بعد أيام من وفاتها… الاحتفال بذكرى ميلاد الراحلة كريمة مختار ونظرة على أعمالها الخالدة

بعد صراع مع المرض والعديد من شائعات الوفاة التي لاحقتها العام الماضي، ننعي بكثير من الحزن فنانة قديرة طالما أسعدتنا جميعًا وأدخلت البهجة في نفوسنا بأعمالها المحترمة وخفيفة الظل في نفس الوقت.

تفارقنا قبل عيد ميلادها بأيام قليلة، فالفنانة كريمة مختار أو “عطيات البدري” من مواليد 16 يناير 1934، كانت منذ طفولتها تحب الفن واشتركت في برنامج الأطفال “بابا شارو” وهو برنامج إذاعي مشهور في فترة الخمسينات ولصوتها وأدائها المميز، لفتت الأنظار إليها، وجاءت لها عروض للعمل بالسينما ولكن أهلها رفضوا ذلك، فقد كانت الراحلة من أصول صعيدية “أسيوط”، ومن خلال عملها بالإذاعة تعرفت “بنور الدمرداش” الذي كان ممثلًا وبعد ذلك مخرجًا مهمًا في مجال الدراما التليفزيونية حتى إنه حصل على لقب “ملك الفيديو” وذلك لبراعته وذكاءه والأعمال الناجحة التي أخرجها في بدايات عصر التليفزيون في الستينات.

بعد زواجها أتيحت لها الفرص مرة أخرى، وكانت أدوار مميزة وكانت في الغالب تلعب دور الزوجة أو الأم، فملامحها تحمل الطيبة والحنان وهي صفات أصيلة فيها ولذلك كنا نصدق أي دور تقوم به.

[size=32]فيلم ” الحفيد” إنتاج عام 1974[/size]

ويعد فيلم الحفيد الجزء الثاني من فيلم “أم العروسة” الذي ينتهي بطلب “شفيق” يد “نبيلة” للزواج، لتبدأ أحداث فيلم “الحفيد” بزواج “شفيق – نور الشريف” من “نبيلة – مرفت أمين” مع الاتفاق على عدم الإنجاب حتى تنهي نبيلة دراستها الجامعية، وهنا تتدخل الأم “زينب – كريمة مختار”، التي تمنعها من استخدام وسائل منع الحمل، وأن تخفي عن زوجها نبأ حملها حتى تضعه أمام الأمر الواقع، الفيلم قام ببطولته أمامها الراحل الكوميديان العظيم “عبد المنعم مدبولي”، وكانت الكوميديا في المشاهد التي جمعت بينهما رائعة وصادقة، فقد كانا يمثلان حال الأسرة المصرية وما تمر به من مشكلات اقتصادية، نظرًا لعدم تحديد النسل.

[size=32]فيلم “أميرة حبي أنا” إنتاج عام 1974[/size]

جسدت في الفيلم دور “أم أميرة” الأرملة التي تتولى تربية أميرة وأخواتها الصغار، وتتعرف أميرة في عملها على زميل ويتبادلا الحب، وبحاسة الأم التي تعرف ابنتها جيدًا تلاحظ عليها تغيرات ومع الضغط تحكي لها أميرة على قصة حبها وتطلب من أمها المساعدة والمشورة.

[size=32]مسرحية “العيال كبرت” إنتاج عام 1979[/size]

المسرحية الخالدة التي ظلت طوال أربعين عامًا تضحكنا ولا زالت كلما تُعرَض تجعلنا نلتف حولها وكأننا نشاهدها لأول مرة.

لعبت الراحلة دور “زينب جاد الله” الأم الطيبة التي أنجبت أربعة أبناء، وانهمكت في تربيتهم حتى إنها أهملت زوجها ولم تعد تهتم بنفسها، فما كان من الزوج “حسن مصطفى” إلا أن يعرف امرأة أخرى عليها ويتفقان على الزواج، ويكتشف أحد الأبناء ذلك فيحاولوا استعادة أبيهم وأن يجعلوا والدتهم تهتم بنفسها مرة أخرى حتى لا يتزوج من أخرى.

منتهي السلاسة والرقة في الأداء، خفة دم طبيعية غير مصطنعة، وقد قدمت نفس الدور تقريبًا في فيلم “رجل فقد عقله” عام 1980 مع الراحل “فريد شوقي” ولعبت دور “فهيمة” وكان أبناءها في الفيلم “عادل إمام” و”إكرامي” وقد ساعدوا والدتهم على أن تسترد زوجها أيضًا بجعلها تقلل من وزنها وتلبس أحدث موديلات الأزياء وتتعلم اللغات، وكانت الكوميديا تتفجر من هذه المحاولات المضنية.

كلها محاولات من أم طيبة لا تريد لبيتها أن ينهار وتخسر شريك عمرها، كانت هذه إحدى رسائل الراحلة التي طالما قدمتها في أعمالها.

[size=32]فيلم “يا رب ولد” إنتاج عام 1984[/size]

أيضًا في هذا العمل قدمت شخصية “كريمة” زوجة “الأسيوطي – فريد شوقي” تاجر الأخشاب ولديهم من الأبناء ثلاث بنات، ولكن تظل للأب أمنية أن ينجب الولد كي يحمل اسمه من بعده.

ويبدو أنها من فرط رغبتها في تحقيق هذه الأمنية لزوجها تهيأ لها أنها حامل وأنه سيكون الولد رغم كبر سنها واستحالة حدوث حمل في هذه المرحلة من العمر، وما تبع ذلك من دلال وصبا وكل ذلك في إطار من الكوميديا الراقية المحببة.

كما لعبت دور “نعمت ” في مسلسل “رحلة السيد أبو العلا البشري” بأجزائه التي قُدمت عام 1985 وعام 1990، والتي لعبت فيه دور أرملة لم تتزوج بعد وفاة زوجها الذي أنجبت منه خمسة من الأبناء ولكنها لم تعد تستطيع أن تسيطر عليهم وخصوصًا وهم في مرحلة الشباب، ويظهر “أبو العلا – محمود مرسي” ابن عمها والذي كان يحبها ولكن لم يتزوجا، ولما علم ابنها الكبير أن السيد أبو العلا معه ثروة، حاول أن يقنع والدته أن تتزوجه كي يحافظ على مصالحها ويساعدها في تربية الأبناء.

تظهر الراحلة في دور الأم التي أفسدت أبناءها بالدلال، وهنا يحدث الصدام بينها وبين أبو العلا والأبناء.

[size=32]مسلسل “البخيل وأنا” إنتاج عام 1991[/size]

لعبت فيه شخصية “حكمت” المتزوجة من “عوض” البخيل على نفسه وعلى أبنائه رغم أنه يمتلك المال الوفير، ولكنه يحب ادعاء الفقر واستعطاف البشر، ولك أن تتخيل معاناة زوجة وأبنائها الثلاثة الذين في مراحل عمرية ودراسية تحتاج إلى مصاريف ومظهر محترم.

فكانت تعاني وتتحمل من أجل أبناءها. دور جميل ومؤثر ويعبر عن حال نساء كثيرات مع الأسف.

[size=32]مسلسل “يتربى ف عزو” إنتاج عام 2007[/size]

يعتبر من أهم المسلسلات التي قدمتها الراحلة على مدار مسيرتها الفنية على شاشة التلفزيون.

جسدت شخصية “ماما نونا” التي لم تنجب سوى “حمادة – يحيى الفخراني”، فأسرفت في الدلال والحنان، حتى أنه بلغ الستين عامًا ولا يستطيع أن يعتمد على نفسه ولا أن يعتني بأبنائه ويسدي لهم النصيحة.

وقد كان لدور “ماما نونا” تأثيرًا كبيرًا على كل من تابع المسلسل حتى إننا بكينا على وفاتها وكأنها فرد من أفراد الأسرة، رغم أنها كانت تجسد نموذج سلبي للأم ولكننا أحببنا حبها غير المشروط لأبنها ولأحفادها وكل أفراد عائلتها على حد سواء.

[size=32]فيلم “الفرح” إنتاج عام 2009[/size]

من أجمل الأدوار التي لعبتها الراحلة العظيمة وتركت في نفسي أثر، شخصية “أم زينهم”، التي يلجأ ابنها “زينهم – خالد الصاوي” ولضيق الحال أن يقيم فرح في منطقته كي يجمع النقطة وهو نوع من أنواع رد الدين في المناطق الشعبية، ومن ضمن برنامج الفرح فقرة الراقصة “نوجة – سوسن بدر”، والتي ما أن تراها ترتدي بذلة الرقص، تبدأ في توبيخها ونصحها بأن تترك ما يغضب الله، وعندما اشتكت لها الراقصة حالها وحاجتها إلى المال، أعطتها المال الذي كانت تخبئه في مرتبة السرير حتى إذا ماتت وجدوا مالًا لمصاريف جنازتها.

مشهد بديع وصادق يجعلك تبكي، فهذه السيدة التي على مشارف الموت تنصح راقصة وتتمنى لها أن تتوب وترجع إلى الله، حتى ولو أعطتها كل ما تدخره للزمن، وما هي إلا لحظات وتموت بين يدي الراقصة.

دور مؤثر جدًا رغم قصره إلا إنه ترك بصمة.

[size=32]مسلسل “مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة” إنتاج عام 2011[/size]

جسدت فيه شخصية “أم عوض” سيدة من الأرياف لها ابن يُدعى عوض سافر إلى فرنسا منذ سنوات وانقطعت أخباره عن القرية، وعندما يقرر “مسيو رمضان – محمد هنيدي” السفر إلى فرنسا تطلب منه أن يعرف أخباره كي يطمئن قلبها على ابنها.

تعاطفنا جميعًا معها، وعشنا معها مرارة أن تنقطع أخبار أحد الأبناء في الغربة.

كانت في هذا العمل يبدو عليها التعب والتقدم في العمر وقد كان آخر عمل قدمته لشاشة التلفزيون.

وهكذا كانت رحلة السيدة كريمة مختار، الراعي الرسمي لأدوار الأم التي قدمتها حتى وهي صغيرة في السن لأبناء كبار أحيانًا كانوا في نفس المرحلة السنية، ولكن بالرغم من ذلك فقد برعت في هذه الأدوار بجدارة، فقد كانت تقدمها بفطرتها الطيبة البسيطة غير المتكلفة، فظلت حبيستها طوال مشوارها الفني وبدون منافس، حتى إنه لن يستطيع أحدًا أن يحل محلها في هذه النوعية من الأدوار.

رحم الله هذه السيدة العظيمة وأسكنها فسيح جناته.