارة إلى غير واحد من صناديد قريش الذين نحروا الاِبل في يوم بدر وقبله.

فيقابلهم المؤمنون كما قال : ( وَالّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات وَآمنوا بِما نزّل على محمّد وَهُوَ الحَقّ مِنْ رَبّهِمْ ).

فلو انّه سبحانه أضلّ أعمال الكافرين وأحبط ما يقومون به من صدقات ، لكنّه سبحانه من جهة أخرى جعل صالح أعمال المؤمنين كفارة لسيئاتهم وأصلح بالهم.

فشتّان ما بين كافر وصادّ عن سبيل الله ، يحبط عمله.

وموَمن بالله وبما نزّل على محمد ، يكفّر سيئاته بصالح أعماله.

ومن هذا التقابل علم مكانة الكافر والمؤمن ، كما علم نتائج أعمالهما.

ثمّ إنّه سبحانه يدلّل على ذلك بأنّ الكافرين يقتفون أثر الباطل ولذلك يضل أعمالهم ، وأمّا المؤمنون فيتبعون الحقّ فينتفعون بأعمالهم ، وقال : ( ذلك بأَنَّ الّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الباطِلَ وَأَنَّ الّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِنْ رَبّهِمْ ).

وفي ختام الآية الثانية ، قال : ( كذلِكَ يضرب الله للنّاس أمثالهم ) أي كذلك يبين حال المؤمن والكافر ونتائج أعمالهما وعاقبتهما.

وعلى ذلك فالآية ليست من قبيل التمثيل ، بل بمعنى الوصف ، أي كذلك يصف سبحانه للناس حال الكافر والمؤمن وعاقبتهما. فليس هناك أي تشبيه
247

وتنزيل ، وإنّما الآيات سيقت لبيان الحقيقة ، فالآية الاُولى تشير إلى الكافر ونتيجة عمله ، والآية الثانية تشير إلى المؤمن ومصير عمله ، والآية الثالثة تذكر علة الحكم ، وهو انّ الكافر يستقي من الماء العكر حيث يتبع الباطل والمؤمن ينهل من ماء عذب فيتبع الحقّ.
248

محمد

48


التمثيل الثامن والأربعون

( مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَير آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذّةٍ لِلشّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصفىً وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمعاءَهُمْ ). (1)

تفسير الآية

« آسن » يقال : أسن الماء ، يأسن : إذا تغير ريحه تغيراً منكراً ، وماء غير آسن : أي غير نتن.

« الحميم » : الماء الشديد الحرارة.

قوله : « مثل الجنة » أي وصفها وحالها ، وهو مبتدأ خبره محذوف ، أي جنة فيها أنهار. فلو أردنا أن نجعل الآية من آيات التمثيل فلابدّ من تصور مشبه وهو الجنة الموعودة ، ومشبه به وهو جنة الدنيا بما لها من الخصوصيات.

ولكن الظاهر انّ الآية صيغت لبيان حال الجنة ووصفها وسماتها ، وهي كالتالي :

__________________

1 ـ محمد : 15.
249

1. فيها أنهار أربعة وهي عبارة عن :

أ : ( أنهار من ماء غير آسن ) أي الماء الذي لا يتغير طعمه ورائحته ولونه لطول البقاء.

ب : ( أنهار من لبن لم يتغير طعمه ) ، ولا يعتريها الفساد بمرور الزمان.

ج : أنهار من خمر لذة للشاربين ، فتقييد الخمر بكونه لذة للشاربين احتراز عن خمر الدنيا ، وقد وصف القرآن الكريم خمر الجنة في آية أخرى ، وقال : ( يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأسٍ مِنْ مَعِين * بَيضاءَ لَذّةٍ للشّارِبينَ * لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُون ). (1) فقوله : ( لذّة للشاربين ) أي ليس فيها ما يعتري خمر الدنيا من المرارة والكراهة ، فقوله : ( لا فيها غول ) ، أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها ، وقوله : ( ولا هم عنها ينزفون ) أي يسكرون. وبذلك يمتاز خمر الآخرة على خمر الدنيا.

د : أنهار من عسل مصفّى وخالص من الشمع.

وهذه الأنهار الاَربعة لكلّ غايته وغرضه : فالماء للارتواء ، والثاني للتغذّي ، والثالث لبعث النشاط والروح ، والرابع لإيجاد القوة في الإنسان.

2. وفيها وراء ذلك من كلّ الثمرات ، كما قال سبحانه : ( وَلَهُمْ فيها مِنْ كُلّ الثَّمرات ) فالفواكه المتنوعة تحت متناول أيديهم لا عين رأتها ولا أُذن سمعتها ولا خطرت على قلب بشر.

3. وفيها وراء هذه النعم المادية ، نعمة معنوية يشير إليها بقوله : ( وَمَغْفِرة مِنْ رَبّهِم ).

__________________

1 ـ الصافات : 45 ـ 47.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:51 pm



وبذلك تبيّن لنا وصف الجنة وحال المتقين فيها ، بقي الكلام في تبيين حال أهل الجحيم ومكانهم ، فأشار إليه بقوله :

( كمن هُوَ خالِدٌ في النّار ) هذا وصف أهل الجحيم ، وأمّا ما يرزقون فهو عبارة عن الماء الحميم لا يشربونه باختيارهم وإنّما يسقون ، ولذلك يقول سبحانه : ( وسقوا ماءً حميماً ) الذي يقطّع أمعاءهم كما قال : ( فقطّع أمعاءهم ).

وعلى كلّ تقدير ، فلو قلنا : إنّ الآية تهدف إلى تشبيه جنة الآخرة بجنة الدنيا التي فيها كذا وكذا فهو من قبيل التمثيل ، وإلاّ فالآية صيغت لبيان وصف جنة الآخرة وانّ فيها أنهاراً وثماراً ومغفرة.

والظاهر هو الثاني ، فالأولى عدم عدّ هذه الآية من الأمثال القرآنية وإنّما ذكرناها تبعاً للآخرين.
251

الفتح

49


التمثيل التاسع والأربعون

( هُوَ الّذي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً * مُحَمّدٌ رَسُولُ الله وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الاِِنْجِيلِ كَزَرعٍ أَخْرَجَ شطأهُ فَآزره فَاسْتَغْلَظَ فَاستَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً ). (1)

تفسير الآيات

« السيماء » : العلامة ، فقوله : ( سيماهم في وجوههم ) ، أي علامة إيمانهم في وجوههم.

شطأ الزرع : فروخ الزرع ، وهو ما خرج منه ، وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه وجمعه إشطاء ، وهو ما يعبر عنه بالبراعم.

« الأزر » : القوة الشديدة ، آزره أي أعانه وقوّاه.

« الغلظة » : ضد الرقة.

__________________

1 ـ الفتح : 28 ـ 29.
252

« السوق » : قيل هو جمع ساق.

القرآن يتكلم في هاتين الآيتين عن النبي تارة وأصحابه أخرى :

أمّا الأوّل فيعرّفه بقوله : ( هُوَ الّذي أرسَلَ رَسُولهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً ) والضمير « ليظهره » يرجع إلى دين الحقّ لا الرسول ، لأنّ الغاية ظهور دين على دين لا ظهور شخص على الدين ، والمراد من الظهور هو الغلبة في مجال البرهنة والانتشار ، وقد تحقّق بفضله سبحانه وسوف تزداد رقعة انتشاره فيضرب الإسلام بجرانه في أرجاء المعمورة ، ولا سيما عند قيام الإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام.

يقول سبحانه في هذا الصدد : ( محمّد رسول الله ) أي الرسول الذي سوف يغلب دينه على الدين كله ، وقد صرح باسمه في هذه الآية ، إلاّ أنّه أجمل في الآية الأولى ، وقال : « أرسل رسوله ».

إلى هنا تمّ بيان صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسماته ، وأمّا صفات أصحابه فجاء ذكرهم في التوراة والإنجيل.

أمّا التوراة فقد جاء فيها وصفهم كالتالي :

1. ( والّذين معه أشداء على الكفّار ) ، الذين لا يفهمون إلاّ منطق القوة ، فلذلك يكونون أشداء عليهم.

2. ( رُحماء بَينهم ) فهم رحماء يعطف بعضهم على بعض ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. (1)

__________________

1 ـ مسند أحمد بن حنبل : 4 / 270 و 268 و 274.
253

3. ( تراهم ركّعاً سُجّداً ) ، هذا الوصف يجسّد ظاهر حالهم وانّهم منهمكون في العبادة ، فلذلك يقول : ( تراهم ركعاً سجداً ) ، أي تراهم في عبادة ، التي هي آية التسليم لله سبحانه.

ومع ذلك لا يبتغون لعبادتهم أجراً وإنّما يأملون فضل الله ، كما يقول : ( يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ) ، ولعل القيد الأخير إشارة إلى أنّ الحافز لأعمالهم هوكسب رضاه سبحانه.

ومن علائمهم الأخرى انّ أثر السجود في جباههم ، كما يقول : ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) فسيماهم ووجوههم تلمح إلى كثرة عبادتهم وسجودهم وخضوعهم لله سبحانه ، وهذه الصفات مذكورة أيضاً في الاِنجيل.

إنّ أصحاب محمد لم يزالوا يزيدون باطّراد في العدة والقوة وبذلك يغيظون الكفار ، فهم كزرع قوي وغلظ وقام على سوقه يعجب الزارعين بجودة رشده.

ولم يزالوا في حركة دائبة ونشيطة ، فمن جانب يعبدون الله مخلصين له الدين بلا رياء ولا سمعة ، ومن جانب آخر يجاهدون في سبيل الله بغية نشر الإسلام ورفع راية التوحيد في أقطار العالم.

فعملهم هذا يغيظ الكفار ويسرّ المؤمنين ، قال سبحانه : ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفّار ).

فالمجتمع الاِسلامي بإيمانه وعمله وجهاده وحركته الدؤوبة نحو التكامل يثير إعجاب الأخلاّء وغيظ الألدّاء.

ثمّ إنّه سبحانه وعد طائفة خاصة من أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغفرة وأجراً
254

عظيماً ، وذلك لأنّ المنافقين كانوا مندسّين في صفوف أصحابه ، فلا يصح وعد المغفرة لكلّ من صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورآه وعاش معه وقلبه خال من ا لاِيمان ، ولذلك قال سبحانه : ( وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات مِنْهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْراً عظيماً ) فكلمة « منهم » تعرب عن أنّ المغفرة لا تعم جميع الأصحاب بل هي مختصة بطائفة دون أخرى.

وما ربما يقال من أنّ « من » بيانية لا تبعيضية غير تام.

لاَنّ « من » البيانية لا تدخل على الضمير ، ويؤيد ذلك قوله : ( وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ). (1)

والحاصل : انّه لا يمكن القول بشمول أدلة المغفرة والأجر العظيم لقاطبة من صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنّهم على أصناف شتى.

فمن منافق معروف ، عرّفه الذكر الحكيم بقوله : ( إذا جاءَكَ الْمُنافِقُون ). (2)

إلى آخر مختفٍ لا يعرفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال سبحانه : ( وَمِنْ أَهْلِ المَدينَة مَرَدُوا علَى النّفاق لا تعلَمهم نَحنُ نَعْلَمهم ).

إلى ثالث يصفهم الذكر الحكيم بمرضى القلوب ، ويقول : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُوراً ). (3)

إلى رابع سمّاعون لنعق كل ناعق فهم كالريشة في مهب الريح يميلون تارة

__________________

1 ـ التوبة : 101.

2 ـ المنافقون : 1.

3 ـ الأحزاب : 12.
255

إلى المسلمين وأخرى إلى الكافرين ، يصفهم سبحانه بقوله ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إلاّ خَبالاً وَلاَ وضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين ). (1)

إلى خامس خالط العمل الصالح بالسيّء يصفهم سبحانه بقوله : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيّئاً ). (2)

إلى سادس أشرفوا على الارتداد ، عرّفهم الحق سبحانه بقوله : ( وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقّ ظَنَّ الجاهِليةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الاََمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ). (3)

إلى سابع يصفه القرآن فاسقاً ، ويقول : ( يا أَيّها الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِين ). (4)

والمراد هو الوليد بن عقبة صحابي سمي فاسقاً ، وقال تعالى : ( فَإِنَّ اللهَ لا يَرضَى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِين ). (5)

إلى ثامن يصفهم الذكر الحكيم مسلماً غير مؤمن ويصرِّح بعدم دخول الإيمان في قلوبهم ، ويقول : ( قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُوَْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلمّا يَدْخُلِ الإيمانُ فِي قُلُوبِكُم ). (6)

إلى تاسع أظهروا الإسلام لأخذ الصدقة لا غير ، وهم الذين يعرفون بالمؤلّفة

__________________

1 ـ التوبة : 47.

2 ـ التوبة : 102.

3 ـ آل عمران : 154.

4 ـ الحجرات : 6.

5 ـ التوبة : 96.

6 ـ الحجرات : 14.

256

قلوبهم ، قال : ( إِنّما الصّدقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِين وَالعامِلِينَ عَلَيْها وَالمُؤلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ). (1)

إلى عاشر يفرّون من الزحف فرار الغنم من الذئب ، يقول سبحانه :

( يا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الّذينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبار * وَمَنْ يُوَلِّهْم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحيِّزاً إِلى فئِةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمأواهُ جَهَنَّمُ وَبئسَ المَصير ). (2)

وكم نطق التاريخ بفرار ثلّة من الصحابة من ساحات الوغى ، يقول سبحانه عند ذكر غزوة أحد : ( إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ) (3) ، ولم يكن الفرار مختصاً بغزوة أحد بل عمّ غزوة حنين أيضاً ، يقول سبحانه : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِين ). (4)

هذه إلمامة عابرة بأصناف الصحابة المذكورة في القرآن الكريم ، أفيمكن وعد جميع هذه الأصناف بالمغفرة ؟!

مضافاً إلى آيات أخرى تصف أعمالهم.

نعم كان بين الصحابة رجال مخلصون يستدرُّ بهم الغمام ، وقد وصفهم سبحانه في غير واحد من الآيات التي لا تنكر.

والكلام الحاسم : انّ وعد المغفرة لصنف منهم لا لجميع الأصناف ، كما أنّ عدالتهم كذلك.

____________

1 ـ التوبة : 60.

2 ـ الأنفال : 15 ـ 16.

3 ـ آل عمران : 153.

4 ـ التوبة : 25.
257

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:52 pm

الحديد

50


التمثيل الخمسون

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأمْوالِ وَالأولادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إلاّ مَتاعُ الغُرُور ). (1)

تفسير الآية

« الكفّار » : جمع الكافر بمعنى الساتر ، والمراد الزارع ، ويطلق على الكافر بالله لستره الحق ، والمراد في المقام الزارع ، لأنّه يستر حبّه تحت التراب ويغطّيها به ، يقول سبحانه : ( كَزَرْعٍ ... يُعْجِبُ الزُّرّاعَ ). (2)

« هيج » : يقال : هاج البقل يهيج ، أي أصفرّ ، والمراد في قوله : ( ثُمّ يهِيج ) أي ييبس ( فتراه مصفرّاً ) أي إذا قارب اليبس.

و « الحطام » بمعنى كسر الشيء ، قال سبحانه : ( لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ ). (3)

__________________

1 ـ الحديد : 20.

2 ـ الفتح : 29.

3 ـ النمل : 18.
258

فالآية تتضمن أمرين :

الأمر الأوّل : ترسيم الحياة الدنيا والمراحل المختلفة التي تمر على الإنسان :

أ : اللعب ، ب : اللهو ، ج : الزينة ، د : التفاخر ، هـ : التكاثر في الأموال والأولاد.

والأمر الثاني : تشبيه الدنيا بداية ونهاية بالنبات الذي يعجب الزارع طراوته ونضارته ، ثمّ سرعان ما يتحول إلى عشب يابس تذروه الرياح.

ثمّ استنتج من هذا التمثيل : انّ الحياة الدنيا متاع الغرور ، أي وسيلة للغرور والمتعة ، يغتر بها المخلدون إلى الأرض يتصورونها غاية قصوى للحياة ، ولكنّها في نظر المؤمنين قنطرة للحياة الأخرى لا يغترّون بها ، بل يتزودّون منها إلى حياتهم الأخروية.

هذا هو ترسيم إجمالي لمفهوم الآية ، والتمثيل إنّما هو في الشق الثاني منها ، فلنرجع إلى تفسير كلّ من الأمرين.

إنّ حياة الإنسان من لدن ولادته إلى نهاية حياته تتشكل من مراحل خمس :

المرحلة الأولى : اللعب

واللعب هو محل منظوم لغرض خيالي كلعب الأطفال ، وهي تقارن حياة الإنسان منذ نعومة أظفاره وطفولته ، ويتخذ ألواناً مختلفة حسب تقدم عمره ، وهو أمر محسوس عند الأطفال.

المرحلة الثانية : اللهو

واللهو ما يشغل الإنسان عمّا يهمه ، وهذه المرحلة تبتدئ حينما يبلغ ويشتد
259

عظمه ، فتجد في نفسه ميلاً ونزوعاً إلى الملاهي وغيرها.

المرحلة الثالثة : حب الزينة.

والزينة نظير ارتداء الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية ، وجنوحه إلى كل جمال وحسن.

المرحلة الرابعة : التفاخر.

إذا تهيّأ للإنسان أسباب الزينة يأخذ حينها بالمفاخرة بالأحساب والأنساب ، وما تحت يديه من الزينة.

المرحلة الخامسة : التكاثر في الأموال والأولاد.

وهذه المرحلة هي المرحلة الخامسة التي يصل فيها الإنسان إلى مرحلة من العمر يفكر في تكثير الأموال والأولاد ، ويشيب على ذلك الاِحساس.

ثمّ إنّ تقسيم المراحل التي تمر على الإنسان إلى خمس ، لا يعني انّ كلّ هذه المراحل تمر على الإنسان بلا استثناء ، بل يعني انّها تمر عليه على وجه الاِجمال ، غير انّ بعض الناس تتوقف شخصيتهم عند المرحلتين الاَُوليين إلى آخر عمره ، فيكون اللعب واللهو أهم مائز في سلوكهم ، كما أنّ بعضهم تمر عليه المرحلة الثالثة والرابعة فيحرص على ارتداء الملابس الفاخرة والتفاخر بما لديه من أسباب.

روي عن الشيخ البهائى انّ الخصال الخمس المذكورة في الآية مترتبة بحسب سني عمر الإنسان ومراحل حياته ، فيتولّع أوّلاً باللعب وهو طفل أو مراهق ، ثمّ إذا بلغ واشتد عظمه تعلّق باللهو والملاهي ، ثمّ إذا بلغ أشده اشتغل بالزينة من الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية وتوله للحسن
260

والجمال ، ثمّ إذا اكتهل أخذ بالمفاخرة بالأحساب والأنساب ، ثمّ إذا شاب سعى في تكثير المال والولد. (1)

هذا ما يرجع إلى بيان حال الدنيا من حيث المراحل التي تمر بها.

الأمر الثاني : أي التمثيل الذي يجسد حال الدنيا ويشبهها بأرض خصبة يصيبها مطر غزير ، فتزدهر نباتها على وجه يعجب الزرّاع ، ولكن سرعان ما تذهب طراوتها وتفارقها فيصيبها الاِصفرار واليبس وتذروها الرياح في كلّ الأطراف وتصبح كأنّها لم تكن شيئاً مذكوراً ، وعند ذلك تتجلّى الحقيقة أمام الإنسان وانّه اغتر بطراوة هذه الروضة.

وهكذا حال الدنيا فيغتر الإنسان بها ويخلد إليها ، ولكن سرعان ما تسفر له عن وجهها وتكشف عن لثامها ، وعلى أية حال فالآية تهدف إلى تحقير الدنيا وتعظيم الآخرة.

__________________

1 ـ الميزان : 19 / 164.
261

الحشر

51


التمثيل الواحد والخمسون

( لاَ يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيم ). (1)

تفسير الآيات

« الحصن » : جمعه حصون ، والقرى المحصنة التي تحيطها القلاع المنيعة التي تمنع من دخول الأعداء.

البأس والبأساء : الشدة.

الوبال : الأمر الذي يخاف ضرره.

الآية تصف حال بني النضير من اليهود الذين أجلاهم الرسول وقد تآمروا على قتله ، وكيفية الموَامرة مذكورة في كتب التاريخ ، فأمرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجلاء وترك الأموال وقد كانوا امتنعوا من تنفيذ أمر الرسول ، وكان المنافقون يصرّون عليهم بعدم الجلاء وانّهم يناصرونهم عند نشوب حرب بينهم وبين المسلمين ، فبقي بنو النضير أياماً قلائل في قلاعهم لا يجلون عنها بغية وصول إمدادات تعزّز قواهم.



1 ـ الحشر : 14 ـ 15.
262

فالآيات تشرح حالهم بإمعان وتخبر بأنّهم « لا يقاتلونكم » معاشر المؤمنين جميعاً إلاّ في قرى محصنة ، أي لا يبرزون لحربكم خوفاً منكم ، وإنّما يقاتلونكم متدرّعين بحصونهم ، أو « من وراء جدر » ، أي يرمونكم من وراء الجدر بالنبل والحجر.

( بأسهم بينهم شديد ) ، والمراد من البأس هو العداء ، أي عداوة بعضهم لبعض شديدة ، فليسوا متّفقي القلوب ، ولذلك يعقبه بقوله : ( وقلوبهم شتى ) ، ثمّ يعلل ذلك بقوله : ( ذلك بأنّهم لا يعقلون ).

ثمّ يمثّل لهم مثلاً ، فيقول : إنّ مثلهم في اغترارهم بعددهم وعدّتهم وقوتهم ( كمثل الذين من قبلهم ) ، والمراد مشركو قريش الذين قتلوا ببدر قبل جلاء بني النضير بستة أشهر ، ويحتمل أن يكون المراد قبيلة بني قينقاع حيث نقضوا العهد فأجلاهم رسول الله بعد رجوعه من بدر.

فهؤلاء ( ذاقوا وبال أمرهم ) ، أي عقوبة كفرهم ولهم عذاب أليم.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:53 pm

الحشر

52


التمثيل الثاني والخمسون

( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قَالَ للاِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنكَ إِنّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ ). (1)

تفسير الآية هذه الآية أيضاً ناظرة إلى قصة بني النضير ، فلمّا تآمروا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجلاء ، ولكنّ المنافقين وعدوهم بالنصر ، فقالوا لهم : ( لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم ).

ولكن كان ذلك الوعد كاذباً ، ولذلك يقول سبحانه : ( والله يشهد انّهم لكاذبون ) وآية كذبهم : ( لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُون ). (2)

ولقد صدق الخبر الخبر ، فأجلاهم الرسول بقوة وشدة ، فما ظهر منهم أي نصر ومؤازرة ودعم ، فكان وعدهم كوعد الشيطان ، إذ قال للإنسان أكفر فلمّا كفر قال إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين ، بمعنى انّه أمره بالكفر ولكنّه تبرّأ منه في النهاية.

وهل المخاطب في قوله : « اكفر » مطلق الإنسان الذي ينخدع بأحابيل

__________________

1 ـ الحشر : 16.

2 ـ الحشر : 12.
264

الشيطان ووعوده الكاذبة ثمّ يتركه ويتبرّأ منه ، أو المراد شخص معين ؟ وجهان.

فلو قلنا بالثاني ، فقد وعد الشيطان قريشاً بالنصر في غزوة بدر ، كما يحكي عنه سبحانه ، ويقول ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرى ما لاَ تَرَوْنَ إِنّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ العِقابِ ). (1)

وهناك قول ثالث ، وهو انّ الشيطان وعد عابداً من بني إسرائيل اسمه برصيصا حيث انخدع بالشيطان وكفر ، وفي اللحظات الحاسمة تبرّأ الشيطان منه. ذكر المفسرون انّ برصيصا عبد الله زماناً من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرأون على يده ، وانّه أُتِي بامرأة في شرف قد جنّت وكان لها إخوة فأتوه بها ، فكانت عنده ، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقع عليها ، فحملت ، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها ، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها ، فأخبره بالذي فعل الراهب وانّه دفنها في مكان كذا ، ثمّ أتى بقية إخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه ، فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب ، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشيطان ، فقال : أنا الذي ألقيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك ، أخلصك مما أنت فيه ؟ قال : نعم ، قال : اسجد لي سجدة واحدة ، فقال : كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة ، فقال : اكتفي منك بالإيماء فأوحى له بالسجود ، فكفر بالله ، وقتل الرجل. (2)

__________________

1 ـ الأنفال : 48.

2 ـ مجمع البيان : 5 / 265.
265

الحشر

53


التمثيل الثالث والخمسون

( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ). (1)

تفسير الآية

« الخشوع » : الضراعة ، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح على عكس الضراعة ، فانّ أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ، وقد روي إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

ويؤيد ما ذكره انّه سبحانه ينسب الخشوع إلى الأصوات والأبصار ، ويقول : ( وخشعت الأصوات ) ، ( خاشعة أبصارهم ) ، ( أبصارهم خاشعة ).

ولو أردنا أن نُعرّفه ، فنقول : هو عبارة عن السكينة الحاكمة على الجوارح مستشعراً بعظمة الخالق.

و « التصدع » : التفرق بعد التلاؤم.

إنّ للمفسرين في تفسير الآية رأيين :

أحدهما : انّه لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ، مع ما له من الغلظة والقسوة

__________________

1 ـ الحشر : 21.
266

وكبر الجسم وقوة المقاومة قبال النوازل ، لتأثّر وتصدّع من خشية الله ، فإذا كان هذا حال الجبل ، فالإنسان أحقّ بأن يخشع لله إذا تلا آياته.

فما أقسى قلوب هؤلاء الكفّار وأغلظ طباعهم حيث لا يتأثرون بسماع القرآن واستماعه وتلاوته.

ثانيهما : انّ كلّ من له حظّ في الوجود فله حظ من العلم والشعور ، ومن جملتها الجبال فلها نوع من الإدراك والشعور ، كما قال سبحانه : ( وَإِنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْها لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ). (1)

فعلى هذا ، فمعنى الآية انّ هذا القرآن لو نزل على جبل لتلاشى وتصدّع من خشية الله ، غير انّه لم ينزل عليه.

وعلى كلا المعنيين ، فليست الآية من قبيل التمثيل أي تشبيه شيء بشيء ، بل من قبيل وصف القرآن وبيان عظمته بما يحتوى من الحقائق والأصول ، وإنّها على الوصف التالي : « لو أنزلناه على جبل لصار كذا وكذا ».

نعم يمكن أن يعد لازم معنى الآية من قبيل التشبيه ، وهو انّه سبحانه يشبّه قلوب الكفّار والعصاة الذين لا يتأثرون بالقرآن بالجبل والحجارة ، وانّ قلوبهم كالحجارة لو لم تكن أكثر صلابة ، بشهادة انّ الحجارة يتفجر منها الأنهار أو تهبط من خشية الله ، فلأجل ذلك جعلنا الآية من قبيل التمثيل وإن كان بلحاظ المعنى الالتزامي لها.

__________________

1 ـ البقرة : 74.
267

الجمعة

54


التمثيل الرابع والخمسون

( مَثَلُ الّذينَ حُمّلُوا التُّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمِين ). (1)

تفسير الآية

« الأسفار » : السَّفر : كشف الغطاء ، ويختص ذلك بالاَعيان نحو سَفَرَ العمامة عن الرأس ، والخمار عن الوجه ، إلى أن قال : والسّفْر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق وجمعه أسفار. (2)

ذكر المفسرون انّه سبحانه لما قال : إنّه بعثه إلى الاَُميّين أخذت اليهود الآية ذريعة لاِنكار سعة رسالته ، وقالوا : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث إلى العرب خاصة ولم يبعث إليهم ، فعند ذلك نزلت الآية وشبّهتهم بالحمار الذي يحمل أسفاراً لا ينتفع منها ، إذ جاء في التوراة نعت الرسول والبشارة بمقدمه والدخول في دينه.

مضافاً إلى أنّه يمثل حال من يفهم معاني القرآن ولا يعمل به ويعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه ، والمراد من قوله ( حُمّلُوا ) أي كلّفوا بالقيام بها ، وقيل :

__________________

1 ـ الجمعة : 5.

2 ـ مفردات الراغب : مادة «سفر ».
268

ليس هو من الحمل على الظهر ، وإنّما هو من الحمالة بمعنى الكفالة والضمان ، ولذا قيل للكفيل : الحميل ، والمراد والذين ضمنوا أحكام التوراة ، ثمّ لم يحملوها ، أي لم يأدّوا حقها ولم يحملوها حق حملها ، فهؤلاء أشبه بالحمار ، كما قال : ( كَمَثَلِ الحِمار يَحْمِلُ أَسْفاراً ).

وانتخب الحمار من بين سائر الحيوانات لما فيه من الذل والحقارة ما ليس في غيره بل والجهل والبلادة ، مضافاً إلى المناسبة اللفظية الموجودة بين لفظ الأسفار والحمار.

فعلى كلّ تقدير فالآية تندّد باليهود ، وفي الوقت نفسه تحذر عامة المسلمين في أن لا يكون حالهم حال اليهود ، في عدم الانتفاع بالكتاب المنزل الذي فيه دواء كلّ داء وشفاء لما في الصدور.

وللأسف الشديد أصبح القرآن بين المسلمين مهجوراً ، إذ يتبرك به في العرائس ، أو يجعل تعاويذ للأطفال ، أو زينة الرفوف ، أو يقرأ في القبور إلى غير ذلك ممّا أبعد المسلمين عن النظر في القرآن بتدبّر.

ثمّ إنّه سبحانه يصف اليهود المكذبة للقرآن وآياته ، بقوله : ( بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوم الظالِمين ).
269

التحريم

55


التمثيل الخامس والخمسون

( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَينِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلين ). (1)

تفسير الآية

إنّ إحدى الأساليب التربوية هي عرض نماذج واقعية لمن بلغ القمة في مكارم الأخلاق وجلائلها أو سقط في حضيض مساوئ الأخلاق ، والقرآن في هذه الآية يعرض زوجتين من زوجات الأنبياء ابتليتا بالنفاق والخيانة ولم ينفعهما قربهما من أنبياء الله.

ثمّ إنّ الحافز لهذا التمثيل هو التنديد بزوجتي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّتين اشتركتا في إفشاء سره ، والغرض هو إيقافهما على أنّهما لا تنجوان من العذاب لمجرد مكانتهما من الرسول كما لم ينفع زوجة نوح ولوط ، فواجهتا العذاب الأليم.

يذكر سبحانه في هذه الصورة قصة إفشاء سرّ النبي بواسطة بعض أزواجه يقول : ( وَإِذْ أَسَـرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَديثاً فَلَمّـا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ

__________________

1 ـ التحريم : 10.
270

عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الخَبير ). (1)

وهذه الآية على اختصارها تشتمل على مطالب :

1. انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسرّ إلى بعض أزواجه حديثاً ، كما يقول سبحانه : ( وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً ) ، وأمّا ما هو السر الذي أسرّه إليها فغير واضح ، ولا يمكن الاعتماد بما ورد في التفاسير من تحريم العسل على نفسه وغيره.

2. انّ هذه المرأة التي أسرّ إليها النبي لم تحتفظ بسره وأفشته ، فحدّثت به زوجة أخرى ، كما يقول سبحانه : ( فلمّا نبّأت به ) ، والمفسرون اتفقوا على أنّ الأولى منهما هي حفصة والثانية هي عائشة.

وبذلك أساءت الصحبة وأفشت سر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّ واجبها كان كتم هذا السر.

3. انّه سبحانه أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، كما يقول سبحانه : ( وأظهره الله عليه ) أي أطلعه الله عليه.

4. انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرّف حفصة ببعض ما ذكرت وأعرض عن ذكر كلّ ما أفشت ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد علم جميع ذلك ولكنّه أخذ بمكارم الأخلاق ، فلم يذكر لها جميع ما صدر منها ، والتغافل من خلق الكرام ، وقد ورد في المثل : « مااستقصى كريم قط ».

5. لما أخبر رسول الله حفصة بما أظهره الله عليه سألت ، وقالت : من أخبرك بهذا؟ فأجاب الرسول : نبّأني العليم الخبير ، كما يقول سبحانه : ( فلمّا نبّأها به

__________________

1 ـ التحريم : 3.

271

قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير ).

وبما انّ مستمع السر كمفشيه عاص ، يعود سبحانه يندّد بهما ويأمرهما بالتوبة ، لأجل ما كسبت قلوبهما من الآثام ، وانّه لو لم تكُفَّا عن إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاعلما انّ الله يتولّـى حفظه ونصرته ، وأمين الوحي معين له وناصر يحفظه ، وصالح المؤمنين وخيارهم يؤيدونه ، وبعدهم ملائكة الله من أعوانه. كما يقول سبحانه : ( ان تتوبا فقد صغت قلوبكما ) أي مالت إلى الإثم ، وإن تظاهرا عليه أي تعاونا على إيذاء النبي ، فانّ الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.

هاتان الآيتان توقفنا على مكانة الزوجتين من القيام بوظائف الزوجية ، حيث إنّ حفظ الاَمانة من واجب الزوجة حيال زوجها ، كما أنّ الآية الثانية تعرب عن مكانتهما عند الله سبحانه حيث تجعلهما على مفترق الطرق : إمّا التوبة لأجل الإثم ، وإمّا التمادي في غيّهما وإحباط كلّ ما تهدفان إليه ، لأنّ له أعواناً مثل ربه والملائكة وصالح المؤمنين.

وبما انّ السورة تكفّلت بيان تلك القصة ناسب أن يمثل سبحانه حالهما بزوجتين لرسولين أذاعتا سرهما وخانتاهما.إذ لم تكن خيانتهما خيانة فجور لما ورد : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنّما كانت خيانتهما في الدين.

قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس : إنّه مجنون ، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح ، كما أنّ امرأة لوط دلّت على أضيافه.

وعلى كلّ حال فقد شاركت هذه الزوجات الأربع في إذاعة أسرار أزواجهنّ ، وبذلك صرن نموذجاً بارزاً للخيانة.

وقد كنَّ يتصورنّ انّ صلتهن بالرسل تحول دون عذاب الله ، ولم يقفن على أنّ
272

مجرد الصلة لا تنفع مالم يكن هناك إيمان وعمل صالح ، قال سبحانه : ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ ) (1) وقال سبحانه مخاطباً بني آدم : ( يا بَنِى آدَمَ إمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ). (2)

ومن هنا تقف على أنّ صحبة الرسول لا تنفع مالم يضم إليه إيمان خالص وعمل صالح ، فلا تكون مجالسة الرسول دليلاً على العدالة ولا على النجاة ، وأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام الله سبحانه كالتابعين يحكم عليهم بما يحكم على التابعين ، فكما أنّ الصنف الثاني بين صالح وطالح ، فهكذا الصحابة بين صالح وطالح.

__________________

1 ـ المؤمنون : 101.

2 ـ الأعراف : 35.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:53 pm

التحريم

56


التمثيل السادس والخمسون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امرأتَ فِرْعَون إذْ قالَتْ رَبّ ابنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنّةِ وَنَجّني مِنْ فِرْعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجّني مِنَ الْقَومِ الظّالِمين * وَمَرْيم ابْنَتَ عِمْرانَ الّتي أحصَنَت فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقت بِكَلِماتِ رَبّها وَكُتُبهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتين ). (1)

تفسير الآيات

« الحصن » : جمعه حصون وهي القلاع ، ويطلق على المرأة العفيفة ، لأنّها تحصّن نفسها بالعفاف تارة وبالتزويج أخرى.

القنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع ، قوله : ( كُلّ لَهُ قانِتُون ) أي خاضعون.

لما مثّل القرآن بنماذج بارزة للفجور من النساء أردفه بذكر نماذج أخرى للتقوى والعفاف من النساء بلغن من التقوى والإيمان منزلة عظيمة حتى تركن الحياة الدنيوية ولذائذها وعزفن عن كل ذلك بغية الحفاظ على إيمانهنّ ، وقد مثل القرآن بآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فقد بلغت من الإيمان والتقوى بمكان انّها طلبت من الله سبحانه أن يبني لها بيتاً في الجنة ، فقد آمنت بموسى لمّا رأت معاجزه

__________________

1 ـ التحريم : 11 ـ 12.
274

الباهرة ودلائله الساطعة ، فأظهرت إيمانها غير خائفة من بطش فرعون وقد نقل انّه وتدها بأربعة أوتاد واستقبل بها الشمس.

هذه هي المرأة الكاملة التي ضحّت في سبيل عقيدتها واستقبلت الشهادة بصدر رحب ولم تعر للدنيا وزخارفها أيّة أهمية ، وكان هتافها حينما واجهت الموت قولها : ( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين ).

فقولها : « عندك » ، يهدف إلى القرب من رحمة الله ، وقولها : « في الجنة » يبين مكان القرب.

فقد اختارت جوار ربها والقرب منه وآثرت بيتاً يبنيه لها ربها على قصر فرعون الذي كان يبهر العقول ، ولكن زينة الحياة الدنيا عندها نعمة زائلة لا تقاس بالنعمة الدائمة.

ثمّ إنّه سبحانه يضرب مثلاً آخر للمؤمن ات مريم ابنة عمران ، ويصفها بقوله : ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين ).

ترى أنّه سبحانه يصفها بالصفات التالية :

1. ( أحصنت فرجها ) فصارت عفيفة كريمة وهذا بإزاء ما افتعله اليهود من البهتان عليها ، كما يعرب عنه قوله سبحانه : ( وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ) (1) وفي سورة الأنبياء قوله : ( وَالّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا ). (2)

__________________

1 ـ النساء : 156.

2 ـ الأنبياء : 91.
275

2. ( فنفخنا فيه من روحنا ) : أي كونها عفيفة محصّنة صارت مستحقة للثناء والجزاء ، فأجرى سبحانه روح المسيح فيها ، وإضافة الروح إليه إضافة تشريفية ، فهي امرأة لا زوج لها انجبت ولداً صار نبياً من أنبياء الله العظام.

وقد أُشير إلى هذين الوصفين في سورة الأنبياء ، قال سبحانه : ( وَالّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِين ).

وهناك اختلاف بين الآيتين ، فقد جاء الضمير في سورة الأنبياء مؤنثاً فقال : ( فنَفخنا فيها من روحنا ) وفي الوقت نفسه جاء في سورة التحريم مذكراً ( فنفخنا فيه من روحنا ).

وقد ذكر هنا وجه وهو :

إنّ الضمير في سورة الأنبياء يرجع إلى مريم ، وأمّا المقام فإنّما يرجع إلى عيسى ، أي فنفخنا فيه حتى أنّ من قرأه « فيها » أرجع الضمير إلى نفس عيسى والنفس مؤنثة.

أقول : هذا لا يلائم ظاهر الآية ، لأنّه سبحانه بصدد بيان الجزاء لمريم لأجل صيانة فرجها ، فيجب أن يعود الجزاء إليها ، فالنفخ في عيسى يكون تكريماً لعيسى ولا يعد جزاءً لمريم.

3. ( صدَّقت بكلمات ربّها وكتبه ) : ولعل المراد من الكلمات الشرائع المتقدمة ، والكتب : الكتب النازلة ، كما يحتمل أن يكون المراد الوحي الذي لم يكن على شكل كتاب.

4. ( وكانت من القانتين ) : أي كانت مطيعة لله سبحانه ، ومن القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه ، وقد جيء بصيغة المذكر تغليباً ، يقول
276

سبحانه : ( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعين ). (1)

ونختم البحث بذكر ثلاث روايات :

1. روى الطبري ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلاّ أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». (2)

2. أخرج الحاكم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرهما في القرآن ( قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ) ». (3)

3. أخرج الطبراني ، عن سعد بن جنادة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله زوجني في الجنة : مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وأُخت موسى ».

__________________

1 ـ آل عمران : 43.

2 ـ مجمع البيان : 5 / 320.

3 ـ و 4. الدر المنثور : 8 / 229.
277

الملك

57


التمثيل السابع والخمسون

( أَمَّنْ هذا الّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَه بَل لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْههِ أَهْدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيم ). (1)

تفسير الآيات

« لجّ » : من اللجاج : التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه.

« عُتُوّ » : التمرّد.

« النفور » : التباعد عن الحقّ.

« مكب » : من الكبو ، وهو إسقاط الشيء على وجهه ، قال سبحانه : ( فَكُبَّتْ وُجُوهُهُم فِي النّار ). ومنه قوله : « إنّ الجواد قد يكبو » أي قد يسقط ، والمراد هنا بقرينة مقابله : ( يمشي سوياً ) ، أي من يمشي ووجهه إلى الأرض لا الساقط. وقال الطبرسي : أي منكساً رأسه إلى الأرض ، فهو لا يبصر الطريق ولا من يستقبله.

وأمّا الآيات فقد جاءت بصيغة السؤال بين الضالين الذين لجّوا في عتو ونفور وظلّوا متمسّكين بالأوثان والأصنام ، وبين المهتدين الذين يمشون في جادة

__________________

1 ـ الملك : 21 ـ 22.
278

التوحيد ولا يعبدون إلاّ الله القادر على كلّ شيء.

فمثل هؤلاء مثل من يمشي على أرض متعرجة غير مستوية يكثر فيها العثار ، وبالتالى يسقط الماشي مكباً على وجهه ، ومن يمشي على جادة مستوية مستقيمة ليس فيها عثرات ، فيصل إلى هدفه بسهولة.

فالاختلاف بين هاتين الطائفتين ليس في كيفية المشي ، وإنّما الاختلاف في طريقهم حيث إنّ طرق الكفّار ملتوية متعرجة فيها عقبات كثيرة ، وطريق المهتدين مستقيمة لا اعوجاج فيها ، فعاقبة المشي في الطريق الأوّل هو الانكباب على الأرض ، وعاقبة المشي في الطريق الثاني هو الوصول إلى الهدف ، فتأويل الآية : أفمن يمشي على طريق غير مستقيم بل متعرج ملتوٍ مكبّاً على وجهه أهدى أم من يمشي على صراط مستقيم بقامة مستقيمة.

قال العلاّمة الطباطبائي : والمراد أنّهم بلجاجهم في عتوّ عجيب ونفور من الحقّ ، كمن يسلك سبيلاً وهو مكب على وجه لا يرى ما في الطريق من ارتفاع وانخفاض ومزالق ومعاثر ، فليس هذا السائر كمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ، فيرى موضع قدمه وما يواجهه من الطريق على استقامة ، وما يقصده من الغاية ، وهؤلاء الكفّار سائرون سبيل الحياة وهم يعاندون الحقّ على علم به ، فيغمضون عن معرفة ما عليهم أن يعرفوه والعمل بما عليهم أن يعملوا به ، ولا يخضعون للحق حتى يكونوا على بصيرة من الأمر ويسلكوا سبيل الحياة وهم مستوون على صراط مستقيم فيأمنوا الهلاك. (1)

__________________

1 ـ الميزان : 19 / 360 ـ 361.
279

خاتمة المطاف

ربما عدّ غير واحد ممّن كتب في أمثال القرآن ، الآية التالية منها :

( وَما جَعَلْنا أَصحابَ النّارِ إلاّ مَلائكةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُم إلاّ فِتْنةً لِلّذينَ كَفَرُوا ليَستَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزدادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرتابَ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالمُوَْمِنُونَ وَلِيَقُول الّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكافِرُون ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلّ اللهُ مَن يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلمُ جنودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ وَما هِيَ إلاّ ذِكرى لِلبَشر ). (1)

تفسير الآية

لمّا نزل قوله سبحانه ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وما أدراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي ولا تَذَرُ * لواحَةٌ للبشرِ * عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ). (2)

قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أُمّهاتكم أتسمعون ابن أبي كبيشة يخبركم انّ خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدهم (3) الشجعان ، أفيعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم.

__________________

1 ـ المدثر : 31.

2 ـ المدثر : 26 ـ 30.

3 ـ الدهم : الجماعة الكثيرة.
280

فقال أبو أسد الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر ، عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني ، فأكفوني أنتم اثنين ، فنزلت هذه الآية : ( وَما جعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكة ) ، أي جعلنا أصحاب النار ملائكة أقوياء مقتدرون وهم غلاظ شداد ، يقابلون المذنبين بقوة ، وهم أمامهم ضعفاء عاجزون ، ويكفي في قوتهم انّه سبحانه يصف واحداً منهم بقوله : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ). (1)

فالكفّار ما قدروا الله حقّ قدره وما قدروا جنود ربّهم ، وظنوا انّ كلّ جندي من جنوده سبحانه يعادل قوة فرد منهم.

ثمّ إنّه سبحانه يذكر الوجوه التالية سبباً لجعل عدتهم تسعة عشر :

1. ( فتنة للذين كفروا ).

2. ( ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب ).

3. ( يزداد الّذين آمنوا إيماناً ).

4. ( لا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ).

5. ( وَليقول الّذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ).

وإليك تفسير هذه الفقرات :

أمّا الأولى : فيريد انّه سبحانه لم يجعل عدتهم تسعة عشر إلاّ للإفتتان والاختبار ، قال سبحانه : ( واعلموا انّما أموالكم وأولادكم فتنة ) أي يختبر بهم الإنسان ، فجعل عدتهم تسعة عشر يختبر بها الكافر والمؤمن ، فيزداد الكافر حيرة واستهزاءً ويزداد المؤمن إيماناً وتصديقاً ، كما هو حال كلّ ظاهرة تتعلق بعالم الغيب. يقول سبحانه : ( وَإذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ

__________________

1 ـ النجم : 5 ـ 6.
281

إيماناً فَأَمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُون ). (1)

ولا تظن انّ عمله سبحانه هذا يوجب تعزيز داعية الكفر ، وهو أشبه بالجبر وإضلال الناس ووجه ذلك انّ الاستهزاء والابتعاد عن الحقّ أثر الكفر الذي اختاره على الإيمان ، فهذا هو السبب في أن تكون الآيات الإلهية موجبة لزيادة الكفر والابتعاد عن الحقّ ، والدليل على ذلك انّ هذه الآيات في جانب آخر نور وهدى وموجباً لزيادة الإيمان والتصديق.

وأمّا الثانية : أي استيقان أهل الكتاب من اليهود والنصارى انّه حقّ وانّ محمّداً رسول صادق حيث أخبر بما في كتبهم من غير قراءة ولا تعلم.

وأمّا الثالثة : وهي ازدياد إيمان المؤمنين ، وذلك بتصديق أهل الكتاب ، فإذا رأوا تسليم أهل الكتاب وتصديقهم يترسخ الإيمان في قلوبهم.

وأمّا الرابعة : أعني قوله : ( ولا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ) ، فهو أشبه بالتأكيد للوجه الثاني والثالث.

وفسره الطبرسي بقوله : وليستيقن من لم يؤمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن آمن به صحة نبوته إذا تدبّروا وتفكّروا.

وأمّا الخامسة : وهي تقوّل الكافرين ومن في قلوبهم مرض بالاعتراض ، بقولهم : ماذا أراد الله بهذا الوصف والعدد ، وهذه الفقرة ليست من غايات جعل عدتهم تسعة عشر ، وإنّما هي نتيجة تعود إليهم قهراً ، ويسمّى ذلك لام العاقبة ، كما في قوله سبحانه : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ) (2) ومن المعلوم

__________________

1 ـ التوبة : 124 ـ 125. 2 ـ القصص : 8.
282

انّ فرعون لم يتخذه لتلك الغاية وإنّما اتخذه ليكون ولداً له ، كما في قول امرأته : ( لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُون ) (1) ولكن ترتبت تلك النتيجة على عملهم شاءوا أم أبوا.

وهكذا المقام حيث أخذت الطائفتان أي الذين في قلوبهم مرض والكافرين بالاستهزاء ، وقالوا : ( ماذا أراد الله بهذا مثلاً ).

وقد فسر قوله : ( الّذين في قلوبهم مرض ) بالمنافقين ، كما فسروا الكافرين بالمتظاهرين بالكفر من المشركين ، غير انّ هنا سؤال ، وهو انّ السورة مكية ولم تكن هناك ظاهرة النفاق وإنّما بدأت بالمدينة.

ولكن لا دليل على عدم وجود النفاق بمكة ، إذ ليس الخوف سبباً منحصراً للنفاق ، فهناك علل أخرى وهي الإيمان لأجل العصبية والحميّة أو غير ذلك. يقول العلاّمة الطباطبائي : لا دليل على انتفاء سبب النفاق في جميع من آمن بالنبي بمكة قبل الهجرة وقد نقل عن بعضهم انّه آمن ثمّ رجع أو آمن عن ريب ثمّ صلح.

على أنّه تعالى يقول : ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ فَإِذا أوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبّكَ لَيَقُولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِين * وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقين ) (2 ) ( 3)

ثمّ إنّه سبحانه يختم الآية بقوله : ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) ، أي الحقائق الناصعة والآيات الواضحة تتلقاها القلوب المختلفة تلقياً

__________________

1 ـ القصص : 9.

2 ـ العنكبوت : 10 ـ 11.

3 ـ الميزان : 20 / 90.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:54 pm



مختلفاً يهتدي بها فريق ويضل بها آخر حسب ما يشاء سبحانه ، وليست مشيئته سبحانه خالية عن الملاك والسبب ، فهدايته وإضلاله رهن اهتداء الإنسان من هداياته العامة ، فمن استهدى بها تشمله هدايته الثانية ، وهي التي وردت في هذه الآية ، ومن أعرض عنها فيشمله إضلاله سبحانه بمعنى قطع فيضه عنه.

الآية ليست من الأمثال

ومع ما بذلنا من الجهد في تفسير الآيات ، فالظاهر انّها ليست من قبيل التمثيل لما عرفت من أنّه عبارة عن تشبيه شيء بشيء وإفراغ المعنى المعقول في قالب محسوس لغاية الإيضاح ، ولكن الآيات لا تمتُّ إليه بصلة وإنّما هي بصدد بيان سبب جعل الزبانية تسعة عشر وانّ لها آثاراً خاصة.

وعلى ذلك فقوله سبحانه : ( ماذا أَرادَ الله بِهذا مَثَلاً ) ، أي ماذا أراد الله به وصفاً ، فالمثل في هذه الآية نظير ما ورد في سورة فرقان حيث بعد ما ذكر انّ المشركين وصفوه بأنّه رجل مسحور ، قال : ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ ) (1) أي انظر كيف وصفوك ، فليس مطلق الوصف تمثيلاً.

تمَّ الكتاب ـ بحمد الله سبحانه ـ بيد مؤلّفه جعفر السبحاني

وقد لاح بدر تمامه في شهر جمادى الآخرة من شهور عام 1420

من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء والتحية

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

284

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:58 pm

الأمثال في القرآن


المِثل - بكسر الميم - والمَثل - بفتح الميم - والمثيل: كالشِّبْه والشَّبَه والشَّبِيْه لفظًا ومعنًى، والجمع: أمثال.



والمثَل - بفتح الميم والثاء: الحديث، وقد مثَّل به، وامتثله، وتمثله، وتمثل به، وقد يعبر بالمثلِ والشبه عن وصفِ الشيء؛ نحو قوله - تعالى -: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: 35].



وقد يستعملُ "المثل" عبارة عن المشابه لغيره في معنى من المعاني؛ أي: معنى كان، وهو أعم الألفاظِ الموضوعة للمشابهة؛ وذلك أنَّ "النِّدَّ" يقال فيما يشاركه في الجوهريةِ فقط، و"المساوي" يُقال فيما يشاركه في الكمية فقط، و"المثل" عام في جميع ذلك؛ ولهذا لما أراد الله نفيَ التشبيه من كلِّ وجه خصه بالذِّكر؛ فقال - تعالى -: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].



و"المثل" مأخوذ من المثال، وهو قولٌ سائر يشبه به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه، فقولهم: مثل بين يديه؛ إذا انتصب، وحقيقة "المثل" ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول؛ كقول كعب بن زهير:
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً
وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَ الْأَبَاطِيلُ



ويقول "ابن السكيت": "المثل لفظ يخالفُ لفظَ المضروب له، ويوافقُ معناه معنى ذلك اللفظ، شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره".



ويرى العلماء: أنَّه لا بد أن "تجتمعَ في المثلِ أربعة لا تجتمعُ في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة"[1].



و"الفيروز آبادي" يؤكِّد أنَّ المثل: "عبارة عن قولِ يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة؛ ليبين أحدهما الآخر ويصوره"[2].



ولا شكَّ عند كثير من الباحثين أنَّ الكلام: "إذا جعل مثلاً كان أوضحَ للمنطقِ وآنق للسمع، وأوسع لشعوبِ الحديث"[3].



والأمثالُ أقوال سائرة مسلمة سيقت للعظةِ والاعتبار، مع الإيجازِ والإحكام والدقة والتركيز، وقضايا الأمثال مما تتظاهر العقول البشرية على التسليم به، فإذا ما عرض للناسِ في حياتهم أمرٌ من الأمورِ التي تدخل في مفهومِ أحد الأمثال تمثَّلوا به، فتأنس النفوس لذلك[4].



والأمثال أقوى أساليبِ البيان، وأقدرها على التعبيرِ والتصوير؛ لأنها:

أولاً: تعتمدُ على التشبيهِ الذي هو من أشرف كلام العرب، وبه تكون الفطنة والبراعة عندهم، والتشبيه كذلك يزيدُ المعنى وضوحًا ويهبه تأكيدًا[5].



وهو كما يقول "الجرجاني": "يعملُ عملَ السحر في تأليفِ المتباينين، حتى يختصر لك بُعد ما بين المشرقِ والمغرب، ويجمع ما بين المشئم والمعرق، وهو يُريك للمعاني الممثلة بالأوهام شبهًا في الأشخاص الماثلة، والأشباح القائمة، يُنطقُ لك الأخرس، ويعطيك البيانَ من الأعجم، ويريك الحياةَ في الجماد، ويريك التئامَ الأضداد، فيأتيك بالحياةِ والموت مجموعين، والماء والنار مجتمعين"[6].



ثانيًا: ليست تشبيهًا مفردًا، وإنما هي من قبيلِ التمثيل؛ فإنَّ مضاربَها تكون عادة من المعاني المعقولة التي يصعب تصورُها، فيلجأ المتكلمون إلى استحضارِ أمور حسية تكون مأنوسة للمخاطبين، معروفة لهم، وهي موارد الأمثال، فينجلي الخفاء عن المعاني، وتبرز وجوهُها سافرة كضوءِ النَّهار[7].



ولذلك نجد "عبدالقاهر الجرجاني" يقول: "إنَّ أُنْس النفوس موقوفٌ على أن تخرجَها من خفي إلى جلي، وتأتيها بصريحٍ بعد مكنيّ، وأن تردها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم، وثقتها به في المعرفة أحكم؛ نحو أن تنقلَها عن العقلِ إلى الإحساسِ، وعما يعلم بالفكر إلى ما يُعلم بالاضطرارِ والطبع؛ لأنَّ العلمَ المستفاد من طرق الحواس، أو المركوز فيها من جهة الطبع، وعلى حدِّ الضرورة، يفضلُ المستفادَ من جهةِ النظر والفكر في القوةِ والاستحكام، وبلوغ الثقة فيه غاية التمام"[8].



ومن ثم كان الغرضُ من التمثيل: تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالشاهد، وإبراز المدركات المعقولة والمعاني الخفية في صورة محسة أو مألوفة؛ لبيانِ صفتها وحالها، أو تقريرِ معانيها، وتمكينها في النفس أو لبيان إمكان وقوعها وتحققها وغير ذلك من الأغراض[9].



ويبين "ابنَ مسكويه" وظيفةَ التمثيل وضرب الأمثال فيقول: "إن الأمثال إنما تضربُ فيما لا تدركه الحواس مما تدركه؛ والسبب في ذلك أنسنا بالحواس، وألفنا لها منذ أولِ كونها، ولأنَّها مبادئ علومنا، ومنها نرتقي إلى غيرِها، فإذا أُخبِرَ الإنسانُ بما لا يدركه، أو حُدِّثَ بما لم يشاهده، وكان غريبًا عنه، طلب له أمثالاً من الحس، فإذا أُعطي ذلك أنس به، وسكن إليه لألفِه له، فأمَّا المعقولات فلما كانت صورُها ألطفَ من أن تقعَ تحت الحس، وأبعد من أن تمثلَ بمثال الحس الأعلى جهة التقريب، صارت أحرى أن تكون غريبة غير مألوفة، والنفس تسكنُ إلى مثلٍ وإن لم يكن مثلاً، لتأنسَ به من وحشةِ الغربة، فإذا ألفتها وقويت على تأملها بعينِ عقلها من غير مثال سهل حينئذٍ عليها تأمل أمثالها"[10].



و"أبو هلال العسكري" العالم اللغوي يذكر: "أنَّه ما رأى حاجة الشريفِ إلى شيء من أدبِ اللسان، بعد سلامتِه من اللحنِ - كحاجتِه إلى الشاهد والمثل والشذرة والكلمة السائرة، فإن ذلك يزيدُ المتطورَ تفخيمًا، ويكسبه قبولاً، ويجعل له قدرًا في النفس، وحلاوة في الصدور، ويدعو القلوبَ إلى وعيه، ويبعثها على حفظِه، ويأخذها باستعدادِه لأوقاتِ المذاكرة، والاستظهار به، وإنَّما هو في الكلامِ كالتفصيل في العقد، والتنوير في الروض، والتسهيم في البرد"[11].


وإذا كان ما ذكرناه عن "عبدالقاهر الجرجاني" يمثِّلُ رؤية عالم من علماءِ البلاغة، وما ذكرناه عن "ابن مسكويه" يمثل رؤية عالِم من علماءِ الأخلاق والتهذيب، وما جاء عن "أبي هلال العسكري" هو رؤية عالم من علماءِ اللغة، فإننا نجدُ أنَّ عالِمًا من علماءِ التفسير يقول:

"ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر شأنٌ ليس بالخفي في إبرازِ خبيئات المعاني، ورفعِ الأستار عن الحقائق، حتى يريك المُتخيَّل في صورة المحقَّق، والمتوهم في معرضِ المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبي، ولأمرٍ ما أكثر اللهُ في كتابِه المبين وفي سائرِ كتبه أمثالَه، وفشتْ في كلامِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلامِ الأنبياء والحكماء"[12].



والحديثُ قد يطول إذا ذهبنا نذكر أسبابَ ورود المثل وبلاغته وأقوال العلماء في ذلك، لذا رأينا أن نكتفي بما ذكرناه من أقوالِ علماء أجلاء.



ويهمنا أن نعرفَ أنه من الجوانبِ التي تفيضُ بالحكمةِ والإعجاز جانبُ الأمثال في القرآن الكريم؛ فقد صرف اللهُ في القرآنِ من كلِّ مثل، وضرب للنَّاس أمثالَهم، فكان ذلك لونًا من ألوانِ الدعوة، ووجهًا من وجوه البيان والكشف عن المعاني المرادة؛ إذ إنَّ المثلَ يقرب الأمرَ المعنوي المراد، والفكرةَ التي يراد لها أن تغزوَ العقلَ والقلب[13].



والأمثالُ في كتابِ الله تشكِّلُ جانبًا من جوانبِ حجته البالغة على خلقِه، فهي مناراتٌ تمد أشعتَها على ما قبلها، وما بعدها من الآيات.



ولقد ضرَب الله كثيرًا من الأمثالِ في القرآن الكريم، حتى السيوطي يذكرُ في كتابِه: "الإتقان في علوم القرآن"؛ أنَّ من أعظم علوم القرآن أمثاله[14].



ودعا ربُّ العزة - سبحانه وتعالى - النَّاسَ أن يستمعوا إلى الأمثالِ ويتدبروها، ويتفكروا فيما تشيرُ إليه من كرائمِ المعاني، ويعقلوا ما توحي إليه من غوالي الحكم والمواعظ؛ قال -تعالى-: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾ [محمد: 3].



فالله قد ضربَ الأمثالَ للناس، وقام الشاهد من أنفسهم، وممن حولهم على أنه الواحد الأحد، ورب كل شيء وخالقه، وبيَّن في الأمثالِ الخيرَ وما يؤدِّي إليه، وما يعود على صاحبِه منه، خاطب الذين يسمعون ويبصرون ويستعملون عقولَهم في التذكرِ والتفكُّر والتدبُّر.



ونظرة عابرة في الآياتِ الكريمة التي ورد فيها ضربُ الأمثال وتعرفها، تدلُّنا على التسلسلِ المنطقي في الكتابِ العزيز، وليس غريبًا هذا إذا عرف الإنسانُ أنَّ أولى خصائصِ العقيدة الإسلامية أن تربطَ بين المنطق الإنساني وبين عقيدتِه الواحدة الحكمة الشارعة، وبينما تصورت العقائدُ الأخرى والمبادئ الضالة النَّاسَ قطيعًا من البهائم لا ينبغي لهم أن يفتحوا أعينَهم على حالِهم، جاء الإسلامُ ليزيلَ الركامَ عن وسائلِ المعرفة[15]؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35]؛ لأنَّ النفسَ إذا لم تهتدِ إلى ضروبِ المغيبات والمعنويات كان من اللفظِ بها تبصرتها بضروبِ المحسات والماديات.




________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 3:00 pm

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54]، وقال -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴾ [الروم: 58]؛ فأنت ترى أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يرفع من مكان المثل في القرآن، وتلمسُ هذا في كلمةِ ﴿ صَرَّفْنَا ﴾ وما فيها من تأكيدٍ وشدة، وكذلك من قولِه: ﴿ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾؛ تدليل على التعميمِ والشمول، وتستمرُّ آيات الأمثال تخاطبُ العقلَ لعلَّه يذكر، قال -تعالى-: ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25].



فضربُ الأمثالِ وسيلة للتذكُّر، والتذكُّر - كما يقول العلماء - يؤدِّي إلى المعرفة، والمعرفةُ تقودُ إلى الله - تعالى.



وهل كلُّ الناس يسمعون ويبصرون؟ وهل كلُّ النَّاسِ يتذكرون ويعقلون؟ لو كان كذلك لما كان الحال هو الحال، ولكن ما أكثر الذين لهم أبصارٌ لا يبصرون بها، ولهم عقولٌ لا يعقلون بها، ولهم أفئدة لا يفقهون بها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وقد أفادت البحوثُ والتجارِبُ أنَّ العالمين بوظائف حواسهم وعقولهم وقلوبهم هم الذين يعقلون آياتِ الله، ويعلمون ما فيها؛ قال -تعالى-: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، وقال -تعالى-: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]؛ تلك غايةُ الأمثالِ في القرآن الكريم: التذكر، التدبر، والتفكر[16].



وقد سبقت الأمثالُ في القرآنِ الكريم لتحدِثَ في النفوس فرحةً ورغبة، أو تستثيرَ فيها هيبةً ورهبة، أو ترشدَها إلى خيرٍ أو تكفها عن شر، أو تكشف لها عن حقيقةٍ تجهلها أو لا تدري ما كنهها، سيقت لتهدي الحائرَ والضَّال، وتكشفَ الغشاوات عن البصائرِ والعيون؛ فكل مثل من أمثالِ القرآن يشرحُ للنَّاسِ حقيقةً من حقائقِ الحياة، أو ضربًا من عجائب الطبيعة، أو هو حجة دامغة لإثباتِ أمر، أو تقرير مبدأ أو إحقاق حقٍّ، أو إبطال باطل[17].



ويقول "الحكيم الترمذي"؛ من علماءِ القرن الثالث الهجري: "اعلم أنَّ ضربَ الأمثالِ لمن غاب عن الأشياء، وخفيت عليه الأشياء، فالعبادُ يحتاجون إلى ضربِ الأمثال، فضرب الله لهم مثلاً من عند أنفسِهم، لا من عند نفسِه، ليدركوا ما غاب عنهم... فالأمثالُ نموذجات الحكمة لما غاب عن الأسماعِ والأبصار، لتهدي النفوس بما أدركت عيانًا، فمن تدبيرِ الله لعباده أن ضرب لهم الأمثال من أنفسهم لحاجتهم إليها، ليعقلوا بها، فيدركوا ما غاب عن أبصارهم وأسماعهم"[18].



وقد لخص الإمام "الزركشي" الغرضَ من ضربِ الأمثال في القرآن الكريم فقال: "ضَرْبُ اللهِ الأمثالَ في القرآنِ يُستفاد منه أمور كثيرة: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وترتيب المراد للعقل، وتصويره في صورةِ المحسوس؛ بحيث يكون نسبتُه للفعل كنسبةِ المحسوس إلى الحس، وتأتي أمثالُ القرآنِ مشتملة على بيانِ تفاوتِ الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثوابِ والعقاب، وعلى تفخيمِ الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطال أمر"[19].



فالأمثالُ مرآة النفسِ، والأنوار أنوار الصِّفَات مرْآة الْقلب، وإنَّ الله -تعالى- جعل على الأفئدةِ أسماعًا وإبصارًا، فما أدركت أسماعُ الرؤوس وأبصارها أيقن به القلب واستقرت النفس، واتسعت في علم ذلك[20].



وإذا استقرأنا الأمثالَ القرآنية وجدنا أنها قد صيغت من طبائعِ النفوس البشرية الراسخة، ومن النواميسِ الكونية التي لا تتغير، والمظاهر الطبيعية الثابتة التي تحيطُ بالنَّاسِ في مختلف العصور والبيئات؛ ذلك أنَّ القرآن باقٍ إلى ما شاء الله، وكتابٌ هذا شأنه حريٌّ أن تكون أمثاله محكمة كسائرِه، وأن تقومَ على الحقائق الثابتة وحدها.



وللأمثالِ أهميتُها اللغوية والبلاغية والأدبية؛ ولهذا أدت دورًا بارزًا في تعميقِ اللغة العربية، وحفظها، ونموها، واتساعها، وشمولها، وتبلورها، وقد فطن النحاةُ إلى ذلك فجاءت مؤلفاتُهم زاخرة بالأمثالِ لما لها من قوةٍ وتأكيد، وبما أنَّ الأمثال اشتملت على الكنايات، والمجازاتِ والاستعارات، والتشبيهاتِ والطِّباق، والجناس والتَّوْرية، وغيرِ ذلك من النِّكاتِ البلاغية - فقد استفادت منها البلاغةُ، واستمدت منها النضوجَ والعطاء، ولا شكَّ أنَّ الأدبَ العربي قد استفاد من الأمثالِ القرآنية؛ فقد أمدته بتراكيبَ لفظيةٍ بديعة.



وما زالت البحوثُ والدراسات تستمدُّ من أمثالِ القرآن الكريم المقومات والأصول، وتكشف عن جديدٍ يأتي بجديد.



________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مصطفى الشبوط
صاحب ومؤسس الموقع (رحمة الله عليه )
صاحب ومؤسس الموقع  (رحمة الله عليه )
مصطفى الشبوط

ذكر
تاريخ التسجيل : 30/11/2007
عدد المشاركات : 17651
نقاط التقييم : 23812
بلد الاقامة : عراقي مقيم بهولندا
علم بلدك : علم العراق

الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 10:58 pm

الاديبة الراقية احلام شحاتة
جزاك الله خير الجزاء على هذا الموضوع القيم وخير الناس من نفع الناس

تقبلي مني ارقى التحايا والتقدير

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eshtyak.ahlamontada.com
 
الأمثال في القرآن الكريم
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» دواعي ضرب الأمثال في القرآن الكريم
» الأمثال في القرآن (ارجو التثبيت)
» لفظ (زين) في القرآن الكريم
» لفظ (وكل) في القرآن الكريم
» قصة من القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007 :: الاقسام الاسلامية  :: اشتياق القرآن الكريم-
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المهندس محمد فرج - 123667
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
الدكتور خليل البدوي - 107926
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
احلام شحاتة - 61741
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
ايمان الساكت - 56084
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
باسند - 51612
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
مصطفى الشبوط - 17651
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
همسة قلم - 13947
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
نوره الدوسري - 8809
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
احاسيس - 7517
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1 
كاميليا - 7369
الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم - صفحة 2 Vote_lcap1