ما ودّعك ربك وما قلى

كلمة (ودّعك) في سورة الضحى مرسومة بتشديد الدال، ولكن هذه الشدة لم تكن موجودة في صدر الإسلام، ولا في مطلع العصر الأموي، لأن التنقيط والتشكيل جاء به عصبة من العلماء والشيوخ المهتمين جداً بالدراسات القرآنية، ولكن القراءات كانت سماعية أي يقرأ أحدهم كما سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقرأ، فالقراءة سنة متبعة وتأتي بالرواية عن النبي كما جاءت الأحاديث بالرواية. قرأ عروة بن الزبير وآخرون هذه الآية بتخفيف الدال قال سبحانه «والضحى والليل إذا سجى ما ودَعك ربك وما قلى»، فلا شدة على الدال في هذه القراءة، وقد نقلها عروة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كما نقلها بعض القراء غيره.
ماذا قال اللغويون والنحويون في هذه القراءة؟ كان أبرزهم ابن جني، وهو صاحب المتنبي وشارح أشعاره، إن ابني جني رفض قراءة عروة، وقال هذه قراءة شاذة، لأن أكثر القراء لم يسمعوها، إنها في القياس ممكنة ولكنها ليست كذلك في السماع، وما أكثر الأفعال التي نستطيع أن نحوّلها إلى مضارع وأمر واسم فاعل وغير ذلك قياساً، تقول: درس، يدرس، دارس، ومثل ذلك تستطيع أن تقول: وذر بمعنى ترك ويذر، وذر، وواذر، لقد استعمل أبو الأسود اللغوي الشاعر الأديب القارئ كلمة (ودع) في شعره من دون أن يشدد الدال، قال أبو الأسود:
ليت شعري عن خليلي ما الذي
غاله في الحب حتى وَدَعَهْ
لم يشدد كلمة (ودعه) بل جاءت الدال خفيفة، رفض ذلك ابن جني، وقال هذه قراءة شاذة، وإليك ما قاله عالم القرن الرابع الهجري ابن جني (هذه القراءة خالفت أصول النحويين وأنكرها معظمهم حتى وصفوها بالقراءة الشاذة، ان كان الشيء مثل قراءة ودعك شاذاً في السماع تتحامى عنه (تبتعد عنه) كما تتحامى العرب، ولو أنه جار في القياس ويمكن تطبيق القاعدة عليه أي نحوله إلى مضارع وأمر واسم فاعل وغير ذلك، ويجب ان تعامل الفعل (ودع) كما تعامل وذر لأن العرب لا تقولها ولك أن تستعمل بدلاً من وذر وودع نظائرها، وقد رفض ذلك القارئ أبو حيوة وهو من القراء العلماء، فقال: المعنى في ودَعك وودّعك واحد، وكل منهما قراءة له صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس (لينتهنّ أقوام عن وَدَعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهن ثم ليكونن من الغافلين. إذاً القراءة سنة متبعة.