[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]كشف إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" تبنيه تفجير مقر القنصلية الإيطالية بالقاهرة، عن تحول جديد في استراتيجية التنظيم داخل مصر، من استهداف رجال الشرطة والجيش إلى استهداف المصالح الأجنبية، في إطار تصميمه على الوصول بضرباته إلى عمق العاصمة، خاصةً بعد أن تعددت عملياته داخل العاصمة.
وكان التنظيم قد أعلن مسئوليته عن الحادث من خلال بيان أصدره مساء يوم 11 يوليو، عبر صفحته على الإنترنت، قال فيه: "تمكّن جنود الدولة الإسلامية من تفجير سيارة مفخخة مركونة تحمل 450 كيلوجرامًا من المادة المتفجرة على مقر القنصلية الإيطالية وسط القاهرة". وأضاف البيان: "نوصي المسلمين بالابتعاد عن هذه الأوكار الأمنية، لأنها أهداف مشروعة لضربات المجاهدين"، وقد نتج عن هذا التفجير مقتل شخص وإصابة عدد من الأفراد.
ملاحظات على العملية:
هناك بعض الملاحظات الهامة الخاصة بتفجير القنصلية الإيطالية، والتي يجب الوقوف عندها قليلا من أجل وضع تصور واضح للأفراد الذين قاموا بهذه العملية والتوجهات العامة لهم، ومن أهم هذه الملاحظات:
- نوعية الهدف، فاستهداف مقر القنصلية الإيطالية القديم، والذي لا يُستخدم عادةً إلا في عقد دورات تدريبية، ولا توجد فيه أعداد كبيرة من الأجانب غالبًا - يُعطي إيحاء بأن من نفذ هذه العملية اختار هدفًا لا تنتج عنه خسائر بشرية كبيرة، خاصةً إذا كانت المجموعة التي نفذت العملية قد انتقت هذا الهدف من بين أهداف أخرى كانت متاحة بالنسبة له.
- توقيت التفجير، والذي جاء في السادسة صباحًا يوم السبت، وغالبًا ما يكون يوم عطلة لدى معظم المصالح والهيئات في القاهرة، إضافةً إلى كون هذا التوقيت في شهر رمضان، مما يجعل الكثافة المرورية في هذا التوقيت في أقل مستوياتها أو شبه منعدمة، مما يبرهن على أن من قام بهذا التفجير لا يريد سقوط ضحايا من المواطنين، وهذا الأسلوب يختلف عن "النهج الداعشي" الذي لا يُراعي المدنيين أثناء تنفيذ عملياته، مما يدل على أن المجموعة التي قامت بهذه العملية لا تؤمن بأفكار "داعش" "إيمانًا كاملا، ولكنها إما أن تكون متعاونة مع التنظيم أو منضمة إليه حديثًا، ولم تتشبع بأفكاره بعد، كأن تكون مجموعة من السلفيين أو الإخوان الذين تحوّلوا إلى العنف نتيجة حالة التكفير السياسي والديني التي اجتاحت البلاد مؤخرًا.
الدوافع وراء استهداف القنصلية الإيطالية:
أثار استهداف تنظيم "داعش" لمقر القنصلية الإيطالية الكثيرَ من التساؤلات حول دوافع التنظيم لاستهداف هذه القنصلية دون كل السفارات والقنصليات الموجودة في مصر، خاصةً أن هذه العملية تُعد أول استهداف للمصالح الأجنبية من قبل التنظيم، ولذا هناك عدد من الدوافع خلف هذه العملية، من أهمها:
- الدوافع العقائدية، فالتنظيمات الجهادية في المنطقة، وعلى رأسها "داعش"، تنظر إلى إيطاليا على أنها "رمز الصليبية" في العالم بسبب وجود "الفاتيكان" رمز المسيحية العالمية على أرضها، وبالتالي فهي تأتي ضمن الأولويات الأولى المستهدفة. ففي أكتوبر الماضي وضعت مجلة "دابق" التي تُصدرها "داعش" على غلافها صورة مسلة ساحة "القديس بطرس" بعد أن وضعت عليها علم التنظيم، كما أن موقع "ذا لوكال" الإخباري، صرح بأنه تم رصد رسالة صوتية قيل إنها من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، يقول فيها "الزحف إلى روما" لن يتوقف، بالإضافة إلى تهديدات بعض الجهاديين بغزو إيطاليا عن طريق قوارب الهجرة غير الشرعية التي تصل إلى جزيرة لامبيدوزا؛ حيث يصل المهاجرون بشكل شبه يومي، وقد تم اعتقال شخصين في نوفمبر الماضي بعد أن عثرت الشرطة على علم داعش وخريطة لروما في شقتهما القريبة من العاصمة الإيطالية.
- الموقف الإيطالي من التمدد "الداعشي" في ليبيا، حيث أعلنت الحكومة الإيطالية عقب تمدد التنظيم في ليبيا، عن استعدادها للتدخل في ليبيا لمواجهة "تنظيم الدولة" بعد أن نجح في السيطرة على مدينة "سرت"، وباتت على بعد مئات الأميال من السواحل الإيطالية، مما دفع وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي إلى التصريح بأن إيطاليا مستعدة لإرسال آلاف الرجال إلى ليبيا، وتولي قيادة ائتلاف يضم دولا أوروبية وأخرى من المنطقة للتصدي لتقدم التنظيم في ليبيا، وهذا ما جعل بعض أعضاء التنظيم يُعلنون أن استهداف القنصلية الإيطالية رسالة تحذير للحكومة الإيطالية من التدخل العسكري في ليبيا؛ حيث أوضح التنظيم في تغريدة له على إحدى صفحاته بتويتر: أن عملية القاهرة تحذير لروما التي تقوم بتحركات مشبوهة لإقناع دول أوروبية بالتدخل العسكري في طرابلس.
- الضعف الأمنى، برغم الدوافع السابقة فإن هناك من يُرجح أن سبب العملية هو ضعف التواجد الأمني حول القنصلية، مما جعلها هدفًا سهلا وفي متناول يد التنظيم، خاصة أن السفارات والقنصليات الأخرى تتمتع بحراسة مشددة، ويصعب الوصول إليها، لذا فهي كانت هدفًا سهلا وغير مكلف، وبالتالي فإن هذه العملية لا علاقة لها بالناحية العقائدية أو السياسية، وإنما يمكن تفسيرها في إطار ما يمكن أن نطلق عليه "الهدف المتاح" وإن كانت توجهات التنظيم تؤيد الدوافع الأخرى.
دلالات استهداف "داعش" للقنصلية الإيطالية:
من المؤكد أن عملية استهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" للقنصلية الإيطالية في وسط القاهرة، يحمل عددًا من الدلالات، من أهمها:
- التحول إلى مستوى جديد من العنف، من خلال استهداف الأجانب في مصر، فمنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013، اقتصرت العمليات الإرهابية على استهداف كلٍّ من مؤسسات ورجال الجيش والشرطة، والمؤسسات الحكومية الأخرى، إضافةً إلى استهداف المرافق العامة مثل أبراج الكهرباء، ومحطات المياه، وإن كانت الشهور القليلة الماضية شهدت تطورًا نوعيًّا في طبيعة العمليات وأهدافها، حيث تعد تلك المرة الأولى التي يستهدف من خلالها التنظيم تفجير مقر دبلوماسي تابع لدولة أجنبية في مصر، وإن كان البعض يُرجع السبب في ذلك إلى بعض الأحداث السياسية الفاصلة، مثل أحكام الإعدام التي صدرت ضد مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
- القدرة على الوصول إلى عمق العاصمة؛ حيث يريد التنظيم أن يُثبت من خلال هذه العملية أنه لا تزال لديه القدرة على تنفيذ عمليات داخل قلب القاهرة، واختراق منطقة تشهد تدابير وإجراءات أمنية لافتة، مثل منطقة وسط العاصمة، حيث تطل القنصلية على ميدان عبد المنعم رياض على بعد أمتار قليلة من ميدان التحرير، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ومبنى وزارة الخارجية، ومبنى دار القضاء العالي، وعدد آخر من المباني والمؤسسات الحكومية التي تتمتع بسياج أمني قوي.
- خلق حالة من عدم الاستقرار، أظهرت العملية أن التنظيم يسعى إلى إثبات عدم قدرة الأمن على أداء دوره؛ حيث يمثل هذا التفجير عملية نوعية، باستهدافه مقرًّا دبلوماسيًّا لأحد أبرز حلفاء مصر في أوروبا، مما قد يخلق حالة من الخوف والذعر والترهيب ليس فقط على مستوى الشارع المصري، وإنما أيضًا لدى الشركاء الدوليين لمصر، مما يصور الأوضاع في مصر بأنها غير مستقرة من خلال الوسائل الإعلامية الإقليمية المساندة للتنظيم.
وأخيرًا، فإن هجوم "داعش" على القنصلية الإيطالية سيُثير مخاوف من اتباع استراتيجية استهداف الأجانب التي كانت تتبعها الجماعة الإسلامية في التسعينيات، مما قد يدفع العديد من التنظيمات العشوائية إلى اتباع هذا الأسلوب، مما سيُجبر الحكومة المصرية في المرحلة القادمة على تشديد الإجراءات الأمنية على السفارات ومقار البعثات الدبلوماسية في العاصمة المصرية، مع ضرورة التنبؤ بالأهداف المحتملة التي يمكن أن تستهدفها التنظيمات الإرهابية في مصر، بعد أن فتح "داعش" باب استهداف المصالح الأجنبية والذي ظل مغلقًا لسنوات طويلة.
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
