منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007

تجمع انساني،اسلامي،ثقافي،ادبي،اجتماعي،تقني،رياضي،فني وترفيهي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
كل عام وانتم بخيربمناسبة عيد الفطرالمبارك
عبارات عن القرآن في رمضان
كل عام وانتم بخير بمناسبة راس السنة الهجرية
في انتظار الزائر الكريم محمد محضار
من أي أنواع العبادة تعتبر قراءة القران
ما أبرز الفوائد من “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله”
كيف بين النبي امور الدين من خلال حديث جبريل المشهور
أحاديث عن الصبر والحلم والعفو والوفاء بالعهد
أقوال خلدها التاريخ عن الوفاء
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
الجمعة مارس 01, 2024 10:21 pm
الثلاثاء يوليو 18, 2023 10:57 pm
الجمعة يوليو 14, 2023 12:05 am
الخميس أبريل 27, 2023 10:40 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:37 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:33 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:30 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:28 pm










شاطر
 

 تأملات وعبر في سورة الكوثر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باسند
مستشارة اشتياق -الام الروحية لاشتياق
باسند

انثى
تاريخ التسجيل : 17/01/2014
عدد المشاركات : 51612
نقاط التقييم : 73126
بلد الاقامة : سويسرا
علم بلدك : علم العراق
الاسد

تأملات وعبر في سورة الكوثر Empty
مُساهمةموضوع: تأملات وعبر في سورة الكوثر   تأملات وعبر في سورة الكوثر Emptyالأحد أبريل 21, 2019 9:56 pm

سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)


إنه المن العظيم من رب رحيم، يوجه إلى القلب فيخترقه بأنواره، ليعلم أن الله المتفضل على عباده جميعا برحمته وفضله، وأنك أيها الإنسان فقير إليه، ولا عطاء ولا غنى إلا منه سبحانه، فهي البداية التي تفيض منها صفات الربوبية في مزيد عطائه وكثرة مده الذي لا ينقطع إلا بأمره، وهو التأكيد منه سبحانه أنك أيها الإنسان محتاج إلى خالقك، وأنت بدونه لا ميزان ولا وجود لك، إنها معاني لكلمات تشد القلب والروح لتنجذب للتعلق بأعتاب فضله، والطمع بكرمه والارتماء بين يديه، لنيل جميل منه وإحسانه، إنها الإشارات الربانية التي تعلن لك أيها الإنسان، أن أعظم العطاء وأوله أن أكرمك خالقك لتكون من عباده، ومكلفا تحت سلطانه، فكانت إرادته واقعه في  الخلق والإيجاد لك في هذا الوجود، ثم جعل لك كل ما في الأرض والسموات، مسخرا بين يديك، فجعل لك الأرض مهدا تتنعم بالسير عليها، والتنقل بين بقاعها وأسفارها، وجعل السماء بناءا، تحميك من مخاطر لا يعلمها إلا من أوجدها، ثم سخر الكون كله لك، لتسعى للإبداع في صنعه، ولكن تذكر أيها الإنسان، أنك ضعيف عاجز، عن تغير سننه وقوانينه سبحانه .
ومن عظيم عدله سبحانه، أن قسم وأعطى الخير والنعم للمؤمن والكافر، فللمؤمن فيه الزيادة والتكريم، وللكافر فيه الابتلاء والامتحان، وزيادة نقصان وحرمان، وهذا مما تعهد الله به على نفسه اتجاه خلقه، أنه المتكفل برزقهم، حتى لا يحاجونه يوم القيامة، بالحرمان وعدم العدل في عطائه سبحانه عم يقولون .
 نستشعر في ثنايا هذه السورة وآياتها ميزان الربوبية الذي يفيض بالعدل والإحسان، فبداية الآية تشدنا لتأكيد مدى تأثير القرب من الله في زيادة عطائه على عبده، إن هو أحسن التقرب إليه من خلال ما يصدر عنه من سلوكيات يحبها الله ويرضاها، وقد جاء في معنى العطاء في غريب القرآن أنه " العطو أي التناول والمعطاة المناولة، والإعطاء العطية والعطاء بالصلة، قال ( هذا عطاؤنا ) يعطي من يشاء ( فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها ) وأعطى البعير أنقاده وأصله أن يعطي رأسه فلا يتأبى "  فالعطاء هو مد اليد إلى من في قربك أو اتجاهك كي تناوله شيئا، مما يدل على مدى القرب لنيل ذلك العطاء، والعطاء فيه القسمة والنصيب من الشيء، فكل يأخذ ما استحقه ممن له سلطة العطاء والتقسيم، وذلك حسب ما ترتئيه حكمته واطلاعه .
 إنها السورة التي تهدم كل موازين الباطل والضلال، وتقوم على أحكام دنيوية أنية وشهوانية منفصلة عن ميزان الله وشرعه، ففي ثنايا هذه الآيات الصغيرة ومن بين سطورها، ترى مشهد هؤلاء القوم الكافرين الذين غرتهم الأماني، وخدعتهم الأوهام والخرافات، فظنوا أنهم عظماء خالدين بسبب ما يملكون من الولد أو الجاه والمنصب، لكنها الموازين الهشة التي لا تثبت في بقائها واستمرار تأثيرها، ما دامت منفصلة عمن سخرها، فهؤلاء القوم المستكبرين، الذين رسموا خطوط للعدوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنوعت مساراتهم وطرقهم، وجعلوا لهم توجهات مختلفة وجهوا لها وجهتهم، فاستمدوا منها الأساليب الفنية في كيفية إيقاع الأذى والألم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الأذى النفسي من أشد ما ألحق به عليه الصلاة والسلام، وما كان ذلك منهم إلا لدافع الحسد والحقد والعجز عن التأثير في نفس رسول الله، وصده عن الاستمرار في دعوته، ونشر مبدأ الحق، فالإنسان المنهزم الذي يعجز عن تحقيق النصر على خصمه، أو التأثير في معتقداته، يبدأ بالبحث عن الأساليب الدنيئة التي تمس خصوصية خصمه، فيقوم بالإشهار أو الاستهزاء بها، ليحقق إشباعا داخليا بالإحساس بالنصر أو القوة، وما ذلك إلا عين الضعف والعجز والانهزام .
لقد بحثوا في حياة رسول الله، عما يمكن أن يؤذيه، ويهز ثقته بربه وخالقه وثقته بنفسه، فحاولوا أن يلقوا في نفسه الخوف والاضطراب، من عدم وجود الأثر له في المستقبل، بعد أن ينقطع وجوده على هذه الأرض، لقد نظروا إليه وقاسوا الأمور كما حسبوها لأنفسهم، فجعلوا المقارنة بينه وبينهم ، فاعتزوا بما ملكت أيديهم ، وأخذهم الكبر بما تظاهروا به بين الناس من الولد والمال، وقللوا من شأنه وشأن ما يملكه عليه الصلاة والسلام، فسخروا من وجود البنات فقط في ذريته، وحرمانه الولد، كما أنه يعيش على القليل من الرزق، ومحروم من امتلاك المال، كما يملكون هم، كيف لا يصدر ذلك منهم وقد صدر من أعوانهم ما هو أشد وأعظم، بأن نسبوا إلى الله الولد والزوجة، وجعلوا لله البنات ولهم الذكر .
إنه العقل الضال الذي ضل عن معرفة ميزان الله وحكمته وتقديره، وحُرم من الإطلاع على ما عند الله من الخير العظيم، لو هدي إلى صراط ربه المستقيم، وأن أي حرمان ومنع مع الايمان في الدنيا، ما هو إلا عين العطاء والفضل، وأن أعظم الخير والعطاء، هو ما يكون عند الله، في جنات ملكها السموات الأرض أعدت للمتقين .
فجاء تحدي الله لهم، ومذكرا لنبيه ومسليا لقلبه المتألم من منطقهم السفلي في التفكير، فيظهر عطاءه لنبيه صلى الله عليه وسلم وفيضه عليه كالنهر الجاري الذي لا ينقطع، منذ أن كان ماءا مهينا في صلب والده، إلى أن اختاره الله واصطفاه لتصعد روحه الشريفة إلى جواره سبحانه. 
فقول الله في مطلع السورة ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )(1)
تأكيد من الله بالعطاء ونسبه إلى نفسه بقوله ( إنا أعطيناك )أي لا عطاء إلا من الله وحده، تتنزل كلمات الله بالحب والرحمة وجميل القرب والرعاية المستمرة له على قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم، فقلبه الذي انفطر من شدة ألفاظ السفهاء المستهزئين، الذين قاسوا الأمور من منظار الجاهلية العمياء، ونظروا لمقاييس قوتهم وعزتهم ، فنظروا إليه صلى الله عليه وسلم، وهم يتهامسون ويتغامزون، وقد انشقت عن شفاههم ضحكة السخرية والنظرة الحقيرة الماكرة، يتعالون في صيحات ضحكاتهم وسخرية ألفاظهم، يذكرونك يا محمد صلى الله عليه وسلم بأنك أبتر، أي لن يكون لك تواصلا ولا ذكرا ولا رفعة بعد انقطاع وجودك عن الدنيا، فأنت لا تملك الولد الذي سيحمل اسمك وذكرك، ويدوم صيتك بين الناس على يديه، بهذا المنطق الأعمى الجاهلي الذي ساد في عقول الكثير من أبناء ذلك المجتمع، حيث كانوا يفضلون الأولاد على البنات لعدة أسباب، ولكن أهمها أنه سيكون الوريث للآباء والأجداد بدوام الذكر ورفعة الشأن بين الناس، وخاصة عندما يتعدد وجود الأبناء وكثرة زمرتهم في البيت الواحد، بهذا التصور وهذا المنطق حدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسبوا أنفسهم أنهم مخيرون بالعطاء والفضل، وأنهم امتازوا بما لم يحظى به النبي صلى الله عليه وسلم، فزادهم ذلك كبرا وغرورا وزيادة في الإعراض، وعدم الاستماع للحق واللحاق في مركبه، فالرسول عليه الصلاة والسلام الذي بكى لفراق أولاده ورحيلهم قبل أن تتفتح يرقات قلوبهم للحياة، ما كان لينظر بمنظار فكرهم ومنطقهم، وما كان لتلك السخريات أن تهز ثباته، أو تزعزع اليقين في فضل خالقه عليه، إنما زادته فراراً إليه، واستمساكا واعتصاما به، فرسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن الرفعة والعطاء لا يكون إلا تفضلا من ربه وخالقه، فكيف لا وهو من رعاه قبل مولده ووجوده، فكانت يد الله عليه تراقبه وتحفظه من أي سوء أو فتنه أو ضلاله، وهو من آواه وأطعمه وأيده ونصره، وهو من عوضه عن الوالدين بحب ورعاية جده وعمه، وهو من لفحته خديجة بلحاف لطفها وحبها فصدقته وثبتته، ثم أيده وشد أزره بصحابته رضوان الله عليهم، فكان  خيرهم وأسبقهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لازمه وصاحبه في كل خطواته، وصدقه في كل ألفاظه، وهو من نال شرف النبوة والرسالة الخاتمة لهذه الأمة، وجعل أمته خير الأمم وأشرفها، وهو من علمه وفتح له أبواب المعرفة والمكاشفة الإلهية فخصه بالإسراء والمعراج، و أيده بكثير من الخوارق والمعجزات التي يعجز عن امتلاكها البشر، وهو من ألقى الله في قلوب العالمين محبته وكثرة ذكره والصلاة والسلام عليه، فكيف لن يعطيه الله بعد ذلك دوام الذكر والرفعة والشأن العظيم حتى قيام البعث والساعة .
فقول الله سبحانه في بداية السورة ( أعطيناك ) ولم يقل ( أتيناك ) أو ( وهبناك ) أو ( فضلناك ) لأن العطاء فيه إلزام عليك أن تعطي من حولك ومن تقوم على رعايتهم وتربيتهم ويكونون تحت كفالتك، كما أن العطاء يكون في أمور الدنيا وما اشترك فيه المؤمن والكافر، وفيه السهولة في نيله دون زيادة جهد، فأنت أعطيته بتربيتك له، وملازمتك لحفظه، ولأن قلبه مفطور على الخير والطهارة،  فهو خير من يقدر على حمل أمانة ما أعطيته، وهذا العطاء يكون عن زيادة حب وفضل ورعاية، والعطاء يأتي بعد السؤال أو الإلحاح في الطلب، والدعاء لأجل الحصول على ما ترغب، فتأتي الرحمة والشفة بالإمداد بالعطاء، فمن العطاء ما يكون قيما لا ينقطع أثره بل يبقى مستمرا في تأثيره، وقد وصف الله سبحانه نفسه بصفتي ( المعطي، المانع ) لأنه كثير العطاء لخلقة، وقادر على المنع عنهم، فهو المتصرف في الأمور ويعطي على قدر حكمته وعلمه، وعطاءه إن فُتح على العبد فليس له حدود، ومنعه عن العبد لا يكون إلا لعقوبة وتربية وتهذيب ليرده إلى جميل عطائه، بل منعه هو العطاء لأنه يربي به، ويعاقب حتى يرد العبد إلى خالقة ويهذبه .والعطاء يكون ابتلاء وفتنه، ويكون نقمة وسوء عاقبة إذا لم يحسن العبد مع ربه، ولم يشكر نعمه عطائه عليه، والعطاء يكون للكافر والمؤمن، ( كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)الاسراء فالعطاء هنا يدل على أنه يأتي بالمد والاتساع من الله للكافر والمؤمن، ولا يحجب عطاءه سبحانه أي شئ، ولكن الله يميز عطاءه للمؤمن أنه يكون كله مسخر لوجه الله، ويزداد به شكراً وايماناً، وأنه سيحظى بالعطاء العظيم في الآخرة ، أما الكافر فهو يتمتع تمتعا أنيا، ولا يحظى بما عند الله في الحياة الآخرة من النعيم، والفضل الكبير . والعطاء يكون زيادة رفعة وزيادة في الإيمان والقرب من الله والشكر الدائم بذلك التفضل، فيكون نعمة ورحمة واختصاص من الله له لمعرفة أن ذلك سينفعه، ويرفع من قدره عند خالقه، فيزيده الله من العطاء ويبقى له الأثر فيه من بعد مولده، ولعله لم يأتي ( بالإيتاء ) لأن فيه معنى الحق على الله، فليس على الله حق للعباد، والله هو من يضع قوانينه وسننه والحقوق التي يلزم نفسه بها، وليس للإنسان حق أن يلزم الله بشيء، بل هم من لهم الحق عليه، وملزمون بالحقوق مع الله، فالله يختار ويعطي متى يشاء، ويمنع ويحرم متى يشاء بحكمته وعلمه، وليس بطلب الإنسان أو رغبته، وإنما توسل العباد له بالطلب هي من مسببات ذلك، والله يختار ما يريد، وقد جاء في معنى الإتيان في اللغة كما بينها الراغب الأصفهاني في كتابه أن الإتيان: مجيء بسهولة ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتي ، والإتيان يقل للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير، ويقال في الخير والشر وفي الأعيان والأعراض نحو قوله تعالى ( إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ) وقوله تعالى ( أتى أمر الله ) وقوله تعالى ( ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) أي لا يتعاطون وقوله ( يأتين الفاحشة ) ويقال أتيت الأمر وأتاني الأمر، ويقال أتيته بكذا وآتيته بكذا قال الله تعالى ( وأتوا به متشابها ) وقال ( فلنأتيهم بجنود لا قبل لهم بها ) وقال ( واتيناهم ملكا عظيما ) فكل موضع ذكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أتوا، لأن أتوا قد يقال إذا أولي من لم يكن منه قبول، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول، وقوله ( ءاتوني زبر الحديد ) أي جيئوني، والإيتاء الإعطاء وخص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو ( أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئا ولم يؤت سعة من المال "ً.
وقد جاء في كتاب الصحاح في اللغة
واتَيْتُهُ. وآتاه إيتاء، أي أعطاه. وآتاهُ أيضاً، أي أتى به. ومنه قوله تعالى: " آتِنا غَداءَنا " أي ائْتنا به. وتَأتْى له الشيء، أي تَهيَّأ، وتأَتى له، أي تَرَفّقَ وأَتاهُ من وجهه قال الفرّاء: يقال جاء فلان يَتَأتَّى، أي يتعرّض لمعروفك. وأَتَّيْتُ للماء تَأتيَةً، تَأْتيّاً، أي سهَّلت سبيله ليخرج من موضع إلى موضع.
وقد خص الإتيان بالزكاه ( وإيتاء الزكاة ) لأن فيها معنى الإنفاق والعطاء من المال الذي كد وتعب الإنسان في تحصيل، حيث أخذ بأسباب الرزق حتى يسره الله إليه، أما الصلاة فجاء فيها الإتيان بقول الله سبحانه في سورة التوبة ( وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)  (54) فالإتيان هنا فيه البعد في الإقبال، وكراهية النفس لما تقبل عليه، والشعور بالثقل والكسل والتفضيل لغير الصلاة في بذل الوقت، فالكسل بالإقبال على الصلاة، لا يكون إلا لإحساس الكراهية والضيق منها، وهو دليل على عدم المعرفة الحقيقة لدورها في حياة الانسان، وعدم الرغبة في الاتصال الدائم مع الله، والمداومة على الذكر له، والحرص على زيادة الإرتباط به .
وجاء الإتيان في بعض الأعمال التي فيها التحدي لحدود الله فقال تعالى ( واللآتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) النساء
يقول ابن عاشور حول تفسيره هذه الأية في معنى"{ يأتين } يَفْعَلْن ، وأصل الإتيان المجيء إلى شيء فاستعير هنا الإتيان لفعل شيء لأنّ فاعل شيء عن قصد يُشبه السائر إلى مكان حتّى يَصله ، يقال : أتى الصلاة ، أي صَلاها"

فالإتيان هنا يحمل معنا تكرار ذلك الفعل، مع استمرار الرغبة فيه دون نية الرجعة أو التوبة، فلعلها كانت تخرج لتبحث عنه وتأتيه برغبتها وميلها إليه .
وقال تعالى ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة، وءاتيناه الحكم صبيا )مريم 12 فالإيتاء هنا ليحيا لأن فيه زيادة بذل في المحافظة عليه، وشدة الحرص على عدم ضياع تلك المعرفة والحكمة التي اختصه الله بها منذ أن كان صغيرا .
ولعل في الإيتاء معنى التعظيم والتهويل فيما يؤتى، والإيتاء فيه معنى الإتيان من بعيد كأنه كان غائبا ثم حضر مسرعا وألقي على صاحبه فجأة، بعد أن يظن الإنسان أنه محروم، وأن ذلك صعب التحقق له، فيجد إيتاء الله قد نزل عليه بعد طول انقطاع، وأيضا كما قلنا أن العطاء من الله يكون لجميع الخلق كما يكون الحرمان، أما الإيتاء فيه زيادة اختصاص عندما يحمل معنى العطاء والنعم، فلعل الله خص في هذه الآية المعنى بالعطاء لأنهم عيروا رسوله صلى الله عليه وسلم، بما يملكونه هم، وما يملكونه ليس فيه اختصاص، وليس فيه دوام استمرار كما يظنون، بل أن البهائم تملك القدرة على التناسل والإنجاب أضعاف ما يملكون، إنهم خائبون بما يقولون .
ولعله لم يقل ( آتيناك ) لأن الإيتاء فيه معنا البعد والإتيان من بعيد، فالله ما كان بعيدا عن رسوله ورعايته كانت تحفه في كل شيء، والإتيان كأن فيه مجيء بعد غياب، والله جل في علاه لا يغيب ولا يغفل، فعطاؤه موجود في كل لحظة ، والله يعرض عن العبد إن أعرض العبد عن ربه وهجر قربه، فيترك الله العبد إلى نفسه يتخبط تائها حيران، لا يدري أين تقوده خطواته وإلى من يمد يديه، تلاطمه الأبواب لتصفعه من كل جانب، فيُلقى صريعا على أعتاب باب خالقه، يعود مقيدا بسلاسل الندم والتوبة، حافيه القدمين أشعث أغبر، تجد عليه شقاء الحياة ومرارتها، فيخر راكعا منيبا معترفا بذله وفقره، يجره الله إليه بحبل وصاله وحبه، لأنه علم فيه الخير والفطرة السليمة التي ستميل به في نهاية المطاف، وبعد طول اللف والدوران والبحث عن محطة للأمن والاستقرار ، فترسوا قدميه ثابتة على أعمدة الحق والايمان .فرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ليختار غير ربه وخالقه لتسير قدميه للوصول لبابه، والتعلق على أعتابه .
أما إذا قلنا أنه لما لم يقل ( وهبناك )فقد جاء في معنى وهب في كتاب الراغب الأصفهاني " أنه وهب: الهبة أن تجعل ما هو ملكك لغيرك بغير عوض قال تعالى ( ووهبنا له إسحاق ) ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ) ( إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ) فنسب الملك إلى نفسه الهبه لأنه سببا في إيصالها إليها، ( فوهب لي ربي حكما ) ( وهب لنا من لدنك رحمة ) ( وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي )ويوصف الله سبحانه وتعالى ( بالواهب والوهاب ) أي أنه يعطي كلا على استحقاقه ( إن وهبت نفسها )" .
فالوهاب أن تعطي دون انتظار أن يرد ذلك العطاء بالشكر، أو أخذ الثمن المقابل له، فأنت تهب من تحب أو تختار ما يخصك رغم أنك محتاج إليه، ولعلك لا تملك غيره، ولكن تريد أن تكرم من تهب له بأن تعطيه ذلك الشيء، ولعلك تكون سببا في إيصال الوهب إلي غيرك، من خلال الرعاية والدائمة والتربية السليمة، وقد وصف الله نفسه بأنه ( وهاب ) أي كثير الوهب والتمليك لعباده مما عنده من فضله، وهو غني عنهم وليس محتاج إلى شكرهم، وعندما يهب الله العباد، فهو يختصهم بذلك الوهب بالزيادة في الفضل دون غيرهم، فنحن نقول عن الشخص الذي أتى بشيء جديد، ولم يُذكر من قبل أنه موهوب، أي أنه امتلك قدرات وصفات عقلية ونفسية ميزته عن غيره في هذا العطاء، ونقول أيضا صاحب موهبة أي صاحب إبداع في شيء معين جعله مميزا عن غيره، فهذه القدرات وهذا التمييز من الله لا يملكه كثير من الناس إلا من اختصه الله به ، والله هو الوهاب أي كثير العطاء في الوهب للعباد، وصفات الله ليست كصفات البشر فهو المطلق في الوهب، ومطلق في عطائه فلا تحده الحدود، فهو يوزع ويقدر تلك المواهب للبشر حسب ما تراه حكمته وارداته، فعلم الله للغيب مما سبق، وما هو عليه، وما سيكون، وهو يعلم ما فيه الخير للبشرية فيقدمه لهم حسب مقاديره وعطائه، فوهب الله سيدنا إبراهيم الولد على الكبر، في مرحلة عمرية من العجب أن يولد فيها الولد، حيث بلغ سيدنا إبراهيم مرحلة الشيخوخة والكبر، كما أن زوجته وصلت للعمر التي يصعب فيه على المرأة الحمل والميلاد، فكان ذلك الوهب له من الله فيه زيادة تكريم ومن وإعجاز، فضل الله به نبيه على غيره من البشر، كما أن الله وهب مريم غلاما زكيا وهي لم تتزوج ولم يمسسها بشر، فهذا أيضا تكريم واختصاص وإعجاز من الله من به عليها، أما سيدنا سليمان الذي دعا ربه أن يهب له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه الله ما لم يملكه أحد من البشر، فسخر له الرياح والجن وغيرها كل يمشي ويسير بأمره، فكان ذلك مزيد فضل وإعجاز له، أما أن يهب الله الحكمة والرحمة لعباده، فهذا من أعظم ما يسعى الإنسان المؤمن للوصول إليه، والذي يجب أن يجتهد ويتدرج الإنسان مع ربه حتى يكرمه بذلك العطاء العظيم والذي هو سر النجاة والفلاح والفوز بما عند الله .
فالعطاء إذاً يشترك فيه كثير من الناس، ولو قال وهبنا لكان ذلك تمييزا عن عطاء كثير من البشر، فقد حظي بشيء لم يحظوا به ولم يدركوه ولم يفهموا قيمته، ولكن جاء بما يناسب ميزان تفكيرهم ومنطقهم عندما عيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزؤوا بأنه لا يملك الولد، وأنه أبتر مقطوع من الوجود، ولن يكون له صيتا ولا سمعة ولا ذكرا بعد موته، فهذه اشتركوا فيها كثيرا منهم، وما أبعد الله أمر عن نبيه إلا لحكمة خير، أرادها له ولأمته من بعده، وحفظا لهذا الدين ورسالته، والله خير عبده ورسوله أن يعطيه الدنيا وما فيها أو يختار ما عند الله، فاختار ما عند الله، وترك الدنيا وراءه .
أما العطاء ل ( الْكَوْثَرَ )(1)
ثم تتجلى نعم الله العظيمة على عبده بأن تفيض من حياضها لتنشر من حوله، وتترك أثرها على صحابته وأمته من بعد، فقال الله مذكرا لنبيه ومواسيا له أننا أعطيناك الكوثر أي بالغنا في عطائنا إليك، وبما اختصصناك به منذ أن كنت في صفحة أبيك إلى وقت رحيلك عن الدنيا، فالعطاء سيبقى أثره وفضله عليك، لا ينتهي معينه ولا ينقص،
وأعطيناك بأن مددنا رعايتنا لك .
وقد جاء في معنى الكوثر باللغة من كلمة " الكَثْرَةُ: وهي نقيض القلّة. وقد كَثرَ الشيء فهو كَثيرٌ. وقومٌ كَثيرٌ، وهم كَثيرونَ. وأكْثَرَ الرجل، أي كَثُرَ مالهُ. ويقال: كاثَرْناهُمْ فَكَثَرْناهُمْ، أي غلبناهم بالكَثْرَةِ. واسْتَكْثَرْتُ من الشيء، أي أكْثَرتُ منه. والكُثْرُ بالضم من المال: الكَثيرُ. ويقال: ماله قُلٌّ ولا كُثْرٌ. والتكاثُرُ: المُكاثَرةُ. وعددٌ كاثِرٌ، أي كَثير " .
فهم نظروا إليك يا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال منطقهم ونظرتهم الناقصة المشوهة أنك أبتر، وكيف تكون أبتر وقد غمرناك ببحر حبنا ورعايتنا لك، فآويناك منذ لحظة مولدك، أعطيناك كل ما سيكون صالحا لنموك سويا دون اضطراب، وقد قدّرنا لك الأمور وسيرناها لك، وواسيناك فيما حرمانك وما كان ذلك إلا لزيادة فضل عليك ورحمة، فكيف يظنون بك هؤلاء الجاهلون من عميت أبصارهم عن رؤية ما تنعمت به أنك أبتر، ولا ذكر لك ولا اختصاص عطاء من الله عليك، وأنت من صدقك صحبك، وشددنا أزرك بهم، فكانوا حلقة تحيط من حولك محكمة الإغلاق تصد عنك أي ضرر أو سوء، قد يقع عليك من أعدائك، كيف تكون أبتر وقد جعل كل شيء من شجر وحجر وحيوان يسلم عليك ويفرح للقائك، كيف تكون أبتر وأنت من آمنت بك الجمادات والحيوان، والإنس والجن،، و حن لرؤيتك وللمسات يديك الشريفتين كل من في الوجود، وتدفق الضرع الضعيف لبنا صافيا مبارك بلمسة أطراف أصابعك المباركة، كيف تكون كما يدّعون وأنت من شهد لك الفهد المفترس بالنبوة، وأيدك الله بعصمته وحمايته لك من ضرر أعدائك في الحياة وفي الموت، كيف لا تكون صاحب الكوثر، وأنت من أعطاك الله الأمر بأن يهلك كل من عاداك وآذاك، ولكنك تمنيت بدعائك لهم أن يخرج من أصلابهم الصالحين، كيف لا تكون مكرما بعطاء ربك وقد رزقناك خديجة عليها السلام التي حضنتك بين ذراعيها، لتزيل رعشة الخوف والرعب فطلبت التزمل والتدثر في فراشها، فأسكنتك وأمنتك إلى جوارها، ورزقناك عائشة رضي الله عنها، أحب الناس إلى قلبك، والزوجة المحبة التي غمرتك بطفولتها ودلالها وحبها وغيرتها عليك، فأحيت قلبك بمشاعر الحب النقي الطاهر، لتكون خير مثال لرجال أمتك في علاقة الزوج بزوجته، فتأكيد الله سبحانه بالعطاء عليك، ونسب ذلك العطاء منه سبحانه، إنما ذلك زيادة تشريف وتكريم لك، وتذكير لك عند همك وحزنك، أو عندما تلقي ما لا يرضيك من قومك، أنك محفوف برعاية الله، وأنك تزداد عطاءاً منه، فهو المتولي لأمرك فلا تهتم لأمر ما يقولون وينسبونه لك، أو يحاولون به هز ثباتك أو اضطراب دعوتك، فالله من رفع لك شأنك وذكرك ليبقى حيا في الدنيا والآخرة فقال عنك في كتابه ( ورفعنا لك ذكرك )الشرح .
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
ثم يأتي توجيه الله سبحانه لنبيه بعد ذلك العطاء الواسع الدائم الزيادة والتأثير، والذي لا ينقطع ولا ينقص إلى أن تقام الساعة فيجد أثره عند ربه، وذلك لأن الله اختارك وأحبك من بين خلقه جميعا، فكنت صاحب الشأن العظيم الكريم، الذي كرمك بأن ووصل اسمه باسمك، وأمر أمتك أن تذكرك وتصلي عليك بعد أن يذكرونه بالحمد والشكر، فرفع لك ذكرك على الأرض إلى أن تغيب شمسها من مغربها، ورفع مقامك في أخرتك حتى وصلت سدرة المنتهى، فأصبحت قاب قوسين أو أدنى، وجعل كثير من البشر الذين تبعوك يصلون عليك في كل وقت وحين ، وجعل في قلوبهم حب المسارعة لتنهض أقدامهم لتدافع عن ذكرك وشرف مكانتك، إن حاول المجرمون تدنيس شيئا منها أو تحريف أو ادعاء عليها، ووضع الله حبك في قلوب أمتك وقلب كل من عرفك، فأصبحت القدوة الأولى لهم فأنت المعلم والوالد والقائد وكل شيء في حياتهم، فجعل سنتك تسير معهم وتتبعها خطواتهم بذلك الحب والشوق إليك،، وتعلقت قلوب أمتك في طلب الشفاعة لهم على صراط الله، وطمعوا في أن يحشروا معك على الحوض الذي أخصك الله به، لينالوا شرف رؤيتك والشرب من يديك الكريمتين شربة لا ظمأ بعدها أبدا .
فالله يُعلم نبيه في لحظة تذكر ذلك العطاء الواسع الكثير الممتد والذي يزداد مدده كل يوم، أن لا تنسى ذكر ربك، بل خر له راكعا ساجدا، تقرب إليه بالحمد والشكر في صلاتك ودعائك، فالأمر بالصلاة لأنها أولى أركان الإيمان ، ومن أكثر العبادات التي تديم ارتباط العبد مع ربه، فهي الصلة الدائمة التي يؤول إليها العبد في اليوم والليلة خمس مرات، ليقف فيها على أعتاب الذل والانكسار والمحاسبة للنفس أمام ربه، كل ذلك بفضل الله ورحمته بك، فأنت خير البشر على هذه الأرض، وأنا أحببتك حبا لم أحبه لأحد من قبلك ولا من بعدك، وأنت أول الخلق قربا مني ووصال معي، فكن يا محمد قريبا مني، ودائم الوصال في ودي، ولا تجعل موازين الدنيا هي من تشغلك عني، ولا تحمل في قلبك هم متاع الدنيا وهذا محال أن يصدر منك، فالخير كله لك، أن تكون معي وإلى جواري، وأن تبذل مما أعطيتك في سبيلي، وأن تسخر كل ذلك العطاء لأجل مرضاتي والعروج إلي بأعلى المعارج عندي .
فالأمر بالصلاة لأنها أكثر أركان الدين تقربا ووصالا إليه سبحانه، فعند همك وغمك لا تلجأ لأحد من الناس، لتشكو اليه ليواسيك في ألمك، بل اجعل الفرار واللجوء إليه سبحانه، واستعن بكثرة السجود لخالقك، عش في خلوة البعد عن الدنيا وكن مع الله وحدك، تناجيه وتتوب إليه، تذكره في خلوة الليل وظلمته، فقد كنت تخلو بربك بعيدا عن قومك قبل نبوتك، فأوصلتك للحق والحكمة، فكيف الآن وقد أصبحت أكرم الناس، فاجعل الصلاة بداية الوصال والود، واجعل لسانك رطبا في ذكري وشكري، فنعمي تحيط بك من كل جانب، ولا تقدر على إحصائها ولا أداء شكرها، فاجعل قلبك في كل حال ساجدا حامدا شاكرا لربك، والإتيان هنا بصفة الربوبية وليس الإلوهية، لأن الرب هو من يعطي ويرزق، ويتكفل بأمر عباده وهو المانع عنهم، فقد كنا قادرين على أن نحرمك من كل هذا وأن نختار غيرك، ولكننا علمنا أنك خير الخلق كلهم فاخترناك وفضلناك، والرب هو المربي الحاني العطوف الرحيم على عباده، فاللجوء إليه في الطلب لعطاء الدنيا والآخرة، أما الإلوهية فهي التعظيم والإجلال والعبودية لله سبحانه، وصدق الإخلاص بالتوحيد والعبودية له سبحانه .
ثم أمر الله بالنحر بعد الصلاة وزيادة الذكر والشكر والحمد، لأن النحر وإراقة الدماء للأنعام فيها قربا من الله، ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم )الحج، فأنت تبذل من عطاء الله لك في سبيله، للتقرب بذلك الإنفاق لربك وخالقك، فيكون ذلك شكرا وحمدا له سبحانه، تعطي فلا تمنع ولا تبخل مما فضلناه عليك بجودنا وكرمنا ورحمتنا بك، ومن عظيم ما أنعمناه عليك أن جعل ذلك النحر من الأنعام مسيرا لك، وأن تقوده للنحر ولست منقادا أنت منه، جعلناه سهلا يسيرا تستلذ بطعمه عند طهوه، وجعلناك سببا لتُفرح به قلوب الفقراء والضعفاء عندما تتفضل عليهم من عطاء ربك، فيكون ذلك زيادة لدخول السرور على قلبك، وزيادة الفتح في العطاء وبركة الرزق عليك، وقد جاء معنى النحر في اللغة في كتاب الراغب أنه النَحْرُ: موضع القلادة من الصدر، وهو المَنْحَرُ. والمَنحَرُ أيضاً: الموضع الذي يُنْحَرُ فيه الهَدِيُ وغيره. ونَحْرُ النهارِ: أوَّله. والنَحْرُ في اللَبَّةِ: مثل الذبح في الحَلْقِ. ورجلٌ مِنْحارٌ، وهو للمبالغة يوصَف بالجود. ومن كلام العرب: إنَّه لَمِنْحارٌ بَوائِكَها، أي يَنْحَرُ سِمانَ الإبل. ونَحَرْتُ الرجلَ: أصبن نحرَهُ، وكذلك إذا صرت في نَحْرِهِ.
فكثرة النحر للأنعام والهدي تدل على كثرة الكرم والجود، وكل ذلك طمعا في الوصول إلى الله، ونيل مرضاته وتحقيق الشكر والحمد له، كما أن النحر للهدي يكثر في أيام الحج الأكبر والوقوف بعرفة، حيث تكون هذه الأيام أيام تقرب وتذلل للخالق، واعتراف بالذنب والتقصير وبدء التوبة والإصلاح مع الله، ففي الحج تُحمل معاني التزكية النفسية والبدنية كلها، فيخرج الإنسان منها خالصا مطهرا من أي تدنيس، أو شوائب قد أثرت بصدق الإيمان، وحسن الاعتماد والتوكل على الله، كما فيه اعتراف بالنعم كلها أنها من الله، فيكثر الذكر بالحمد والشكر على نعمه العظيمة .
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
إنها السنة الإلهية التي تقر وتأكد أن كل سوء يمكر به الإنسان ويسعى إليه ليؤذي عباده الصالحين، لا بد أن يعود على من مكر ودبر وخطط، فالله خير الماكرين، والعليم الخبير بأحوال العباد، وأحوال ما في قلوبهم، ولا يخفى عليه شئ مهما أُخفي عن عيون الناس، وأرصدت الأبواب والحجرات، فالله يطلع ويعلم الشيء قبل وقوعه، فهؤلاء الذين اغتروا بأنفسهم ، وظنوا بأنفسهم أنهم المخيرون بالعطاء على ما أُعطي محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذهم الكبر والغرور ليزدادوا بذلك علوا بالظلم والطغيان، هؤلاء القوم الذين توحدت مشاعرهم وأفكارهم للاستهزاء والسخرية بمحمد عليه السلام ودعوته، وظنوا أنهم الخالدون بالذكر والرفعة والشأن العظيم في مجتمعهم، فهؤلاء ما عاشوا إلا أوهام النفس الضالة، يحكمون بميزان المظاهر الدنيوية المصنوعة من الأيدي البشرية الضعيفة، قانون أو نظام اجتماعي طبقوه في مجتمعهم، وساد في تلك الفترة الزمنية من حياة العرب، وبني فيه المجتمع على الظلم الاجتماعي وعدم تحقيق العدالة، فسادت الطبقية بين الناس والفساد الأخلاقي، وحُقرت المرأة والفتاة ليس لشيء إلا لكونها أنثى، فساد الشعور الجمعي في قلوب الرجال بالخوف من إنجاب البنات، فقتلت الكثير من بناتهم وهن صغيرات، وذلك ليس لذنب إلا لأنهن إناث، بهذه العقلية المتخلفة المنحرفة عن الفطرة السوية، والتي تحكم على الأمور من خلال ما يحقق لها من الشأن والتعظيم بين الناس، سخروا هؤلاء من النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أنجب البنات ومات أولاده، فحاولوا غرس سكين ألسنتهم القاسية لتقطع بالألم نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله يدافع عن نبيه ويبشره، بأن هؤلاء القوم مخدوعون بأنفسهم، وأن ما يستهزؤون به منك، سيكون راجعا عليهم، فهم الذين سيقطع أثرهم من الوجود، وهم من سيكون فناءهم سريعا لا وجود له، يموتون كما تموت الأنعام والجيف، ستخرج رائحتهم النتنة ليفر منها كل من عرفهم، ولن يكون لهم ذكرا محمودا ولا سمعة ولا جاها، بل سيرمون على مزابل التاريخ، ولا يذكرون إلا للإستعاذه من أفعالهم، أو اتخاذ العبرة مما اقترفوه من أفعال فاسدة، وهذه كانت نهايتهم، ونهاية كل من يقتدي بهم، ويتصف بصفات الظلم والفساد بين الناس، وقد جاء في تعريف معنى الشَناءَةُ في اللغة أنها "  البُغْضُ. وقد شنَأته شَنْئاً، وشُنْئاً، وشِنْئاً، ومَشنأ، وشَنَآناً، بلتحريك وشَنْآناً، بالتسكين، وقد قُرِئَ بهما قوله تعالى: " شَنَآنُ قَوْمٍ " .وشُنِئَ الرجُلُ، فهو مشنوءٌ، أي مُبْغَضٌ، وإن كان جميلاً. ورجُلٌ مَشْنَأٌ، أي: قبيح المنظر. ورَجُلانِ مَشْنَأٌ، وقومٌ مَشْنَأٌ. والمِشْناءُ، بالكسر، على مفعالٍ، مثلُهُ. وتشانَؤُوا، أي تباغضوا".
إن سلوكيات ونمط تفكير من يكون صاحب الشناءة لك يا محمد عليه الصلاة والسلم، انطلق من نفسية امتلأ بالحقد والبغض والحسد، لما منه الله عليك من النبوة وشرف الرسالة والتبليغ، فهذه النفسية المريضة التي عجزت عن أن توقف زحف الانتساب لدين الله والإتباع لك، فوجدت أن السبيل للاعتداء والتدمير من خلال الحرب النفسية على الصعيد الفردي لك، فأنت القائد لمجموعة المسلمين، وأنت من تقودهم وتوجههم لما فيه الخير، فإن أُصبت بشيء من الضعف أو العجز بسبب ما يسمعونك من ألفاظ السوء، عندها يظنون أنفسهم أنهم منتصرون عليك ، إنه الحقد والبغض الذي يسيطر على القلب والنفس، فيجعلها تعلو بكبرها وبحثها عن طرق الإيذاء، فهذه القلوب التي اسودت بما تحمله من سوء الخلق والاعتقاد، لا بد أنها لا تحقق ما تصبو إليه وستموت حسرة وندامة، فهؤلاء هم من يتصفوا بالبتر والانقطاع فكما جاء في تعريف البتر في اللغة أنه " بَتَرْتُ الشيء بَتْراً: قطعتُه قبل الإتمام. والانْبِتارُ: الانقطاعُ. والباتِرُ: السيفُ القاطعُ.والأَبْتَرُ: المقطوعُ الذَّنَبِ. تقول منه: بَتِرَ بالكسر يَبْتَرُ بَتَراً. والأَبْتَرُ: الذي لا عَقِبَ له. وكل أمرٍ انقَطَع من الخيْر أثرهُ فهو أَبْتَرُ. وخطب زيادٌ خطبته البَتْراءَ، لأنَّه لم يحمد الله فيها، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم. ابن السكيت: الأَبْتَرانِ: العبدُ والعَيْرُ قال: سُمِّيا أَبْتَرَيْنِ لقلَّة خيرهما. وقد أَبْتَرَهُ الله، أي صَيَّرَهُ أَبْتَرَ. ويقال رجلٌ أُباتِر، بضم الهمزة، للذي يقطع رَحِمَهُ ".
فهؤلاء القوم انقطع وجودهم، وبترت وأثارهم من جذور الأرض، لأنهم ما صدر منهم الخير والإصلاح فيها، بل انتشر فسادهم وسوء خلقهم، والعمل على تدمير نفوس الصالحين ومحاربتهم، بكل وسائل القمع النفسي والجسدي حتى لا يستمر لهم وجود، ولكنهم هم الأخسرون الذين خسروا أنفسهم، وما نفعتهم رفعة الجاه والمنصب والنسب، ولا كثرة الأبناء وتفضيلهم على البنات، فأين كل ذلك منهم الآن، وهم قد طُمسوا تحت تراب الأرض جيفة نتنه قد فاضت رائحة الذل والتحقير منهم، وما عاد لهم وصال مع أهل الدنيا، ولن يكون لهم وصال مع أهل الآخرة، فهم المخلدون في عذاب جهنم جزاء بما كانوا يفعلون ويسيئون به لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهذه النهاية الحتمية، والقانون الثابت مع الله، فرفع الله ذكر نبيه عليه الصلاة والسلام، ودام شأنه ورفعته، ويرفع الله عباده وأولياءه ومن تبع سنة نبيه، ويديم لهم الذكر والشأن، مهما كانت حالهم في ميزان الدنيا يدل على الضعف والتهميش وعدم التكريم من البشر، لكن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، أما هؤلاء الواهمون الراكضون وراء رفعة الدنيا بموازينها، فهم الأخسرون الذين خسروا الدنيا والآخرة، وما تحقق لهم أي شيء مما توهموه واعتمدوا بقوتهم عليه في الوجود .



فوائد التربوية والنفسية من السورة:
- كل نعمة على العبد هي من الله، وستكون نقمة إذا لم يحسن شكره وحمد لله
- المداومة على الصلاة والحفاظ عليها، فهي أكثر ما يديم القرب من الله .
- مداومة الحمد والشكر لله من خلال تقديم النحر والذبح ابتغاء وجهه الكريم، والانفاق مما أعطاه الله على الفقراء والمساكين .
- النحر أيضا فيه التعظيم والتكبير والاجلال لله، وأكثر ما يكون ذلك في أيام الحج إلى الله، وبعد الوقوف على عرفة، والتوبة وتطهير النفس مما أصابها، فليحرص الإنسان على البذل من ماله في طاعة الله .
- من يعتمد على نسبه وولده وماله وغير ذلك دون الله فهو خاسر
- المساواة والعدالة التربية بين الآباء في الذكر والأنثى
- ليس من الثابت أن الذكر ينفع والديه ويرفع ذكرهما أكثر من الأنثى ( وقد قال رسول الله من كان له ابنة فعلمها وأدبها وأحسن تربيتها كانت له حصن من النار )
- القوة الحقيقية تكون بالعلم والحكمة والإيمان، وما سواها دعائم لهذه القوة إن سخرت لوجه الله
- اليقين أن الله عطائه دائم وأن لا تحتاج إلا إليه وغني عن كل ما سواه
- الحذر والخوف من حرمان العطاء وانقطاعه إذا كفر به ولم يشكر عليه
- اللجوء إلى الله بكثرة الطاعات والعمل الصالح، وعدم الإنشغال بالعطاء عن ذكر الله
- حب الإنفاق في سبيل الله والجود والكرم مما تفضل الله به عليك
- لا تخف من عدوك وممن ظلمك ما دمت مع ربك
- اعلم أن الأيام دول والساعات تدور، وأن دوام الحال من المحال
- لا يدوم في الوجود إلا ما هو حق وثابت، أما الباطل فيذهب جفاءاً وزبدا رابيا لا يبقى له أثر

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ايمان الساكت
نائبة المدير العام -فراشة اشتياق - اديبة
ايمان الساكت

انثى
تاريخ التسجيل : 18/10/2013
عدد المشاركات : 56084
نقاط التقييم : 60064
بلد الاقامة : مصر- القاهره
علم بلدك : Egypt مصر
الحمل

تأملات وعبر في سورة الكوثر Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات وعبر في سورة الكوثر   تأملات وعبر في سورة الكوثر Emptyالأربعاء أغسطس 07, 2019 11:25 pm

ا/ باسند



شكرا على موضوعك القيم

جعله الله بميزان حسناتك

بارك الله فيكم

ارق التحايا

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مروان
الطيبة وصفاء القلب
مروان

ذكر
تاريخ التسجيل : 22/01/2014
عدد المشاركات : 6978
نقاط التقييم : 9840
بلد الاقامة : المنصوره
علم بلدك : Egypt مصر
الجدي

تأملات وعبر في سورة الكوثر Empty
مُساهمةموضوع: رد: تأملات وعبر في سورة الكوثر   تأملات وعبر في سورة الكوثر Emptyالخميس أغسطس 08, 2019 12:03 am

اختيارك أمي الحبيبة باسند موفق ومفيد جدا،، ولكن الموضوع طويل ممكن حضرتك تلخصيه في نقط او اختصار لأنني متأكد ان مفيش حد بيقرأ الكتابات الطويله وخصوصا لو اسلاميه(( أسف ان كانت وجهة نظري ها تزعلك)) ولحضرتك جزيل الشكر والتقدير والاحترام علي الجهد والوقت المبذول ف اشتياق
☘🍀☘🍀☘🍀
اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض
أن تجعلنا وأحبتنا في حرزك وحفظك وجوارك وتحت كنفك
اللهم البسنا واياهم ثياب الصحة والعافية وأرزقنا واياهم من واسع رزقك وتقبل أعمالنا واياهم بالقبول الحسن
واغفر لنا ولهم والمسلمين الاحياء والاموات .
☘خالص تحياتي واحترامي لشخصك الطيب أمي الحبيبة باسند☘

تم الإرسال من خلال التطبيق Topic'it
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تأملات وعبر في سورة الكوثر
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المصحف الميسر ...تفسير سورة الكوثر(108).
» موسوعة تفسيرالقرآن الكريم لأبن كثير (108) سورة (الكوثر) .
» :تأملات في سورة العصر:
» تأملات في سورة يوسف
» تأملات قصار السور سورة الزلزلة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007 :: الاقسام الاسلامية  :: اشتياق القرآن الكريم-
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المهندس محمد فرج - 123667
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
الدكتور خليل البدوي - 107926
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
احلام شحاتة - 61741
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
ايمان الساكت - 56084
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
باسند - 51612
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
مصطفى الشبوط - 17651
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
همسة قلم - 13947
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
نوره الدوسري - 8809
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
احاسيس - 7517
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1 
كاميليا - 7369
تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_rcap1تأملات وعبر في سورة الكوثر Voting_bar1تأملات وعبر في سورة الكوثر Vote_lcap1