الأنفاس الأخيرة ( ويحكى آن ) ...

الأنفاس الأخيرة ( ويحكى آن ) ...
وليلة من ليالي المخيم ...
المطر غزير والسماء تزمجر رعدا وبرقا، تعالت أصوات الرصاص ,ومدرعات حربية قد نُصبت على أطراف المخيم ، وكأننا على وشك حرب دامية،
وخرج شباب المخيم ومعهم - ابراهيم - نظرتْ اليه طويلا وكأنه الوداع الآخير ، ربما هو شعور خالجها في ذلك الوقت ، فبقيت تبكيه ليال طويلة .
مضت أيام ولا نعرف أي شيئ ، ممنوع أن نقترب من نافذه خوفا من ان تنفذ في رأسنا الف رصاصة ،،والقصف ما زال مستمرا ، وأشباح الموت تُعيث في الأرض فسادا ، يوقظنا صوت البيوت المهدمة وبكاءالأطفال ، وسماعات تنادي على الرجال لتصلب أجسادهم العارية .

مسلسل يومي من الوجع المميت ،
كنا نتقاسم كسرة الخبز وشربة الماء ،حتى رائحة الموت والدمار ...
كنت أخاف أن أنظر في عيون أمي و الحيرة تسكنها والدمع رفيقها على غياب أخي ابراهيم ، وما صارت اليه أحوالنا ...أما أبي أصابه الوجوم.

كنت أتمنى أن ينبس ولو بكلمة واحدة ..كان يقضي وقته ما بين صلاة وتسبيح .... حتى غارت عيناه ، وخارت قواه ،
وعندما يهدا القصف ، أتسلل نحو النافذة البعيدة أسترق الأخبار لكن لا جديد سوى دمار ... وسحب من دخان .

حتى كانت الليلة السابعة على التوالي من الحصار ، الساعة قاربت على الثالثة بعد المنتصف ، نظرت إلى إخوتي بحزن وخوف
إنهم نائمون ملتفين حول أمي ، فقد استبد بهم الجوع والعطش ، لم يعد ما يسد رمقنا يا الهي ...وماذا بعد ...!!!؟؟
كنا نحتمي بجدار اسمنتي في زاوية من البيت ، تكاد أن تكون أشبه بزنزانة لا نوافذ فيها ولا ضوء ، بعد أن تصدعت الجدران ..
ولم يعد يسترنا من البرد إلا غطاء رقيق، والموت يحيط بنا من كل جانب ...

ولأول مرة أعرف أن الجوع كافر ... والخوف أيضا لا من الموت وإنما من المجهول...وكلما جن الليل لا نعلم هل ستشرق
علينا الشمس ، أم نكون في عداد الموتى ،كان تبادل إطلاق النار عشوائيا , حتى تبعه دوي انفجار هائل ، فشعرت أن البيت
تَهدم على رؤوسنا .. امتلكنا الذعر ،وسمعت أصوات تكبير وتهليل
وقلت في سري
رحماك يا رب ،
رحماك يا رب ...

فاستفاق اخوتي مذعورين ، احتضنتْهم أمي بما أوتيت من قوة ، نظرتُ الى أبي ما زال على حاله منذ الأيام الماضية ،
يتوكأ على عصاه ، أيام عديدة لم يتذوق طعم الزاد ولا النوم ، وصوت أنفاسه تَشق عباب الصمت .

وعاد تبادل اطلاق النار بكثافة ...
يا ترى ماذا خلف هذا القصف ، وهذا الهدم ، تملكني الذعر والخوف ،،، افكار تحملني بعيدا .. تعوذت بالله من الشيطان
شعرت ببرودة في أطرافي ، حتى أن أسناني بدأت تصطك دون وعي مني ، ودموعي تنهمر بصمت ، حينها شعر بي أبي ..
أمسك بيد ي وقال :

يتبع ....