هواجسُ أُمِّ الشهيد
شعر / سامي القريني
لمْ تَكُنْ أرضُنا جَنَّةَ الله يا ولدي
حينَ أَوْصَيْتَنِيْ أنْ أَحِيكَ الكَفَنْ
: قُلتَها
إنَّ هذا الوَطَنْ -
،قدْ تَأَكْسَدَ مِنْ فَرْطِ ما أهمَلُوْهُ
! إلى أنْ تَغَلْغَلَ فيهِ وفِي صُلْبِ أبنائِهِ الطيِّبينَ العَفَنْ
.. النهاراتُ مَرَّتْ بلا خبرٍ
،والجرائدُ فارغةٌ
والزقاقُ المؤدي إلى سُوْرِنا
ِشاحبٌ كانتظاري وَوَقْعِ الرحيلِ
،ونافذةُ الدارِ مُشرَعَةٌ
وَمَخَالِبُ خَوفي تَغُوصُ بِلَحْمِي
،وتُوْهِنُ عَظْمِي
وَتَفْقَأُ عَيْنَيْ سُؤَالِيْ .. فَيَعْمَى الجوابُ
وتنهمرُ الصلواتُ يُكَلِّلُها الفَقْدُ والاِغترابُ
.. أُنَادِيكَ
لا دَيْكَ بَعْدَكَ يَصْدَحُ في الفَجْرِ
يَا فَارِعَ الطّوْلِ
! يَا أَسْمَرَ اللَّفَتَاتْ
كَمْ تَسَمَّرْتُ في بَاحَةِ البيتِ
،كَفِّيْ عَلَى زِرِّ هذا "الريموت" البليدِ
،وعَيْنَايَ بُحَّ هديلُهُمَا
والمساءُ تسلَّلَ مِنْ بينِ أَسْنانِ حارتِنَا
واختفى في الشوارعِ، وابتلعَتْهُ المتاهاتُ
كانت "خديجةُ" تُكملُ واجبَها المدرسيَّ
و"عَمَّارُ" يفتحُ أقفاصَ كلِّ الطيورِ
،لتأتيْ بعطرِكَ أو قطعةٍ من قميصِكَ
! تُرْجِئَ مَوْتَكْ
هلْ سأسمَعُ صَوْتَكْ ؟
إنَّ ثَدْيِيْ الذي أرضعَكْ
نَزَّ مِنْهُ الحليبُ الذي أَبْدَعَكْ
وَأَنَا لستُ أكفرُ
: لكنَّنِيْ أَتَسَاءَلُ
هَلْ سَهْمُ هَذَا الرَّدَى أَوْجَعَكْ ؟ -
أنا أعلمُ أنَّكَ تعشقُ رائحةَ الهَيْلِ والزَّعْفَرَانِ
،تَهِيْمُ بأرغفةِ الذِّكرياتِ
وتُوقدُ تَنُّوْرَنَا الحجَرِيَّ
،وتجلسُ قُرْبَ السَّمَاوَرِ طَوْراً تُغَنِّيْ
وَطَوْراً تُهَيِّئُ أَكْوَابَ شَايْ
قُبُلاتُكَ قَدْ فَرَّخَتْ كالحمَائِمِ
.في كَبدِيْ وَحَشَايْ
لَمْ أكُنْ مُدْرِكَةْ
أَنَّ مَنْ عَاشَ فِيْ رَحِمِيْ قَبْلَ عَقْدَيْنِ مَرَّا
وَخَمْسِ سِنينْ
،سيغيبُ بلا عودةٍ
،تاركاً لي ملابسَهُ في الخزانَةِ
والكتبَ الجامعيةَ، والدِّبْلَةَ الناحِلَةْ
وصدى الأسطوانَاتِ
! والتبغَ يشعلُ أوراقَهُ لوعةً في صقيعِ الحنينْ
لَمْ أَكُنْ بانتمائِكَ يا وَلَدِي مُشْرِكَةْ
غيرَ أنِّي أغارُ عليكَ
! مِنَ الأرضِ وهيَ تضمُّ رُفَاتَكْ
هَلْ هي الآنَ أرحبُ منْ صدرِ أُمِّكَ يَا وَلَدِيْ ؟
هَلْ تُرَاكَ التقيتَ بِجَدَّيْكَ في بَرْزَخِ الله
أَمْ ماتزالُ ترفرفُ حولي، وتبكي عَلَيّْ ؟
وتُـجيرُ بدفءِ شفاهِكَ ثَلجَ يَدَيّْ ؟
كنتَ تُلبسُني غَزَلِيَّاتِ قلبِكَ يا نبعَ روحي
.. وتُسندُ ضعفي، وتشرحُ لي الحبَّ
! أوّاهُ ما أعذبَكْ
أعطني فرصةً
كي أصدِّقَ أنَّ الذي جَاءَنِيْ
.. نبأٌ واحدٌ
وأُريحُكَ من أدمعي
! كُلَّمَا بَلَّلَتْ وَجْنَتَيَّ، وَعَانَقَها مِلْفَعِي
: قُلْتَهَا
إنَّ هَذَا الزمنْ
،زمني، ومنَ العارَ أن أنحني
والرياحُ التي قَدْ جَرَتْ قَبْلَ ألفٍ ونَيْفْ
سوفَ تجري عَلَى يَدِنَا هَهُنا
! في المسارِ الذي تَشْتَهِيْهِ السُّفُنْ
سَتَقُولينَ كَيفْ ؟
! بِدَمِيْ -
فلأكنْ واحداً من ألوفْ
ولأكنْ رَجُلاً يحملُ الأرضَ بينَ ذراعيهِ
سيدةً حُرَّةً ويُعلِّمُهَا حكمةَ الدورانِ
ودرسَ الزمانِ الأخيرِ
لكي تستقيمَ النهايةُ قبلَ البِدَايَةِ فيها
وَأُعَالِجُ حُمَّى الأساطيرِ، أمشي مَعَ الآلِهَةْ
/ في طريقٍ بِلا عَسَسٍ
! في بلادٍ بِلا رُؤساءْ
الشهادةُ - ترفعُنِيْ نَحْوَ فردوسِهَا
وَلَداً عُمْرُهُ شاطِئَانِ وَخَمْسُ سَنَابِلْ
وَتُعَمِّدُنِي بالحقيقةِ
تزرعُني وَرْدَةً في مُحيطِ القنابلْ
فدعيني، دعيني - بِحَقِّ الترابِ
- وحَقِّ العُرُوْبَةِ
.باسمِ الكِفاحِ أُقَاتِلْ
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
