منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007

تجمع انساني،اسلامي،ثقافي،ادبي،اجتماعي،تقني،رياضي،فني وترفيهي عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
كل عام وانتم بخيربمناسبة عيد الفطرالمبارك
عبارات عن القرآن في رمضان
كل عام وانتم بخير بمناسبة راس السنة الهجرية
في انتظار الزائر الكريم محمد محضار
من أي أنواع العبادة تعتبر قراءة القران
ما أبرز الفوائد من “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله”
كيف بين النبي امور الدين من خلال حديث جبريل المشهور
أحاديث عن الصبر والحلم والعفو والوفاء بالعهد
أقوال خلدها التاريخ عن الوفاء
الخميس أبريل 11, 2024 10:27 pm
الجمعة مارس 01, 2024 10:21 pm
الثلاثاء يوليو 18, 2023 10:57 pm
الجمعة يوليو 14, 2023 12:05 am
الخميس أبريل 27, 2023 10:40 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:37 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:33 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:30 pm
الخميس أبريل 27, 2023 10:28 pm










شاطر
 

 الأمثال في القرآن الكريم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:49 pm

عادة العرب استعمال الأمثال لأنها أبلغ في توصيل المطلوب إلي السامع ومن العرب الذين قاموا بتسجيل هذه الأمثال : الزمخشري .

عندما جاء القرآن تحدي العرب - وهم بالفعل أرباب البلاغة - ببلاغته الخاصة وخصوصا في ضرب الأمثال - موضوع البحث - ، وفي الحقيقة ؛ فإن أمثال القرآن لها بلاغة خاصة وتذوق جميل لا يحس بها إلا العارف لأسرار اللغة العربية :

في القرآن ثلاثة وأربعون مَثلاً:

في البقرة : " كمثل الذي استوقد ناراً " ، " أو كصيب " ، " أن يضرب مثلاً ما بعوضة " ، " ومثل الذين كفروا " ، "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله " ، " فمثله كمثل صفوان " ، " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله " ، " أيود أحدكم " ، " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان " .
وفي آل عمران : " وكنتم على شفا حفرة من النار" ، " مثل ما ينفقون " .
وفي الأنعام : " كالذي استهوته الشياطين " .
وفي الأعراف : " فمثله كمثل الكلب " .
وفي يونس : " إنما مثل الحياة الدنيا " .
وفي هود : " مثل الفريقين " .
وفي الرعد : " إلا كباسط كفيه إلى الماء " ، " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها " ، " مثل الجنة " .
وفي إبراهيم : " مثل الذين كفروا بربهم " ، " كيف ضرب الله مثلاً " ، " ومثل كلمة خبيثة " .
وفي النحل : " ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً " ، " وضرب الله مثلاً رجلين " ، " وضرب الله مثلاً قرية " .
وفي الكهف : " واضرب لهم مثلاً رجلين " ، " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا " .
وفي الحج : " فكأنما خرَّ من السماء " ، " ضرب مثل " .
وفي النور : " مثل نوره " ، " أعمالهم كسراب بقيعة " .
وفي العنكبوت : " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت " .
وفي الروم : " ضرب لكم مثلاً من أنفسكم " .
وفي يس: " وضرب لنا مثلاً " .
وفي الزمر: " ضرب الله مثلاً رجلاً ".
وفي سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -: " نظر المغشي عليه من الموت " ، " مثل الجنة " .
وفي الفتح: " ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل " .
وفي الحشر: " كمثل الذي من قبلهم " ، " كمثل الشيطان " .
وفي الجمعة : "مثل الذين حملوا التوراة " . وفي التحريم : " ضرب الله مثلاً للذين كفروا " ، " وضرب الله مثلاً للذين آمنوا " .

وكم من كلمة تدور على الألسن كمَثَل. جاء القرآن بألخص منها وأحسن ؛

فمن ذلك قولهم : القتل أنفى للقتل ، مذكور في قوله : " ولكم في القصاص حياة " . ويلاحظ فيها البساطة والإيجاز والجمال .
وقولهم : ليس المخبر كالمعاين ، مذكور في قول القرآن: " ولكن ليطمئن قلبي " .
وقولهم : ما تزرع تحصد ، مذكور في قول القرآن: " من يعمل سوءاً يُجْزَ به " .
وقولهم : للحيطان آذان ، مذكور في قول القرآن : " وفيكم سمَّاعون لهم " .
وقولهم: الحمية رأس الدواء ، مذكور في قول القرآن : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " .
وقولهم: احذر شر من أحسنت إليه ، مذكور في قول القرآن : "وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسولُه من فضله " .
وقولهم: من جهل شيئاً عاداه ، مذكور في قول القرآن : " بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم " .
وقولهم : خير الأمور أوساطها ، مذكور في قول القرآن : " ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " .
وقولهم : من أعان ظالماً سلطه الله عليه ، مذكور في قول القرآن : " كتب عليه أنه من تولاه فأنَّه يضله " .
وقولهم : لما أنضج رمَّد ، مذكور في قول القرآن: "وأعطى قليلاً وأكدى".
وقولهم: لا تلد الحية إلا حية، مذكور في قول القرآن: " ولا يلدوا إلا فاجراً كَفَّاراً " .

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:52 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




بسم الله الرحمن الرحيم

( لَوْ أَنْزلْنا هَذَا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ

خَاشِعَاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ

الاَْمثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يِتَفَكّرُون )

( الحشر : 21 )





الأمثال في القرآن

وقبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً :

الأوّل : المثل في اللغة

يظهر من غير واحد من المعاجم ، كلسان العرب والقاموس المحيط ، أنّ للفظ « المثل » معاني مختلفة ، كالنظير والصفة والعبرة وما يجعل مثالاً لغيره يُحذا عليه إلى غير ذلك من المعانى. (1)

قال الفيروز آبادي : المِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه ، والجمع أمثال ؛ والمَثَلُ ـ محرّكة ـ الحجة ، والصفة ؛ والمثال : المقدار والقصاص ، إلى غير ذلك من المعانى. (2)

ولكن الظاهر أنّ الجميع من قبيل المصاديق ، وما ذكروه من باب خلط المفهوم بها وليس للّفظ إلا معنى أو معنيين ، والباقي صور ومصاديق لذلك المفهوم ، وممن نبَّه على ذلك صاحب معجم المقاييس ، حيث قال :

المِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء ، قال ابن

فارس : « مثل » يدل على مناظرة الشيء للشىء ، وهذا مثل هذا ، أي نظيره ، والمثل والمثال بمعنى واحد. وربما قالوا : « مثيل كشبيه » ، تقول العرب : أمثل السلطان فلاناً ، قتله قوداً ، والمعنى أنّه فعل به مثلما كان فعله.

والمِثْل : المثَل أيضاً ، كشِبْه وشبَه ، والمثل المضروب مأخوذ من هذا ، لانّه يذكر مورّى به عن مثله في المعنى.

وقوله : مَثَّلَ به إذا نُكِّل ، هو من هذا أيضاً ، لأنّ المعنى فيه إذا نُكل به : جعل ذلك مثالاً لكل من صنع ذلك الصنيع أو أراد صنعه. والمثُلات أيضاً من هذا القبيل ، قال الله تعالى : ( وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلات ) (1) أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله ، وواحدها : مُثُل. (2)

وعلى الرغم من ذلك فمن المحتمل أن يكون من معانيه الوصف والصفة ، فقد استعمل فيه إمّا حقيقة أو مجازاً ، وقد نسب ابن منظور استعماله فيه إلى يونس ابن حبيب النحوي ( المتوفّى 182 هـ ) ، ومحمد بن سلام الجمحي ( المتوفّى 232 هـ ) ، وأبي منصور الثعالبي ( المتوفّى 429 هـ ). (3)

ويقول الزركشي ( المتوفّى 794 هـ ) : إنّ ظاهر كلام أهل اللغة أن المثل هو الصفة ، ولكن المنقول عن أبي علي الفارسي ( المتوفّى 377 هـ ) أنّ المثل بمعنى الصفة غير معروف في كلام العرب ، إنّما معناه التمثيل. (4)

ويدل على مختار الاَكثر ما أورده صاحب لسان العرب ، حيث قال : قال

__________________

1 ـ الرعد : 6.

2 ـ معجم مقاييس اللغة : 5296.

3 ـ لسان العرب : 1322 ، مادة مثل.

4 ـ البرهان في علوم القرآن : 1490.
7

عمر بن أبي خليفة : سمعت مُقاتِلاً صاحب التفسير ، يسأل أبا عمرو بن العلاء ، عن قول الله عزّ وجلّ : ( مَثَلُ الجَنّة ) ، ما مَثَلُها ؟ فقال : ( فيهَا أنهارٌ مِنْ ماءٍ غيرِ آسن ) ، قال : ما مَثَلُها ؟ فسكت أبو عمرو.

قال : فسألت يونس عنها ، فقال : مَثَلها صفتها ، قال محمد بن سلام : ومثل ذلك قوله : ( ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِِنْجِيل ) (1) أي صفتهم.

قال أبو منصور : ونحو ذلك روي عن ابن عباس ، وأمّا جواب أبي عمرو لمقاتل حين سأله ما مثَلُها ، فقال : فيها أنهار من ماءٍ غير آسنٍ ، ثمّ تكريره السؤال ما مَثَلُها وسكوت أبي عمرو عنه ، فانّ أبا عمرو أجابه جواباً مقنعاً ، ولما رأى نبوة فَهْمِ مقاتل ، سكت عنه لما وقف من غلظ فهمه. وذلك انّ قوله تعالى : ( مثل الجنّة ) تفسير لقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُدخِلُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الاََنْهار ) (2) وصف تلك الجنات ، فقال : مَثَلُ الجنة التي وصفتها ، وذلك مثل قوله : ( ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِِنْجيل ) أي ذلك صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في التوراة ، ثم أعلمهم أنّ صفتهم في (3) الإنجيل كزرعٍ.

ثمّ إنّ الفرق بين المماثلة والمساواة ، أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين ، لأنّ التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص ، وأمّا المماثلة فلا تكون إلاّ في المتفقين. (4)

__________________

1 ـ الفتح : 29.

2 ـ الحج : 14.

3 ـ لسان العرب : مادة مثل.

4 ـ لسان العرب : مادة مثل.
8

وأمّا الفرق بين المماثلة والمشابهة هو أنّ الأولى تستعمل في المتفقين في الماهية والواقعية ، بخلاف الثانية فإنّما تستعمل غالباً في مختلفي الحقيقة ، المتفقين في خصوصية من الخصوصيات.

وبهذا يعلم أنّ التجربة تجري في المتماثلين والمتفقين في الحقيقة ، كانبساط الفلز حينما تمسُّه النار ، وهذا بخلاف الاستقراء ، فإنّ مجراه الأمور المختلفة كاستقراء أنّ كل حيوان يتحرك فكه الاَسفل عند المضغ ، فيتعلّق الاستقراء بمختلفي الحقيقة كالشاة والبقرة والاِبل.

وقد تكرر في كلام غير واحد من أصحاب المعاجم أن المَـثَل والمثْل سيان ، كالشَبَه والشبْه ، ومع ذلك كلّه نرى أنّ القرآن ينفي المثْل لله ، ويقول : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء ) (1) وفي الوقت نفسه يُثبت له المثَل ، ويقول : ( لِلَّذينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخرةِ مَثَلُ السَّوءِ وَللهِ المَثَلُ الأعْلى وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكِيم ). (2)

والجواب : أنّه لا منافاة بين نفي المِثْل لله واثبات المَثَل له ؛ أمّا الأوّل ، فهو عبارة عن وجود فرد لواجب الوجود يشاركه في الماهية ، ويخالفه في الخصوصيات ، فهذا أمر محال ثبت امتناعه في محلّه ، وأمّا المَثَلُ فهو نُعوت محمودة يُعرف بها الله سبحانه كأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وعلى هذا ، المَثَلُ في هذه الآية وما يشابهها بمعنى ما يوصف به الشيء ويعبَّر به عنه ، من صفات وحالات وخصوصيات.

فهذه الآية تصرّح بأنّ عدم الإيمان بالآخرة مبدأ لكثير من الصفات

__________________

1 ـ الشورى : 11.

2 ـ النحل : 60.
9

القبيحة ، ومصدر كل شر ، وفي المقابل أنّ الإيمان بالآخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كلّ خير وبركة ، فكلّ وصف سوء وقبيح يلزم الإنسان ويلحقه ، فإنّما يأتيه من قبل عدم الإيمان بالآخرة ، كما أنّ كلّ وصف حسن يلزم الإنسان ينشأ من الإيمان بها ، وبذلك ظهر معنى قوله : ( لِلَّذينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَة مَثَل السَّوء ) الذي يدلّ بالملازمة للذين يؤمنون بالآخرة لهم مثل الحسن.

وأمّا قوله سبحانه : ( وَللهِ المَثَلُ الأعلى ) فمعناه أنّه منزّه من أن يوصف بصفات مذمومة وقبيحة كالظلم ، قال سبحانه : ( ولا يَظلم رَبُّك أَحداً ). (1) وفي الوقت نفسه فهو موصوف بصفات محمودة.

فكلّ وصف يستكرهه الطبع أو يردعه العقل فلا سبيل له إليه ، فهو قدرة لا عجز فيها ، وحياة لا موت معها إلى غير ذلك من الصفات الحميدة ، بخلاف ما يقبله الطبع فهو موصوف به.

وقد أشار إلى ذلك في غير واحد من الآيات أيضاً ، قال : ( وَلَهُ المَثَلُ الأعلى فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ ) (2) وقال : ( لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى ) (3) ، فالأمثال منها دانية ومنها عالية فإنّما يثبت له العالي بل الأعلى. (4)

ومنه يعلم أنّ الأمثال إذا كان جمع مثْل ـ بالسكون ـ فالله سبحانه منزّه من المثْل والأمثال ، وأمّا إذا كان جمع مثَل ـ بالفتح ـ بمعنى الوصف الذي يحمد به سبحانه ، فله الأمثال العليا ، والأسماء الحسنى كما مرّ.

__________________

1 ـ الكهف : 49.

2 ـ الروم : 27.

3 ـ طه : 8.

4 ـ لاحظ : الميزان : 12 / 249.


__________________

1 ـ لسان العرب : 1322 ، مادة مثل.

2 ـ القاموس المحيط : 449 ، مادة مثل.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:54 pm



الثاني : المَثَلَ في الاصطلاح

المَثَلُ : قسم من الحكم ، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها ، ثمّ يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.

فالكلمة الحكيمة على قسمين : سائر منتشر بين الناس ودارج على الألسن فهو المثل ، وإلا فهي كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة. فما ربما يقال : « المثل السائر » فالوصف قيد توضيحي لا احترازي ، لأنّ الانتشار والتداول داخل في مفهوم المثل ، ويظهر ذلك من أبي هلال العسكري ( المتوفّى حوالى 400 هـ ) ، حيث قال : جعل كل حكمة سائرة ، مَثَلاً ، وقد يأتي القائل بما يحسن من الكلام أن يتمثل به إلاّ أنّه لا يتفق أن يسير فلا يكون مَثَلاً. (1)

وكلامه هذا ينم « انّ الشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الألسن هو الفارق بين الحكمة والمثل ، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول ، ومثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداؤه في المناسبات المختلفة ».

ولأجل ذلك يقول الشاعر :

ما أنت إلا مثل سائـر




يعرفه الجاهل والخابر

وأمّا تسمية ذلك الشيء بالمثال ، فهو لأجل المناسبة والمشابهة بين الموردين على وجه يُصبح مثالاً لكل ما هو على غراره.

__________________

1 ـ جمهرة أمثال العرب : 15.
11

قال ابن السكيت ( المتوفّى عام 244 هـ ) : المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ ، شبّهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره. (1)

وبما انّ وجه الشبه والمناسبة التي صارت سبباً لإلقاء هذه الحكمة غير مختصة بمورد دون مورد ، وإن وردت في مورد خاص يكون المثل آية وعلامة أو علماً للمناسبة الجامعة بين مصاديق مختلفة.

يقول المبرّد : فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأوّل ، كقول كعب بن زهير :

كانت مواعيد عرقوب لها مَثَلاً




ومـا مـواعيـدهـا إلاّ الأباطيل

فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد (2).

وعلى ذلك فالمثل السائر كقوله : « في الصيف ضيعتِ اللبن » علم لكل من ضيَّع الفرصة وأهدرها ، كما أن قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ينتطح فيها عنزان » علم لكلّ أمر ليس له شأن يعتد به. (3)

كما أنّ قول أبي الشهداء الحسين بن علي عليهما‌السلام : « لو ترك القطا ليلاً لنام » الذي تمثل به الإمام عليه‌السلام في جواب أُخته زينب عليها‌السلام ، علم لكل من لا يُترك بحال أو من حُمل على مكروه من غير إرادة ، إلى غير ذلك من الأمثال الدارجة.

__________________

1 ـ مجمع الأمثال : 1 / 6.

2 ـ مجمع الأمثال : 1 / 6.

3 ـ مجمع الأمثال : 2 / 225.
12

الثالث : فوائد الأمثال السائرة

ذكر غير واحد من الاُدباء فوائد جمة للمثل السائر :

1. قال ابن المقفّع ( المتوفّـى عام 143 هـ ) : إذا جعـل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق ، وآنق للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث.

2. وقال إبراهيم النظّام ( المتوفّـى عام 231 هـ ) : يجتمـع في المثل أربعـة لا تجتمع في غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة.

وقال غيرهما : سُمِّيت الحِكَم القائم صدقها في العقول أمثالاً ، لانتصاب صورها في العقول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب. (1)

وقد نقل ابن قيم الجوزية ( المتوفّى عام 751 هـ ) كلام النظّام بشكل كامل ، وقال :

وقد ضرب الله ورسوله الأمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع ، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثّل به فقد يكون أقرب إلى تعقّله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره ، فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير.

ففي الأمثال من تأنّس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره ، وكلّما ظهرت الأمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً ، فالأمثال شواهد المعنى المراد ، وهي خاصية العقل ولبّه وثمرته. (2)

__________________

1 ـ مجمع الأمثال : 1 / 6.

2 ـ أعلام الموقعين : 1 / 291.وما ذكره من الفائدة مشترك بين المثل السائر الذي هو موضوع كلامنا ، والتمثيل الذي شاع في القرآن ، وسيوافيك الفرق بين المثل السائر والتمثيل.
13

وقال عبد القاهر الجرجاني ( المتوفّى عام 471 هـ ) : إعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه انّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني ، أو أُبرزت هي باختصار في معرضه ، ونُقلت عن صورها الاَصلية إلى صورته كساها أُبّهة ، وكسبها منقبة ، ورفع من أقدارها ، وشبّ من نارها ، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستثار من أقاصى الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقسر الطّباع على أن تُعطيها محبة وشغفاً.

فإن كان ذمّاً : كان مسه أوجع ، وميسمه ألذع ، ووقعه أشدّ ، وحدّه أحد.

وإن كان حجاجاً : كان برهانه أنور ، وسلطانه أقهر ، وبيانه أبهر.

وإن كان افتخاراً : كان شأوه أمدّ ، وشرفه أجد (1) ولسانه ألد.

وإن كان اعتذاراً : كان إلى القبول أقرب ، وللقلوب أخلب ، وللسخائم أسلّ ، ولغَرْب الغضب أفلّ ، وفي عُقد العقود أنفث ، وحسن الرجوع أبعث.

وإن كان وعظاً : كان أشفى للصدر ، وأدعى إلى الفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، وأجدر أن يجلى الغياية (2) ويُبصّـر الغاية ، ويبريَ العليل ، ويشفي الغليل. (3)

4. وقال أبو السعود ( المتوفّى عام 982 هـ ) : إنّ التمثيل ليس إلاّ إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهور ، وتحلية المعقول بحلية المحسوس ، وتصوير أوابد المعاني بهيئة المأنوس ، لاستمالة الوهم واستنزاله عن معارضته للعقل ، واستعصائه عليه في إدراك الحقائق الخفيّة ، وفهم الدّقائق الأبيّة ؛ كي يتابعه فيما يقتضيه ،

__________________

1 ـ من الجد : الحظ ، يقال : هو أجدّ منك ، أي أحظ.

2 ـ الغياية : كل ما أظلك من فوق رأسك.

3 ـ أسرار البلاغة : 101 ـ 102.
14

ويشايعه إلى ما لا يرتضيه ، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية والكلمات النبوية ، وذاعت في عبارات البلغاء ، وإشارات الحكماء.

إن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقا الاستعصاء عليه ، وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبىّ ، وقمع سورة الجامح الأبيّ ، كيف لا ، وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية ، وإبرازها لها في معرض المحسوسات الجلية ، وإبداء للمنكر في صورة المعروف ، وإظهار للوحشي في هيئة المألوف. (1)

ولعلّ في هذه الكلمات غنى وكفاية فلا نطيل الكلام ، غير انّه يجب التنبيه على نكتة ، وهي أن السيوطي نقل في « المزهر » عن أبي عبيد أنّه قال :

الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية. (2)

ولا يخفى أنّ الأمثال ليست من خصائص العرب فحسب ، بل لكلّ قوم أمثال وحكم يقرّبون بها مقاصدهم إلى إفهام المخاطبين ويبلغون بها حاجاتهم ، وربما يشترك مَثَلٌ واحد بين أقوام مختلفة ، ويصبح من الأمثال العالمية ، وربما تبلغ روعة المثل بمكان يقف الشاعر أمامه مبهوراً فيصب مضمونه في قالب شعري.

روى الطبري عن مهلّب بن أبي صفرة ، قال : دعا المهلَّب حبيباً ومن حضره من ولده ، ودعا بسهام فحزمت ، وقال : أترونكم كاسريها مجتمعة ؟ قالوا : لا ، قال : أفترونكم كاسريها متفرقة ؟ قالوا : نعم ، قال : فهكذا الجماعة. (3)

وليس المهلب أوّل من ساق هذا المثل على لسانه ، فقد سبقه غيره إليه.

__________________

1 ـ هامش تفسير الفخر الرازي : 1 / 156 ، المطبعة الخيرية ، ط الاُولى ، مصر ـ 1308 هـ.

2 ـ المزهر : 1 / 288.

3 ـ تاريخ الطبري : حوادث سنة 82 هـ.
15

روى أبو هلال العسكري في جمهرته ، عن قيس بن عاصم التميمي ( المتوفّـى عام 20 هـ ) الأبيات التالية التي تعرب بأنّ المثل صبّ في قالب الشعر أيضاً :

بصلاح ذات البين طول بقائكم




إن مُدّ في عمري وإن لم يُمدد

حتى تلين قلوبكم وجلودكم




لمسوّد منكم وغير مسوّد

إنّ القداح إذا جمعن فرامها




بالكسر ذو حنق وبطش باليد

عزّت فلم تكسر وإن هي بُدّدت




فالوهن والتكسير للمتبدّد (1)

وقد نقل المسعودي في ترجمة عبد الملك بن مروان ، وقال :

كان الوليد متحنّناً على إخوته ، مراعياً سائر ما أوصاه به عبد الملك ، وكان كثير الإنشاد لأبيات قالها عبد الملك حين كتب وصيته ، منها :

انفوا الضغائن عنكم وعليكم




عند المغيب وفي حضور المشهد

إنّ القداح إذا اجتمعن فرامها




بالكسر ذو حنق وبطش باليد

عزّت فلم تكسر وإن هي بُدّدت




فالوهن والتكسير للمتبدّد (2)

__________________

1 ـ جمهرة الأمثال : 1 / 48.

2 ـ مروج الذهب : أخبار الوليد بن عبد الملك.

16
الكتب المؤلّفة في الأمثال العربية

وقد أُلّفت في الأمثال العربية قديمها وحديثها كتباً كثيرة ، وأجمع كتاب في هذا المضمار هو ما ألّفه أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني ( المتوفّى عام 518 هـ ) وأسماه ب‍ « مجمع الأمثال » لاِحتوائه على عظيم ما ورد منها وهي ستة آلاف ونيف. (1)

الرابع : الأمثال القرآنية

دلّت غير واحدة من الآيات القرآنية على أنّ القرآن مشتمل على الأمثال ، وأنّه سبحانه ضرب بها مثلاً للناس للتفكير والعبرة ، قال سبحانه : ( لَوْ أَنْزَلْنا هذا الْقُرآنَ عَلى جَبلٍ لَرَأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْربُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرون ). (2)

إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على وجود الأمثال في القرآن ، وانّ الروح الأمين نزل بها ، وكان مَثَلاً حين النزول على قلب سيد المرسلين ، هذا هو المستفاد من الآيات.

ومن جانب آخر أنّ المثل عبارة عن كلام أُلْقيَ في واقعة لمناسبة اقتضت إلقاء ذلك الكلام ، ثمّ تداولت عبر الزمان في الوقائع التي هي على غرارها ، كما هو الحال في عامة الأمثال العالمية.

____________

1 ـ مجمع الأمثال : 1 / 5.

2 ـ الحشر : 21.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:55 pm



وعلى هذا فالمثل بهذا المعنى غير موجود في القرآن الكريم ، لما ذكرنا من أنّ قوام الأمثال هو تداولها على الألسن وسريانها بين الشعوب ، وهذه الميزة غير متوفرة في الآيات القرآنية.

كيف وقد أسماه سبحانه مثلاً عند النزول قبل أن يعيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقرأها للناس ويدور على الألسن ، فلا مناص من تفسير المثل في القرآن بمعنى آخر ، وهو التمثيل القياسي الذي تعرّض إليه علماء البلاغة في علم البيان وهو قائم بالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز ، وقد سمّاه القزويني « في تلخيص المفتاح » المجاز المركب وقال :

إنّه اللفظ المركب المستعمل فيما شُبّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه ، ثمّ مثّل بما كتب يزيد بن وليد إلى مروان بن محمد حين تلكأ عن بيعته : أمّا بعد ، فإنّي أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى ، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيّهما شئت ، والسلام. (1)

فلهذا التمثيل من المكانة ما ليس له لو قصد المعنى بلفظه الخاص ، حتى أنّه لو قال مثلاً : بلغني تلكّؤك عن بيعتي ، فإذا أتاك كتابي هذا فبايع أو لا ، لم يكن لهذا اللفظ من المعنى بالتمثيل ، ما لهذا.

فعامة ما ورد في القرآن الكريم من الأمثال فهو من قبيل التمثيل لا المثال المصطلح.

ثمّ إنّ الفرق بين التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز أمر واضح لا حاجة لإطناب الكلام فيه ، وقد بيّنه علماء البلاغة في علم البيان ، كما طرحه أخيراً علماء

__________________

1 ـ الإيضاح : 304 ؛ التلخيص : 322.
18

الأصول في مباحث الألفاظ ، ولأجل ذلك نضرب الصفح عنه ونحيل القارئ الكريم إلى الكتب المدونة في هذا المضمار.

ويظهر من بعضهم أنّ التمثيل من معاني المثل ، قال الآلوسي : المثل مأخوذ من المثول ـ وهو الانتصاب ـ ومنه الحديث « من أحبّ أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوّأ مقعده من النار » ثم أطلق على الكلام البليغ الشائع الحسن المشتمل إمّا على تشبيه بلا شبيه أو استعارة رائقة تمثيلية وغيرها ، أو حكمة وموعظة نافعة ، أو كناية بديعة أو نظم من جوامع الكلم الموجز. (1)

ولولا قوله « الشائع » لانطبقت العبارة على التمثيل القياسي.

« وقد امتازت صيغة المثل القرآني بأنّها لم تنقل عن حادثة معينة ، أو واقعة متخيلة ، أعيدت مكرورة تمثيلاً ، وضرب موردها تنظيراً ، وإنّما ابتدع المثل القرآني ابتداعاً دون حذو احتذاه ، وبلا مورد سبقه فهو تعبير فني جديد ابتكره القرآن حتى عاد صبغة متفردة في الأداء والتركيب والإشارة ».

« وعلى هذا فالمثل في القرآن الكريم ليس من قبيل المثل الاصطلاحي ، أو من سنخ ما يعادله لفظاً ومعنى ، الفقر بالأمثال بمضمونه ، بل هو نوع آخر أسماه القرآن مثلاً من قبل أن نعرف علوم الأدب « المثل » ، ومن قبل أن تسمّي به نوعاً من الكلام المنثور وتضعه مصطلحاً له. بل من قبل أن يعرف الأدباء « المثل » بتعريفهم ». (2)

__________________

1 ـ روح المعاني : 1 / 163.

2 ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : 72 ، نقلاً عن كتاب المثل لمنير القاضي.
19

الخامس : أقسام التمثيل

قد عرفت أنّ التمثيل عبارة عن إعطاء منزلة شيء لشيء عن طريق التشبيه أو الاستعارة أو المجاز أو غير ذلك ، فهو على أقسام :

1. التمثيل الرمزي : وهو ما ينقل عن لسان الطيور والنباتات والأحجار بصورة الرمز والتعمية ويكون كناية عن معاني دقيقة ، وهذا النوع من التمثيل يعجّ به كتاب « كليلة ودمنة » لابن المقفع ، وقد استخدم هذا الأسلوب الشاعر العارف العطار النيشابوري في كتابه « منطق الطير ».

ويظهر من الكتاب الأوّل أنّه كان رائجاً في العهود الغابرة قبل الإسلام ، وقد ذكر المؤرّخون أنّ طبيباً إيرانياً يدعى « برزويه » وقف على كتاب « كليلة ودمنة » في الهند مكتوباً باللغة السنسكريتية ونقلها إلى اللغة البهلوية ، وأهداه إلى بلاط أنوشيروان الساساني ، وقد كان الكتاب محفوظاً بلغته البهلوية إلى أن وقف عليه عبد الله بن المقفع ( 106 ـ 143 هـ ) فنقله إلى اللغة العربية ، ثمّ نقله الكاتب المعروف نصر الله بن محمد بن عبد الحميد في القرن السادس إلى اللغة الفارسية وهو الدارج اليوم في الأوساط العلمية.

نعم نقله الكاتب حسين واعظ الكاشفي إلى الفارسية أيضاً في القرن التاسع ومن حسن الحظ توفر كلتا الترجمتين

وقام الشاعر « رودكي » بنظم ، ما ترجمه ابن المقفع ، باللغة الفارسية.

ويظهر من غير واحد من معاجم التاريخ أنّه تطرق بعض ما في هذا الكتاب من الأمثلة إلى الأوساط العربية في عصر الرسالة أو بعده ، وقد نقل أنّ عليّاً عليه‌السلام قال : « إنّما اُكلت يوم اُكل الثور الأبيض » وهو من أمثال ذلك الكتاب

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:56 pm

وهناك محاولة تروم إلى أنّ القصص القرآنية كلّها من هذا القبيل أي رمز لحقائق علوية دون أن يكون لها واقعية وراء الذهن ، وبذلك يفسرون قصة آدم مع الشيطان ، وغلبة الشيطان عليه ، أو قصة هابيل وقابيل وقتل قابيل أخاه ، أو تكلم النملة مع سليمان عليه‌السلام ، وغيرها من القصص ، وهذه المحاولة تضادّ صريح القرآن الكريم ، فانّه يصرّح بأنّها قصص تحكي عن حقائق غيبيّة لم يكن يعرفها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا غيره ، قال سبحانه : ( لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاَُولى الألْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤمِنُون ). (1)

فالآية صريحة في أنّ ما جاء في القصص ليس أمراً مفترىً ، إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على أنّ القرآن بأجمعه هو الحقّ الذي لا يدانيه الباطل.

2. التمثيل القصصي : وهو بيان أحوال الأمم الماضية بغية أخذ العبر للتشابه الموجود. يقول سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امرأةَ نُوحٍ وَامرأةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِين ). (2)

والقصص الواردة في أحوال الأمم الغابرة التي يعبر عنها بقصص القرآن ، هي تشبيه مصرّح ، وتشبيه كامن والغاية هي أخذ العبرة.

3. التمثيل الطبيعي : وهو عبارة عن تشبيه غير الملموس بالملموس ، والمتوهم بالمشاهد ، شريطة أن يكون المشبه به من الأمور التكوينية ، قال سبحانه : ( إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا

__________________

1 ـ يوسف : 111.

2 ـ التحريم : 10.
21

يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيّنَت وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ). (1)

والأمثال القرآنية تدور بين كونها تمثيلاً قصصيّاً ، أو تمثيلاً طبيعيّاً كونيّاً. وأمّا التمثيل الرمزي فإنّما يقول به أهل التأويل.

السادس : الأمثال القرآنية في الأحاديث

إنّ الأمثال القرآنية بما أنّها مواعظ وعبر قد ورد الحث على التدبّر فيها عن أئمّة أهل البيت عليهما‌السلام ، ننقل منها ما يلي :

1. قال أمير المؤمنين على عليه‌السلام : « قد جرّبتم الأمور وضرّستموها ، ووُعظتم بمن كان قبلكم ، وضُـربت الأمثال لكم ، ودعيتم إلى الأمر الواضح ، فلا يصمّ عن ذلك إلا أصمّ ، ولا يعمى عن ذلك إلا أعمى ، ومَن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة ». (2)

2. وقال عليه‌السلام : « كتاب ربّكم فيكم ، مبيّناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصّه وعامّه ، وعبره وأمثاله ». (3)

3. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « نزل القرآن أرباعاً : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ». (4)

__________________

1 ـ يونس : 24.

2 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 176.

3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 81.

4 ـ بحار الأنوار : 24 / 305 ح1 ، باب جوامع تأويل ما نزل فيهم 8.
22

4. روى الإمام الصادق عليه‌السلام عن جده أمير المؤمنين علي عليه‌السلام أنّه قال لقاض « هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ » ، قال : لا ، قال : « فهل أشرفت على مراد الله عزّ وجل في أمثال القرآن ؟ » ، قال : لا ، قال : « إذاً هلكت وأهلكت ». والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن وبواطن الإشارات والآداب والإجماع والاختلاف والإطّلاع على أُصول ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ، ثم حسن الاختيار ، ثم العمل الصالح ، ثم الحكمة ، ثم التقوى ، ثم حينئذٍ إن قدر. (1)

5. قال أمير المؤمنين على عليه‌السلام : « سمّوهم بأحسن أمثال القرآن ، يعنى : عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا ». (2)

6. وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام في دعائه عند ختم القرآن :

« اللّهمّ انّك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته ـ إلى أن قال : ـ اللّهم اجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزعات الشيطان وخطرات الوساوس حارساً ، ولأقْدامِنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنّا من تصفح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله ». (3)

7. وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام في مواعظه : « فاتّقوا الله عباد الله ، واعلموا أنّ الله عزّ وجلّ لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدُّنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيّهم

__________________

1 ـ بحار الأنوار : 2 / 121 ح34 ، باب النهى عن القول بغير علم من كتاب العلم.

2 ـ بحار الأنوار : 92 / 116 ، الباب 12 من كتاب القرآن.

3 ـ الصحيفة السجادية : من دعائه 7 عند ختم القرآن.
23

أحسن عملاً لآخرته ، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرّف الآيات لقوم يعقلون ولا قوّة إلاّ بالله ». (1)

8. وقال الإمام الباقر عليه‌السلام لاَخيه زيد بن علي : « هل تعرف يا أخى من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه فتجيئ عليه بشاهد من كتاب الله ، أو حجّة من رسول الله ، أو تضرب به مثلاً ، فانّ الله عز وجلّ أحلَّ حلالاً وحرّم حراماً ، فرض فرائض ، وضرب أمثالاً ، وسنَّ سنناً ». (2)

9. روي الكليني عن إسحاق بن جرير ، قال : سألتني امرأة أن استأذن لها على أبي عبد الله عليه‌السلام فأذن لها ، فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت : يا أبا عبد الله قول الله عزّ وجلّ : ( زَيتُونةٍ لا شَرْقيةٍ وَلا غَرْبية ) (3) ما عني بهذا ؟ فقال : « أيّتها المرأة إنّ الله لم يضرب الأمثال للشجر إنّما ضرب الأمثال لبني آدم ». (4)

10. روى داود بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « يا داود إنّ الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أُمناءه وحفظته وخزّانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضداداً وأعداءً ، فسمّـانا في كتابه وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه ، وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنّى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه ... ». (5)

هذه عشرة كاملة من كلمات أئمّتنا المعصومين حول أمثال القرآن.

__________________

1 ـ الكافي : 8 / 75.

2 ـ بحار الأنوار : 46 / 204 ، الباب 11.

3 ـ النور : 35.

4 ـ الكافي : 5 / 551 ، الحديث 2 ، باب السحق من كتاب النكاح.

5 ـ البحار : 24 / 303 ، الحديث 14.
24

وقد حازت الأمثال القرآنية على اهتمام المفكرين ، فذكروا حولها كلمات تعرب عن أهمية الأمثال ومكانتها في القرآن :

1. قال حمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّى عام 351 هـ ) : لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر ، شأن ليس بالخفي في إبراز خفيّات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيَّل في صورة المتحقق ، والمتوهَّم في معرض المتيقن ، والغائب كأنّه مشاهد ، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لسورة الجامح الأبيّ ، فإنّه يؤثر في القلوب ما لا يؤثّر وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال ، ومن سور الإنجيل سورة تسمّى سورة الأمثال وفشت في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلام الأنبياء والحكماء. (1)

2. قال الإمام أبو الحسن الماوردي ( المتوفّى عام 450 هـ ) : من أعظم علم القرآن علم أمثاله ، والنّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال ، وإغفالهم الممثَّلات ، والمثل بلا ممثَّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام. (2)

3. قال الزمخشري ( المتوفّى عام 538 هـ ) في تفسير قوله سبحانه : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ) (3) : وضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر ، إلى آخر ما نقلناه عن الاصبهاني. (4)

4. وقال الرازي ( المتوفّى عام 606 هـ ) : « إن المقصود من ضرب الأمثال انّها

__________________

1 ـ الدرّة الفاخرة في الأمثال السائرة : 1 / 59 ـ 60 والعجب أن هذا النص برمّته موجود في الكشّاف في تفسير قوله سبحانه : ( فَما رَبِحَتْ تِجارتهم وَما كانُوا مُهْتَدين مَثَلُهُمْ كَمَثل الَّذي استَوقَدَ ناراً ) ( انظر الكشّاف : 1 / 149 ).

2 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1041.

3 ـ البقرة : 17.

4 ـ الكشّاف : 1 / 72.
25

تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ، وذلك لأنّ الغرض في المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والغائب بالشاهد ، فيتأكد الوقوف على ماهيته ، ويصير الحس مطابقاً للعقل ، وذلك في نهاية الإيضاح ، ألا ترى أنّ الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرّداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مُثّل بالنور ، وإذا زهد في الكفر بمجرّد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول ، كما يتأكد إذا مثل بالظلمة ، وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الاِخبار بضعفه مجرّداً ، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين ، وفي سائر كتبه أمثاله ، قال تعالى : ( وَتِلْكَ الأمْثال نَضْرِبها لِلنّاس ) (1). (2)

5. وقال الشيخ عزالدين عبدالسلام ( المتوفّى عام 660 هـ ) : إنّما ضرب الله الأمثال في القرآن ، تذكيراً ووعظاً ، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب ، أو على إحباط عمل ، أو على مدح أو ذم أو نحوه ، فإنّه يدل على الاحكام. (3)

6. وقال الزركشي ( المتوفّى عام 794 هـ ) : وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى ، إذ الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والشاهد بالغائب ، فالمرغب في الإيمان مثلاً ، إذا مثّل له بالنور تأكّد في قلبه المقصود ، والمزهَّد في الكفر إذا مثل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه وفيه أيضاً تبكيت الخصم ، وقد أكثر الله تعالى في القرآن ، وفي سائر كتبه من الأمثال. (4)

لكن يرد على ما ذكره الزمخشري والرازي والزركشي أنّ ما ذكروه راجع إلى

نفس الأمثال لا إلى الضرب بها ، فانّ الأمثال شيء وضرب الأمثال شيء آخر ، لأنّ إبراز المتخيل بصورة المحقّق ، والمتوهم في معرض المتيقن ، ليس من مهمة ضرب الأمثال ، وإنّما هي مهمة نفس الأمثال ، « وذلك أنّ المعاني الكلية تعرض للذهن مجملة مبهمة ، فيصعب عليه أن يحيط بها وينفذ فيها فيستخرج سرّها ، والمثل هو الذي يفصّل إجمالها ، ويوضّح إبهامها ، فهو ميزان البلاغة وقسطاسها ومشكاة الهداية ونبراسها ». (1)

السابع : الكتب المؤلفة في الأمثال القرآنية

ولأجل هذه الاَهمية التي حازتها الأمثال القرآنية ، قام غير واحد من علماء الإسلام القدامى منهم والجدد ، بتأليف رسائل وكتب حول الأمثال القرآنية نذكر منها ما وقفنا عليه.

1. « أمثال القرآن » للجنيد بن محمد القواريري ( المتوفّى سنة 298 هـ ).

2. « أمثال القرآن » لاِبراهيم بن محمد بن عرفة بن مغيرة المعروف بنفطويه ( المتوفّـى سنة 323 هـ ).

3. « الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة » لحمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّـى 351 هـ ).

4. « أمثال القرآن » لأبي على محمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي ( المتوفّى عام 381 هـ ).

5. « أمثال القرآن » للشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي النيسابوري ( المتوفّـى عام 412 هـ ).

__________________

1 ـ تفسير المنار : 1237.


__________________

1 ـ العنكبوت : 43.

2 ـ مفاتيح الغيب : 2 / 72 ـ 73.

3 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1041.

4 ـ البرهان في علوم القرآن : 1 / 488.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:58 pm

. « الأمثال القرآنية » للاِمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي ( المتوفّـى سنة 450 هـ ).

7. « أمثال القرآن » للشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ( المتوفّـى سنة 754 هـ ). وقد طبعت مؤخّراً.

8. « الأمثال القرآنية » لعبد الرحمن حسن حنبكة الميداني.

9. « أمثال القرآن » للمولى أحمد بن عبد الله الكوزكناني التبريزي ( المتوفّـى عام 1327 هـ ). المطبوعة على الحجر في تبريز عام 1324 هـ.

10. « أمثال القرآن » للدكتور محمود بن الشريف.

11. « الأمثال في القرآن الكريم » للدكتور محمد جابر الفياضي. وقد طبعت مؤخّراً.

12. « الصورة الفنية في المثل القرآني » للدكتور محمد حسين علي الصغير. وقد طبعت مؤخّراً.

13. « أمثال قرآن » ( بالفارسية ) لعلي أصغر حكمت. وقد طبعت مؤخّراً.

14. « تفسير أمثال القرآن » ( بالفارسية ) للدكتور إسماعيل إسماعيلي. وقد طبعت مؤخّراً.

الثامن : تقسيم الأمثال القرآنية إلى الصريح والكامن

ذكر بدر الدين الزركشي ان الأمثال على قسمين : ظاهر وهو المصرّح به ، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه وحكمه حكم الأمثال. (1)

وقد نقل السيوطي ذلك النص بنفسه وحاول تفسير المثل الكامن ، وقال ما

__________________

1 ـ البرهان في علوم القرآن : 1 / 571.
28

هذا نصّه : فمن أمثلة الأوّل ، قوله تعالى : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ ناراً ... ) (1) ضرب فيها للمنافقين مثلين : مثلاً بالنار ومثلاً بالمطر ـ ثمّ قال ـ : وأما الكامنة : فقال الماوردي : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم ، يقول : سمعت أبي يقول : سألت الحسين بن فضل ، فقلت : إنّك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن ، فهل تجد في كتاب الله : « خير الأمور أوسطها » ؟ قال : نعم في أربعة مواضع :

قوله تعالى : ( لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ). (2)

وقوله تعالى : ( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ). (3)

وقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ). (4)

وقوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبيلاً ). (5)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « من جهل شيئاً عاداه » ؟ قال : نعم ، في موضعين :

( بَل كَذّبُوا بما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ). (6)

__________________

1 ـ البقرة : 17 ـ 20.

2 ـ البقرة : 68.

3 ـ الفرقان : 67.

4 ـ الإسراء : 29.

5 ـ الإسراء : 110.

6 ـ يونس : 39.
29

( وَإِذ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَديم ). (1)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « احذر شر من أحسنت إليه » ؟ قال : نعم.

( وما نَقمُوا إلاّ أن أغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ). (2)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « ليس الخبر كالعيان » ؟ قال : في قوله تعالى : ( قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قال بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبي ). (3)

قلت : فهل تجد « في الحركات البركات » ؟ قال : في قوله تعالى : ( وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبيلِ اللهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَسَعَة ). (4)

قلت : فهل تجد « كما تدين تدان » ؟ قال : في قوله تعالى : ( مَنْ يعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه ). (5)

قلت : فهل تجد فيه قولهم « حين تَقْلي تدري » ؟ قال : ( وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حينَ يَرَونَ العَذابَ مَن أَضلُّ سَبِيلاً ). (6)

قلت : فهل تجد فيه : « لا يُلدغ المؤمن من جحر مرّتين » ؟ قال : ( هَلْ آمنُكُمْ عَليهِ إلا كَما أَمِنتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ ). (7)

قلت : فهل تجد فيه « من أعان ظالماً سُلّط عليه » ؟ قال : ( كَتَبَ عَليهِ أنَّهُ مَنْ

__________________

1 ـ الأحقاف : 11.

2 ـ التوبة : 74.

3 ـ البقرة : 260.

4 ـ النساء : 100.

5 ـ النساء : 123.

6 ـ الفرقان : 42.

7 ـ يوسف : 64.
30

تَوَلاّهُ فَأنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعير ). (1)

قلت : فهل تجد فيه قولهم : « ولا تلد الحية إلا حيّة » ؟ قال : قوله تعالى : ( وَلا يَلِدُوا إلا فاجِراً كَفّاراً ). (2)

قلت : فهل تجد فيه : « للحيطان آذان » ؟ قال : ( وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ). (3)

قلت : فهل تجد فيه : « الجاهل مرزوق والعالم محروم » ؟ قال : ( مَنْ كانَ فِي الضَّلالةِ فلَيَمْدُد لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً ). (4)

قلت : فهل تجد فيه : « الحلال لا يأتيك إلا قوتاً ، والحرام لا يأتيك إلا جزافاً » ؟ قال : ( إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَومَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَومَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهم ) (5). (6)

وقد أخذ عليه « بأنّه لو حققْتَ النظر فيما أورده الماوردي ، لما وجدت مثلاً قرآنياً واحداً بالمعنى الذي يراد التعبير عنه بأنّه مثل كامن ، على أنّ الماوردي لم ينقل عن الحسين بن الفضل بأنّ متخيّره هذا مثل كامن ، ولاسمَّى الماوردي ذلك به ، وإنّما أورد رواية للمقارنة بما يمكن أن يعد أمثالاً من كلام العرب والعجم ، ووضع قائمة مختارة ازاءه من كتاب الله بما يبذّ كلامهم ويعلو على أمثالهم.

فالتسمية إذن اختارها السيوطي متابعاً فيها الزركشي. وطبّق عليها هذه

__________________

1 ـ الحج : 4.

2 ـ نوح : 27.

3 ـ التوبة : 47.

4 ـ مريم : 75.

5 ـ الأعراف : 163.

6 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1045 ـ 1046.

31

الأمثلة. فهي فيما عنده أمثال كامنة ولكنّه من الواضح أن هذه العبارات القرآنية لا تدخل في باب الأمثال ، فإن اشتمال العبارة على معنى ورد في مثل من الأمثال ، لا يكفي لإطلاق لفظ المثل على تلك العبارة ، فالصيغة الموروثة ركن أساس في المثل ، لذلك نرى أنّ اصطلاح العلماء على تسمية هذه العبارات القرآنية ( أمثالاً كامنة ) محاولة لا تستند على دليل نصّي ولا تاريخي. (1)

تفسير آخر للمثل الكامن :

ويمكن تفسير المثل الكامن بالتمثيلات التي وردت في الذكر الحكيم من دون أن يقترن بكلمة « مثل » أو « كاف » التشبيه ، ولكنّه في الواقع تمثيل رائع لحقيقة عقلية بعيدة عن الحسن المجسّد بما في التمثيل من الأمر المحسوس ، ومن هذا الباب قوله سبحانه :

1. ( أَفَمَنْ أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَن أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ في نارِ جَهَنَّم وَاللهُ لا يَهْدي القَوم الظّالِمين ). (2)

إنّه سبحانه شبَّه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته ، فكما أنّ من بنى على جانب هذا النهر فإنّه ينهار بناءه في الماء ولا يثبت ، فكذلك بناء هؤلاء ينهار ويسقط في نار جهنم ، فالآية تدلّ على أنّه لا يستوي عمل المتقي وعمل المنافق ، فإنّ عمل المؤمن المتقي ثابت مستقيم مبني على أصل صحيح ثابت ، وعمل المنافق ليس بثابت وهو واهٍ ساقط. (3)

____________

1 ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : 118 ، نقلاً عن كتاب « الأمثال في النثر العربي القديم ».

2 ـ التوبة : 109.

3 ـ مجمع البيان : 3 73.
32

2. ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَروا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلُونَ الجنَّةَ حتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِين ). (1)

كانت العرب تمثّل للشيء البعيد المنال ، بقولهم : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ، وحتى يَبْيَضَّ القار ، إلى غير ذلك من الأمثال.

يقول الشاعر :

إذا شاب الغراب أتيت أهلي




وصار القار كاللبن الحليب

ولكنّه سبحانه مثّل لاستحالة دخول الكافر الجنّة بأنّهم يدخلون لو دخل الجمل في ثقب الاِبرة ، وقال : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ، معبراً عن كونهم لا يدخلون الجنة أبداً.

ففي الآية تمثيل وليس لها من لفظ المثل وحرف التشبيه أثر.

3. ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُون ). (2)

إنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر فأخبر بأنّ الأرض كلّها جنس واحد ، إلا أنّ منها طيّبة تلين بالمطر ، ويحسن نباتها ويكثر ريعها ، ومنها سبخة لا تنبت شيئاً ، فإن أنبتت فممّـا لا منفعة فيه ، وكذلك القلوب كلّها لحم ودم ثمّ منها ليّن يقبل الوعظ ومنها قاسٍ جافٍ لا يقبل الوعظ ، فليشكر الله تعالى من لانَ قلبه بذكره. (3)

__________________

1 ـ الأعراف : 40.

2 ـ الأعراف : 58.

3 ـ مجمع البيان : 2 / 432.
33

وفي ذيل الآية ( كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات ) إلمام إلى كونه تمثيلاً ، كما في الآية التالية.

4. قال سبحانه : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمراتِ وَأَصابَهُ الكِبَر وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعفاءُ فَأَصابَها إعصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ). (1)

أخرج البخاري عن ابن عباس ، قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن ترون هذه الآية نزلت ( أَيَوَدُّ أَحدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخيل وَأَعْناب )؟

قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء ، فقال : يابن أخي : قل ولا تحقِّر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعملٍ ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لرجل غني عمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. (2)

وحصيلة البحث : إنّ التمثيل الوارد في القرآن الكريم ، تارة يقترن بكلمة المثل ، وأخرى يقترن به مع لفظ الضرب حيث اختار سبحانه مادة الضرب لقسم كبير من أمثال القرآن ، وثالثة بحرف كاف التشبيه ، ورابعة بذكر مادة المثل بدون اقتران بواحد منهما مثل قوله : ( وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يخْرجُ نَباتهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخرجُ إلا نَكِداً ). (3)

__________________

1 ـ البقرة : 266.

2 ـ صحيح البخاري : التفسير : تفسير سورة البقرة ، باب قوله : ( أيودّ أحدكم ) رقم 4264.

3 ـ الأعراف : 58.
34

التاسع : ما هو المراد من ضرب المثل ؟

قد استعمل الذكر الحكيم كلاً من لفظي « المَثَل » و « المِثْل » في غير واحد من سوره وآياته حتى ناهز استعمالهما ثمانين مرة ، إلاّ أنّ الثاني يزيد على الأوّل بواحد. والأمثال جمع لكليهما ويميّزان بالقرائن قال سبحانه : ( إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (1) وهو في المقام ، جمع المِثْل لشهادة أنّه يحكم على آلهتهم بأنّها مثلهم في الحاجة والاِمكان.

وقال سبحانه : ( تِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يَتفَكَّرُون ). (2)

فاقتران الأمثال بلفظ الضرب ، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى « الضرب » في هذا المورد ونظائره ، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب ، يقول سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ). (3) وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنا للنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ). (4)

وقد اختلفت كلمتهم في تفسير لفظ « الضرب » في هذا المقام ، بعد اتّفاقهم على أنّه في اللغة بمعنى إيقاع شيء على شيء ، ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب ، قال سبحانه : ( أَنِ اضْرِب بِعَصاكَ الْحَجَر ) (5) وقد ذكروا وجوهاً :

الأوّل : إنّ الضرب في هذه الموارد بمعنى المَثَل ، والمرا د هو التَمثيل ، وهو

__________________

1 ـ الأعراف : 194.

2 ـ الحشر : 21.

3 ـ إبراهيم : 24.

4 ـ الزمر : 27.

5 ـ الأعراف : 160.
35

خيرة ابن منظور واستشهد بقوله : ( واضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أَصحابَ القَرْيَةِ إذْ جاءَها الْمُرسَلُون ) (1) أي مثّل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية ، وقال : ( يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِل ) (2) أي يمثل الله الحقّ والباطل. (3) وهذا خيرة صاحب القاموس أيضاً.

الثاني : إنّ الضرب بمعنى الوصف والبيان ، وقد حُكي عن مقاتل بن سليمان ، وفسر به قوله سبحانه : ( وضَرَبَ الله مَثلاً عَبداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء ). (4)

واستشهد بقول الكميت :

وذلك ضرب أخماس أريدت




لأسداس عسى أن لا تكونا (5)

الثالث : إنّ الضرب بمعنى الاعتماد والتثبيت ، وهو خيرة الشيخ الطوسي (6) ( 385 ـ 460 هـ ) ، والزمخشري ، (7) والآلوسي ، (Cool ( المتوفّى عام 0721 ) فقد فسّروا به قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ). (9)

الرابع : إن الضرب في المقام من باب الضرب في الأرض وقطع المسير ،

__________________

1 ـ يس : 13

2 ـ الرعد : 17.

3 ـ لسان العرب : 2 / 37 ، مادة ضرب.

4 ـ النحل : 75.

5 ـ تفسير الطبري : 1 / 175.

6 ـ التبيان في تفسير القرآن : 7 / 302.

7 ـ الكشّاف : 2 / 553.

8 ـ روح المعاني : 1 / 206.

9 ـ الحج : 73.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 3:59 pm



وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك : ضرب في الأرض إذا صار فيها ، ومنه سُمِّيَ الضارب مضارباً. (1)

فإذا كان الضرب بمعنى قطع الأرض وطيّها ، فضرب المثل عبارة عن جعله شيئاً سائراً بين الأقوام والشعوب يمشي ويسير حتى يستوعب القلوب.

وفي المقام كلمة لابن قيم ، يوضّح فيها أكثر هذه الاحتمالات :

ضرب الله سبحانه لعباده ، الأمثال ، وضرب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاَُمّته الأمثال ، وضرب الحكماء والعلماء والمؤدّبون الأمثال ، فما معنى ضرب المثل ؟

قد يكون مشتقّاً من قولك ( ضرب في الأرض ) أي سار فيها.

فمعنى ضرب المثل جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد. وإلى هذا ذهب أبو هلال في مقدمة كتابه. (2)

وقد يكون معنى « ضرب المثل » نصبه للناس بإشهاره لتستدلّ عليه خواطرهم كما تستدلّ عيونهم على الأشياء المنصوبة. واشتقاقه حينئذٍ من قولهم : ( ضربت الخباء ) إذا نصبته.

وقوله تعالى : ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطل ) (3) أي ينصب منارهما ويوضح أعلامهما ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه ، ويعرفون الباطل فيجتنبوه ، كما قال الشريف الرضيّ ( 359 ـ 406 هـ ) في كتابه « تلخيص البيان في مجازات القرآن » :

__________________

1 ـ الحكم والأمثال : 79.

2 ـ انظر مقدمة كتاب جمهرة الأمثال.

3 ـ الرعد : 17.
37

وقد يفهم من ضرب المثل صنعه وإنشاؤه ، فيكون مشتقّاً من ضرب اللّبْنِ وضرب الخاتم.

أو قد يكون من الضرب بمعنى : إبقاء شيء على شيء. (1)

ومنه ضرب الدراهم : أي إيقاع النموذج الذي به الصّكُ على الدراهم لتنطبع به ، فكأنّ المثل مطابق للحالة ، أي للصفة التي جاء لإيضاحها ، وخلاصة القول : ضرب المثل مأخوذ : إمّا من :

1. ضرَب في الأرض بمعنى : سار.

2. ضربه : نصبه للناس وأشهره.

3. ضرب : صنع وأنشأ.

4. ضرب : إبقاء شيء على مثال شيء. (2)

وبذلك يُعلم تفسير قوله سبحانه : ( ... وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ). (3)

نرى أنّ المشركين وصفوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه رجلاً مسحوراً ، فيردّ عليه سبحانه باستنكار ويقول : ( انظر ـ أيّها النبي ـ كيف ضربوا لك الأمثال ) أي كيف وصفوك بأنّك مسحور مع أنّ سيرتك تشهد على خلاف ذلك ، وما تتلو من الآيات كلامه سبحانه لا صلة له بالسحر وإنّ ما يجدونه خلاَّباً للعقول وآخذاً بمجامع القلوب فإنّه هو لأجل عذوبته وجماله وإعجازه الخارق وأين هو من السحر ؟!

__________________

1 ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن : 107.

2 ـ الأمثال في القرآن الكريم : 20 ـ 21.

3 ـ الفرقان : 8 ـ 9.
38

وعلى ذلك فالمعنى المناسب لتفسير الآية ، هو تفسير الضرب بالوصف ، وقد تقدّم أنّ الوصف أحد معانيه ، وأقرّ به ابن منظور : أن انظر كيف وصفوك بكونك مسحوراً.

وأمّا تفسيره بالتمثيل بأن يقال : انظر كيف مثّلوا لك المثال أو التمثيل ، فغير تام ، لأنّ وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه « مسحوراً » ، لا مثَل سائر ، ولا تمثيل قياسي.

ونظيره تفسيره بقطع الأرض ، لأنّ المشركين ما وصفوه به ليشهّروه حتى يصير قولهم « سيراً في الأرض ».

العاشر : الأمثال القرآنية وانسجامها مع البيئة

لا شكّ أنّ كلّ خطيب يتأثر بالظروف التي يعيش فيها ، وبسهولة يمكن فرز كلام المدني عن القروي ، وكلامهما عن كلام البدوي ، وما ذاك إلاّ لأنّ البيئة تُعدّ أحد الأضلاع الثلاثة التي تُكوّن شخصية الإنسان ، ومن هذا الجانب أصبح بإمكان المحقّق الخبير بالتاريخ أن يميز الشعر الجاهلي عن الشعر في العصر الاِسلامي ، والشعر في العصر الأموي عن الشعر في العصر العباسي ، وما هذا إلاّ نتيجة انعكاسات البيئة على التراث الاَدبي ، ولكن القرآن بما أنّه كلامه سبحانه قد تنزّه عن هذه الوصمة ، لأنّ الله سبحانه خالق كلّ شيء فهو منزَّه من أن يتأثر بشيء سواه.

ومع ذلك كلّه نزلت الأمثال القرآنية لهداية الناس ولذلك رُوعيَ فيها الغايات التي نزلت لأجلها ، فنجد ان الطابع المكي يعلو هامة الأمثال المكية ، والطابع المدني يعلو هامة الأمثال المدنية.

أمّا الأمثال المكية ، فكانت دائرة مدار معالجة الأدواء التي ابتلي بها
39

المجتمع المكى لا سيما وانّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجادل المشركين ويسفّه أحلامهم ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده ، وترك عبادة غيره ، والإيمان باليوم الآخر ، ففي خِضمّ هذا الصراع يأتي القرآن بأروع مثل ويشبّه آلهتهم المزعومة التي تمسّكوا بأهدابها ببيت العنكبوت الذي لا يظهر أدنى مقاومة أمام النسيم الهادئ ، وقطرات المطر ، وهبوب الرياح.

يقول سبحانه : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيتاً وإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبيتُ العَنْكَبُوتِ لو كانُوا يَعْلَمون ). (1)

فقد شبّه آلهتهم التي اتخذوها حصوناً منيعة لأنفسهم بخيوط العنكبوت ، وبذلك صغّرهم وذلّلهم.

كما أنّه سبحانه في آية أخرى شبّه آلهتهم بالذباب ، وقال : ( يا أَيُّهَا النّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعوا لَهُ وإن يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب ). (2)

فقد كانت قريش تعبد 360 إلهاً يطلونها بالزعفران فيجفّ ، فيأتى الذباب فيختلسه فلا يقدرون عن الدفاع عن أنفسهم ، ففي هذا الصدد ، قال سبحانه : ( ضعف الطالب والمطلوب ) أي الذباب والمدعوّ.

فأي مثل أقرع من تشبيه آلهتهم بهذه الحشرة الحقيرة.ولقد مضى على الناس منذ ضرب لهم كتاب الإسلام هذا المثل أربعة عشر قرناً ، وما يزال المثل القرآني يتحدَّى كل جبروت الغزاة وعبقرية العلماء ، وما يزال على الذين غرّهم الغرور بما حقّق إنسان العصر الحديث من معجزات العلم ، أن ينسخوا ذلك ، بأن يجتمعوا

__________________

1 ـ العنكبوت : 41.

2 ـ الحج : 73.
40

فيخلقوا ذباباً ، أو يستنقذوا شيئاً سلبتهم إيّاه هذه الحشرة الضئيلة التي تقتلها ذرّة من هواء مشبع بمُبيد الحشرات ، وتستطيع مع ذلك أن تسلب مخترع المبيد حياته ، بلمسة هيّنة خاطفة تحمل إليه جرثومة داء مميت. (1)

هذا في مجال الردِّ على عبادتهم للاَوثان والأصنام ، أمّا في مجال ركونهم إلى الدنيا والاِعراض عن الآخرة ، يستعرض مثلاً يشير فيه إلى أنّ الدنيا ظل زائل وليست خالدة ، قال سبحانه : ( إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرض مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَ ازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَليها أَتاها أَمْرُنا لَيلاً أو نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفكَّرُون ). (2)

هذا بعض ما يمكن أن يقال حول الأمثال التي نزلت في مكة.

وأمّا الأمثال التي نزلت في المدينة ، فقد نجد فيها الطابع المدني لأجل انّها بصدد علاج الأدواء التي ابتلي بها المجتمع يومذاك وهي الأدواء الخلقية مكان الشرك والوثنية ، أو مكان إنكار الحياة الأخروية ، فلذلك ركّز الوحي على معالجة هذا النوع من الأدواء بالتمثيلات التي سنشير إليها.

فقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مهجره مبتلياً بالمنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام بغية الاِطاحة بالحكومة الإسلامية الفتيّة ، وفي هذا الصدد نرى أنّ الأمثال المدنية تطرّقت في آيات كثيرة إلى المنافقين وبيّنت خطورة موقفهم على الإسلام والمسلمين ، فتارة يضرب الله سبحانه لهم مثلاً بالنار وأخرى بالمطر ، يقول سبحانه : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ

__________________

1 ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : 99 ، نقلاً عن كتاب « القرآن وقضايا الإنسان » لبنت الشاطئ.

2 ـ يونس : 24.
41

ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبْصِرُون * صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون * أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوتِ وَاللهُ مُحيطٌ بِالكافِرين ). (1)

كان المجتمع المدني يضمُّ في طيّاته طوائف ثلاث من اليهود وهم : بنو قينُقاع ، وبنو النضير ، وبنو قُريظة ؛ وقد جبلوا على المكر والحيلة والغدر ، وكانوا يقرأون سمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في توراتهم ، ويمرّون عليها مرار الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة ، وهذه السمة أدت إلى أن يشبّههم سبحانه بالحمار الذي يحمل أسفاراً قيّمة دون أن يستفيدوا منها شيئاًً ، يقول سبحانه : ( مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الظالِمين ). (2)

وأمّا المسلمون الذين عاصروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا بحاجة إلى هداية إلهية تصلح أخلاقهم ، فقد كان البعض منهم ينفقون أموالهم رئاءً دون ابتغاء مرضاة الله ، أو ينفقونها بالمنّ والأذى ، فنزل الوحي الإلهي بمثل خاص يبيّن موقف المنفق في سبيل الله ، والمنفق بالمنِّ والأذى أو رئاء الناس ، قال سبحانه : ( مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مائةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليم ). (3)

وقال سبحانه : ( يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لاتُبْطِلُوا صَدقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفوانٍ عَليه

__________________

1 ـ البقرة : 17 ـ 19.

2 ـ الجمعة : 5.

3 ـ البقرة : 261.
42

تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَركَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ على شَيءٍ مِمّا كَسَبوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقومَ الكافِرِين ). (1)

هذه إلمامة خاطفة لملامح الأمثال القرآنية التي نزلت قبل الهجرة وبعدها ، وسيوافيك البحث في تلك الأمثال عند تفسير الآيات واحدة تلو الاَُخرى.

الحادي عشر : استنكار الأمثال القرآنية

يظهر من بعض الآيات أنّ بعض المخاطبين بالأمثال كانوا يستنكرونها ويستغربون منها ، وما ذلك إلا لأنّ المثل كان يكشف عن نواياهم ويبيّـن واقع عقيدتهم ، ويسفّه أحلامهم ، فيبعث فيهم القلق والاضطراب ، ذلك عندما يجمع سبحانه في أمثاله تارة بين الذباب والعنكبوت والبعوضة ـ كما مرّ ـ وأخرى بين الكلب والحمار :

كقوله سبحانه :

( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْب إنْ تَحْمِل عَلَيهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ). (2)

( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوراة ثمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً ). (3)

وقد نقل سبحانه استنكارهم ، وقال : ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوقَها فَأَمّا الّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وَأَمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدي بِهِ كَثيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إلا

__________________

1 ـ البقرة : 264.

2 ـ الأعراف : 176.

3 ـ الجمعة : 5.
43

الفاسِقين ). (1)

قال الزمخشري : والتمثيل إنّما يصار إليه لكشف المعاني ، وإدناء المتوهّم من الشاهد ، فإن كان المتمثَّل له عظيماً كان المتمثّل به مثله ، وإن كان حقيراً كان المتمثل به كذلك. (2)

وربما سرت تلك الشبهة إلى عصرنا الحاضر ، فقد استغرب بعضهم من ضرب المثل بالحشرات والأمور الحقيرة الضئيلة ، ولكنّه غفل عن أنّ العبرة في ضرب الأمثال ليس بأدواتها وآلاتها ، وإنّما بمكنوناتها وغاياتها ، وما يدرينا بسرّ الإعجاز في التركيب الجثماني للبعوضة ، مثلاً ، وما فيه من إبداع وتحدٍّ وإعداد ، ولعل فيه من الاِنجاز الخلقي ما لا نشاهده بأكثر الأجسام ضخامة وكبراً ، على أن المبدع لها جميعاً هو الله وكفى ، « والله رب الصغير والكبير وخالق البعوضة والفيل ، والمعجزة في البعوضة هي ذاتها المعجزة في الفيل ، إنّها معجزة الحياة ، معجرة السر المغلق الذي لا يعلمه إلا الله على أنّ العبرة في المثل ليست في الحجم ، إنّما الأمثال أدوات للتنوير والتبصير ، وليس في ضرب الأمثال ما يعاب ، وما من شأنه الاستحياء من ذكره. والله ـ جلّت حكمته ـ يريد بها اختبار القلوب وامتحان النفوس. (3)

الثاني عشر : التمثيلات القرآنية

قد عرفت أنّ المثل السائر غير التمثيل الوارد في القرآن الكريم ، وأنّه

__________________

1 ـ البقرة : 26.

2 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1042.

3 ـ في ظلال القرآن : 1 / 57.
44

سبحانه عند ما يقول : ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرون ) (1) يريد التمثيل لا المثل السائر ، وهذه التمثيلات هي نمط آخر من علوم القرآن وباب عظيم من معارفه.

وقد ألّف غير واحد في توضيح رموزها كتباً ورسائل ، ذكرنا أسماءها في قائمة خاصة ، ولعلّ ما لم أقف عليه أكثر من ذلك.

ولأجل إيقاف القارئ الكريم على الآيات التي سنتناولها بالبحث في هذا الكتاب ، نذكر التمثيلات القرآنية حسب ترتيب السور التي وردت فيها ، وقد تحمّل عبأ جمعها الدكتور محمد حسين على الصغير في كتابه » الصورة الفنية في المثل القرآني « على الرغم من ذلك فقد فاته بعض الآيات كما عدّ منها ما ليس منها ويتضح ذلك في دراسة هذه الآيات :

1. ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ). (2)

2. ( أَوْ كَصَـيّبٍ مِنَ السَّماءِ فيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوتِ وَاللهُ مُحيطٌ بِالكافِرين * يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوا فيهِ وَإذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَو شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدير ). (3)

3. ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمّا الّذينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وَأَمّا الّذينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدي بِهِ كَثيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إلا الفاسِقينَ * الّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ

__________________

1 ـ الحشر : 21.

2 ـ البقرة : 17 ـ 18.

3 ـ البقرة : 19 ـ 20.
45

ميثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرونَ ). (1)

4. ( وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الّذي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إلاّ دُعاءً وَنداءً صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون ). (2)

5. ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَما يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَريبٌ ). (3)

6. ( أَو كَالّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّي يُحْيي هذهِ اللهُ بَعْدَ مَوتِها فَأَماتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوماً أَوْ بَعْضَ يَومٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُر إلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلى العِظامِ كَيْفَ نَنْشِزُُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ قالَ أَعلَم أَنّ الله عَلى كُلّ شَيءٍ قَديرٌ ). (4)

7. ( مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلّّ سُنْبُلَةٍ مِائةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليمٌ ). (5)

8. ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مالَهُ رئاءَ النّاسِ ولا يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَليهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ
__________________

1 ـ البقرة : 26 ـ 27.

2 ـ البقرة : 171.

3 ـ البقرة : 214.

4 ـ البقرة : 259.

5 ـ البقرة : 261.

46

وابِلٌ فَتَركَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الكافِرينَ ). (1)

9. ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ ). (2)

10. ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فيها مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفكَّرُون ). (3)

11. ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ). (4)

12. ( مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هذهِ الحَيوةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ ريحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ). (5)

13. ( أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيّنَ لِلْكافِرينَ ما كانُوا يَعمَلُون ). (6)

____________

1 ـ البقرة : 264.

2 ـ البقرة : 265.

3 ـ البقرة : 266.

4 ـ آل عمران : 59.

5 ـ آل عمران : 117.

6 ـ الأنعام : 122.
47

14. ( وَالبَلَدُ الطَّيّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآياتِ لِقَومٍ يَشْكُرُونَ ). (1)

15. ( وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوِينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ * ساءَ مَثَلاً القَومُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ ). (2)

16. ( إِنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرنا لَيلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كأنْ لَمْ تغنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ ). (3)

17. ( مَثَلُ الفَريقَينِ كَالأعْمى وَالأصَمِّ وَالْبَصيرِ وَالسَّميعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ ). (4)

18. ( لَهُ دَعْوَةُ الحَقّ وَالَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَمَا دُعاءُ الكَافِرينَ إلا في ضَلالٍ ). (5)

__________________

1 ـ الأعراف : 58.

2 ـ الأعراف : 175 ـ 177.

3 ـ يونس : 24.

4 ـ هود : 24.

5 ـ الرعد : 14.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:00 pm

. ( أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيِهِ فِي النّار ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ في الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ ). (1)

20. ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الكافِرِينَ النّارُ ). (2)

21. ( مَثَلُ الّذينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرّيحُ في يَومٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا على شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيد ). (3)

22. ( أَلَمْ تَرَ كيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُوَْتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإذْنِ رَبّها وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون ). (4)

23. ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوقِ الأرْضِ مَالَها مِنْ قَرار ). (5)

24. ( وَسَكَنْتُمْ في مَساكِنِ الّذينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ ). (6)

__________________

1 ـ الرعد : 17.

2 ـ الرعد : 35.

3 ـ إبراهيم : 18.

4 ـ إبراهيم : 24 ـ 25.

5 ـ إبراهيم : 26.

6 ـ إبراهيم : 45.
49

25. ( للَّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَة مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأعلى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ). (1)

26. ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ على شَيءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوونَ الحَمدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ). (2)

27. ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شىءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَولاهُ أَيْنَمَا يُوَجّههُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ). (3)

28. ( وَلاتَكُونُوا كَالَّتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ الله بِهِ وَلَيُبيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ ما كُنْتُمْ فيهِ تَخْتَلِفُونَ ). (4)

29. ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلّ مَكانٍ فَكَفَرتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالخَوفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ). (5)

30. ( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لاََحَدِهِمَا جَنَّتَينِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتينِ آَتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرَاً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذه أَبَداً * وَما

__________________

1 ـ النحل : 60.

2 ـ النحل : 75.

3 ـ النحل : 76.

4 ـ النحل : 92.

5 ـ النحل : 112.
50

أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لأجِدَنَّ خَيراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لَكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَولا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ باللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُؤتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتصبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤهَا غَوراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفقَ فِيهَا وَهِىَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكَ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصراً * هُنالِكَ الولايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً ). (1)

31. ( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيَا كَماءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ). (2)

32. ( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنّ الّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذباباً وَلَوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ ). (3)

33. ( اللهُ نُورُ السَّمواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأْنَّها كَوكَبٌ دُرِيّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرةٍ مُبارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقيةٍ وَلا غَرْبيةٍ يَكادُ زَيْتُها يُِضِيءُ وَلَوْ لَمْ تمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَِهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ). (4)

__________________

1 ـ الكهف : 32 ـ 44.

2 ـ الكهف : 45.

3 ـ الحج : 73.

4 ـ النور : 35.
51

34. ( وَالَّذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآن ماءً حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسابِ ). (1)

35. ( أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشاهُ مَوجٌ مِنْ فَوقِهِ مَوجٌ مِنْ فَوقِهِ سَحابٌ ظُلماتٌ بَعْضُها فَوقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ). (2)

36. ( مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياءَ كَمَثلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ). (3)

37. ( وَهُوَ الَّذي يَبْدَوَُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلى فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ ). (4)

38. ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ ). (5)

39. ( وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرى الْفُلْكَ فيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ). (6)

__________________

1 ـ النور : 39.

2 ـ النور : 40.

3 ـ العنكبوت : 41.

4 ـ الروم : 27.

5 ـ الروم : 28.

6 ـ فاطر : 12.
52

40. ( وَما يَسْتَوي الأعْمى وَالْبَصيرُ * وَلا الظُّلُماتُ وَلاَ النُّورُ * وَلا الظّلُّ وَلا الحَرُورُ * وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ). (1)

41. ( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إذْ جاءَها الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالثٍ فَقالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قالُوا ما أَنْتُمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلاّ تَكْذِبُونَ * قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لمُرسَلُونَ * وَما عَلَيْنا إلا الْبَلاغُ الْمُبينُ * قالُوا إِنّا تَطَيَّرنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمسَّنكُمْ مِنّا عَذابٌ أَليمٌ * قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ * وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قالَ يا قَومِ اتَّبعُوا الْمُرسَلينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَماليَ لا أَعْبُدُ الَّذي فَطَرني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُم شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونَ * إِنّي إِذاً لَفي ضَلالٍ مُبينٍ * إِنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَومي يَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ الْمُكْرَمين * وَما أَنْزَلْنا عَلى قَومِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنّا مُنْزِلينَ * إِنْ كانَتْ إلا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ * يا حَسْرَةً عَلَى العِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ). (2)

42. ( أَوَلَمْ يَرَ الاِِنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبينٌ * وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظامَ وَهِيَ رَميمٌ * قُلْ يُحْيِيها الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَليمٌ ). (3)

__________________

1 ـ فاطر : 19 ـ 22.

2 ـ يس : 13 ـ 30.

3 ـ يس : 77 ـ 79.
53

43. ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فيهِ شُركاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَويانِ مَثلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ). (1)

44. ( وَإذا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجهُهُ مُسْودّاً وَهُوَ كَظيمٌ * أَوَ مَنْ يُنَشَّوَُا في الحِلْيَةِ وَهُوَ في الخِصامِ غَيْرُ مُبينٍ ). (2)

45. ( فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعين * فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثلاً للآخِرِينَ ). (3)

46. ( وَلَما ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلاً إذا قَومُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أآلهتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدلاً بَلْ هُمْ قَومٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثلاً لِبَني إِسْرائيلَ ). (4)

47. ( ذلِكَ بِأنَّ الَّذينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الباطِلَ وَأَنَّ الَّذينَ آمَنُوا اتَّبعُوا الحَقَّ مِنْ رَبّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ). (5)

48. ( مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَير آسنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّى وَلَهُمْ فيها مِنْ كُلّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ). (6)

__________________

1 ـ الزمر : 29.

2 ـ الزخرف : 17 ـ 18.

3 ـ الزخرف : 55 ـ 56.

4 ـ الزخرف : 57 ـ 59.

5 ـ محمد : 3.

6 ـ محمد : 15.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:01 pm

. ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ في التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ في الاِِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطأهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُّ الزرّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظيماً ). (1)

50. ( اعْلَمُوا أنَّما الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأمْوالِ وَالأولادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَما الحَياةُ الدُّنيا إلا مَتاعُ الْغُرُورِ ). (2)

51. ( كَمَثَلِ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَريباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ ). (3)

52. ( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ للاِنْسانِ اكْفُر فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنّي بَريءٌ مِنْكَ إِنّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمينَ ). (4)

53. ( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصدّعاً مِنْ خَشيةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ). (5)

__________________

1 ـ الفتح : 29.

2 ـ الحديد : 20.

3 ـ الحشر : 15.

4 ـ الحشر : 16.

5 ـ الحشر : 21.
55

54. ( مَثَلُ الَّذينَ حُمّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدي القَومَ الظّالِمينَ ). (1)

55. ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأة لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلينَ ). (2)

56. ( وَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرأةَ فِرْعَونَ إذْ قالَتْ رَبّ ابْنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً في الجَنَّةِ وَنَجّني مِنْ فِرْعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجّني مِنَ الْقَومِ الظّالِمينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ الّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلماتِ رَبّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ القانِتين ). (3)

57. ( وَما جَعَلَنا أَصحابَ النّارِ إلا مَلائِكةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلاّ فِتْنَةً لِلّذينَ كَفَروا لِيَسْتَيقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذينَ آمَنُوا إِيماناً ولا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكتابَ وَالْمُوَْمِنُونَ وَلِيَقولَ الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنودَ رَبّكَ إلا هُوَ وَما هِيَ إلا ذِكْرى لِلْبَشَرِ ). (4)

هذا ما ذكره الكاتب ، ولكنّه غير جامع إذ هناك آيات تتضمن تمثيلاً وإن لم

__________________

1 ـ الجمعة : 5.

2 ـ التحريم : 10.

3 ـ التحريم : 11 ـ 12.

4 ـ المدثر : 31.
56

يشتمل على لفظ المثل أو حرف التشبيه ولكن التمثيل برَّمة أركانه موجود فيها ، قال سبحانه : ( الّذينَ يَأكُلُونَ الرّبا لا يَقُومُونَ إلاّ كَما يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسّ ) (1) فشبّه آكل الربا بمن مسَّه الجن فصار مذعوراً لا يملك عقله ونفسه. إلى غير ذلك من الآيات.

قال بعض العلماء : ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أُمور كثيرة : التذكير ، والوعظ ، والحث والزجر ، والاعتبار ، والتقرير ، وتقريب المراد للعقل ، وتصويره بصورة المحسوس ، فانّ الأمثال تصوّر المعاني بصورة الأشخاص ، لأنّها أثبت في الذهن لاستعانة الذهن فيها بالحواس ، ومن ثمّ كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجليّ والغائب بالشاهد.

وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر ، وعلى المدح والذم ، وعلى الثواب والعقاب ، وعلى تفخيم الأمر وتحقيره ، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله. (2)

ثمّ إنّ الآيات التي جاء فيها التصريح بالمثل ، عبارة عن الآيات التالية :

1. ( وَلَقَدْ صَرَّفنا لِلنّاسِ في هذا القُرآنِ مِنْ كُلّ مَثَل ). (3)

2. ( وَلَقَدْ صَرّفنا في هذَا القُرآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلّ مَثَل ). (4)

3. ( وَللهِ الْمَثَلُ الأعْلى وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكِيمُ ). (5)

__________________

1 ـ البقرة : 275.

2 ـ رياض السالكين : 5 / 461.

3 ـ الإسراء : 89.

4 ـ الكهف : 54.

5 ـ النحل : 60.
57

4. ( وَلَهُ المَثَلُ الأعْلى فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيم ). (1)

5. ( وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هذا الْقُرآنِ مِنْ كُلّ مَثَل ). (2)

6. ( وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذكَّرون ). (3)

7. ( كَذلِكَ يَضْرِب اللهُ الأمْثال ). (4)

8. ( وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذكَّرون ). (5)

9. ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِم وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثال ). (6)

10. ( وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَيءٍ عَليم ). (7)

11. ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إلا الْعالمون ). (Cool

12. ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتفَكَّرُونَ ). (9)

13. ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ). (10)

14. ( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبيّناتٍ وَمَثلاً مِنَ الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقين ). (11)

15. ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاّ جِئْناكَ بِالحَقّ وَأَحْسَنَ تَفسيراً ). (12)

ولكن الأمثال أعم مما ورد فيه لفظ المثل أو كاف التشبيه كما مرّ.

__________________

1 ـ الروم : 27.

2 ـ الروم : 58.

3 ـ الزمر : 27.

4 ـ الرعد : 17.

5 ـ إبراهيم : 25.

6 ـ إبراهيم : 45.

7 ـ النور : 35.

8 ـ العنكبوت : 43.

9 ـ الحشر : 21.

10 ـ محمد : 3.

11 ـ النور : 34.

12 ـ الفرقان : 33.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:02 pm



الثالث عشر : الآيات التي تجري مجرى المثل

القرآن الكريم كلّه حكمة وعظة ، بلاغ وعبرة ، وقد قام غير واحد من المحقّقين باستخراج الحكم الواردة فيه التي صارت أمثالاً سائرة عبر القرون لتداولها على الألسن في حياتهم العملية. وقد سبق منّا القول إنّ هذه الآيات لم تنزل بوصف المثل ، لأنّ المثل عبارة عن كلام تداولته الألسن فصار به أمثالاً سائرة دارجة ، ومن الواضح أنّ الحكم الواردة في القرآن نزلت من دون سبق مثال لها ، فلم تكن يوم نزولها موصوفة بوصف المثل ، وانّما أُضفي عليها هذا الوصف عبر مرّ الزمان وتداول الألسن.

ثم إنّ جعفر بن شمس الخلافة (1) ( المتوفّى عام 226 هـ ) عقد باباً في ألفاظ القرآن الجارية مجرى المثل ، ونقله السيوطي عنه في كتاب « الإتقان » ، وقال : وهذا هو النوع البديعي المسمّى بإرسال المثل.

وإليك ما أورده من هذا الباب :

1. ( وَعَسى أَنْ تكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ). (2)

2. ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة ). (3)

3. ( لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَها ). (4)

__________________

1 ـ هو أبو الفضل جعفر بن محمد شمس الخلافة الأفضلي البصري المتولّد عام 543 هـ ، ترجمه ابن خلكان في « وفيات الأعيان » مؤلف كتاب « الآداب » وهو كتاب وجيز في الحكم والأمثال من النثر والنظم طبع في مصر عام 1349 هـ.

2 ـ البقرة : 216.

3 ـ البقره : 249.

4 ـ البقرة : 286.
59

4. ( لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون ). (1)

5. ( ما عَلى الرَّسُولِ إلا البَلاغُ ). (2)

6. ( قُلْ لا يَسْتَوي الْخَبيثُ وَالطَّيّب ). (3)

7. ( لِكُلّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٍ ). (4)

8. ( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيراً لأسمَعَهُمْْ ). (5)

9. ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل ). (6)

10. ( الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قبلُ ). (7)

11. ( أَلَيْسَ الصُّبحُ بِقَرِيب ). (Cool

12. ( قُضِي الأمْرُ الَّذى فِيهِ تَسْتَفْتِيان ). (9)

13. ( الآن حَصْحَصَ الحَقّ ). (10)

14. ( قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه ). (11)

15. ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداك ). (12)

16. ( ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب ). (13)

17. ( كُلُّ حِزبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُون ). (14)

__________________

1 ـ آل عمران : 92.

2 ـ المائدة : 99.

3 ـ المائدة : 100.

4 ـ الأنعام : 67.

5 ـ الأنفال : 23.

6 ـ التوبة : 91.

7 ـ يونس : 91.

8 ـ هود : 81.

9 ـ يوسف : 41.

10 ـ يوسف : 51.

11 ـ الإسراء : 84.

12 ـ الحج : 10.

13 ـ الحج : 73.

14 ـ الروم : 32.
60

18. ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي البَرّ وَالْبَحْر ). (1)

19. ( وَقليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُور ). (2)

20. ( وَحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُون ). (3)

21. ( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبير ). (4)

22. ( وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيّءُ إلا بِأَهْلِهِ ). (5)

23. ( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ ). (6)

24. ( لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُون ). (7)

25. ( وَقَليلٌ ما هُمْ ). (Cool

26. ( لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ الله كاشِفَة ). (9)

27. ( هَلْ جَزاءُ الإحْسان إلاّ الإحْسان ). (10)

28. ( فَاعْتَبِرُوا يا أُولي الأبْصار ). (11)

29. ( تَحْسَبُهُمْ جَميعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى ). (12)

30. ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَة ). (13)

__________________

1 ـ الروم : 41.

2 ـ سبأ : 13.

3 ـ سبأ : 54.

4 ـ فاطر : 14.

5 ـ فاطر : 43.

6 ـ يس : 78.

7 ـ الصافات : 61.

8 ـ ص : 24.

9 ـ النجم : 58.

10 ـ الرحمن : 60.

11 ـ الحشر : 2.

12 ـ الحشر : 14.

13 ـ المدثر : 38.

61

هذا ما نقله السيوطي في « الإتقان » عن كتاب « الآداب » لجعفر بن شمس الخلافة ، ولكن المذكور في كتاب « الآداب » ما يناهز 69 آية ، وقد صارت هذه الآيات في عصره أمثالاً سائرة. (1)

ثمّ إنّ شهاب الدين محمد بن أحمد أبا الفتح الابشيهي المحلي ( 790 ـ 850 هـ ) في كتابه « المستطرف في كل فن مستظرف » ذكر من حِكم القرآن التي تجري مجرى الأمثال أكثر مما نقله السيوطي في إتقانه عن كتاب الآداب.

قال صاحب المستطرف : إنَّ الأمثال من أشرف ما وصل به اللبيب خطابه ، وحلّي بجواهره كتابه ، وقد نطق كتاب الله تعالى وهو أشرف الكتب المنزلة بكثير منها ، ولم يخلُ كلام سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمعنها ، وهو أفصح العرب لساناً وأكملهم بياناً ، فكم في إيراده وإصداره من مثل يعجز عن مباراته في البلاغة كلّ بطل ، .... فمن أمثال كتاب الله ، قوله تعالى : ( لَنْ تَنالُوا البِرّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون ) ، ( الآن حَصْحَصَ الحَق ) ، و ( قُضِي الأمْرُ الذي فيهِ تَسْتَفْتِيان ) إلى آخر ما ذكره. (2)

ثمّ إنّ بعض من ألّف في أمثال القرآن ، استدرك عليهما الحِكم التي صارت مثلاً بين الناس والتي يربو عددها على 245 آية. (3)

كما أنّ الدكتور محمدحسين الصغير ذكر في خاتمة كتابه من هذه المقولة فبلغ 495 آية. (4)

ولكن الذي فاتهم هو التركيز على أنَّ هذه الآيات لم تكن أمثالاً يوم نزولها

____________

1 ـ الإتقان : 2 / 1046النوع السادس والستون.

2 ـ المستطرف في كلّ فن مستظرف : 1 / 27.

3 ـ َمثال القرآن ، علي أصغر حكمت.

4 ـ الصورة الفنّية في المثل القرآني : 387 ـ 402.
62

، بل كانت حِكماً وإنّما جاءت مثلاً حسب مرّ الزمان.

وأخيراً نزيد أنّ هناك آيات أخرى غير ما تقدَّم أكثر تداولاً على الألسن في أكثر البلاد الإسلامية نشير إلى قسم منها ، وربما يوجد بعض منها فيما ذكره مؤلف الآداب ، وهذه الآيات هي :

1. ( كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ). (1)

2. ( هذا فراقٌ بَيْنِي وَبَيْنِك ). (2)

3. ( نُورٌ عَلى نُور ). (3)

4. ( وَ ما عَلى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغ ). (4)

5. ( يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيّتِ وَيُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ ). (5)

6. ( هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُون ). (6)

7. ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ ). (7)

8. ( هَلْ جَزاء الإحْسانِ إلاّ الإحسانُ ). (Cool

9. ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُون ). (9)

10. ( لَكُمْ دِينُـكُمْ وََلِي دِين ). (10)

هذه آيات عشر صارت مثلاً سائراً بين أكثر المسلمين.

__________________

1 ـ الأعراف : 31.

2 ـ الكهف : 78.

3 ـ النور : 35.

4 ـ النور : 54.

5 ـ الروم : 19.

6 ـ الزمر : 9.

7 ـ الفتح : 10.

8 ـ الرحمن : 60.

9 ـ الصف : 2.

10 ـ الكافرون : 6.
63

ثم إنّ المحقّق بهاء الدين العاملي ( 953 ـ 1030 هـ ) عقد فصلاً تحت عنوان « فيما ورد من كتاب الله تعالى مناسباً لكلام العرب » ويريد بذلك انّ هناك معادلات في كلام العرب لما جاء في القرآن من الحكم ، وذكر الآيات والأمثال التالية :

أ : العرب تقول في وضوح الأمر : « قد وضح الصبح لذي عينين ».

وقال الله تعالى : ( الآن حَصْحَصَ الحَقّ ). (1)

ب : وتقول العرب في فوات الأمر : « سبق السيف العذل ».

قال الله تعالى : ( قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتيان ). (2)

ج : وتقول في تلافي الإساءة « عاد غيث على ما أفسد ».

قال الله تعالى : ( مكانَ السَّيئةِ الحَسنة ). (3)

د : وتقول في الإساءة لمن لا يقبل الاِحسان : « اعط أخاك ثمرة فإن أبي فجمرة ».

وقال تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين ). (4)

هـ : وتقول في فائدة المجازاة : « القتل أنفى للقتل ».

وقال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ يا أُولي الألْباب ). (5)

__________________

1 ـ يوسف : 51.

2 ـ يوسف : 41.

3 ـ الأعراف : 95.

4 ـ الزخرف : 36.

5 ـ البقرة : 179.
64

و : وتقول في اختصاص الصلح : « لكّل مقام مقال ».

وقال تعالى : ( لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقر ) (1) (2)

ثمّ إنّ بهاء الدين العاملى عاد إلى الموضوع في كتابه « المخلاة » ونقل شيئاً من أمثال العرب التي استفادها العرب من القرآن الكريم ، فأوضح أنّ القرآن هو المنبع المهم لهذه الأمثال ، قال :

أ : قولهم : ما تزرع تحصد : ( مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ ). (3)

ب : قولهم : للحيطان آذان : ( وَفيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ). (4)

ج : قولهم : احذر شرَّ من أحسنت إليه : ( وَما نَقَمُوا إلاّ أنْ أغناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ). (5)

د : وقولهم : لا تلد الحيّة إلاّ حيّة : ( وَلا يَلِدُوا إلاّ فاجِراً كفّاراً ) (6) (7)

وما ذكره شيخنا العاملى هو الذي سبق ذكره في كلام الآخرين تحت عنوان « الأمثال الكامنة ».

ولعلّ ما ذكره ابن شمس الخلافة والسيوطى والبهائى ليس إلاّ جزءاً يسيراً من الحكم التي سارت بين الناس ، أو صارت نموذجاً لصبّ بقية الأمثال في قالبها ، وهذا من القرآن ليس ببعيد.

كيف وقد وصفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ». (Cool

__________________

1 ـ الأنعام : 67.

2 ـ أسرار البلاغة : 616 ـ 617.

3 ـ النساء : 123.

4 ـ التوبة : 47.

5 ـ التوبة : 74.

6 ـ نوح : 27.

7 ـ المخلاة : 307.

8 ـ الكافي : 2599 ، كتاب فضل القرآن ، الحديث 2.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:03 pm

الرابع عشر : الأمثال النبوية

إذا كان المثل إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهود ، وتحلية المعقول بحلية المحسوس ، واستنزال الحقائق المستعصية ، فهو من أدوات التبليغ والتعليم ، ولذلك ذاع التمثيل في القرآن الكريم والكلمات النبوية ، وكلمات أئمّة أهل البيت عليهما‌السلام ، إلى عبارات البلغاء وإشارات الحكماء.

وقد قام غير واحد من المحدثين بجمع الأمثال النبوية.

وقد ذكر المحقّق المعاصر الشيخ محمد الغروي ـ حفظه الله ـ في مقدمة كتابه « الأمثال النبوية » حوالي عشرة كتب حول الأمثال النبويّة ، وهو بكتابه هذا أوصل العدد إلى أحد عشر كتاباً ، وقد نقل عن عبد المجيد محمود مؤلف كتاب « أمثال الحديث » العبارة التالية : أمّا أمثال الحديث فلم تحظ بالعناية التي نالتها أمثال القرآن أو الأمثال العربية العامة ، ولم أر أحداً من أصحاب الكتب الستة أفردها بالتأليف أو أفرد لها باباً في كتابه ، سوى الإمام الترمذي الذي خصص لأمثال الحديث مكاناً في جامعه تحت عنوان : « أبواب الأمثال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّه لم يذكر تحت هذا العنوان غير أربعة عشر حديثاً ، ولهذا يقول ابن العربي : ولم أر أحداً من أهل الحديث صنف فأفرد لها باباً غير أبي عيسى ـ يعني الترمذي ـ ولله درّه لقد فتح باباً أو بنى قصراً أو داراً ، ولكن اختط خطاً صغيراً ، فنحن نقتنع به ونشكره عليه. (1)

ثمّ إنّ شيخنا الغروي قام بجمع شوارد الأمثال النبوية في جزءين كبيرين مع تفسيرها ، مرتباً إياها وفق حروف التهجّي ، وأسمى كتابه « الأمثال النبويّة » ،

__________________

1 ـ أمثال الحديث : 88 ، ولكلامه صلة.
66

وطبع في بيروت.

وها نحن نذكر نماذج من الأمثال النبوية التي جمعها السيوطي في « الجامع الصغير » لتكون زينة للكتاب.

1. « مثل الإيمان مثل القميص تقمَّصه مرّة ، وتنزعه أخرى ».

2. « مثل البخيل والمتصدّق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأمّا المنفق فلا ينفق إلاّ سبغت على جلده ، حتى تخفي بنانه ، وتعفو أثره ، وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلاّ لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسّعها فلا تتسع ».

3. « مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه ، مثل الحيّ والميّت ».

4. « مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل صاحب المسك وكير الحدّاد ، لا يعدمك من صاحب المسك ، إمّا أن تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحاً خبيثة ».

5. « مثل الجليس الصالح مثل العطّار ، إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه ».

6. « مثل الرّافلة في الزينة في غير أهلها ، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها ».

7. « مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ عذب على باب أحدكم ، يغتسل فيه كلّ يوم خمس مرّات ، فما يبقي ذلك من الدَّنس ».

8. « مثل العالم الذي يعلّم الناس الخير وينسى نفسه ، كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ».
67

9. « مثل القلب مثل الريشة تقلّبها الرياح بفلاة ».

10. « مثل الذي يعتق عند الموت ، كمثل الذي يهدي إذا شبع ».

11. « مثل الذي يتعلّم العلم ، ثمّ لا يحدّث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه ».

12. « مثل الذي يتعلّم العلم في صغره كالنقش على الحجر ، ومثل الذي يتعلّم العلم في كبره ، كالذي يكتب على الماء ».

13. « مثل الذي يجلس يسمع الحكمة ولا يحدّث عن صاحبه إلاّ بشرّ ما يسمع ، كمثل رجل أتى راعياً ، فقال : يا راعي اجزرني شاة من غنمك ، قال : اذهب فخذ بأُذنِ خيرها شاةً ، فذهب فأخذ بأُذنِ كلب الغنم ».

14. « مثل الذي يتكلّم يوم الجمعة والاِمام يخطب ، مثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : « انصت » لا جمعة له ».

15. « مثل الذي يعلّم الناس الخير وينسى نفسه ، مثل الفتيلة ، تضيء للناس وتحرق نفسها ».

16. « مثل الذي يعين قومه على غير الحقّ ، مثل بعير تردّى وهو يجرّ بذنبه ».

17. « مثل الذين يغزون من أُمّتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم ، مثل أُمّ موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها ».

18. « مثل المؤمن كمثل العطار ، إن جالسته نفعك ، وإن ماشيته نفعك ، وإن شاركته نفعك ».

19. « مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك ».

20. « مثل المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه ، كمثل البنيان يشدّ بعضه
68

بعضاً ».

21. « مثل المؤمن مثل النحلة ، لا تأكل إلاّ طيباً ، ولا تضع إلاّ طيباً ».

22. « مثل المؤمن مثل السنبلة ، تميل أحياناً ، وتقوم أحياناً ».

23. « مثل المؤمن مثل السنبلة ، تستقيم مرّة ، وتخرّ مرّة ، ومثل الكافر مثل الأرزّة ، لا تزال مستقيمة حتى تخرّ ولا تشعر ».

24. « مثل المؤمن مثل الخامة ، تحمرُّ مرّة ، وتصفرُّ أخرى ، والكافر كاللأرزّة ».

25. « مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفتها ، فإذا سكنت اعتدلت ، وكذلك المؤمن ، يكفّأ بالبلاء ، ومثل الفاجر كاللأرزّة صمّاء معتدلة ، حتى يقصمها الله تعالى إذا شاء ».

26. « مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاُترجُّة ريحها طيّب وطعمها طيّب.ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها ، وطعمها حلوٌ. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب ، وطعمها مرّ ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ».

27. « مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيّباً ، وإن وضعت وضعت طيّباً ، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره ، ومثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرّت ، وإن وزنت لم تنقص ».

28. « مثل المؤمن كالبيت الخرب في الظاهر ، فإذا دخلته وجدته مونفاً ، ومثل الفاجر كمثل القبر المشرف المجصّص ، يعجب من رآه وجوفه ممتلىَُ نتناً.

29. مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى ».
69

30. مثل المجاهد في سبيل الله ، كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صدقة ، حتى يرجع ، وتوكّل الله تعالى للمجاهد في سبيله إن توفّاه أن يدخله الجنّة أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمة ».

31. « مثل المرأة الصالحة في النساء ، كمثل الغراب الأعصم الذي إحدى رجليه بيضاء ».

32. « مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرّة ، وإلى هذه مرّة ، لا تدري أيّهما تتبع ».

33. « مثل ابن آدم وإلى جنبه تسعة وتسعون منيّة ، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت ».

34. « مثل أصحابي مثل الملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلاّ بالملح ».

35. « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يُدرى أوّله خير ، أم آخره ».

36. « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».

37. « مثل بلال كمثل نحلة ، غدت تأكل من الحلو والمرّ ثم يمسي حلواً كلّه ».

38. « مثل بلعم بن باعوراء في بني إسرائيل ، كمثل أُمية بن أبي الصلت في هذه الاَُمّة ».

39. « مثل منىً كالرحم في ضيقه ، فإذا حملت وسعها الله ».

40. مثل هذه الدنيا مثل ثوب شُقَّ من أوّله إلى آخره ، فبقي متعلّقاً بخيط في آخره ، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع ».
70

41. « مثلي ومثل الساعة كفرسي رهان ، مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قوم طليعة ، فلمّـا خشي أن يسبق ألاح بثويبه : أُتيتم أُتيتُم ، أنا ذاك ، أنا ذاك ».

42. « مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً ، فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذُبّـهنّ عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي ». (1)

الخامس عشر : الأمثال العلوية

كان أمير المؤمنين عليه‌السلام مشرّع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولّدها ، ومنه عليه‌السلام ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، وعلى كلامه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي.

فقد قام غير واحد من روّاد الفصاحة والبلاغة بجمع شوارد كلامه ، وكلمه القصار والطوال ، فنافت على اثنتي عشرة ألف كلمة ، وفيما جمعه عبد الواحد الآمدي ( المتوفّى حدود 550 هـ ) في كتابه « غرر الحكم ودرر الكلم » غنىً وكفاية لطلاّب الحق ولذلك نطوي عنها كشحا.

وأمّا التمثيل في كلمات سائر الأئمة الاثني عشر فحدّث عنه ولا حرج ، وقد شمّر المحقّق الغرويّ عن ساعد الجدّ فألّف موسوعات في هذا المضمار ، شكر الله مساعيه الجميلة.

__________________

1 ـ الجامع الصغير : 2 / 527 ـ 534.
71

السادس عشر : أمثال لقمان الحكيم

اختلفت الأقوال في شخصية لقمان الحكيم ، روى ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « لم يكن لقمان نبيّاً ، ولكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين ، أحبّ الله فأحبّه ومنّ عليه بالحكمة ». (1)

وقد بلغ سموُّ كلامه إلى حدّ نقل سبحانه وتعالى شيئاً من حكمه في القرآن الكريم ، وأنزل سورة باسمه ، كما قام غير واحد من العلماء بجمع حكمه المبثوثة في الكتب.

وقد قام أمين الإسلام الطبرسي بنقل شيء من حكمه في تفسيره ، وقد وصفه الإمام الصادق عليه‌السلام بقوله : « والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله ، متورّعاً في الله ساكتاً سكيناً ، عميق النظر ، طويل التفكّر ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قطّ ، ولم يتكىَ في مجلس قوم قطّ ، ولم يتفل في مجلس قوم قطّ ، ولم يعبث بشيء قطّ ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ ، ولا على اغتسال لشدّة تستره وتحفّظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإثم في دينه ، ولم يمازح إنساناً قطّ ، ولم يفرح بما أوتيه من الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قطّ ، ... ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلاّ أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحاجزا ، ولم يسمع قولاً استحسنه من أحد قطّ ، إلاّ سأله عن تفسيره وعمّن أخذه ، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء ، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ، ويتعلّم ما يغلب به

__________________

1 ـ مجمع البيان : 4 / 315.




نفسه ويجاهد به هواه ، ويحترز من السلطان ، وكان يداوي نفسه بالتفكّر والعبر ، وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه ، ولا ينظر إلا فيما يعينه ، فبذلك أوتي الحكمة ومنح القضية ». (1)

__________________

1 ـ مجمع البيان : 4 / 317 ـ 318.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:05 pm

سورة البقرة

1


التمثيل الأوّل

قال سبحانه : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا إِلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون * اللهُ يَسْتَهْزِىَُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُون * أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً فَلَمّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمّ بُكمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ). (1)

تفسير الآيات

الوقود ـ بفتح الواو ـ الحطب ، استوقد ناراً ، أو أوقد ناراً ، كما يقال : استجاب بمعنى أجاب.

افتتح كلامه سبحانه في سورة البقرة بشرح حال طوائف ثلاث :

الاَُولى : المؤمنون ، واقتصر فيهم على آيتين.

الثانية : الكافرون ، واقتصر فيهم على آية واحدة.

الثالثة : المنافقون ، وذكر أحوالهم وسماتهم ضمن اثنتى عشرة آية.

__________________

1 ـ البقرة : 14 ـ 18.
74

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ النفاق بؤرة الخطر ، وانّهم يشكلون خطورة جسيمة على المجتمع الاِسلامى. وقد مثل بمثلين يوقفنا على طبيعة نواياهم الخبيثة وما يبطنون من الكفر.

بدأ كلامه سبحانه في حقهم بأنّ المنافقين هم الذين يبطنون الكفر ويتظاهرون بالإيمان ( وَإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإذا خَلَوا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون ).

ثمّ إنّه سبحانه يردّ عليهم ، بقوله : ( اللهُ يَسْتَهْزِىَُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُون ) والمراد أنّه سبحانه يجازيهم على استهزائهم.

ثمّ وصفهم بقوله : ( أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين ) ، أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، فلم يكونوا رابحين في هذه التجارة والاستبدال ، ثمّ وصفهم بالتمثيل الآتي :

نفترض أنّ أحداً ، ضلّ في البيداء وسط ظلام دامس وأراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبّط فيه ، ولا يمكن أن يهتدي ـ والحال هذه ـ إلاّ بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها ويتجنب المزالق الخطيرة ، وما أن أوقد النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده ، فعاد إلى حيرته الا َُولى.

فحال المنافقين كحال هذا الرجل حيث إنّهم آمنوا بادىَ الأمر واستناروا بنور الإيمان ومشوا في ضوئه ، لكنّهم استبدلوا الإيمان بالكفر فعمَّهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلاً.

هذا على القول بأنّ المنافقين كانوا مؤمنين ثمّ عدلوا إلى الكفر ، وأمّا على
75

القول بعدم إيمانهم منذ البداية ، فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق ، ولكنّهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك وتعالى.

والحاصل : أنّ حال هؤلاء المنافقين لمّا أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر كحال من ضلَّ في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالأخطار فأوقد ناراً لاِنارة طريقه فإذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركته في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل.

وهذا التمثيل الذي برع القرآن الكريم في تصويره يعكس حال المنافقين في عصر الرسالة ، ومقتضى التمثيل أن يهتدي المنافقون بنور الهداية فترة من الزمن ثمّ ينطفئ نورها بإذن الله سبحانه ، وبالتالي يكونوا صمّاً بكماً عمياً لا يهتدون ، فالنار التي اهتدى بها المنافقون عبارة عن نور القرآن ، وسنّة الرسول ، حيث كانوا يتشرّفون بحضرة الرسول ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله ، فهم بذلك كمن استوقد ناراً للهداية ، فلمّـا أضاءت لهم مناهج الرشد ومعالم الحقّ تمرّدوا على الله بنفاقهم ، فخرجوا عن كونهم أهلاً للتوفيق والتسديد ، فأوكلهم الله سبحانه إلى أنفسهم الأمّارة وأهوائهم الخبيثة ، وعمّتهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم.

وعلى هذا ابتدأ سبحانه بذكر المثل بقوله : ( مَثَلُهمْ كَمَثلِ الَّذى استوقَد ناراً فلَمّا أضاءَت ما حوله ) وتمّ المثل إلى هنا.

ثمّ ابتدأ بذكر الممثل بقوله : ( ذَهَبَ الله بِنُورهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبصرون ).

فإن قلت : فعلى هذا فما هو جواب « لمّا » في قوله ( فلمّا أضاءَت ) ؟

76

قلت : الجواب محذوف ، لأجل الوجازة ، وهو قوله « خمدت ».

فإن قلت : فعلى هذا فبم يتعلّق قوله : ( ذهب الله بنورهم ) ؟

قلت : هو كلام مستأنف راجع إلى بيان حال الممثل ، وتقدير الكلام هكذا : فلَمّا أضاءَت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام متحيرين متحسّرين على فوات الضوء ، خائبين بعد الكدح من إيقاد النار.

فحال المنافقين كحال هؤلاء ، أشعلوا ناراً ليستضيئوا بنورها لكن ( ذَهَب الله بنورهم وتَرَكَهُمْ في ظُلمات لا يُبصرون ).

وبكلمة موجزة : ما ذكرنا من الجمل هو المفهوم من الآية ، والاِيجاز بلا تعقيد من شؤون البلاغة. (1)

فقوله سبحانه : ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) بمعنى أنّ ذلك كان نتيجة نفاقهم وتمرّدهم وبالتالي تبدّد قابليتهم للاهتداء بنور الحقّ ( فَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُون ) أي في أهوائهم وسوء اختيارهم يتخبّطون في ظلمات الضلال ، لا يبصرون طريق الحقّ والرشاد.

ترى أنّ التمثيل يحتوي على معاني عالية وكثيرة بعبارات موجزة ، ولو حاول القرآن أن يبيّن تلك المعاني عن غير طريق التمثيل يلزم عليه بسط الكلام كما بسطناه ، وهذا من فوائد المثل ، حيث يؤدي معاني كثيرة بعبارات موجزة.

ثمّ إنّه سبحانه يصفهم بأنّهم لما عطّلوا آذانهم فهم صمّ ، وعطّلوا ألسنتهم فهم بكم ، وعطّلوا عيونهم فهم عمي ، قال : ( صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ).

والمراد من التعطيل أنّهم لم يكونوا ينتفعون بهذه الأدوات التي بها تعرف

__________________

1 ـ لاحظ الكشاف : 1 / 153.
77

الحقائق ، فما كانوا يسمعون آيات الله بجدٍّ ، ولا ينظرون إلى الدلائل الساطعة للنبوة إلاّ من خلال الشك. (1)

إلى هنا تمّ استعراض حال المنافقين بحال من أوقد ناراً للاستضاءة ، ولكن باءت مساعيه بالفشل.

وممّا يدل على أنّ المنافقين آمنوا بالله ورسوله في بدء الأمر ثمّ طغى عليهم وصف النفاق ، قوله سبحانه : ( ذلِكَ بأَنّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِـعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُون ). (2)

وممّا يدل على أنّ الإسلام نور ينوّر القلوب والأنفس قوله سبحانه : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلاِسْلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ ). (3)

وأمّا الظلمة التي تحيط بهم بعد النفاق وتجعلهم صمـّاً بكماً عمياً ، فالمراد ظلمات الضلال التي لا يبصرون فيها طريق الهدى والرشاد ، يقول سبحانه : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلياوَُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُون ). (4)

وبذلك ظهر أنّ تفسير الظلمة التي يستعقبها إطفاء النور بظلمة القبر وحياة البرزخ ومابعدها من مواقف الحساب والجزاء غير سديد ، وإن كان هناك ظلمة للمنافق لكنّها من نتائج الظلمة الدنيوية.

__________________

1 ـ انظر مجمع البيان : 1 / 54 ؛ آلاء الرحمن : 1 / 73.

2 ـ المنافقون : 3.

3 ـ الزمر : 22.

4 ـ البقرة : 257.
78

فاستشهاد صاحب المنار على كون المراد هو ظلمة القبر والبرزخ بقوله سبحانه : ( يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ لِلَّذينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً ... ) (1) ليس بأمر صحيح ، والآية ناظرة إلى حياتهم الدنيوية التي يكتنفها الإيمان والنور ، ثمّ تحيط بهم الظلمة والضلالة ، ولا نظر للآية لما بعد الموت.

سؤال وإجابة

إنّ مقتضى البلاغة هو الاِتيان بصيغة الجمع حفظاً للتطابق بين المشبّه والمشبّه به ، مع أنّه سبحانه أفرد المشبّه به ( كالذي استوقد ناراً ) وجمع المشبّه أعني قوله : ( مثلهم ) ( ذهب الله بنورهم ) ، فما هو الوجه ؟

أجاب عنه صاحب المنار بقوله : إنّ العرب تستعمل لفظ « الذي » في الجمع كلفظي « ما » و « مَن » ومنه قوله تعالى : ( وَخُضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا ) (2) وإن شاع في « الذي » الافراد ، لأنّ له جمعاً ، وقد روعي في قوله ( استوقد ) لفظه ، وفي قوله ( ذهب الله بنورهم ) معناه. والفصيح فيه مراعاة التلفظ أوّلاً ، ومراعاة المعنى آخراً ، والتفنّن في إرجاع الضمائر ضرب من استعمال البلغاء. (3)

ولنا مع هذا الكلام وقفة ، وهي أنّ ما ذكره مبني على أنّ قوله سبحانه : ( ذَهَبَ الله بنورهِمْ وَتَرَكهم في ظُلماتٍ لا يُبصرون ) في تتمة المثل ، وأجزاء المشبه به ، ولكنّك قد عرفت خلافه ، وانّ المثل تمّ في قوله : ( فلمّا أضاءت

__________________

1 ـ الحديد : 13.

2 ـ التوبة : 69.

3 ـ تفسير المنار : 1 / 169.
79

ما حوله ) ، وذلك بحذف جواب « لمّـا » ، لكونه معلوماً في الجملة التالية ، وهو عبارة عن إخماد ناره فبقى في الظلام خائفاً متحيّراً.

وإلاّ فلو كان قوله ( ذهب الله بنورهم ) من أجزاء المشبّه به ، وراجعاً إلى مَن استوقد ناراً ، يلزم أن تكون الجملة التالية أعني قوله : ( صمّ بكمٌ عُمىٌ ) كذلك ، أي من أوصاف المستوقد ، مع أنّها من أوصاف المنافق دون أدنى ريب ، ولو أردنا أن نصيغ المشبه والمشبه به بعبارة مفصّلة ، فنقول :

المشبه به : الذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله أطفأت ناره.

والمشبه : المنافقون الذين استضاءوا بنور الإسلام فترة ثمّ ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون.

وأمّا وجه الافراد ، فهو أنّه إذا كان التشبيه بين الأعيان فيلزم المطابقة ، لأنّ عين كلّ واحد منهم غير أعيان الآخر. ولذلك إنّما يكون التشبيه بين الأعيان إذا روعي التطابق في الجمع والإفراد ، يقول سبحانه : ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) (1) ، وقوله : ( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ). (2)

وأمّا إذا كان التشبيه بين الأفعال فلا يشترطون التطابق لوحدة الفعل من حيث الماهية والخصوصيات ، يقال في المثل : ما أفعالكم كفعل الكلب. أي ما أفعالكم إلاّ كفعل الكلب.

وربما يقال : إنّ الموصول « الذي » بمعنى الجمع ، قال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (3) (4)

__________________

1 ـ المنافقون : 4.

2 ـ الحاقة : 7.

3 ـ الزمر : 33.

4 ـ انظر التبيان في تفسير القرآن : 1 / 86.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:06 pm

سورة البقرة

2


التمثيل الثاني

قال سبحانه : ( أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِير ). (1)

تفسير الآيات

الصيّب : المطر ، وكلّ نازل من علوّ إلى أسفل ، يقال فيه : صاب يصوب ، وهو عطف على قوله ( كَمَثَلِ الّذي استوقَدَ ناراً ) ، ولما كان المثل الثاني أيضاً مثلاً للمنافقين ، فمقتضى القاعدة أن يقول « وكصيّب » مكان ( أو كصيّب ) ولكن ربّما يستعمل « أو » بمعنى « و » قال الشاعر :

نال الخلافة أو كانت له قدرا




كما أتى ربّه موسى على قدر

ويحتمل أن يكون « أو » للتخيير ، بأن مَثل المنافقين بموقد النار ، أو بمن وقع في المطر.

__________________

1 ـ البقرة : 19 ـ 20.
81

والرعد : هو الصوت الذي يُسمَع في السحاب أحياناً عند تجمعه.

والبرق : هو الضوء الذي يلمع في السحاب غالباً ، وربما لمع في الاَُفق حيث لا سحاب ، وأسباب هذه الظواهر اتحاد شحنات السحاب الموجبة بالسالبة كما تقرر ذلك في علم الطبيعيات.

والصاعقة : نار عظيمة تنزل أحياناً أثناء المطر والبرق ، وسببها تفريغ الشحنات التي في السحاب بجاذب يجذبها إلى الأرض.

والإحاطة بالشيء : الاِحداق به من جميع الجهات.

والخطف : السلب والأخذ بسرعة ، ومنه نهي عن الخطفة بمعنى النهبة.

قوله : ( وَإذا أَظلَم ) بمعنى إذا خفت ضوء البرق.

إلى هنا تمّ تفسير مفردات الآيات ، فلنرجع إلى بيان حقيقة التمثيل الوارد في الآية ، ليتضح من خلالها حال المنافقين ، فانّ حال المشبه يعرف من حال المشبه به ، فالمهم هو التعرّف على المشبه به.

والإمعان في الآيات يثبت بأنّ التمثيل يبتدأ من قوله ( أو كصيّبٍ من السَّماء ) وينتهي بقوله : ( وَإذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ).

وأمّا قوله : ( وَاللهُ محيطٌ بِالكافرين ) جملة معترضة جيء بها في أثناء التمثيل ، وقوله بعد انتهاء التمثيل : ( وَلَو شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ ) يرجع إلى المشبه.

هذا ما يرجع إلى مفردات الآيات وكيفية انسجامها ، والمهمّ هو ترسيم ذلك المشهد الرهيب.

فلنفترض أنّ قوماً كانوا يسيرون في الفلوات وسط أجواء سادها الظلام
82

الدامس ، فإذا بصيّب من السماء يتساقط عليهم بغزارة ، فيه رعود قاصفة وبروق لامعة تكاد تخطف الأبصار من شدتها وصواعق مخيفة ، فتولاّهم الرعب والفزع والهلع ممّا حدا بهم إلى أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم خشية الموت للحيلولة دون سماع ذلك الصوت المخيف ، فعندئذٍ وقفوا حيارى لا يدرون أين يولّون وجوهم ، فإذا ببصيص من البرق أضاء لهم الطريق فمشوا فيه هنيئة ، فلما استتر ضوء البرق أحاطت بهم الظلمة مرة أخرى وسكنوا عن المشي.

ونستخلص من هذا المشهد أنّ الهول والرعب والفزع والحيرة قد استولى على هؤلاء القوم لا يدرون ماذا يفعلون ، وهذه الحالة برمَّتها تصدق على المنافقين ، ويمكن تقريب ذلك ببيانين :

البيان الأوّل : التطبيق المفرق لكلّ ما جاء من المفردات في المشبه به ، كالصيّب والظلمات والرعد والبرق ، على المشبَّه ، وقد ذكر المفسرون في ذلك وجوهاً أفضلها ما ذكره الطبرسي تحت عنوان الوجه الثالث.

وقال : إنّه مثل للإسلام ، لأنّ فيه الحياة كما في الغيث الحياة ، وشبه ما فيه من الظلمات بما في إسلامهم من إبطان الكفر ، وما فيه من الرعد بما في الإسلام من فرض الجهاد وخوف القتل ، وبما يخافونه من وعيد الآخرة لشكّهم في دينهم ، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وموارثتهم ، وما فيه من الصواعق كما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل. ويقوى ذلك ما روي عن الحسن عليه‌السلام انّه قال : « مثل إسلام المنافق كصيّب هذا وصفه ». (1)

وربّما يقرّر هذا الوجه بشكل آخر ، وهو ما أفاده المحقّق محمد جواد

__________________

1 ـ مجمع البيان : 1 / 57.
83

البلاغي ( المتوفّى 1352 هـ ) فقال : الإسلام للناس ونظام اجتماعهم كالمطر الصيّب فيه حياتهم وسعادتهم في الدارين وزهرة الأرض بالعدل والصلاح والأمن وحسن الاجتماع ، ولكن معاندة المعاندين للحق وأهله جعلت الإسلام كالمطر لا يخلو من ظلمات شدائد وحروب ومعاداة من المشركين ورعود قتل وقتال وتهديدات مزعجات لغير الصابرين من ذوي البصائر والذين ارخصوا نفوسهم في سبيل الله ونيل السعادة ، وفيه بروق من النصر وآمال الظفر واغتنام الغنائم وعزّ الانتصار والمنعة والهيبة. فهم إذا سمعوا صواعق الحرب أخذهم الهلع والحذر من القتل وشبهت حالهم في ذلك بأنّهم ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من ) أجل ( الصواعق حذر الموت ) وخوفاً من أن تخلع قلوبهم من هول أصواتها ، وسفهاً لعقولهم أين يفرون عن الموت وماذا يجديهم حذرهم والله محيط بالكافرين. (1)

وهذان التقريران يرجعان إلى التطبيق المفرّق كما عرفت.

البيان الثاني : التطبيق المركّب ، وهو إنّ الغاية من وراء هذا التمثيل أُمور ثلاثة ترجع إلى بيان حالة المنافقين.

وقبل أن نستوعب البحث عنها نذكر نص كلام الزمخشري في هذا الصدد.

قال الزمخشري : والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطّونه أنّ التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف لواحد واحد شيء يقدر شبهه به وهو القول الفصل والمذهب الجزل. (2)

إذا عرفت ذلك ، فإليك البحث في الأمور الثلاثة :

__________________

1 ـ آلاء الرحمن : 1 / 74.

2 ـ الكشاف : 1 / 162 ـ 163.
84

الأوّل : إحاطة الرعب والهلع بالمنافقين إثر انتشار الإسلام في الجزيرة العربية ودخول القبائل فيه وتنامي شوكته ، مما أوجد رعباً في قلوبهم وفزعاً في نفوسهم المضطربة ، ويجدون ذلك بلاءً أحاط بهم كالقوم الذين يصيبهم الصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق وإليه أشار قوله سبحانه : ( أو كصيّب من السماء فيه رعد وبرق ).

الثاني : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا كان يخبرهم عن المستقبل المظلم للكافرين والمدبرين عن الإسلام والإيمان خصوصاً بعد الموت صار ذلك كالصاعقة النازلة على رؤوسهم فكانوا يهربون من سماع آيات الله ويحذرون من صواعق براهينه الساطعة ، مع أنّ هذا هو منتهى الحماقة ، لأنّ صمّ الآذان ليس من أسباب الوقاية من أخذ الصاعقة ونزول الموت وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( يَجْعَلُون أَصابعهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَر المَوت وَالله مُحيطٌ بِالكافِرين ).

الثالث : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم إلى أصل الدين ويتلوا عليهم الآيات البيّنة ويقيم لهم الحجج القيّمة ، فعنئذٍ يظهر لهم الحق ، فربّما كانوا يعزمون على اتّباعه والسير وراء أفكاره ، ولكن هذه الحالة لم تدم طويلاً ، إذ سرعان ما يعودون إلى تقليد الآباء ، وظلمة الشهوات والشبهات ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( يَكادُ الْبَرقُ يَخْطَفُ أَبْصارهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشوا فِيهِ وَإذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ).

إلى هنا تمّ التطبيق المركب لكن في مقاطع ثلاثة.

ثمّ إنّه سبحانه أعقب التمثيل بقوله : ( وَلَو شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأَبْصارِهِم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدير ) أي انّه سبحانه قادر أن يجعلهم صمّـاً وعمياًحتى لا ينجع فيهم وعظ واعظ ولا تجدي هداية هادٍ.

وذهاب سمعهم وأبصارهم نتيجة أعمالهم الطالحة التي توصد باب التوفيق
85

أمامهم فيصيرون صمّـاً وبكماً وعمياً.

ثمّ إنّ الآيات القرآنية تفسر تلك الحالة النفسانية التي كانت تسود المنافقين في مهجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كانوا في حيطة وحذر من أن تنزل عليهم سورة تكشف نواياهم ، كما يشير إليه قوله سبحانه : ( يَحْذَرُ المُنافِقُونَ أَن تُنَزَّل عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُون ). (1)

ومن جانب آخر يشاهدون تنامي قدرة الإسلام وتزايد شوكته على وجه يستطيع أن يقطع دابرهم من أديم الأرض ، يقول سبحانه : ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمُرجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلاّ قَلِيلاً * مَلْعُونينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتّلُوا تَقْتِيلاً ). (2)

هذا بعض ما يمكن أن يقال حول التمثيل الوارد في حق المنافقين ، ولكن المهمَّ تطبيق هذا التمثيل على منافقي عصرنا ، فدراسة حال المنافقين في عصرنا هذا من أهم وظيفة المفسّر ، فانّ حقيقة النفاق واحدة ، ترجع إلى إظهار الإيمان وإبطان الكفر لغاية الاِضرار بالاِسلام والمسلمين ، وهم يقيمون في خوف ورعب ، وفي الوقت نفسه صم بكم عمي فهم لا يرجعون.

__________________

1 ـ التوبة : 64.

2 ـ الأحزاب : 60 ـ 61.
86

سورة البقرة

3


التمثيل الثالث

قال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمّا الّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وَأَمّا الّذينَ كَفَروا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إلاّ الْفاسِقِينَ * الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرضِ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرُون ). (1)

تفسير الآيات

الحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويُذمّ ، يقال : فلان يستحي أن يفعل كذا ، أي أنّ نفسه تنقبض عن فعله.

فعلى هذا فالحياء من مقولة الانفعال ، فكيف يمكن نسبته إلى الله سبحانه مع أنّه لا يجوز عليه التغيّر والخوف والذم ؟

الجواب : إنّ إسناد الحياء كإسناد الغضب والرضا إلى الله سبحانه ، فإنّها جميعاً تسند إلى الله سبحانه متجردة عن آثار المادة ، ويؤخذ بنتائجها ، وقد اشتهر قولهم : « خذوا الغايات واتركوا المبادئ » فالحياء يصدُّ الإنسان عن إبراز ما يضمره

__________________

1 ـ البقرة : 26 ـ 27.
87

من الكلام ، والله سبحانه ينفي النتيجة ، أي لا يمنعه شيء عن إبراز ما هو حق ، قال سبحانه : ( فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُوَْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِ مِنَ الحَقّ ). (1)

وأمّا ضرب المثل فقد مرّ الكلام فيه ، وقلنا : إنّ لاستخدام كلمة « ضرب المثل » في التمثيل بالأمثال وجوهاً :

منها : أنّ ضرب المثل في الكلام يذكر لحال ما يناسبها ، فيظهر من حسنها أو قبحها ما كان خفياً ، وهو مأخوذ من ضرب الدراهم ، وهو حدوث أثر خاص فيها ، كأن ضرب المثل يقرع به أذن السامع قرعاً ينفذ أثره في قلبه ، ولا يظهر التأثير في النفس بتحقير شيء وتقبيحه إلاّ بتشبيهه بما جرى العرف بتحقيره ونفور النفوس منه. (2)

البعوضة : حيوان حقير يشبه خرطومه خرطوم الفيل ، أجوف وله قوّة ماصة تسحب الدم ، وقد منح الله سبحانه هذا الحيوان قوة هضم ودفع كما منحه أُذناً وأجنحة تتناسب تماماً مع وضع معيشته ، وتتمتع بحساسية فائقة ، فهي تفر بمهارة عجيبة حين شعورها بالخطر ، وهي مع صغرها وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات. وقد اكتشف علماء الحيوان موَخراً انّ البعوضة قادرة على تشخيص فريستها من مسافة تقرب عن 65 كيلومتراً.

قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في حقّها : « كيف ولو اجتمع جميع حيوانها ، مناطيرها وبهائمها ، وما كان من مراحها وسائمها ، وأصناف أسناخها وأجناسها ، ومتبلدة أُممها وأكياسها ، على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت

__________________

1 ـ الأحزاب : 53.

2 ـ تفسير المراغى : 1 / 70.
88

كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيّـرت عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة ، عارفة بأنّها مقهورة ، مقرة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها ». (1)

يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير :

« إنّما ضرب الله المثل بالبعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته ». (2)

إلى هنا تمّ تفسير مفردات الآية ، وأمّا تفسير الآية برمّتها فقد نقل المفسرون في سبب نزولها وجـهين :

الأوّل : أنّ الله تعالى لما ضرب المثلين قبل هذه الآية للمنافقين ، أعني قوله : ( مثلهم كمَثل الذي استوقد ناراً ) وقوله : ( أو كصيّب من السماء ) قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

الثاني : أنّه سبحانه لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت تكلّم فيه قوم من المشركين وعابوا ذكره ، فأنزل الله هذه الآية. (3)

ولا يخفى ضعف الوجه الأوّل ، فإنّ المنافقين لم ينكروا ضرب المثل ، وإنّما أنكروا المثلين اللّذين مثّل بهما سبحانه حال المنافقين ، وعند ذلك لا يكون التمثيل بالبعوضة جواباً لردّ استنكارهم ، لأنّهم أنكروا المثلين اللّذين وردا في حقهما ، فلا

__________________

1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 186.

2 ـ مجمع البيان : 1 / 67.

3 ـ مجمع البيان : 1 / 67.
89

يكون عدم استحيائه سبحانه من التمثيل بالبعوضة ردّاً على اعتراضهم.

وأمّا الثاني ، فقد ورد ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في مكة المكرمة ، لأنّ الأوّل ورد في سورة الحج ، وهي سورة مكية ، والآخر ورد في سورة العنكبوت ، وهي أيضاً كذلك. وهذه الآية نزلت في المدينة ، فكيف تكون الآية النازلة في مهجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جواباً على اعتراض المشركين في موطنه ؟

وعلى كلّ تقدير فالآية بصدد بيان أنّ الملاك في صحة التمثيل ليس ثقل ما مثّل به أو كبره ، فلا التمثيل بالبعوضة عيب ولا التمثيل بالإبل والفيل كمال ، وإنّما الكمال أن يكون المثل مبيناً لحقيقة وواقعة غفل عنها المخاطب من دون فرق بين كون الممثل صغيراً أو كبيراً.

وبعبارة أخرى : إذا كان الغرض التأثير فالبلاغة تقضي بأن تضرب الأمثال لما يراد تحقيره بحقيرها ولما يراد التنفير بما اعتادت النفوس النفور منها ، فالملاك هو كون المثل مفيداً لما يريد المتكلم تحقيقه ، من غير فرق بين حقير الأشياء وكبيرها ، وهو سبحانه يشير إلى ذلك المعنى بقوله : ( إِنَّ الله لا يَسْتَحْيي أن يضربَ مثلاً ما بَعوضة ) ( بل ) فوقها في الصغر كالجراثيم التي لا ترى إلاّ بالمجهر ، كما تقول : فلان لا يبالي أن يبخل بنصف درهم فما فوقه أي مما فوقه في القلة.

ولو أُريد ما فوقه في الكثرة يقول مكانه « فضلاً عن الدرهم والدرهمين ».

فما في كلام بعض المستشرقين من أنّ الصحيح أن يقول « فما دونه » غير تام. للفرق بين قوله : « فما فوقه » وقوله « فضلاً » والأوّل بقرينة المقام بمعنى فما فوقه في الصغر والحقارة لا بمعنى « فضلاً ».

وربما تفسر الآية بأنّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها في
90

الكبر ، ولكن الأوّل هو الاَوفق لمقصود المتكلم. كما يقال عند لوم المتجرى : بأنّك تقترف جريمة لأجل دينار بل فوقه ، أي نصف دينار ، والمراد من الفوقية هو الفوقية في الحقارة.

وقد أورد الزمخشري على نفسه سؤالاً ، وهو : كيف يضرب الله المثل لما دون البعوضة وهي في النهاية في الصغر ؟ ثمّ أجاب :

إنّ جناح البعوضة أقل منها وأصغر بدرجات ، وقد ضربه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلاً للدنيا ، وفي خلق الله حيوان أصغر منها ومن جناحها ربما رأيت في تضاعيف الكتب العتيقة دويبة لا يكاد يجليها للبصر الحاد إلاّ تحركها فإذا سكنت ، فالسكون يواريها ، ثمّ إذا لوّحت لها بيدك حادت عنها وتجنبت مضرتها ، فسبحان من يدرك صورة تلك وأعضاءها الظاهرة والباطنة ، وتفاصيل خلقتها ، ويبصر بصرها ، ويطلع على ضميرها ، ولعل في خلقه ما هو أصغر منها وأصغر سبحان الذي خلق الأزواج كلّها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون. (1)

وقال البيضاوي : لما كانت الآيات السابقة متضمنة لاَنواع من التمثيل عقب ذلك ببيان حسنه ، وما هو الحق له والشرط فيه ، وهو أن يكون على وفق الممثل له من الجهة التي تعلق بها التمثيل في العظم والصغر ، والخسة والشرف ، دون الممثل ، فانّ التمثيل إنّما يصار إليه لكشف المعنى الممثل له ، ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد المحسوس ، ليساعد فيه الوهم العقل ويصالحه عليه ، فانّ المعنى الصرف إنّما يدركه العقل مع منازعة من الوهم ، لأنّ من طبعه الميل إلى الحس وحب المحاكاة ، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء ، وإشارات الحكماء ، فيمثل الحقير بالحقير كما يمثل العظيم

__________________

1 ـ الكشاف : 1 / 205 ـ 206.

91

بالعظيم ، وإن كان المثل أعظم من كلّ عظيم ، كما مثل في الإنجيل على الصدور بالنخالة ، والقلوب القاسية ، بالحصاة ، ومخاطبة السفهاء ، بإثارة الزنابير ، وجاء في كلام العرب : أسمع من قراد ، وأطيش من فراشة ، وأعز من مخ البعوض. (1)

وربّما يتصور أنّ التمثيل بالاَشياء الحقيرة الخسيسة لا يليق بكلام الفصحاء ، وعلى هذا فالقرآن المشتمل على النمل والذباب والعنكبوت والنحل لا يكون فصيحاً فضلاً عن كونه معجزاً.

وأجاب عنه صدر المتألهين الشيرازي ( المتوفّى عام 1050 هـ ) بقوله : إنّ الحقارة لا تنافي التمثيل بها ، إذا شرط في المثال أن يكون على وفق الممثل له من الجهة التي يستدعي التمثيل به كالعظم والحقارة ، والشرف والخساسة ، لا على وفق من يوقع التمثيل ويضرب المثال ، لأنّ الغرض الأصلي منه إيضاح المعنى المعقول ، وإزالة الخفاء عند إبرازه في صورة المشاهد المحسوس ، ليساعد فيه الوهم العقل ولا يزاحمه ، فانّ العقل الإنساني مادام تعلقه بهذه القوى الحسيّة لا يمكنه إدراك روح المعنى مجرّداً عن مزاحمة الوهم ومحاكاته ، لأنّ من طبعه كالشياطين الدعابة في التخييل وعدم الثبات على صورة.

ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية ، وفشت في عبارات الفصحاء من العرب وغيرهم ، وكثرت في إشارات الحكماء ومرموزاتهم ، وصحف الأوائل ومسفوراتهم ، تتميماً للتخيّل بالحس ، فهناك يضاعف في التمثيل ، حيث يمثل أوّلاً المعقول بالمتخيل ، ثمّ يمثل المتخيل بالمرسوم المحسوس المهندس المشكل. (2)

ثمّ إنّه سبحانه يذكر أنّ الناس أمام الأمثال على قسمين :

____________

1 ـ تفسير البيضاوي : 1 / 43.

2 ـ تفسير القرآن الكريم : 2 / 192 ـ 193.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:07 pm



أ : المؤمنون : وهم الذين قال سبحانه في حقّهم : ( فَأَمّا الّذين آمَنُوا فَيَعْلَمُون انّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ ).

ب : الكافرون : وهم الذين قال سبحانه في حقّهم : ( وَأَمّا الّذين كَفَروا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مثَلاً ). والظاهر أنّ قولهم ( أراد اللّهُ ) كان على سبيل الاستهزاء بادّعاء الرسول أنّ المثل وحي منزل من الله ، وإلاّ فانّ الكافرين والمنافقين كانوا ينكرون الوحي أصلاً.

ولا غرو في أن يكون شيء سبب الهداية لطائفة وسبب الضلال لطائفة أخرى ، وما هذا إلاّ لأجل اختلاف القابليات ، فمن استعد لقبول الحقّ والحقيقة فتصبح الآيات الإلهية سبب الهداية ، وأمّا الطائفة الأخرى المعاندون الذين صمّوا مسامعهم عن سماع كلمة الحق وآياته فينكرون الآيات ويكفرون بذلك.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ قوله سبحانه : ( يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاّ الفاسقين ) من كلامه سبحانه ، ولا صلة له بكلام المنكرين ، بل تم كلامه بقوله : ( بها مثلاً ) وهو انّ الأمثال تؤثر في قوم دون قوم.

ثمّ إنّه يعلّل إضلال غير المؤمنين بفسقهم ويقول : ( وَما يُضِلُّ بِهِ إلاّ الفاسقين ) ، والفسق : عبارة عن خروج النواة من التمر ، وفي الاصطلاح : من خرج عن طاعة الله ، سواء أكان مسلما متجرياً أو كافراً فاسقاً.

وقد أطنب المفسرون الكلام في مفاد الجملة الاَخيرة أعني : ( يُضِلُّ به كثيراً وَيَهْدي بهِ كَثيراً ) فربما يتوهم أنّ الآية بصدد الإشارة إلى الجبر ، فحاولوا تفسير الآية بشكل يتلاءم مع الاختيار ، وقد عرفت أنّ الحقّ هو أنّ الآية بصدد بيان أنّ المواعظ الشافية والكلمات الحِكَمية لها تأثير معاكس فيؤثر في القلوب المستعدة تأثيراً إيجابياً وفي العقول المنتكسة تأثيراً سلبياً.
93

هذا هو تفسير الآية.

وربّما يحتمل أنّ الآية ليست بصدد بيان ضرب المثل بالبعوضة كضربه بالعنكبوت والذباب ، بل الآية خارجة عن نطاق ضرب المثل بالمعنى المصطلح ، وإنّما الآية بصدد بيان قدرته وعظمته وصفاته الجمالية والجلالية ، والآية بصدد بيان أنّ الله سبحانه لا يستحيي أن يستدل على قدرته وكماله وجماله بخلق من مخلوقاته سواء أكان كبيراً وعظيماً كالسماوات والأرض ، أو صغيراً وحقيراً كالبعوضة والذباب ، فمعنى ضرب المثل هو وصفه سبحانه بصفات الجلال أو الكمال.

ويدل على ذلك أنّه سبحانه استدل على جلاله وكماله بخلق السماوات والأرض وقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الّذِي خَلقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الّذي جَعَلَ لَكُمُ الاََرضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ). (1)

يلاحظ على تلك النظرية بأمرين :

أوّلاً : لو كان المراد من ضرب المثل وصفه سبحانه بالقدرة العظيمة لكان اللازم أن يأتي بالآية بعد هاتين الآيتين مع أنّه فصل بينهما بآيات ثلاث تركّز على إعجاز القرآن والتحدّي به ، ثمّ التركيز على الجنة وثمارها كما هو معلوم لمن راجع المصحف الكريم.

وثانياً : انّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ، فقد جاء قوله : ( فَأَمّا الّذينَ آمنوا فيعلمون انّه الحق من ربّهم ) في سورة الرعد بعد تشبيه الحق والباطل بمثل

__________________

1 ـ البقرة 21 ـ 22.
94

رائع يأتي البحث عنه إن شاء الله ، قال سبحانه : ( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فسالَتْ أَودِيَةٌ بِقَدَرِها ... ) إلى أن قال : ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمثالَ ) ثمّ قال : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ انّمَا أُنزل إِلَيكَ مِن ربِّكَ الحقُّ كَمَن هو أعمى إِنّما يَتَذَكّرُ أُولُوا الألباب * الّذين يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ ولاَ يَنْقُضُونَ المِيثاقَ ). (1)

تجد أنّ الآيات في سورتي البقرة والرعد كسبيكة واحدة يفسر بعضها البعض.

ففي سورة البقرة ذكر ضرب المثل بالبعوضة ، كما ضرب في سورة الرعد مثلاً للحق والباطل.

ففي سورة البقرة قال سبحانه : ( وَأَمّا الّذين آمنوا فيعلمون أنّه الحقّ من ربّهم ).

وفي سورة الرعد قال سبحانه : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أنّ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبّكَ الحَقُّ كمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الألباب ).

وفي سورة البقرة قال : ( وَما يُضِلُّ بهِ إلاّ الفاسِقينَ ) ، وفسَّره بقوله : ( الّذين ينقضون عهد الله من بَعْدِ ميثاقِهِ ... ) الخ.

وفي سورة الرعد ، فسّر أُولي الألباب بقوله : ( الّذينَ يُوفُونَ بعَهدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ المِيثاق ). (2)

فبمقارنة هذه الآيات يعلم أنّ المراد من ضرب المثل هو المعنى المعروف أي التمثيل بالبعوضة لتحقير معبوداتهم أو ما يشبه ذلك.

نعم ما نقلناه عن الإمام الصادق عليه‌السلام ربّما يؤيد ذلك الوجه كما مرّ ، فتدبّر.

__________________

1 ـ الرعد : 17 ـ 20.

2 ـ الرعد : 20.
95

سورة البقرة

4


التمثيل الرابع

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَانَّ مِنَ الحِجارَة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُون ). (1)

تفسير الآية

جاءت الآية بعد قصة البقرة التي ذبحها بنو إسرائيل ، وقد كانوا يجادلون موسى عليه‌السلام بغية التملّص من ذبحها ، ولكن قاموا بذبحها وما كادوا يفعلون.

وكان ذبح البقرة لأجل تحديد هوية القاتل الذي قام بقتل ابن عمه غيلة واتهم بقتله شخصاً آخر من بني إسرائيل ، فصاروا يتدارأون ويدفعون عن أنفسهم هذه التهمة ، فرجعوا في أمرهم إلى موسى عليه‌السلام ، وشاء الله أن يظهر حقيقة الأمر بنحو معجز ، فقال لهم موسى عليه‌السلام : ( انّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فلمّـا ذبحوها ـ بعد مجادلات طويلة ـ أمر سبحانه أن يضربوا المقتول ببعض البقرة حتى يحيى المقتول ويعين هوية القاتل.

قال سبحانه : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يحيي اللهُ المَوتى وَيُريكُمْ آياتِهِ

__________________

1 ـ البقرة : 74.
96

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ). (1)

ومع رؤية هذه المعجزة الكبرى التي كان من المفروض أن تزيد في إيمانهم وانصياعهم لنبيهم موسى عليه‌السلام ، لكن ـ وللأسف ـ قست قلوبهم بنحو يحكي سبحانه شدة تلك القساوة ويقول :

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كالحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة ).

وبما أنّ الحجر هو المعروف بالصلابة والقساوة شبّه سبحانه قلوبهم بالحجارة وقال : إنَّ قُلوبهُمْ ( كالحِجارَة أَوْ أَشَدّ قَسوَة ) أي : بل أشدّ قسوة ، فكلمة « أو » موضوعة مكان بل.

ثمّ إنّ القلوب إمّا بمعنى النفوس الناطقة ، فعندئذ تكون نسبة القساوة إلى الروح نسبة حقيقية. أو انّ المراد منها هو العضو المودع في الجهة اليسرى من الصدر الذي ليس له دور سوى تصفية الدم وإرساله إلى سائر الأعضاء ، وعندئذٍ تكون النسبة مجازية ، وإنّما نسبت القساوة إلى ذلك العضو ، لأنّه مظهر من مظاهر الحياة الإنسانية ، وأوّل عضو يتأثر بالاَُمور النفسانية كالفرح والغضب والحزن والجزع ، فلامنافاة في أن يكون المدرك هو النفس الناطقة ، ومع ذلك يصحّ نسبة الإدراك إلى القلب.

ثمّ إنّه سبحانه وصف قلوبهم بأنّها أشدّ قسوة من الحجارة ، وعلّل ذلك بأُمور ثلاثة :

الأوّل : ( وَانّ مِنَ الحِجارة لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه الاََنْهار ).

الثاني : ( وَانَّ مِنْها لما يَشَّقّق فيَخرج مِنْهُ الماء ).

__________________

1 ـ البقرة : 73.
97

الثالث : ( وَإنّ مِنْها لما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله ).

أمّا الأوّل : أي تفجّر الأنهار من الحجارة ، كالعيون الجارية من الجبال الصخرية.

وأمّا الثاني : كالعيون الحادثة عند الزلازل المستتبعة للانشقاق والانفجار المستعقب لجريان الأنهار.

وأمّا الثالث : كهبوط الحجارة من الجبال العالية إلى الأودية المنخفضة من خشية الله.

ولا مانع من أن يكون للهبوط علة طبيعية كالصواعق التي تهبط بها الصخور وعلة معنوية التي كشف عنها الوحي ، وهي الهبوط من خشية الله.

وعلى ضوء ذلك فالحجارة على الرغم من صلابتها تتأثر طبقاً للعوامل السالفة الذكر ، وأمّا قلوب بني إسرائيل فهي صلبة لا تنفعل أمام وحيه سبحانه وبيان رسوله ، فلا تفزع نفوسهم ولا تخشع لأمره ونهيه.

ومن عجيب الأمر أنّ بني إسرائيل رأوا باُمّ أعينهم ليونة الحجارة حيث استسقى موسى لقومه ، فأمر بأن يضرب بعصاه الحجر ، فلمّا ضربه انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً بعدد الاَسباط.

ثمّ إنّ ظاهر الآية نسبة الشعور إلى الحجارة حيث إنّها تهبط من خشية الله ، وهذه حقيقة علمية كشف عنها الوحي وإن لم يصل إليها الإنسان بأدواته الحسية.

يقول صدر المتألهين : إنّ الكون بجميع أجزائه يسّبح لله ويحمده ويثني عليه تعالى عن شعور ، فلكلّ موجود من هذه الموجودات نصيب من الشعور والإدراك بقدر ما يملك من الوجود من نصيب.
98

وعلى هذا الشعور تسّبح الموجودات كلّها ، خالقها وبارئها وربّها سبحانه وتنزّهه عن كلّ نقص وعيب.

ثمّ يقول : إنّ العلم والشعور والإدراك كلّ ذلك متحقّق في جميع مراتب الوجود ، ابتداء من « واجب الوجود » إلى النباتات والجمادات ، وانّ لكلّ موجود يتحلّى بالوجود سهماً من الصفات العامة كالعلم والشعور والحياة. و ... و ... ولا يخلو موجود من ذلك أبداً ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الصفات قد تخفى علينا ـ بعض الأحيان ـ لضعفها وضآلتها.

على أنّ موجودات الكون كلما ابتعدت عن المادة والمادية ، واقتربت إلى التجرد ، أو صارت مجردة بالفعل ازدادت فيها هذه الصفات قوة وشدة ووضوحاً ، وكلّما ازدادت اقتراباً من المادة والمادية ، وتعمّقت فيها ، ضعفت فيها هذه الصفات ، وضؤلت حتى تكاد تغيب فيها بالمرّة ، كأنّها تغدو خلوة من العلم والشعور والإدراك ، ولكنّها ليست كذلك ـ كما نتوهم ـ إنّما بلغ فيها ذلك من الضعف ، والضآلة بحيث لا يمكن إدراكها بسهولة وسرعة. (1)

وليست هذه الآية هي الفريدة في بابها ، بل هناك آيات تؤكد على جريان الشعور في أجزاء العالم من الذرة إلى المجرّة.

يقول سبحانه : ( تُسَبّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ). (2)

وبما أنّنا بسطنا الكلام في سريان الشعور إلى أجزاء العالم برمّته في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة ، فلنقتصر على ذلك ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى محلّه.

__________________

1 ـ الأسفار : 1118 و 6139 ، 140.

2 ـ الإسراء : 44.
99

سورة البقرة

5


التمثيل الخامس

( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إلاّ دُعاءً وَنِداءً صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ). (1)

تفسير الآية

النعيق : صوت الراعي لغنمه زجراً ، يقال : نعق الراعي بالغنم ، ينعق نعيقاً ، إذا صاح بها زجراً.

والنداء : مصدر نادى ينادي مناداة ، وهو أخص من الدعاء ، ففيه الجهر بالصوت ونحوه ، بخلاف الدعاء.

وفي تفسير الآية وجوه :

الأوّل : انّ الآية بصدد تشبيه الكافرين بالناعق الذي ينعق بالغنم ، ولا يصح التشبيه عندئذٍ إلاّ إذا كان الناعق أصم ، ويكون معنى الآية : انّ الذين كفروا الذين لا يتفكرون في الدعوة الإلهية ، كمثل الأصم الذي ينعق بما لا يسمع نفسه ولا يميز من مداليل نعاقه معنى معقولاً إلاّ دعاءً ونداءً وصوتاً بلا معنى.

وجه التشبيه : انّ الناعق أصم كما أنّ هؤلاء الكافرين صم بكم عمي لا يعقلون.

__________________

1 ـ البقرة : 171.
100

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:15 pm



وفي هذا المعنى المشبه هو الكافرون الذين لا يفهمون من الدعوة النبوية إلاّ صوتاً ودعوة فارغة من المعنى.

والمشبه به : هو الناعق الأصم الذي ينعق بالغنم ، ولكن لا يسمع من نعاقه إلاّ دعاءً ونداءً.

وهذا الوجه وإن كان ينطبق على ظاهر الآية ، ولكنّه بعيد من حيث المعنى ، إذ لو كان الهدف هو التركيز على أنّ الكافرين صم بكم عمي لا يعقلون لكفى تشبيههم بالحيوان الذي هو أيضاً كذلك ، فما هو الوجه لتشبيههم بإنسان عاقل أخذ منه سمعه لا يسمع من نعاقه إلاّ صوتاً ونداءً ؟

الثاني : انّ المشبه هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمشبه به هو الناعق للغنم ، والمراد ومثلك أيها النبي في دعاء الذين كفروا كمثل الذي ينعق في البهائم التي لا تسمع من نعيقه إلاّ دعاءً ونداءً ما ، فتنزجر بمجرد قرع الصوت سمعها من غير ان تعقل شيئاً ، فهم ـ الكافرون ـ صمّ لا يسمعون كلاماً يفيدهم ، وبكم لا يتكلمون بما ينفع ، وعمي لا يبصرون ، فهم لا يعقلون شيئاً ، لأنّ الطرق المؤدية إلى التعقل موصدة عليهم.

ومن ذلك ظهر أنّ في الكلام قلباً أو عناية أخرى يعود إليه ، فانّ المثل بالذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً مثل الذي يدعوهم إلى الهدى لا مثل الكافرين المدعوين إلى الهدى ، إلاّ انّ الأوصاف الثلاثة التي استنتجت واستخرجت من المثل وذكرت بعده ، وهي قوله : ( صمّ بكمٌ عميٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون ) ، لما كانت أوصافاً للذين كفروا لا لمن يدعوهم إلى الحقّ استوجب ذلك أن ينسب المثل إلى الذين كفروا لا إلى رسول الله تعالى فأنتج ما أشبه القلب. (1)

__________________

1 ـ الميزان : 1 / 420.
101

ثمّ إنّ صاحب المنار فسّر الآية على الوجه الأوّل وقال : ( مثل الذين كفروا ) أي صفتهم في تقليدهم لآبائهم ورؤسائهم كمثل الذي لا يسمع إلاّ دعاء ونداءً ، أي كصفة الراعي للبهائم السائمة ينعق ويصيح بها في سوقها إلى المرعى ودعوتها إلى الماء وجزها عن الحمى ، فتجيب دعوته وتنزجر بزجره بما ألفت من نعاقه بالتكرار. شبّه حالهم بحال الغنم مع الراعي يدعوها فتقبل ، ويزجرها فتنزجر ، وهي لا تعقل مما يقول شيئاً ، ولا تفهم له معنى وإنّما تسمع أصواتاً تقبل لبعضها وتدبر للآخر بالتعويد ، ولا تعقل سبباً للإقبال ولا للإدبار. (1)

يلاحظ عليه : أنّ الآية بصدد ذمهم وانّهم لا يعتنقون الإيمان ولا يمتثلون الأوامر الإلهية ونواهيها ، وعلى ذلك تصبح الآية نوع مدح لهم ، لأنّهم لو كانوا كالبهائم السائمة يجيبون دعوة النبي كقبولها دعوة الراعي وينزجرون بزجره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانتهائها عن نهي الراعي ، فيكون ذلك على خلاف المقصود ، فانّ المقصود بشهادة قوله ( صم بكم عمي ) انّهم لا يسمعون كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ينطقون بالحقّ ولا ينظرون إلى آيات الله وانّهم في واد والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واد آخر.

وأين هم من البهائم السائمة التي تقع تحت يد الراعي فتنتهى بنهيه ؟!

__________________

1 ـ تفسير المنار : 2 / 93 ـ 94.
102

سورة البقرة

6


التمثيل السادس

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذين آمنوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ). (1)

نزلت الآية عندما حوصر المسلمون واشتد الخوف والفزع بهم في غزوة الأحزاب فجاءت الآية لتثبّت قلوبهم وتعدهم بالنصر.

وقيل : إنّ عبد الله بن أُبي قال للمسلمين عند فشلهم في غزوة أحد : إلى متى تتعرضون للقتل ، ولو كان محمّد نبياً لما واجهتم الأسر والتقتيل ؟ ، فنزلت الآية.

تفسير الآية

وردت لفظة « أم » للاِضراب عما سبق وتتضمن معنى الاستفهام ، والمعنى « بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة ».

و ( البَأساء ) : هي الشدة المتوجهة إلى الإنسان من خارج نفسه كالمال والجاه والأهل.

و « الضرّاء » : هي الشدة التي تصيب نفس الإنسان كالجرح والقتل ، وقيل :

__________________

1 ـ البقرة : 214.
103

انّ « البأساء » نقيض « النعماء » ، « الضراء » نقيض « السراء » ، و « الزلزلة » شدة الحركة ، والزلزال البلية المزعجة لشدة الحركة والجمع زلازل ، وأصله من قولك زلّ الشيء عن مكانه ، ضوعف لفظه بمضاعف معناه ، نحو صرى وصرصر ، وصلى وصلصل ، فإذا قلت زلزلته ، فمعناه كرّرت تحريكه عن مكانه.

وقد جاء ما يقرب من مضمون الآية في آيات أخرى ، منها قال سبحانه : ( وَالصّابِرينَ فِي البَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولئِكَ الّذينَ صَدَقُوا وَأُوْلئِكَ هُمُ المُتَّقُون ). (1)

وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون ). (2)

وقال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ إلاّ أَخَذْنا أَهْلَهَا بِالبَأساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرّعُون ). (3)

تدلُّ مجموع هذه الآيات على دوام الابتلاء والامتحان في جميع الأمم خصوصاً في الأمة الاِسلامية.

ثمّ إنّ الهدف من امتحان أبناء البشر هو تحصيل العلم بكفاءة الممتحن ، لكنّه فيه سبحانه يستهدف إلى إخراج ما بالقوة من الكمال إلى الفعلية مثلاً : فانّ إبراهيم عليه‌السلام كان يتمتع بموهبة التفاني في الله وبذل ما يملك في سبيله غير انّه لم تكن لها ظهور وبروز ، فلما وقع في بوتقة الامتحان ظهرت تلك الموهبة إلى الوجود بعد ما كانت بالقوة.

__________________

1 ـ البقرة : 177.

2 ـ الأنعام : 42.

3 ـ الأعراف : 94.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:16 pm



وما ذكرنا هو المستفاد من الآيات وقد صرح به الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض خطبه : قال :

« لا يقولنّ أحدكم : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلاّت الفتن ، فانّ الله سبحانه يقول : ( وَاعْلَمُوا أنّما أَموالكُمْ وَأَولادكُمْ فِتْنَة ) ومعنى ذلك انّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب ». (1)

إلى هنا تبين معنى مفردات الآية وسبب نزولها والآيات التي وردت في هذا الصدد في حقّ سائر الاَُمم.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تفسير الآية.

يقول سبحانه : إنّ الابتلاء بالبأساء والضراء سنة إلهية جارية في الأمم كافة ولا تختص بالاَُمة الإسلامية ، فالتمحيص وتمييز المؤمن الصابر عن غير الصابر رهن الابتلاء. فلا يتمحض إيمان المسلم إلاّ إذا غربل بغربلة الامتحان ليخرج نقياً. ولا يترسخ الإيمان في قلبه إلاّ من خلال الصمود والثبات أمام أعاصير الفتن الهوجاء.

وكأنّ الآية تسلية لنبيه وأصحابه مما نالهم من المشركين وأمثالهم ، لأنّ سماع أخبار الأمم الماضية يسهّل الخطب عليهم ، وانّ البلية لا تختص بهم بل تعم غيرهم أيضاً ، ولذلك يقول : ( أَمْ حَسِبْتُمْ ) أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ( ولمّا يَأْتِكُمْ مَثلُ الّذين خَلوا مِنْ قَبْلِكُم ) ، أي أن تدخلوا الجنة ولما تبتلوا وتمتحنوا بمثل ما ابتليت به الأمم السالفة وامتحنوا به. فعليكم بالصبر والثبات كما صبر هؤلاء وثبتوا.

__________________

1 ـ نهج البلاغة : قسم الحكم : الحكمة 93.
105

وعلى ضوء هذا فالمثل بمعنى الوصف ـ وقد تقدم منّا القول ـ بأنّ من معاني المثل هو الوصف. فقوله : ( وَلَما يَأتِكُم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضراء ) ، أي « لمّا يأتكم وصف الذين خلوا من قبلكم » فلا يدخلون حظيرة الإيمان الكامل إلاّ أن يكون لهم وصف مثل وصف الذين واجهوا المصائب والفتن بصبر وثبات وعانوا الكثير من القلق والاضطراب ، كما قال تعالى في حقّ المؤمنين : ( وَزلزلوا زِلزالاً شَديداً ) ففي خضّم هذه الفتنة التي تنفد فيها طاقات البشر ، فإذا بالرحمة تنزل عليهم من خلال دعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصالح المؤمنين.

كما قال سبحانه : ( وَزلزلوا حتى يقول الرسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله ) والجملة ليست إلاّ طلب دعاء للنصر الذي وعد الله به رسله والمؤمنين بهم واستدعاءً له ، كما قال تعالى : ( وَلَقدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُون ) (1) ، وقال تعالى : ( كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلي ). (2)

يقول الزمخشري : ومعناه طلب الصبر وتمنّيه واستطالة زمان الشدة ، وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدة ، وتماديه في العظم ... فإذا لم يبق للرسل صبر حتى ضجّوا ، كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمح ورائها.

وعند ذلك يخاطبون بقوله سبحانه : ( ألا إنّ نصر الله قريب ) أي يقال لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر. (3)

ثمّ إنّ القراءة المعروفة هي الرفع في قوله : ( حَتى يَقول الرسول ) ، وعند ذلك تكون الجملة لحكاية حال الأمم الماضية. وقرئ بنصب « يقول » وعلى هذا

__________________

1 ـ الصافات : 171 ـ 172.

2 ـ المجادلة : 21.

3 ـ الكشاف : 1 / 270 في تفسير الآية.

106

تكون الجملة في محل الغاية لما سبقها وهو قوله ( مسّتهم البأساء والضراء ) و ( زلزلوا ) ولعل القراءة الاُولى أفضل لبعد كون الجملة غاية لمس البأساء والضراء والزلزال.

وقد تبين ممّا ذكرنا أنّ المثل بمعنى التمثيل والتشبيه ، فتشبيه حال الأمة الإسلامية بالأمم السابقة في أنّهم يعمّهم البأساء والضراء والزلزال ، فإذا قرب نفاد طاقاتهم وصمودهم في المعارك يدعو الرسول ومن معه من المؤمنين لهم بالنصر والغلبة والنجاح.

ثمّ إنّ بعض الكتّاب ممن كتب في أمثال القرآن جعل الآيات الثلاث التالية من الأمثال القرآنية. (1)

أ : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حاجَّ إِبْراهيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبّي الّذي يُحْيي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمين ). (2)

ب : ( أَوْ كَالّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مائَةَ عامٍ فَانْظُر إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُر إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانْظُرْ إِلى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). (3)

____________

1 ـ الدكتور محمد حسين علي الصغير : الصورة الفنية في المثل القرآني : 144 ؛ والدكتور إسماعيل إسماعيلي : تفسير أمثال القرآن : 191.

2 ـ البقرة : 258.

3 ـ البقرة : 259.
107

ج : ( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). (1)

ولا يخفى ما فيها من الضعف.

أمّا الآية الأولى فلاَنّ المراد من التمثيل هو التشبيه الذي يصور فيه غالباً غير المحسوس بالمحسوس ويقرّب المعنى إلى ذهن المخاطب ، ولكن التشبيه في الآية الاُولى الذي قام به مناظر إبراهيم كان تشبيهاً غير صحيح ، وذلك لأنّه لمّا وصف إبراهيم ربّه بأنّه يحيي ويميت أراد منه من يضفي الحياة على الجنين ويقبضه عندما يَطعن في السن ، ولكن المناظر فسّره بوجه أعم وقال : أنا أيضاً أُحيي وأُميت ، فكان إحياوَه بإطلاق سراح من كُتب عليه القتل ، وقتل من شاء من الأحياء ، مع الفرق الشاسع بين الإحياء والإماتة في كلام الخليل وكلام المناظر ، فلم يكن هناك أي تشبيه بل مغالطة واضحة فيه.

وأمّا الآية الثانية ، فلم يكن هناك أي تشبيه أيضاً ، لأنّه يشترط في التمثيل الاختلاف بين المشبه والمشبه به اختلافاً نوعياً ، كتشبيه الرجل الشجاع بالاَسد ومُحمرَّ الشقيق بأعلام الياقوت ، وأمّا الآية المباركة فانّما هي من قبيل إيجاد مِثْل للمشبه ، فالرجل لما مرّ على القرية الخاوية على عروشها وقد شاهد بأنّه باد أهلها ورأي عظاماً في طريقها إلى البِلاء فقال : ( كيف يحيي هذه الله بعد موتها ) فأماته الله سبحانه مائة عام ثم أحياه كما هو ظاهر الآية ، وعلى ذلك فأوجد مِثْلاً للمشبه مع الوحدة النوعية وإنّما الاختلاف في الصنف ، وقد عرفت لزوم وجود التباين النوعي بين المشبّه والمشبّه به.

__________________

1 ـ البقرة : 260.
108

وأمّا الآية الثالثة ، فمفادها هو أنّ إبراهيم كان موَمناً بقدرته على إحياء الموتى ولكن طلب الإحياء ليراه بعينه ، لأنّ للعيان أثراً كبيراً في الاطمئنان ورسوخ العلم في القلب ، فطلب الرؤية ليطمئن قلبه ويزداد يقينه ، فخاطبه سبحانه بقوله : ( فَخُذْ أَربَعة من الطّير فصرهنّ إليك ) ، أي أملهنّ وأجمعهنّ وضمهنّ إليك. ( ثُمّ اجعل عَلى كُلّ جَبل مِنهُنَّ جزءاً ) هذا دليل على أنّه سبق الأمر بقطعهنّ وذبحهنّ. ( ثمّ ادعُهُنَّ يأتينك سعياً ) ، ولم يذكر في الآية قيام إبراهيم بهذه الأعمال استغناء عنه بالقرائن.

هذا هو مفهوم الآية وأمّا انّها ليست مَـثَلاً ، فلعدم توفر شرائط المثَل من المشبه والمشبه به ، وإنّما هو من قبيل إيجاد الفرد من الأمر الكلي أي إحياء الموتى سواء أكان إنساناً أم لا.

فالأولى عدّ هذه الآيات من القصص التي حكاها القرآن الكريم للعبرة والعظة لكن لا في ثوب المثل. فلننتقل إلى التمثيل السابع في سورة البقرة.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:16 pm

سورة البقرة

7


التمثيل السابع

( مَثَلُ الّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنْبُلَةٍ مائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم * الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ ثُمّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا منّاً وَلا أَذى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون * قَولٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيّ حَليم ). (1)

تفسير الآيات

وعد سبحانه في غير واحد من الآيات بالجزاء المضاعف ، قال سبحانه : ( مَنْ ذَا الّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثيِرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وإليهِ تُرْجَعُون ). (2)

ولأجل تقريب هذا الأمر أتى بالتمثيل الآتي وهو :

أنّ مثل الإنفاق في سبيل الله كمثل حبة أنبتت ساقاً انشعب سبعة شعب خرج من كلّ شعبة سنبلة فيها مائة حبة فصارت الحبة سبعمائة حبة ، بمضاعفة الله لها ، ولا يخفى أنّ هذا التمثيل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعة ، فإنّ في

__________________

1 ـ البقرة : 261 ـ 263.

2 ـ البقرة : 245.
110

هذه إشارة إلى أنّ الأعمال الصالحة يمليها الله عزّ وجلّ لاَصحابها كما يملي لمن بذر في الأرض الطيبة.

وظاهر الآية أنّ المشبه هو المنفق ، والمشبه به هو الحبة المتبدلة إلى سبعمائة حبة ، ولكن التنزيل في الواقع بين أحد الأمرين :

أ : تشبيه المنفق بزارع الحبة.

ب : تشبيه الإنفاق بالحبة المزروعة.

ففي الآية أحد التقديرين.

ثمّ إنّ ما ذكره القرآن من التمثيل ليس أمراً وهمياً وفرضاً خيالياً بل هو أمر ممكن واقع ، بل ربما يتجاوز هذا العدد ، فقد حكى لي بعض الزُّرّاع أنّه جنى من ساق واحد ذات سنابل متعددة تسعمائة حبة ، ولا غرو في ذلك فانّه سبحانه هو القابض والباسط.

ثمّ إنّه سبحانه فرض على المنفق في سبيل الله الطالب رضاه ومغفرته أن لا يتبع ما أنفقه بالمنّ والأذى.

أمّا المنُّ ، فهو أن يتطاول المعطي على من أعطاه بأن يقول : « ألم أعطك » « ألم أحسن إليك » كلّ ذلك استطالة عليه ، وأمّا الاَذى فهو واضح.

فهؤلاء ـ أي المنفقون ـ غير المتبعين إنفاقهم بالمنّ والأذى ( لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يَحْزنون ).

ثمّ إنّه سبحانه يرشد المعوزين بأن يردّوا الفقراء إذا سألوهم بأحد نحوين :

أ : ( قول معروف ) كأن يتلطف بالكلام في ردّ السائلين والاعتذار منهم والدعاء لهم.
111

ب : ( ومغفرة ) لما يصدر منهم من إلحاف أو إزعاج في المسألة.

فالمواجهة بهاتين الصورتين ( خير من صدقة يتبعها أذى ).

وعلى كلّ حال فالمغني هو الله سبحانه ، كما يقول : ( وَالله غني ) ، أي يغني السائل من سعته ، ولكنّه لأجل مصالحكم في الدنيا والآخرة استقرضكم في الصدقة وإعطاء السائل. ( حليم ) فعليكم يا عباد الله بالحلم والغفران لما يبدر من السائل.
112

سوره البقرة

8


التمثيل الثامن

( يَا أَيُّها الّذِينَ آمَنوا لا تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مَالَهُ رئَاءَ النّاسِ وَلا يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصَابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُون َعَلى شيءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الكَافِرِين ). (1)

الرئى من الرؤية ، وسمي المرائي مرائياً ، كأنّه يفعل ليرى غيره ذلك.

والصفوان واحدته صفوانة ، مثل سعدان وسعدانة ، ومرجان ومرجانة ، وهي الحجر الأملس.

و « الوابل » : المطر الشديد الوقع.

و « الصلد » : الحجر الأملس أي الصلب ، و « الصلد » من الأرض ما لا ينبت فيه شيئاً لصلابته.

قد مرّ في التمثيل السابق انّ التلطف بالكلام في رد السائل والاعتذار منه ، والعفو عما يصدر منه من إلحاف وإزعاج ، أفضل من أن ينفق الإنسان ويتبع عمله بالأذى.

وأمّا ما هو سببه ، فقد بيّنه سبحانه في هذا التمثيل ، وذلك بأنّ المنَّ والأذى

__________________

1 ـ البقرة : 264.
113

يبطل الإنفاق السابق ، لأنّ ترتب الأجر على الإنفاق مشروط بترك تعقبه بهما ، فإذا اتبع عمله بأحد الأمرين فقد افتقد العمل شرط استحقاق الأجر.

وبهذا يتبيّن أنّ الآية لا تدلّ على حبط الحسنة بالسيئة ، لأنّ معنى الحبط هو إبطال العمل السيّء الثواب المكتوب المفروض ، والآية لا تدلّ عليه لما قلنا من احتمال أن يكون ترتب الثواب على الإنفاق مشروطاً من أول الأمر بعدم متابعته بالمنِّ والأذى في المستقبل ، فإذا تابع عمله بأحدهما فلم يأت بالواجب أو المستحب على النحو المطلوب ، فلا يكون هناك ثواب مكتوب حتى يزيله المنّ والأذى.

وأمّا استخدام كلمة الاِبطال ، فيكفي في ذلك وجود المقتضي للأجر وهو الإنفاق ، ولا يتوقف على تحقّق الأجر ومفروضيته على الله بالنسبة إلى العبد.

ثمّ إنّ الحبط باطل عقلاً وشرعاً.

أمّا الأوّل فلما قُرِّر في محله من استلزامه الظلم ، لأنّ معنى الحبط أنّ مطلق السيئة يذهب الحسنات وثوابها على وجه الإطلاق مع أنّه مستلزم للظلم ، لأنّ من أساء وأطاع وكانت إساءته أكثر ـ فعلى القول بالإحباط ـ يكون بمنزلة من لم يحسن.

وإن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة من لم يسئ ، وإن تساويا يكون مساوياً لمن يصدر عنهما. (1)

وأمّا شرعاً فلقوله سبحانه : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَه ). (2)

__________________

1 ـ كشف المراد : المقصد السادس ، المسألة السابعة.

2 ـ الزلزلة : 7 ـ 8.
114

وإلى هذين الوجهين أشار المحقّق الطوسي بقوله :

والاِحباط باطل ، لاستلزامه الظلم ولقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَل مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه ). (1)

ثمّ إنّ العبد بما انّه لا يملك شيئاً إلاّ بما أغناه الله وأعطاه ، فهو ينفق من مال الله سبحانه ، لأنّه وما في يده ملك لمولاه فهو عبد لا يملك شيئاً إلاّ بتمليكه سبحانه ، فمقتضى تلك القاعدة أن ينفق لله وفي سبيل الله ولا يتبع عمله بالمنّ والأذى.

وبعبارة أخرى : أنّ حقيقة العبودية هي عبارة عن حركات العبد وسكناته لله سبحانه ، ومعه كيف يسوّغ له اتّباع عمله بالمنِّ والأذى.

ولذلك يقول سبحانه : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى ).

ثمّ إنّه سبحانه شبّه أصحاب المنِّ والأذى بالمرائي الذي لا يبتغي بعمله مرضاة الله تعالى ، ولا يقصد به وجه الله غير انّ المانّ والمؤذي يقصد بعمله مرضاة الله ثمّ يتبعهما بما يبطله بالمعنى الذي عرفت ، والمرائي لا يقصد بأعماله وجه الله سبحانه فيقع عمله باطلاً من رأس ، ولذلك صحّ تشبيههما بالمرائي مثل تشبيه الضعيف بالقوي.

وأمّا حقيقة التمثيل فتوضيحها بالبيان التالي :

نفترض أرضاً صفواناً أملس عليها تراب ضئيل يخيل لأوّل وهلة أنّها أرض نافعة صالحة للنبات ، فأصابها مطر غزير جرف التراب عنها فتركها صلداً صلباً

__________________

1 ـ المصدر نفسه.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:18 pm



أملس لا تصلح لشيء من الزرع ، كما قال سبحانه : ( كمَثَل صَفْوان عَلَيْهِ تُراب فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكهُ صَلداً لا يَقْدِرُون على شيء مِمّا كسبوا ).

فعمل المرائي له ظاهر جميل وباطن رديء ، فالإنسان غير العارف بحقيقة نيّة العامل يتخيل أنّ عمله منتج ، كما يتصور الإنسان الحجر الأملس الذي عليه تراب قليل فيتخيل انّه صالح للنبات ، فعند ما أصابه مطر غزير شديد الوقع ونفض التراب عن وجه الحجر تبين أنّه حجر أملس لا يصلح للزراعة ، فهكذا عمل المرائي إذا انكشفت الوقائع ورفعت الأستار تبين أنّه عمل رديء عقيم غير ناتج.

ثمّ إنّ المانّ والمؤذي بعد الإنفاق أشبه بعمل المرائي.
116

سورة البقرة

9


التمثيل التاسع

( وَمَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغاءَ مَرضَاتِ اللهِ وَتَثْبيتاً مِنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَين فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ). (1)

تفسير الآية

« الربوة » : هي التلُّ المرتفع.

و « الطلّ » : المطر الخفيف ، يقال : أطلّت السماء فهي مطلِّة. وروضة طلّة ندية.

شبّه سبحانه في التمثيل السابق عمل المانِّ والمؤذي بعد الاِنفاقب والمرائى بعمله بالأرض الصلبة التي عليها تراب يصيبها مطر غزير يكتسح التراب فلا يظهر إلاّ سطح الحجر لخشونته وصلابته ، على عكس التمثيل في هذه الآية حيث إنّها تشبّه عمل المنفق لمرضاة الله تبارك وتعالى بجنة خضراء يانعة تقع على أرض مرتفعة خصبة تستقبل النسيم الطلق والمطر الكثير النافع ، وقيّد المشبه به ببستان مرتفع عن الأرض ، لأنّ تأثير الشمس والهواء فيه أكمل فيكون أحسن منظراً وأذكى ثمراً ، أمّا الأماكن المنخفضة التي لا تصيبها الشمس في الغالب إلاّ قليلاً فلا تكون كذلك.

__________________

1 ـ البقرة : 265.
117

قال الرازي : إنّ المراد بالربوة الأرض المستوية الجيدة التربة بحيث تربو بنزول المطر عليها وتنمو ، كما قال سبحانه : ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّت وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ ).

ويؤيده أنّ المثل مقابل الصفوان الذي لا يؤثر فيه المطر.

وعلى كلّ حال فهذا النوع من الأرض إن أصابها وابل أتت أكلها ضعفين فكان ثمرها مِثْلَي ما كانت تثمر في العادة ، وإن لم يصبها وابل بل أصابها الطلّ تعطي أكلها حسب ما يترقّب منها.

فالذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أشبه بتلك الجنة ذات الحاصل الوافر المفيد والثمين.

ثمّ إنّ قوله سبحانه : ( ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم ) بيان لدوافع الإنفاق وحواجزه وهو ابتغاء مرضاة الله أولاً ، وتقوية روح الإيمان في القلب ثانياً ، ولعلّ السرّ في دخول « من » على ( من أنفسهم ) مع كونه مفعولاً لقوله ( تثبيتاً ) لبيان أنّ هذا المنفق ينفق من نفس قد روّضها وثبّتها في الجملة على الطاعة حتى سمحت لله بالمال الغزير فهو يجعل من مقاصده في الإنفاق ، تثبيتها على طاعة الله وابتغاء مرضاته في المستقبل.
118

سورة البقرة

10


التمثيل العاشر

( أَيَوَّدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَأَصابهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ). (1)

تفسير الآية

ودّ الشيء : أحبه. و « الجنة » هي الشجر الكثير الملتفّ كالبستان سمّيت بذلك ، لأنّها تجن الأرض وتسترها وتقيها من ضوء الشمس ونحوه.

و « النخيل » جمع نخل أو اسم جمع.

و « الاَعناب » جمع عنب وهو ثمر الكرم ، والقرآن يذكر الكرم بثمره والنخل بشجره لا بثمره.

و « الاِعصار » ريح عاصفة تستدير في الأرض ثمّ تنعكس عنها إلى السماء حاملة معها الغبار كهيئة العمود ، جمعه أعاصير ، وخصّ الأعاصير بما فيها نار ، وقال : ( إعصار فيه نار ) ، وفيه احتمالات :

أ : أن يكون المراد الرياح التي تكتسب الحرارة أثناء مرورها على الحرائق

__________________

1 ـ البقرة : 266.
119

فتحمل معها النيران إلى مناطق نائية.

ب : العواصف التي تصاحبها الصواعق وتصيب الأرض وتحيلها إلى رماد.

ج : البرد الشديد الذي يطلق على كلّ ما يتلف الشيء ولو بتجفيف رطوبته.

والمتعين أحد الأوّلين دون الثالث ، وإلاّ لكان له سبحانه أن يقول كمثل ريح صرّ وهو البرد الشديد ، قال سبحانه في صدقات الكفار ونفقاتهم في الدنيا : ( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ في هذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ ريحٍ فِيهَا صِرّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون ). (1)

نعم ربما يفسر الصرّ بالسموم الحارة القاتلة. (2) وعندئذ تّتحد الآيتان في المعنى.

وعلى كلّ حال فالمقصود هو نزول البلاء على هذه الجنة الذي يؤدي إلى إبادتها بسرعة.

ثمّ إنّه سبحانه بينما يقول : ( جنّة من نَخيلٍ وَأَعْناب ) الظاهر في كون الجنّة محفوفة بهما ، يقول أيضاً : ( فِيها مِنْ كُلّ الثَّمَرات ) ، فكيف يمكن الجمع بين الأمرين؟

والظاهر انّ النخيل والأعناب لمّا كانا أكرم الشجر وأكثرها نفعاً خصّهما بالذكر وجعل الجنة منهما ، وإن كانت محتوية على سائر الأشجار تغليباً لهما على غيرهما.

إلى هنا تم تفسير مفردات الآية.

__________________

1 ـ آل عمران : 117.

2 ـ مجمع البيان : 1 / 491.
120

وأمّا التمثيل فيتركب من مشبه ومشبه به.

أمّا المشبه فهو عبارة عمن يعمل عملاً صالحاً ثمّ يردفه بالسيئة ، كما هو المروي عن ابن عباس ، عندئذٍ يكون المراد من ينفق ويتبع عمله بالمنّ والأذى.

قال الزمخشري : ضربت الآية مثلاً لرجل غني يعمل الحسنات ، ثمّ بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها. (1)

وأمّا المشبه به فهو عبارة عن رجل طاعن في السن لَحِقته الشيخوخة وله أولاد صغار غير قادرين على العمل وله جنّة محفوفة بالنخيل والأعناب تجري من تحتها الأنهار وله من كلّ الثمرات ، وقد عقد على تلك الجنة آمالاً كبيرة ، وفجأة هبّت عاصفة محرقة فأحرقتها وأبادتها عن بكرة أبيها فكيف يكون حال هذا الرجل في الحزن والحسرة والخيبة والحرمان بعد ما تلاشت آماله ، فالمنفق في سبيل الله الذي هيأ لنفسه أجراً وثواباً أُخروياً عقد به آماله ، فإذا به يتبع عمله بالمعاصي ، فقد سلط على أعماله الحسنة تلك أعاصير محرقة تبيد كلّ ما عقد عليه آماله.

__________________

ـ الكشاف : 1 / 299.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:19 pm

سورة البقرة

11


التمثيل الحادي عشر

( الّذينَ يَأكُلُونَ الرّبا لا يَقُومُونَ إلاّ كَما يَقُومُ الّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ ذلِكَ بأنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرّبوا وَأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحَرَّمَ الرّبوا فَمَنْ جاءَهُ مَوعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ). (1)

تفسير الآية

« الربا » الزيادة كما في قولهم ربا الشيء يربو إذا زاد ، والربا هو الزيادة على رأس المال ، فلو أقرض أحد أحداً عشرة إلى سنة فأخذ منه في نهاية الأجل أكثر ممّا دفع فهو ربا إذا شرطه في العقد.

و « التخبّط » والخبط بمعنى واحد ، وهو المشي على غير استواء ، يقال : خبط البصير إذا اختلّت جهة مشيه ، ويقال للذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه : هو يخبط خبطة عشواء ، أي يضرب على غير اتساق.

وعلى هذا فالمراد من قوله : ( يَتَخَبَّطهُ الشَّيْطان ) أي يخبطه الشيطان ويضربه ، وبالتالي يصرعه.

____________

1 ـ البقرة : 275.
122

و « السَلَف » أي الماضي يقال سلف يسلف سلوفاً ، ومنه الأمم السالفة أي الماضية.

وأمّا قوله ( مِنَ المَسّ ) فالظرف متعلق بيقوم ، أي لا يقومون إلاّ كما يقوم المصروع من المسّ.

وحاصل معنى الآية أنّ آكل الربا لا يقوم إلاّ كقيام من يخبطه الشيطان فيصرعه ، فكما أنّ قيامه على غير استواء فهكذا آكل الربا.

فالتشبيه وقع بين قيام آكل الربا وقيام المصروع من خبط الشيطان ، فيطرح هنا سؤالان :

الأوّل : ما هو المراد من أنّ آكل الربا لا يقوم إلاّ كقيام المصروع ؟

الثاني : ما هو المراد من كون الصرع من مس الشيطان ؟

أمّا الأوّل : فقد اختلف فيه كلمة المفسرين على وجوه :

1. ذهب أكثرهم إلى أنّ المراد قيامهم يوم القيامة قيام المتخبطين ، فكأنّ آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً ، وذلك كالعلامة المخصوصة بآكل الربا ، فيعرفه أهل الموقف أنّه آكل الربا في الدنيا.

وعلى ضوء هذا فيكون معنى الآية انّهم يقومون مجانين كمن أصابه الشيطان بمسٍّ.

2. انّهم إذا بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين لقوله : ( يخرجون من الاَجداث سراعاً ) إلاّ آكلة الربا فانّهم يقومون ويسقطون ، لأنّه سبحانه أرباه في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم فهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع ولا يقدرون.
123

ويؤيده ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : أُسري بي إلى السماء رأيت رجالاً بطونهم كالبيوت فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء ياجبرئيل ؟ قال : هؤلاء آكلة الربا.

3. انّ المراد من المسّ ليس هو الجنون ، وإن كان المسّ يستعمل فيه ، بل المراد من تبع الشيطان وأجاب دعوته ، كما هو الحال في قوله سبحانه : ( إِنَّ الّذينَ اتَّقَوا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُون ) (1) ، وذلك لأنّ الشيطان يدعو إلى طلب اللّذات والشهوات والاشتغال بغير الله ، فهذا هو المراد من مسّ الشيطان ، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطاً ، فتارة يجرّه الشيطان إلى اتّباع النفس والهوى ، وتارة تجرّه الفطرة إلى الدين والتقوى فتضطرب حياته ويسودها القلق.

فلا شكّ أنّ آكل الربا يكون مفرطاً في حب الدنيا متهالكاً عليها ، ولذلك تكون حياته الدنيوية حياة غير منظمة وعلى غير استواء.

وهناك وجه رابع ذكره السيد الطباطبائي وهو :

إنّ الإنسان الممسوس الذي اختلّت قوته المميزة لا يفرق بين الحسن والقبيح ، والنافع والضار ، والخير والشر ، فهكذا حال المرابي في أخذه للربا فانّ الذي تدعو إليه الفطرة أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه مما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه. وأمّا إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه مع زيادة ، فهذا شيء ينهدم به قضاء الفطرة وأساس المعيشة ، فانّ ذلك ينجرّ من جانب المرابى إلى اختلاس المال من يد المدين وتجمّعه وتراكمه عند المرابي ، فانّ هذا المال لا يزال ينمو ويزيد ، ولا ينمو إلاّ من مال الغير ، فهو بالانتقاص

__________________

1 ـ الأعراف : 201.
124

والانفصال من جانب ، والزيادة والانضمام من جانب آخر.

وينجرّ من جانب المدين المؤدي للربا إلى تزايد المصرف بمرور الزمان تزايداً لا يتداركه شيء مع تزايد الحاجة ، وكلما زاد المصرف أي نما الربا بالتصاعد زادت الحاجة من غير أمر يجبر النقص ويتداركه وفي ذلك انهدام حياة المدين.

فالربا يضادّ التوازن والتعادل الاجتماعي ويفسد الانتظام الحاكم على هذا الصراط المستقيم الإنساني الذي هدته إليه الفطرة الاِلهية.

وهذا هو الخبط الذي يبتلى به المرابي كخبط الممسوس ، فانّ المراباة يضطره أن يختل عنده أصل المعاملة والمعاوضة فلا يفرّق بين البيع والربا ، فإذا دُعي إلى أن يترك الربا ويأخذ بالبيع ، أجاب : انّ البيع مثل الربا لا يزيد على الربا بمزية ، فلا موجب لترك الربا وأخذ البيع ، ولذلك استدل تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم : ( إِنَّما البيعُ مثْل الرّبا ). (1)

وهناك سؤال : وهو انّه لماذا قيل البيع مثل الربا بل كان عليهم القول بأنّ الربا مثل البيع ، لأنّ الكلام في الربا لا في البيع فوجب عليهم أن يشبهوا الربا بالبيع ، لا على العكس.

والجواب انّهم شبهوا البيع بالربا لأجل المبالغة وهو انّهم جعلوا حلّية الربا أصلاً ، وحلّية البيع فرعاً ، فقالوا : إنّ البيع مثل الربا.

هذا كلّه حول الأمر الأوّل.

وأمّا الأمر الثاني وهو كون الجنون معلولاً لوطأة الشيطان ومسّه ، فنقول :

إنّ ظاهر الآية أنّ الجنون نتيجة تصرف الجن في المجانين ، مع أنّ العلم

__________________

1 ـ الميزان : 2 / 411.
125

الحديث كشف علّة الجنون وهو حدوث اختلالات في الأعصاب الإدراكية ، فكيف يجمع بين مفاد الآية وما عليه العلم الحديث ، وهذا من قبيل تعارض النقل والعقل ؟

وأجاب عنه بعض المفسرين بأنّ هذا التشبيه من قبيل المجاراة مع عامّة الناس في بعض اعتقاداتهم الفاسدة حيث كان اعتقادهم بتصرف الجن في المجانين ، ولا ضير في ذلك ، لأنّه مجرد تشبيه خال عن الحكم حتى يكون خطأً غير مطابق للواقع.

فحقيقة معنى الآية هو أنّ هؤلاء الآكلين للربا حالهم حال المجنون الذي يتخبطه الشيطان من المس ، وأمّا كون الجنون مستنداً إلى مس الشيطان فأمر غير ممكن ، لأنّ الله سبحانه أعدل من أن يسلط الشيطان على عقل عبده ، أو على عبده المؤمن. (1)

وأجاب عنه السيد الطباطبائي بأنّ الله تعالى أجلّ من أن يستند في كلامه إلى الباطل ، ولغو القول بأي نحو كان من الاستناد إلاّ مع بيان بطلانه ورده على قائله ، وقد قال تعالى في وصف كلامه : ( وَإِنَّهُ لكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ). (2)

وقال تعالى : ( إنَّهُ لَقَولٌ فَصْلٌ * وَما هُوَ بِالْهَزْلِ ). (3)

وأمّا انّ استناد الجنون إلى تصرف الشيطان وذهاب العقل ينافي عدله تعالى ، ففيه انّ الإشكال بعينه مقلوب عليهم في اسنادهم ذهاب العقل إلى الأسباب

__________________

1 ـ نقله في الميزان : 2 / 413 ولم يذكر المصدر ؛ وفي تفسير المنار : 3 / 95 ما يقرب من ذلك نقله عن البيضاوي في تفسيره.

2 ـ فصلت : 42.

3 ـ الطارق : 13 ـ 14.
126

الطبيعية فانّها مستندة أخيراً إلى الله تعالى مع إذهابها العقل. (1)

وهناك كلام آخر للسيد الطباطبائي ولعلّه يقلع الشبهة : انّ استناد الجنون إلى الشيطان ليس على نحو الاستقامة ومن غير واسطة بل الأسباب الطبيعية كاختلال الأعصاب والآفة الدماغية أسباب قريبة وراءها الشيطان ، كما أنّ أنواع الكرامات تستند إلى الملك مع تخلل الأسباب الطبيعية في البين ، وقد ورد نظير ذلك فيما حكاه الله عن أيوب عليه‌السلام إذ قال : ( أنّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) (2) ، وإذ قال : ( أَنّي مَسَّنِيَ الضُرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ) (3) والضرّ هو المرض وله أسباب طبيعية ظاهرة في البدن ، فنسب ما به من المرض المستند إلى أسبابه الطبيعية إلى الشيطان. (4)

__________________

1 ـ الميزان : 2412.

2 ـ ص : 41.

3 ـ الأنبياء : 83.

4 ـ الميزان : 2 / 413.
127




________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:19 pm

آل عمران

12


التمثيل الثاني عشر

( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون * الحَقُّ مِنْ رَبّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِين ). (1)

تفسير الآية

ذكر سبحانه كيفية ولادة المسيح من أُمّه « مريم العذراء » وابتدأ بيانه بقوله : ( إذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ... ) وانتهى بقوله : ( قالَتْ رَبّ أَنّي يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشَاءُ إذا قَضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ). (2)

وبذلك أثبت انّ المسيح مخلوق لله سبحانه مولود من أُمّه العذراء دون أن يمسّها بشر وانّه عليه‌السلام آية من آيات الله سبحانه ، ولما كانت النصارى تتبنّى ألوهية المسيح وانّه يؤلف أحد أضلاع مثلث الألوهية الرب والابن وروح القدس ، وكانت تؤمن انّه ابن الرب ، لأنّه ولد من مريم بلا أب.

ولما احتجوا بهذا الدليل أمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافاه الوحي مجيباً على استدلالهم بأنّ

__________________

1 ـ آل عمران : 59 ـ 60.

2 ـ آل عمران : 45 ـ 47.
128

كيفية خلق المسيح يضاهي كيفية خلق آدم. حيث إنّ آدم خلق من تراب بلا أب وأُمّ ، فإذا كان هذا أمراً ممكناً ، فمثله المسيح حيث ولد من أُمّ بلا أب فهو أهون بالاِمكان.

وبعبارة أخرى : انّ المسيح مثل آدم في أحد الطرفين ، ويكفي في المماثلة المشاركة في بعض الأوصاف ، ففي الحقيقة هو من قبيل تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة الشبهة.

إنّ من الأسئلة المثارة حول قوله سبحانه : ( ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فيكون ) هو انّ الأنسب أن يقول : « ثم قال له كن فكان » فلماذا قال : ( فيكون ) لأنّ أمره سبحانه بالتحقّق أمر يلازم تحقّق الشيء دفعة.

والجواب انّه وضع المضارع مكان الماضي وهو أمر جائز ، والنكتة فيه هي تصوير الحالة الماضية فإنّ تكوّن آدم كان أمراً تدريجياً لا أمراً دفعياً.

وبعبارة أخرى : انّ قوله : ( كن ) وإن كان دالاً على انتفاء التدريج ولكنّه بالنسبة إليه سبحانه ، وأمّا بالنسبة إلى المخلوق فهو على قسمين : قسم يكون فاقداً له كالنفوس والعقول الكلية ، وقسم يكون أمراً تدريجياً حاصلاً بالنسبة إلى أسبابها التدريجية ، فإذا لوحظ الشيء بالقياس إليه تعالى فلا تدريج هناك ولا مهلة ـ لانتفاء الزمان والحركة في المقام الربوبي ، ولذا قال سبحانه : ( وَما أَمْرنا إلاّ واحدةٌ كَلَمْحٍ بالْبَصَر ) (1) وأمّا إذا لوحظ بالقياس إلى وجود الممكن وأسبابه فالتدريج أمر متحقق ، وبالجملة فقوله ( فيكون ) ناظر إلى الحالة الماضية. (2)

وهناك وجه آخر ذكره المحقّق البلاغي عند تفسير قوله سبحانه : ( بَدِيعُ

__________________

1 ـ القمر : 50.

2 ـ الميزان : 3 / 212 ؛ المنار : 3 / 319.
129

السَّمواتِ والاََرْض وَإذا قَضى أَمْراً فَانَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون ).

إنّ قوله : ( فيكون ) تفريع على قوله ( يقول ) وليس جزاءً لقوله تعالى ( كن ) ، لأنّ الكون بعد الفاء ، هو نفس الكون المأمور به لا جزاءه المترتب عليه ، وتوهم أنّه جزاء لذات الطلب أو ملكوت مع الطلب مدفوع ، بأنّه لو صحّ لوجب أن ينصب مع أنّه مرفوع. (1)

وعلى كلّ تقدير فالقرآن الكريم يستدل على إبطال إلوهية المسيح بوجوه مختلفة ، منها هو تشبيه ولادة المسيح بآدم. والتمثيل المذكور يتكفّل بيان هذا الأمر أيضاً ، وفي الحقيقة الآية منحلّة إلى حجتين تفي كلّ واحدة منهما بنفي الاَلوهية عن المسيح.

إحداهما : انّ عيسى مخلوق لله ـ على ما يعلمه الله لا يضل في علمه ـ خلقة بشر وإن فقد الأب ومن كان كذلك كان عبداً لا رباً.

وثانيهما : انّ خلقته لا تزيد على خلقة آدم ، فلو اقتضى سنخ خلقه أن يقال بإلوهيته بوجه لاقتضى خلق آدم ذلك مع أنّهم لا يقولون بها فيه فوجب أن لا يقولوا بها في عيسى عليه‌السلام أيضاً لمكان المماثلة.

ويظهر من الآية انّ خلقة عيسى كخلقة آدم خلقة طبيعية كونية وإن كانت خارقة للسنّة الجارية في النسل وهي حاجة الولد في تكوّنه إلى والد. (2)

__________________

1 ـ آلاء الرحمن : 1 / 120.

2 ـ الميزان : 3 / 212.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:20 pm

آل عمران

13


التمثيل الثالث عشر

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ * مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هذِهِ الحَياةِ الدُّنيا كَمَثَلِ ريحٍ فِيها صِرّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون ). (1)

تفسير الآيات

الصرّ : الريح الباردة نحو صرصر ، قال الشاعر :

لا تعدلنّ أتاويين (2) تضربهم




نكباء صرّ بأصحاب المحلات

ونقل الطبرسي عن الزجّاج أنّه قال : الصرّ صوت لهب النار التي كانت في تلك الريح ، وأضاف : ويجوز أن يكون الصرّ صوت الريح الباردة الشديدة.

وعلى كلّ تقدير فالمراد هو الريح السامة التي تهلك الحرث.

والمراد من ( حرث قوم ظلموا أنفسهم ) الذين زرعوا في غير موضع الزراعة

__________________

1 ـ آل عمران : 116 ـ 117.

2 ـ الأتاوي : جمع الإتاوة : الخراج.
131

أو في غير وقتها ، فهبّت عليه العواصف فذهب أدراج الرياح ، إذ لا شكّ انّ للزمان والمكان تأثيراً بالغاً في نمو الزرع ، فالنسيم الهادئ الذي يهب على الزرع ويلامسه والأرض الخصبة كلها عوامل تزيد في طراوة الزرع ونضارته.

هذا هو المشبه به ، فالكافر إذا أنفق ماله في هذه الحياة الدنيا بغية الانتفاع به ، فهو كمن زرع في غير موضعه أو زمانه ، فلا ينتفع من إنفاقه شيئاً ، فانّ الكفر وما يتبعه من الهوى يبيد إنفاقه ، ولذلك قال سبحانه : ( إِنَّ الّذينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْني عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً ).
132

الأنعام

14


التمثيل الرابع عشر

( أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُون ). (1)

تفسير الآية

نزلت الآية في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام ، وذلك انّ أبا جهل آذى رسول الله فأخبر بذلك حمزة ، وهو على دين قومه ، فغضب وجاء ومعه قوس فضرب بها رأس أبي جهل وآمن ، وهو المروي عن ابن عباس.

وقيل : إنّها نزلت في عمار بن ياسر حين آمن وأبي جهل ، وهو المروي عن أبي جعفر ، ولكن الظاهر انّها عامة في كلّ مؤمن وكافر ، ومع ذلك لا يمنع هذا نزولها في شخصين خاصين.

ففي هذه الآية تمثيلات وتشبيهات جعلتها من قبيل التشبيه المركب نذكرها تباعاً :

1. يقول سبحانه : ( أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) وقد شبّه الكافر ب‍ « الميت » الذي هو مخفف الميّت والمؤمن بالحي.

__________________

1 ـ الأنعام : 122.
133

وليست الآية نسيجاً وحدها فقد شبّه المؤمن في غير واحد من الآيات بالحي ، والكافر بالميت ، قال سبحانه : ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوتَى ) (1) ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّاًً ) (2) و ( وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلاَ الأمْواتُ ). (3)

2. يقول سبحانه : ( وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النّاسِ ) فقد شبّه القرآن بالنور ، حيث إنّ المؤمن على ضوء القرآن يشق طريق السعادة ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُم بُرهانٌ مِنْ رَبّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً ). (4)

وقال سبحانه : ( مَا كُنْتَ تَدري مَا الكِتابُ ولاَ الإيمَانُ ولكِن جَعَلْناهُ نُوراً ) (5) ، فالقرآن ينوّر الدرب للمؤمن .

3. يقول سبحانه ( كمَن مَثله فِي الظُلمات لَيْس بِخارجٍ مِنْها ) ، فالمراد من الظلمة إمّا الكفر أو الجهل ، ويؤيد الأوّل قوله سبحانه : ( اللهُ وَلِيُّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّور ). (6)

ثمّ إنّه سبحانه شبه الكافر بالذي يمكث في الظلمات لا يهتدي إلى شيء بقوله : ( كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمات ) ولم يقل : كمن هو في الظلمات ، بل توسط لفظ المثل فيه ، ولعل الوجه هو تبيين انّه بلغ في الكفر والحيرة غاية يضرب به المثل.

هذا هو تفسير الآية على وجه التفصيل.

__________________

1 ـ الروم : 52.

2 ـ يَس : 70.

3 ـ فاطر : 22.

4 ـ النساء : 174.

5 ـ الشورى : 52.

6 ـ البقرة : 257.
134

وحاصل الآية : انّ مثل من هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل ، والمهتدي والضال ، ـ مثله ـ من كان ميتاً فأحياه الله وجعل له نوراً يمشي به في الناس مستضيئاً به ، فيميز بعضه من بعض.

هذا هو مثل المؤمن ، ولا يصح قياس المؤمن بالباقي على كفره غير الخارج عنه ، الخابط في الظلمات المتحير الذي لا يهتدي سبيل الرشاد.

وفي الحقيقة الآية تشتمل على تشبيهين :

الأوّل : تشبيه المؤمن بالميّت المحيا الذي معه نور.

الثاني : تشبيه الكافر بالميّت الفاقد للنور الباقي في الظلمات ، والغرض انّ المؤمن من قبيل التشبيه الأوّل ، دون الثاني.
135

الأعراف

15


التمثيل الخامس عشر

( وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتّى إذا أَقلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ المَوتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون * وَالبَلَد الطَّيّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَومٍ يَشْكُرُون ). (1)

تفسير الآية

« أقلّ » من الإقلال ، وهو حمل الشيء بأسره.

والنكد : العسر الممتنع من إعطاء الخير ، يقال نكد إذا سئل فبخل ، قال الشاعر :

وأعطي ما أعطيته طيّباً




لا خير في المنكود والناكد

« البلد الطيب » : عبارة عن الأرض الطيب ترابها ، ففي مثلها يخرج الزرع نامياً زاكياً من غير كدٍّ ولا عناء ، كلّ ذلك بإذنه سبحانه.

والبلد الخبيث هي الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها إلاّ شيئاً

__________________

1 ـ الأعراف : 57 ـ 58.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:21 pm



قليلاً ، وكأنّها لا تعطي إلاّ شيئاً قليلاً وهو بالعسر.

وتصريف الآيات عبارة عن تكررها.

ذكر سبحانه في الآية الاُولى بأنّه يرسل الرياح مبشرةً برحمته ، فإذا حملت سحاباً ثقالاً بالماء ساقه سبحانه إلى بلد ميت فتحيا به الأرض وتؤتي ثمراتها.

وعاد سبحانه في الآية الثانية إلى القول بأنّ هطول المطر وسقي الأرض جزء مما يتوقف عليه خروج النبات ، وهناك شرط آخر وهو أن تكون الأرض خصبةصالحة للزراعة دونما إذا كانت خبيثة ، هذا هو حال المشبه به.

وأمّا المشبه فهو انّه سبحانه يُشبِّهُ المؤمن بأرض طيبة تلين بالمطر ويحسن نباتها ويكثر ريعها ، كما تشبه قلب الكافر بالأرض السبخة لا تنبت شيئاً ، فقلب المؤمن كالأرض الطيبة وقلب الكافر كالأرض السبخة.
137

الاَعراف

16


التمثيل السادس عشر

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغَاوِين * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْركْهُ يَلْهَث ذلِكَ مَثَلُ الْقَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * ساءَ مَثَلاً الْقَومُ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُون ). (1)

تفسير الآيات

النبأ : الخبر عن الأمر العظيم ومنه اشتقاق النبوة ، أخلد إلى الأرض أي سكن إليها.

السلخ : النزع ، وقوله : ( أخْلد إلى الأرض ) لصق بها ، واللهث أن يدلع الكلب لسانه من العطش ، واللهاث حرّ العطش.

هذا هو تفسير مفردات الآية ، وأمّا المضمون فالآية تمثيل يتضمن مشبهاً ومشبهاً به ، أمّا الثاني فقد اختلفت كلمة المفسرين في المراد منه ، فالأكثر على أنّ المراد هو بلعم بن باعوراء الذي كان عالماً من علماء بني إسرائيل ، وقيل من

__________________

1 ـ الأعراف : 175 ـ 177.
138

الكنعانيين أوتي علم بعض كتاب الله ، ولكنّه كفر به ونبذه وراء ظهره ، فلحقه الشيطان وصار قريناً له وكان من الغاوين الضالين الكافرين.

والإمعان في الآية يعرب عن بلوغ الرجل مقاماً شامخاً في العلم والدراية ، وعلى الرغم من ذلك فقد سقط في الهاوية ، وإليك ما يدل على ذلك في الآية :

أ : لفظ ( نبأ ) حاك عن أنّه كان خبراً عظيماً لا خبراً حقيراً.

ب : قوله : ( الذي آتَيْناهُ آياتنا ) حاك عن إحاطته بالحجج والبيّنات وعلم الكتب السماوية.

ج : قوله : ( فانسلخ منها ) يدل على أنّ الآيات والعلوم الإلهية كانت تحيط به إحاطة الجلد بالبدن إلاّ انّه خرج منها.

ويؤيد ذلك انّه سبحانه يعبر عن التقوى باللباس ، ويقول : ( وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيرٌ ). (1)

د : قوله : ( فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطان ) يدل على أنّ الشيطان كان آيساً من كفره وقد انقطعت صلته به ، لكنّه لما انسلخ من الآيات لحقه الشيطان واتبعه فأخذ يوسوس له كلّ يوم إلى أن جعله من الضالين.

إلى هنا تم تفسير الآية الاُولى ، وأمّا الآية الثانية فهي تتضمن حقيقة قرآنية ، وهي انّه سبحانه تبارك وتعالى كان قادراً على رفعه وتنزيهه وتقريبه إليه ، ولكنّه لم يشأ ، لأنّ مشيئته سبحانه لا تتعلق بهداية من أعرض عنه واتّبع هواه ، إذ كيف يمكن تعلق مشيئته بهداية من أعرض عن الله وكذب آياته ، ولذلك يقول :

( وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ) أي لرفعناه بتلك الآيات « ولكن ما شئنا » وليس

__________________

1 ـ الأعراف : 26.
139

ذلك للبخل منه سبحانه ، بل لفقدان الأرضية الصالحة ، لأنّه أخلد إلى الأرض ولصق بها ، وكأنّها كناية عن الميل والنزوع إلى التمتع بالملاذ الدنيوية ، ومعه كيف تشمله العناية الربانية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى وجه آخر لعدم تعلّق مشيئته بهدايته ، وهو انّ هذا الإنسان بلغ في الضلالة والغواية مرحلة صارت سجية وطبيعة له ، ومزج بها روحه ونفسه وفطرته ، فلا يصدر منه إلاّ التكذيب والإدبار عن آياته ، فلذلك لا يؤثر فيه نصيحة ناصح ولا وعظ واعظ ، ولتقريب هذا الأمر نأتي بتمثيل في ضمن تمثيل ، ونقول :

( فَمَثَلهُ كَمَثل الكَلْب انْ تَحْمل عَلَيه يَلْهَث أَوْ تَتْركهُ يَلهَث ) ، وذلك لأنّ اللهث أثر طبيعي لسجيته فلا يمكن أن يخلّص نفسه منها.

هذا هو المشبه به ، وهو يعرب عن أنّ الهداية والضلالة بيد الله تبارك وتعالى ، وقد تعلّقت مشيئته بهداية الناس بشرط أن تتوفر فيه أرضية خصبة تؤهله لتعلّق مشيئته تعالى به ، فمن أخلد إلى الأرض ولصق بها ، أي أخلد إلى المادة والماديات ، فلا تشمله الهداية الإلهية بل هو محكوم بالضلال لكن ضلالاً اختيارياً مكتسباً.

هذا هو حال المشبه به ، وقد عرفت أنّ التمثيل يتضمن تمثيلاً آخر.

وأمّا المشبه فقد اختلفت كلمة المفسرين فيه ، فربما يقال : إنّ المراد أُمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر ، وكانت قصته انّه قرأ الكتب وعلم أنّ الله سبحانه يرسل رسولاً في ذلك الوقت ، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول ، فلمّـا بعث سبحانه محمداً حسده ومرّ على قتلى بدر فسأل عنهم ، فقيل : قتلوا في حربهم مع النبي ، فقال : لو كان نبياً لما قتل أقرباءه ، وقد ذهب إلى الطائف ومات بها ، فأتت أُخته
140

الفارعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألها عن وفاته ، فذكرت له انّه أنشد عند موته :

كل عيش وإن تطاول دهراً




صائر مرة إلى أن يزولا

صائر ليتني كنت قبل ما قد بدالي




في قلال الجبال أرعى الوعولا

إنّ يوم الحساب يوم عظيم




شاب فيه الصغير يوماً ثقيلاً

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها أنشديني من شعر أخيك فأنشدت :

لك الحمدُ والنعماءُ والفضلُ ربّنا




ولا شيء أعلى منك جدّاً وأمجدُ

مليكٌ على عرش السّماءِ مهيمنٌ




لعزّته تعنُو الوجوهُ وتسجدُ

ثمّ أنشدته قصيدته التي يقول فيها :

وقف الناس للحسابِ جميعاً




فشقيّ معذّب وسعيد

والتي فيها :

عند ذي العرش تُعرضونَ عليه




يعلمُ الجهرَ والسِـراءَ الخفيّا
يوم يأتي الرحمنُ وهو رحيم




إنّه كان وعدُهُ مأتيّا

ربّ إن تعفُ فالمعافاةُ ظنّي




أو تُعاقِبْ فلم تعاقِب بريّا

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 4:23 pm

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ أخاك آمن شعره ، وكفر قلبه » وأنزل الله تعالى الآية. (1)

وقيل : إنّه أبو عامر بن النعمان بن صيفى الراهب الذي سمّاه النبي الفاسق ، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح ، فقدم المدينة ، فقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا الذي جئت به ، قال : « جئت بالحنيفية دين إبراهيم » ، قال : فأنا عليها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لست عليها ولكنّك أدخلت فيها ما ليس منها ».

فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب منّا طريداً وحيداً ، فخرج إلى أهل الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا السلاح ، ثمّ أتى قيصر وأتى بجند ليخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ، فمات بالشام طريداً وحيداً.

والظاهر انّ المشبه ليس خصوص هذين الرجلين ، بل كما قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « الأصل في ذلك بلعم ، ثم ضربه الله مثلاً لكل موَثر هواه على هدى الله من أهل القبلة ». (2)

وفي الآية دلالة واضحة على أنّ العبرة في معرفة عاقبة الإنسان هي أُخريات حياته ، فربما يكون موَمناً في شبابه ويرتد عن الدين في شيخوخته وهرمه ، فليس

__________________

1 ـ مجمع البيان : 2 / 499 ـ 500.

2 ـ مجمع البيان : 2 / 500.
142

صلاح الإنسان وفلاحه في عنفوان شبابه دليلاً على صلاحه ونجاته في آخر عمره.

وبذلك يعلم أنّ ترضّي القرآن عن المهاجرين والأنصار في قوله سبحانه : ( لَقَدْ رَضِي اللهُ عَنِ الْمُؤمِنينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ). (1)

ويؤيد ما ذكرناه انّه سبحانه حدّد ظرف الرضا بقوله : ( إِذ يُبايعونك ) ولا يكون دليلاً على رضاه طيلة حياتهم ، فلو دلّ دليل على زلّة واحد منهم ، فيؤخذ بالثاني جمعاً بين الدليلين.

وقد يظهر مفاد قوله سبحانه : ( والسَّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا الأنهَارُ خالِدينَ فِيهَا أَبَداً ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ ). (2)

فانّ الآية دليل على شمول رضى الله لهم ، فيؤخذ بالآية مالم يدل دليل قطعي على خلافها ، فلو ثبت بدليل متواتر أو خبر محفوف بالقرينة ارتداد واحد منهم أو صدور معصية كبيرة أو صغيرة ، فيؤخذ بالثاني ، وليس بين الدليلين أي خلاف ، إذ ليس مقام صحابي أو تابعي أعلى من مقام ما جاء في هذه الآية ، أعني من آتاه الله سبحانه آياته وصار من العلماء الربانيين ولكن اتبع هواه فانسلخ عنها.

فما ربما يتراءى من إجماع غير واحدمن المفسرين بهذه الآيات كلى عدالة كافة الصحابة فكأنّها غفلة عن مفادها وإغماض عما صدر عن غير واحد من الصحابة من الموبقات والمعاصي والله العالم.

__________________

1 ـ الفتح : 18.

2 ـ التوبة : 100.
143

سورة التوبة

17


التمثيل السابع عشر

( وَالذّين اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤمِنينَ وإِرْصاداً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إلاّ الحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَومٍ أَحقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهّرين * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ على تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدي القَومَ الظّالِمين ). (1)

تفسير الآيات

« الضرار » : هو إيجاد الضرر عن عناد.

« الإرصاد » بمعنى الاِعداد.

« البنيان » مصدر بنى.

و « التقوى » خصلة من الطاعة يحترز بها عن العقوبة ، والواو فيه مبدلة من الياء لأنّها من وقيت.

« شفا » : شفا البئر وغيره ، جُرفَه ، ويضرب به المثل في القرب من الهلاك.

__________________

1 ـ التوبة : 107 ـ 109.
144

« الجرف » جرف الوادي جانبه الذي يتحفر أصله بالماء ، وتجرفه السيول فيبقى واهياً.

قال الراغب : يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه ، أي يذهب به ، جرف

هار البناء وتهوّر : إذا سقط ، نحو : إنهار.

ذكر المفسرون انّ بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم ، فأتاهم وصلى فيه ، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غُنْم بن عوف ، فقالوا : نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد وكانوا اثني عشر رجلاً ، وقيل خمسة عشر رجلاً ، منهم : ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، ونبتل بن الحرث ، فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء ، فلمّا فرغوا منه ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتجهّز إلى تبوك.

فقالوا : يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي فيه لنا وتدعو بالبركة.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي على جناح سفر ، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه » ، فلمّـا انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد.

إنّ الآية تشير إلى الفرق الشاسع بين من بنى بنياناً على أساس محكم ، ومن بناه على شفا جرف ، فالأوّل يبقى عبر العصور ويحتفظ بكيانه في الحوادث المدمرة ، بخلاف الثاني فانّه سوف ينهار لا محالة بأدنى ضربة.

فالمؤمن هو الذي يعقد إيمانه على قاعدة محكمة وهو الحقّ الذي هو تقوى الله ورضوانه ، بخلاف المنافق فانّه يبني إيمانه على أضعف القواعد وأرخاها وأقلّها
145

بناءً وهو الباطل ، فإيمان المؤمن ودينه من مصاديق قوله : ( أَفَمَنْ أسَّس بُنيانه على تقوى من الله ورضوان ) ولكن دين المنافق كمن ( أسّس بنيانه على شفا جرف هار ) فلا محالة ينهار به في نار جهنم.
146

سورة يونس

18


التمثيل الثامن عشر

( إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَمَاءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأكُلُ النَّاسُ والأنْعَامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْهَا أَتاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأن لَمْ تَغْنَ بالاَمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُون * واللهُ يَدعُو إلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ). (1)

تفسير الآيات

قوله : ( فاخَتلَطَ بهِ نَبات الأرض ) فلو قلنا بأنّ الباء للمصاحبة ، يكون معناه أي اختلط مع ذلك الماء نبات الأرض ، لأنّ المطر ينفد في خلل النبات ، وإن كانت الباء للسببية يكون المراد انّه اختلط بسبب الماء بعض النبات ببعض حيث إنّ الماء صار سبباً لرشده والتفاف بعضه ببعض.

قوله : ( ازّيّنت ) أصله تزينت ، فادغمت التاء بالزاى وسكِّنت الزاي فاجلبت لها ألف الوصل.

فقوله : ( أخذت الأرْضُ زُخرفها وازَّيّنت ) تعبير رائع حيث جعلت

__________________

1 ـ يونس : 24 ـ 25.
147

الاَرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كلّ لون فاكتستها وتزينّت بغيرها من ألوان الزين.

قوله : ( قادرون عليها ) ، أي متمكنون من استثمارها والانتفاع بثبوتها.

قوله : ( أتاها أمرنا ) كناية عن نزول بعض الآفات على الجنات والمزارع حيث يجعلها « حصيداً » شبيهاً بما يحصد من الزرع في استأصاله.

قوله : ( كأن لم تغن ) بمنزلة قوله : كأن لم ينبت زرعها.

قوله : ( دار السلام ) فهو من أوصاف الجنة ، لأنّ أهلها سالمون من كل مكروه ، بخلاف المقام فانّها دار البلاء.

هذا ما يرجع إلى تفسير مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها الجملي ، فنقول :

نفترض أرضاً خصبة رابية صالحة لغرس الأشجار وزرع النبات وقد قام صاحبها باستثمارها من خلال غرس كلّ ما ينبت فيها ، فلم يزل يتعاهدها بمياه الأمطار والسواقي ، فغدت روضة غنّاء مكتظة بأشجار ونباتات متنوعة ، وصارت الأرض كأنّها عروس تزيّنت وتبرجت ، وأهلها مزهوّون بها يظنّون انّها بجهدهم ازدهرت ، وبإرادتهم تزيّنت وانّهم أصحاب الأمر لا ينازعهم فيها منازع. فيعقدون عليها آمالاً طويلة ، ولكن في خضم هذه المراودات يباغتهم أمره سبحانه ليلاً أو نهاراً فيجعل الطري يابساً ، كأنّه لم يكن هناك أي جنة ولا روضة.

هذا هو المشبه به والله سبحانه يمثل الدنيا بهذا المثل ، وهو انّ الإنسان ربما يغتر بالدنيا ويعوّل الكثير من الآمال عليها مع سرعة زوالها وفنائها ، وعدم ثباتها واستقرارها.
148

يقول موَيد الدين الاصفهاني المعروف بالطغرائي في لاميته المعروفة بلامية العجم :

ترجو البقاء بدار لا ثبات لها




فهل سمعت بظل غير منتقل

وقد أسماها سبحانه متاع الحياة الدنيا في مقابل الآخرة التي أسماها بدار السلام في الآية التالية ، وقال : ( الله يدعو إلى دار السلام ).

ثمّ إنّه يبدو من كلام الطبرسي انّ هذا التمثيل من قبيل التمثيل المفرد ، فذكر أقوالاً :

أحدها : انّه تعالى شبَّه الحياة الدنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثمّ الانقطاع.

وثانيها : إنّه شبهها بالنبات على ما وصفه من الاغترار به ثمّ المصير إلى الزوال عن الجبائي وأبي مسلم.

وثالثها : إنّه تعالى شبَّه الحياة الدنيا بحياة مقدَّرة على هذه الاَوصاف. (1)

والحقّ أنّه من قبيل الاستعارة التمثيلية حيث يعبر عن عدم الاعتماد والاطمئنان بالدنيا بما جاء في المثل ، وإنّما اللائق بالاعتماد هو دار السلام الذي هو سلام على الإطلاق وليس فيها أي مكروه.

وقد قيّد سبحانه في الآية دار السلام ، بقوله : ( عند ربّهم ) للدلالة على قرب الحضور وعدم غفلتهم عنه سبحانه هناك.

ويأتي قريب من هذا المثل في سورة الكهف ، أعني : قوله :




( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ على كُلّ شَيْءٍ مُقْتَدراً ). (1) وسيوافيك بيانها في محلها.

ويقرب من هذا ما في سورة الحديد ، قال سبحانه :

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْو وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ في الأمْوالِ وَالأولادِ كَمَثلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيج فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إلاّ مَتاعُ الغُرُور ). (2)

__________________

1 ـ الكهف : 45.

2 ـ الحديد : 20.

__________________

1 ـ مجمع البيان : 3 / 102.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:36 pm

 وما ذكرنا هو المستفاد من الآيات وقد صرح به الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض خطبه : قال :  « لا يقولنّ أحدكم : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلاّت الفتن ، فانّ الله سبحانه يقول : ( وَاعْلَمُوا أنّما أَموالكُمْ وَأَولادكُمْ فِتْنَة ) ومعنى ذلك انّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب ». (1)  إلى هنا تبين معنى مفردات الآية وسبب نزولها والآيات التي وردت في هذا الصدد في حقّ سائر الاَُمم.  إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تفسير الآية.  يقول سبحانه : إنّ الابتلاء بالبأساء والضراء سنة إلهية جارية في الأمم كافة ولا تختص بالاَُمة الإسلامية ، فالتمحيص وتمييز المؤمن الصابر عن غير الصابر رهن الابتلاء. فلا يتمحض إيمان المسلم إلاّ إذا غربل بغربلة الامتحان ليخرج نقياً. ولا يترسخ الإيمان في قلبه إلاّ من خلال الصمود والثبات أمام أعاصير الفتن الهوجاء.  وكأنّ الآية تسلية لنبيه وأصحابه مما نالهم من المشركين وأمثالهم ، لأنّ سماع أخبار الأمم الماضية يسهّل الخطب عليهم ، وانّ البلية لا تختص بهم بل تعم غيرهم أيضاً ، ولذلك يقول : ( أَمْ حَسِبْتُمْ ) أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ( ولمّا يَأْتِكُمْ مَثلُ الّذين خَلوا مِنْ قَبْلِكُم ) ، أي أن تدخلوا الجنة ولما تبتلوا وتمتحنوا بمثل ما ابتليت به الأمم السالفة وامتحنوا به. فعليكم بالصبر والثبات كما صبر هؤلاء وثبتوا.  __________________  1 ـ نهج البلاغة : قسم الحكم : الحكمة 93. 105  وعلى ضوء هذا فالمثل بمعنى الوصف ـ وقد تقدم منّا القول ـ بأنّ من معاني المثل هو الوصف. فقوله : ( وَلَما يَأتِكُم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضراء ) ، أي « لمّا يأتكم وصف الذين خلوا من قبلكم » فلا يدخلون حظيرة الإيمان الكامل إلاّ أن يكون لهم وصف مثل وصف الذين واجهوا المصائب والفتن بصبر وثبات وعانوا الكثير من القلق والاضطراب ، كما قال تعالى في حقّ المؤمنين : ( وَزلزلوا زِلزالاً شَديداً ) ففي خضّم هذه الفتنة التي تنفد فيها طاقات البشر ، فإذا بالرحمة تنزل عليهم من خلال دعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصالح المؤمنين.  كما قال سبحانه : ( وَزلزلوا حتى يقول الرسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله ) والجملة ليست إلاّ طلب دعاء للنصر الذي وعد الله به رسله والمؤمنين بهم واستدعاءً له ، كما قال تعالى : ( وَلَقدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُون ) (1) ، وقال تعالى : ( كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلي ). (2)  يقول الزمخشري : ومعناه طلب الصبر وتمنّيه واستطالة زمان الشدة ، وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدة ، وتماديه في العظم ... فإذا لم يبق للرسل صبر حتى ضجّوا ، كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمح ورائها.  وعند ذلك يخاطبون بقوله سبحانه : ( ألا إنّ نصر الله قريب ) أي يقال لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر. (3)  ثمّ إنّ القراءة المعروفة هي الرفع في قوله : ( حَتى يَقول الرسول ) ، وعند ذلك تكون الجملة لحكاية حال الأمم الماضية. وقرئ بنصب « يقول » وعلى هذا  __________________  1 ـ الصافات : 171 ـ 172.  2 ـ المجادلة : 21.  3 ـ الكشاف : 1 / 270 في تفسير الآية.  106  تكون الجملة في محل الغاية لما سبقها وهو قوله ( مسّتهم البأساء والضراء ) و ( زلزلوا ) ولعل القراءة الاُولى أفضل لبعد كون الجملة غاية لمس البأساء والضراء والزلزال.  وقد تبين ممّا ذكرنا أنّ المثل بمعنى التمثيل والتشبيه ، فتشبيه حال الأمة الإسلامية بالأمم السابقة في أنّهم يعمّهم البأساء والضراء والزلزال ، فإذا قرب نفاد طاقاتهم وصمودهم في المعارك يدعو الرسول ومن معه من المؤمنين لهم بالنصر والغلبة والنجاح.  ثمّ إنّ بعض الكتّاب ممن كتب في أمثال القرآن جعل الآيات الثلاث التالية من الأمثال القرآنية. (1)  أ : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حاجَّ إِبْراهيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبّي الّذي يُحْيي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمين ). (2)  ب : ( أَوْ كَالّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مائَةَ عامٍ فَانْظُر إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُر إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانْظُرْ إِلى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). (3)  ____________  1 ـ الدكتور محمد حسين علي الصغير : الصورة الفنية في المثل القرآني : 144 ؛ والدكتور إسماعيل إسماعيلي : تفسير أمثال القرآن : 191.  2 ـ البقرة : 258.  3 ـ البقرة : 259. 107  ج : ( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). (1)  ولا يخفى ما فيها من الضعف.  أمّا الآية الأولى فلاَنّ المراد من التمثيل هو التشبيه الذي يصور فيه غالباً غير المحسوس بالمحسوس ويقرّب المعنى إلى ذهن المخاطب ، ولكن التشبيه في الآية الاُولى الذي قام به مناظر إبراهيم كان تشبيهاً غير صحيح ، وذلك لأنّه لمّا وصف إبراهيم ربّه بأنّه يحيي ويميت أراد منه من يضفي الحياة على الجنين ويقبضه عندما يَطعن في السن ، ولكن المناظر فسّره بوجه أعم وقال : أنا أيضاً أُحيي وأُميت ، فكان إحياوَه بإطلاق سراح من كُتب عليه القتل ، وقتل من شاء من الأحياء ، مع الفرق الشاسع بين الإحياء والإماتة في كلام الخليل وكلام المناظر ، فلم يكن هناك أي تشبيه بل مغالطة واضحة فيه.  وأمّا الآية الثانية ، فلم يكن هناك أي تشبيه أيضاً ، لأنّه يشترط في التمثيل الاختلاف بين المشبه والمشبه به اختلافاً نوعياً ، كتشبيه الرجل الشجاع بالاَسد ومُحمرَّ الشقيق بأعلام الياقوت ، وأمّا الآية المباركة فانّما هي من قبيل إيجاد مِثْل للمشبه ، فالرجل لما مرّ على القرية الخاوية على عروشها وقد شاهد بأنّه باد أهلها ورأي عظاماً في طريقها إلى البِلاء فقال : ( كيف يحيي هذه الله بعد موتها ) فأماته الله سبحانه مائة عام ثم أحياه كما هو ظاهر الآية ، وعلى ذلك فأوجد مِثْلاً للمشبه مع الوحدة النوعية وإنّما الاختلاف في الصنف ، وقد عرفت لزوم وجود التباين النوعي بين المشبّه والمشبّه به.  __________________  1 ـ البقرة : 260. 108  وأمّا الآية الثالثة ، فمفادها هو أنّ إبراهيم كان موَمناً بقدرته على إحياء الموتى ولكن طلب الإحياء ليراه بعينه ، لأنّ للعيان أثراً كبيراً في الاطمئنان ورسوخ العلم في القلب ، فطلب الرؤية ليطمئن قلبه ويزداد يقينه ، فخاطبه سبحانه بقوله : ( فَخُذْ أَربَعة من الطّير فصرهنّ إليك ) ، أي أملهنّ وأجمعهنّ وضمهنّ إليك. ( ثُمّ اجعل عَلى كُلّ جَبل مِنهُنَّ جزءاً ) هذا دليل على أنّه سبق الأمر بقطعهنّ وذبحهنّ. ( ثمّ ادعُهُنَّ يأتينك سعياً ) ، ولم يذكر في الآية قيام إبراهيم بهذه الأعمال استغناء عنه بالقرائن.  هذا هو مفهوم الآية وأمّا انّها ليست مَـثَلاً ، فلعدم توفر شرائط المثَل من المشبه والمشبه به ، وإنّما هو من قبيل إيجاد الفرد من الأمر الكلي أي إحياء الموتى سواء أكان إنساناً أم لا.  فالأولى عدّ هذه الآيات من القصص التي حكاها القرآن الكريم للعبرة والعظة لكن لا في ثوب المثل. فلننتقل إلى التمثيل السابع في سورة البقرة.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلام شحاتة
الادارة العليا -المشرفة العامة - شمس اشتياق
احلام شحاتة

انثى
تاريخ التسجيل : 08/03/2014
عدد المشاركات : 61741
نقاط التقييم : 66613
بلد الاقامة : مصر
علم بلدك : Egypt مصر
السمك

الأمثال في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمثال في القرآن الكريم   الأمثال في القرآن الكريم Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 2:37 pm

سورة البقرة

7


التمثيل السابع

( مَثَلُ الّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنْبُلَةٍ مائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم * الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ ثُمّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا منّاً وَلا أَذى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون * قَولٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيّ حَليم ). (1)

تفسير الآيات

وعد سبحانه في غير واحد من الآيات بالجزاء المضاعف ، قال سبحانه : ( مَنْ ذَا الّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثيِرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وإليهِ تُرْجَعُون ). (2)

ولأجل تقريب هذا الأمر أتى بالتمثيل الآتي وهو :

أنّ مثل الإنفاق في سبيل الله كمثل حبة أنبتت ساقاً انشعب سبعة شعب خرج من كلّ شعبة سنبلة فيها مائة حبة فصارت الحبة سبعمائة حبة ، بمضاعفة الله لها ، ولا يخفى أنّ هذا التمثيل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعة ، فإنّ في

__________________

1 ـ البقرة : 261 ـ 263.

2 ـ البقرة : 245.
110

هذه إشارة إلى أنّ الأعمال الصالحة يمليها الله عزّ وجلّ لاَصحابها كما يملي لمن بذر في الأرض الطيبة.

وظاهر الآية أنّ المشبه هو المنفق ، والمشبه به هو الحبة المتبدلة إلى سبعمائة حبة ، ولكن التنزيل في الواقع بين أحد الأمرين :

أ : تشبيه المنفق بزارع الحبة.

ب : تشبيه الإنفاق بالحبة المزروعة.

ففي الآية أحد التقديرين.

ثمّ إنّ ما ذكره القرآن من التمثيل ليس أمراً وهمياً وفرضاً خيالياً بل هو أمر ممكن واقع ، بل ربما يتجاوز هذا العدد ، فقد حكى لي بعض الزُّرّاع أنّه جنى من ساق واحد ذات سنابل متعددة تسعمائة حبة ، ولا غرو في ذلك فانّه سبحانه هو القابض والباسط.

ثمّ إنّه سبحانه فرض على المنفق في سبيل الله الطالب رضاه ومغفرته أن لا يتبع ما أنفقه بالمنّ والأذى.

أمّا المنُّ ، فهو أن يتطاول المعطي على من أعطاه بأن يقول : « ألم أعطك » « ألم أحسن إليك » كلّ ذلك استطالة عليه ، وأمّا الاَذى فهو واضح.

فهؤلاء ـ أي المنفقون ـ غير المتبعين إنفاقهم بالمنّ والأذى ( لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يَحْزنون ).

ثمّ إنّه سبحانه يرشد المعوزين بأن يردّوا الفقراء إذا سألوهم بأحد نحوين :

أ : ( قول معروف ) كأن يتلطف بالكلام في ردّ السائلين والاعتذار منهم والدعاء لهم.
111

ب : ( ومغفرة ) لما يصدر منهم من إلحاف أو إزعاج في المسألة.

فالمواجهة بهاتين الصورتين ( خير من صدقة يتبعها أذى ).

وعلى كلّ حال فالمغني هو الله سبحانه ، كما يقول : ( وَالله غني ) ، أي يغني السائل من سعته ، ولكنّه لأجل مصالحكم في الدنيا والآخرة استقرضكم في الصدقة وإعطاء السائل. ( حليم ) فعليكم يا عباد الله بالحلم والغفران لما يبدر من السائل.
112

سوره البقرة

8


التمثيل الثامن

( يَا أَيُّها الّذِينَ آمَنوا لا تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مَالَهُ رئَاءَ النّاسِ وَلا يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصَابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُون َعَلى شيءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الكَافِرِين ). (1)

الرئى من الرؤية ، وسمي المرائي مرائياً ، كأنّه يفعل ليرى غيره ذلك.

والصفوان واحدته صفوانة ، مثل سعدان وسعدانة ، ومرجان ومرجانة ، وهي الحجر الأملس.

و « الوابل » : المطر الشديد الوقع.

و « الصلد » : الحجر الأملس أي الصلب ، و « الصلد » من الأرض ما لا ينبت فيه شيئاً لصلابته.

قد مرّ في التمثيل السابق انّ التلطف بالكلام في رد السائل والاعتذار منه ، والعفو عما يصدر منه من إلحاف وإزعاج ، أفضل من أن ينفق الإنسان ويتبع عمله بالأذى.

وأمّا ما هو سببه ، فقد بيّنه سبحانه في هذا التمثيل ، وذلك بأنّ المنَّ والأذى

__________________

1 ـ البقرة : 264.
113

يبطل الإنفاق السابق ، لأنّ ترتب الأجر على الإنفاق مشروط بترك تعقبه بهما ، فإذا اتبع عمله بأحد الأمرين فقد افتقد العمل شرط استحقاق الأجر.

وبهذا يتبيّن أنّ الآية لا تدلّ على حبط الحسنة بالسيئة ، لأنّ معنى الحبط هو إبطال العمل السيّء الثواب المكتوب المفروض ، والآية لا تدلّ عليه لما قلنا من احتمال أن يكون ترتب الثواب على الإنفاق مشروطاً من أول الأمر بعدم متابعته بالمنِّ والأذى في المستقبل ، فإذا تابع عمله بأحدهما فلم يأت بالواجب أو المستحب على النحو المطلوب ، فلا يكون هناك ثواب مكتوب حتى يزيله المنّ والأذى.

وأمّا استخدام كلمة الاِبطال ، فيكفي في ذلك وجود المقتضي للأجر وهو الإنفاق ، ولا يتوقف على تحقّق الأجر ومفروضيته على الله بالنسبة إلى العبد.

ثمّ إنّ الحبط باطل عقلاً وشرعاً.

أمّا الأوّل فلما قُرِّر في محله من استلزامه الظلم ، لأنّ معنى الحبط أنّ مطلق السيئة يذهب الحسنات وثوابها على وجه الإطلاق مع أنّه مستلزم للظلم ، لأنّ من أساء وأطاع وكانت إساءته أكثر ـ فعلى القول بالإحباط ـ يكون بمنزلة من لم يحسن.

وإن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة من لم يسئ ، وإن تساويا يكون مساوياً لمن يصدر عنهما. (1)

وأمّا شرعاً فلقوله سبحانه : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَه ). (2)

__________________

1 ـ كشف المراد : المقصد السادس ، المسألة السابعة.

2 ـ الزلزلة : 7 ـ 8.

________________________________________________________________________

التوقيع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأمثال في القرآن الكريم
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 3انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» دواعي ضرب الأمثال في القرآن الكريم
» الأمثال في القرآن (ارجو التثبيت)
» لفظ (وكل) في القرآن الكريم
» لفظ (زين) في القرآن الكريم
» الكرامةالإنسانية في القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اشتياق أسسها الراحل مصطفى الشبوط في يوم الجمعة30نوفمبرعام2007 :: الاقسام الاسلامية  :: اشتياق القرآن الكريم-
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المهندس محمد فرج - 123667
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
الدكتور خليل البدوي - 107926
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
احلام شحاتة - 61741
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
ايمان الساكت - 56084
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
باسند - 51603
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
مصطفى الشبوط - 17651
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
همسة قلم - 13947
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
نوره الدوسري - 8809
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
احاسيس - 7517
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1 
كاميليا - 7369
الأمثال في القرآن الكريم Vote_rcap1الأمثال في القرآن الكريم Voting_bar1الأمثال في القرآن الكريم Vote_lcap1