ما معنى تسمية «الفلوجة»؟
سميت بهذا الاسم لأن موقعها تنفلج فيه ضفة الفرات وتشكل محورين مائيين مع دجلة، حيث الأرض الخصبة التي تثير غضب الصحراء
وجاءت تسميتها في اللغة الارامية القديمة ايام احتلالها من قبل الأكديين ومن ثم البابليين باسم «فلوقات»، وهو يعني المعنى نفسه لاسمها الحديث.
الأكديون (11700 ق.م ) سموها «بلوكاتو» بالغة الأكدية و«فلوقات» باللغة السريانية و«بلوكتا» باللغة الأرامية، إذ إن موضعها تنفلج فيه ضفتا الفرات. وفي العهد البابلي كان «نهر الملك» الشهير باسم «نار شاري»، أي نهر الملك باللغة البابلية، يصب في نهر دجلة عند المدائن جنوب غرب بغداد، ولكنه اندثر.
في القرن السادس قبل الميلاد، استولى الإمبراطور الفارسي كورش على العراق، بعد أن أسقط الإمبراطورية البابلية، واستولى على عاصمتها بابل، وزحف إلى الفلوجة واحتلها وجعلها حاميته الرئيسة ومعبراً لحملته العسكرية التي اجتاح بها سوريا وسيناء ومن ثم مصر.
وفي القرن الثالث بعد الميلاد، استولى الرومان على الفلوجة وسموها «المدينة الوسطى»، لأنها تتوسط بساتين النخيل الكثيفة على الفراتين. كان ذلك في عهد مارك أنطونيو عشيق كليوباترا فرعونة مصر، الذي أراد الاتجاه بقواته منها إلى الشرق، ولكن سكان الصحراء نهبوا أمتعة القوات الرومانية ومعداتها عند وصولها إلى الفلوجة فانسحبت منها.
موقع الفلوجة بلاء عليها لكونها تقع على نهر الفرات، وفي موقع يقترب فيه نهر دجلة من فراتها الى أقرب مسافة بينهما حتى تصل الى 40 كم، قامت هذه المدينة المزهوة بموقعها على الفرات ودجلة عن يمينها، لتصبح افضل محطة في تأريخ تلك المنطقة، تستريح فيها القوافل وعربات المسافرين والجيوش العابرة الى الشرق او الغرب منذ عهد الكلدانيين والبابليين ثم الفرس والرومان، ولا يوجد قائد عسكري بما في ذلك الإسكندر المقدوني أو كورش الفارسي أو أنطونيوس الروماني أوالحجاج الثقفي أوغيره لم يسترح في هذه المدينة استراحة المحارب، ثم يترك مخلفاته وخلاقينه فيها ويرحل.
كل هؤلاء وضعوها على خريطة أسفارهم الى الشرق أو الغرب كمحطة استراحة لهم، لكن ذلك كان وبالا عليها، لأن موقعها الفريد يلزم على كل حاكم وقائد عسكري أو خليفة أو سلطان من ذاك الزمان أن يطمع فيها ويتخذ التدابير للاحتفاظ بها وحراستها لكونها المعبر المهم بين العراق وبين شرقه وغربه.
تقع الفلوجة غرب بغداد بمسافة 65 كلم، وشرق الرمادي، عاصمة الأنبار، بمسافة 45 كلم، والى الشرق منها تقع بحيرة الحبانية، فيما تشتهر بكثرة الأفلاج الناقلة للمياه من النهر الى بساتينها أيام زمان.
تحيط بالفلوجة تلال أثرية كثيرة ترجع الى أكثر من ثلاثة آلاف سنة ماضية، حيث كانت المدينة موضع اهتمام الممالك والدويلات السالفة من عهد الأكديين حتى عهد الأميركان ومن ثم عهد حزب الدعوة الإسلامي وداعش.
تعتبر الفلوجة، التي هي أقدم نشأة من الأنبار وبغداد ومعظم المدن المحيطة بها، نقطة ارتكاز بين العراق والشام والأردن والسعودية، وهي على اهميتها الزراعية والاستراتيجية باتت مركزا للمذاهب السنية.
في عام 334 ميلادية، وقعت الفلوجة في أيدي الفرس بعد حرب حامية بينهم وبين الرومان الذين كانوا يمسكون بالفلوجة حامية قوية لهم.
زحف إليها الملك الفارسي شاهبور (سابور) الأول الساساني واحتلها وأقام فيها حامية حصينة التي أصبحت القوة الرئيسية في منطقة الفرات الأوسط، بعد أن قتل الإمبراطور الروماني غورديانوس الثالث وغيّر اسمها إلى اسم فارسي بيروز شابور أي مدينة «شابور المنتصر». غير أن ذلك جعل المدينة مسرحاً لحروب بين الفرس والرومان على مدى ستة قرون، حيث زحف إليها الرومان مرة أخرى بقيادة الإمبراطور جوليانوس وانتزعها من الفرس، ولكن مقتله في معركة أخرى مكّن الفرس بقيادة الإمبراطور الساساني بهرام الخامس من استعادتها من الرومان، مما مكّنهم ذلك من بسط سيطرتهم على الشام، وبنى بهرام قصراً على مقربة من الفلوجة يضم حديقة فيها أجمل الزهور والطيور الفارسية ورد وصفها في الملاحم الفارسية القديمة.
ولم تمكث الفلوجة طويلاً في أيدي الفرس، فغزاها الرومان مرة ثالثة وانتزعوها من أيدي الفرس، ولكن الفرس حشدوا قواتهم في عهد الملك كسرى برويز واستعادوا سيطرتهم على المدينة وشيّد كسرى معبداً مجوسياً فيها ظلت آثاره باقية على إحدى التلال القريبة من المدينة. وكان الإسلام، آنذاك، قد بزغ فجره على العرب في شبه الجزيرة العربية، وبدأت الفتوحات تتجه نحو العراق.
وفي عام 83هـ 702م عيّن الحجاج حاكم العراق، آنذاك، والياً على المدينة لأنها المحطة المهمة للجيوش بين بغداد والكوفة، وواسطة من جهة وبين الشام عاصمة الدولة الأموية آنذاك.
العباسيون أقاموا على مشارفها
وكان العباسيون الذين أسقطوا الأمويين قد جعلوا الأنبار التي لا تبعد عن الفلوجة سوى 45 كلم عاصمتهم، قبل أن يبني أبو جعفر المنصور بغداد وينتقل إليها، وما زالت الفلوجة تطل على آثارهم من بعيد، وفي تلك الفترة تدهورت أحوال الفلوجة، حيث انشغل العرب بالغزو والكر والفر واللهو وتحكم فيهم الترك والتتر والغلمان وأهملوا الزراعة والري والرعي فخربت بساتين الفلوجة وتدهورت أحوالها، ولكنها ظلت باقية مثخنة بجراح الحروب على مدى ستة قرون بين الفرس والرومان، وعلى مدى عشرة قرون قبلها بين الأكاديين والكلدانيين والبابليين والفرس، حتى دخلت في ما بعد في عصر الأميركان (2003) الذين دكوها بالقنابل والصواريخ، وجعلوها تحت سطوتهم من جهة وسطوة الجماعات الإرهابية المسلحة من جهة أخرى، فيا لها من مدينة ظلت تلعق جراحها الدامية على مدى هذا التاريخ الطويل.
العثمانيون كرّوا وفرّوا منها وإليها
وحينما احتل الصفويون الفرس بغداد في القرن السادس عشر ميلادي، التف القائد العسكري العثماني بجيوشه من الشمال والغرب وعسكر في الفلوجة ليزحف منها الى بغداد لطرد الجيش الفارسي. ويدور الزمن على العثمانيين فيما بعد حين هزمتهم قوات الاحتلال البريطاني عام 1917، فانسحبت قواتهم المهزومة الى الفلوجة، ومنها الى شمال الجزيرة ثم الموصل.
وباعتبارها مدينة من مدن محافظة الأنبار التي قامت أمامها منذ عهد العباسيين فكان لزاما ان ترتبط الفلوجة بها بجسرين أحدهما حديدي بناه البريطانيون حينما احتلوا العراق عام 1916 ـ 1917 وحينما ثارت عشائر الأنبار والفلوجة على الغازي االبريطاني عام 1920 وحصلت واقعة قتل الحاكم الانكليزي جيرارد لجمن على يد الشيخ ضاري، احد شيوخ الأنبار، مما استدعى زحف القوات البريطانية لاخماد الثورة هناك، فزحفت على الفلوجة وبنت ذلك الجسر الحديدي معبرا لها نحو قلب المدينة الثائرة، فهوست الفلوجة بالهوسة العراقية الشهيرة: (هزّ لندن ضاري وبكاّها).
________________________________________________________________________
التوقيع
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
