أنثى المطر

أنثى المطر



بدا راضياَ عن شكله وهو يمسك بمظلته السوداء



وبرغم برودة الجو وزخات المطر المتلاحقة التي استقبلته ما إن توسط الشارع إلا انه كان يشعر بالحاجة للخروج من المنزل



أو الهروب ربما من تراكم المشاعر المتشابكة في أماكن شتى من روحه



او لربما هو ذلك الحدس بأنها قد تأتي اليوم



النسمات الباردة التي كانت تتسلل إلى جسده
أجبرته على الانكماش وهو يسير نحو الكافتريا لتناول قهوته الصباحية خلف نوافذها الزجاجية



تلك المطلة على أجمل شوارع المدينة



والتي ما إن وصلها حتى وجد مكانه المعتاد خالياً



لازال المطر يرسم خطوطه المتعرجة على النوافذ



وكأنه يضع اللمسات الأخيرة لتلك اللحظات الشاعرية التي يغرق بها المكان



تمنى لحضتها لو انه يجلس قبالة موقد تنبعث منه رائحة الخشب المحترق ليتذوق انعكاس ضوء اللهب على وجهها الصبوح



هكذا كان يلتقيها في احلامه البريئة منذ ان غابت ولم تعود



انثاه التي الهبت شدة توقه لأمراة تشاطره ذلك الحراك الذي تضج به دواخله



- قهوة قليلة السكر ,, كالعادة سيدي؟؟



- اهااا .. نعم قهوة من فضلك



استعاد نفسه بصعوبة من تلك الأجواء لم يعرف كم استغرق بذاك الشرود تجول ببصره في أرجاء الكافتريا,, كل الطاولات مشغولة



فقط تلك الطاولة المجاورة قبالته كانت لازالت خالية كخلو قلبه



بأنتظار أنثاه التي ليتها تأتي لتحدث الفارق



انها انثى أحلامه



احلامه التي لم تكن كافية كي تبدد تلك الوحدة التي هوعالق فيها


موسيقى هادئة.. وأحاديث... ونظرات مفعمة بالمشاعر
كانت تحفل بها الطاولات الأخرى ...
اما هوفانه لا زال اسير ذلك الخجل والتردد واستراق النظر اليها كلما صادفها في هذا المكان


مضت دقائق قبل أن يأتي النادل بفنجان القهوة الساخن



اقترب منه وهو يتمتم ببضع كلمات الترحيب وقد اقتطع عليه خيالاته وحجب عنه روية المكان لكنه ما ان تحرك من مكانه حتى أطلت من خلفه كما لو أنها قمراً أطل من بين الغيوم



بدت مشرقة الوجه جميلة الملامح يضيء من وجهها ذاك الصفاء الذي يشبه نقاء الصباح

ها هو تسارع قلبه .. وارتباكه.. يلازمانه من جديد هكذا هي تظهر فجأة وتغيب فجأة


دقائق مرت وهو يحاول فيها مقاومة تلك الرغبة العارمة بالنظر نحوها



اخرج من جيبه ذاك الكراس الصغير الذي تعود ان يكتب فيه



احاسيسه وأنين روحه كلما يراها وراح يضع تلك الكلمات



لست ادري ان كانت هذه ردة فعل حمقاء متسرعة مني ام انها ثمالة الوحدة التي اسكنها وتسكنني ام ان الايام الحزينة قد قررت الكف عن ملاحقتي



وها هي تمنحي لقاءكِ من جديد



لااعرف من انت ولا من اين تأتين أيتها الاميرة



لكني اعرف انني بعد كل تلك الاشهر من الضياع بين عينيك... أنك من أعشقها بصدق




وأدرك انني تخطيتك بعيداً حتى غرقت بحبك وانت لم تغادري عالمك لازلت اناغير مرئياً لك اكاد اعرف حتى مقاس اوردتك من غير ان تلحظيني حتى



اي محرقة نصبها لي القدر وانا اجلس على مقربة منك



وما من ثغرة بجدارك اتسلل منها ولكن ما فائدة ان نحيا دون ان نعشق ومافائدة ان نعشق من دون ان  نحترق



اعترف اني لم اتوهم حبك ابداً



وها هو القدر يحاول هزيمتي من جديد



اتراه يفعل...



لم ترفع عيناها من تلك الصحيفة التي بين يديها



نظرتها الواثقة وكل سحرها كانا يمنحانه ذاك الشعور بأدمانها



المطر المتساقط هو دوما وقت ظهورها وكأنها اميرة تطل من احدى شرفات الشتاء



اكملت ماتبقى من قهوتها وغادرت



تطلع صوبها مذهولاً استدارت ومرت من قرب النافذة الزجاجية ولاول مرة رمقته بنظرة تحمل الف معني وابتسمت برفق ثم اختفت بين زخات المطر



تلك الليلة ابتسامتها تغلغلت بزوايا غرفته..بدواخله حتى في احلامه



الصباح يطل من جديد ويحمل معه امطاراً اخرى



كانت هذه المرة قد وصلت قبله لتلك الطاولة ونظراته صوبها صارت اكثر جرأة لم يكن يريد ان يهدر الوقت بالكتابة ترك الكراس الذي كتب فيه كل لحظات عشقه لها واكتفى بتلك النظرات الخجلة



هاتفها يرن ترد برقة كبيرة وصوتها العذب يخترق الموسيقى الهادئة



الو ..اهلا حبيبي كيف حالك اشتقت لك كثيراً متى ستأتي



خيبة كبيرة انتصبت على وجهه اليائس



وهي تكمل انا نتظرك بفارغ الصبر.. حبيبي اهتم بنفسك ارجوك



مع السلامة...

تهاوت مع تلك الكلمات احلامه البريئة
قادته قدماه نحو الباب مر بجانبها وقد تحول لركام
خرج مهزوماً لكنه لم يلحظ تلك النظرة الغريبة التي شيعته بها
نظرة تحمل بعض الاسف تلتها ابتسامة بريئة ..!!!
وليلة أخرى بطعم آخر.... أحباط ..وذهول.. وحاجة للهروب من تلك اليقظة القاسية بسريره الذي تحول بالامس لواحة واليوم اصبح جحيماً
روادته حاجة ملّحة للبوح اراد ان يكتب شيئاً
أين الكراس ..؟
بحث بكل مكان لم يجده
لابد انه فقده في زحمة تلك الصدمة
الكافتريا التي شهدت لحظاته السعيدة هي نفسها من شهدت قتل أمله الوحيد
أيام مرت لم يستطع فيها التقرب من ذاك المكان الذي شهد جرحه الكبير
لكن جزء منه يريد المرور من هناك... مالذي تريده؟؟
اتراك لازلت تأمل
أي احمق انت وانت تمنى النفس بأمراءة تحب غيرك
لكنه قرر الخروج السماء اليوم تحمل انباءً لزخات مطر قادمه ومع وصوله بدأت اول القطرات تتساقط بعد قليل كان يتناول قهوته المعتادة لم يكن يعرف ماذا يريداصابعه ترسم خطوط دائريه على الطاولة الخشبية
ليتك لم تنظري نحوي ليتك لم تمنحيني ذاك الامل الذي ولد ميتاً اغمض عينيه وكأنه يريد محوتلك الابتسامة الساحرة من ذاكرته لكن عطرها الذي احبه غطى رائحة القهوة ومعه استعاد كل تفاصيل رقتها شيئاً ما صار قريباً من عينيه المغمضتين فتحهما.... الكراس امامه
رفع وجهه قليلاً وسرت رعدة في جسده وهو يشاهدها تقف بقربه تجمد بمكانه
صباح الخير
أهلا صصصباح الخير أرتباكه وخجله غطياه كالعادة
تفضل اظن انه لك وقبل ان يتكلم اكملت
منذ ايام سقط منك وانت تخرج من هنا
احتفظت به وعرفت انه ليس كراساً عادياً بعدها فضولي دفعني لقراءة مافيه واكتشفت حينها ان كل ما بروحك وقلبك بين سطوره
اراد ان يتكلم لكن نظرتها الواثقة منعته ان يجيب
اتعرف ايها المتردد كان هذا الكراس هو القطعة الناقصة لتكتمل الاحجية عندي وها انا اكتشف فيك شيئاً اخر.... كم انت شاعري وصادق
أحمر وجهه وهو يسمع تلك الكلمات
آنستي أنا ...
دعني أكمل ارجوك ايها الخجول المتردد
حين كنت في الخامسة من عمري كانت عندي دمية جميلة
أحببتها جداً ومن ثم ادمنتها وصارت كل شيء بحياتي الصغيرة
حتى اني كنت اكلمها واشعر انها تكلمني وفي الليل تشاركني سريري
لم احب شيئاً كما احببتها ومضت الايام والاشهر وانا اتعلّق بها أكثر وأكثر
صارت هي عالمي الجميل الصغير
حتى زارنا بعض الاقارب في يوم ما
وكنت ألعب مع ابنتهم التي كانت بعمري
ولسوء حظي أرادت أن تحتفظ بالدمية التي اعجبتها بشدة وراحت تبكي
وأصرت على الاحتفاظ بها وهنا حسم والدي ألامر واعطاها الدمية
ووعدني ان يمنحني غيرها
صدمت ... وبقيت ساكته دون حراك
وراحت الدميه ومعها راحت كل الاحاسيس الجميلة التي تغمر قلبي
وبعد أن كبرت عرفت انني لم اكن لأستحق تلك الدمية أبداً
اتعرف لماذا سيدي..؟؟؟
لاني لم ادافع عن حقي لم أدلي بصوتي لم ابذل جهداً للدفاع عن ما احببته بجنون وتلك هي مشكلتك انت ايها المتردد
الاشياءالتي نحبها لانستحقها حتى نتفانى من اجلها
احلامنا... امالنا... تستحق منا المحاولة
طيلة الشهور الماضية كنت اشعر بك وأعترف ان حضورك هنا يشعرني بالسعادة ومن ثم كبر ذاك الشعور في قلبي نحوك كما كنت تفعل انت
انتظرت طويلاً منك ان تبادر فأنا أمراءة في وسط العالم الذكوري هذا
أعترف ان وسامتك ولطفك ودماثة خلقك لازمت مخيلتي ليال كثيرة
لكن كراسك كان اكثر جرأة منك
كنت استرق النظر لك حين تكتب ومع الايام عاد لي ذاك الاحساس الذي كنت اشعره نحو دميتي عاد ذاك الشيء يتحرك بداخلي
أعرف الان أنك تتسائل الان من هو حبيبي الذي اتصل بي منذ ايام
وهنا اطلقت ضحكه جميلة سلبت ماتبقى من روحه
انه ببساطة شقيقي الذي سافر للدراسة في اوربا
آنستي انا الان لااعرف ماذاك الشعور الذي بداخلي أأأأنا سعيد جداً فحسب
انتي حلمي الاروع الذي فاتني ان اصطحبه للواقع
يجب ان استغل جرأتي الان لاقول لك اني مجنون بكِ واتمنى ان امنحك الباقي من سنين عمري
ابتسمت برفق وتورد خداها
اه منك ايها المتردد ولكن أليس من المخجل ياصاحب الكراس ان تترك فتاة بهذا الجمال تقف كل هذا الوقت دون ان تدعوها للجلوس لتطلب لها فنجان قهوة
نهض بسرعة واسقط بعض الكراسي وهو يبتسم بخجل واجلسها
والسعادة تعلو وجهيهما
وعلى مقربة منهما كان هنالك نادل تعلو وجهه ابتسامة رضا
بينما كانت قطرات المطر تنساب برقه على النافذة المجاورة
انتهت
عازف الليل

حنين الماضي
مبدعة اشتياق
الجميلة
أنثى المطر
مساحة من الرومانسية الحالمة
ولانها راقت لك فذاك
يعطيني دلالة واضحة
عن سمو قلبك وروحك
حينما يقتفيان اثر الجمال
يسرني حضورك
وهذه الكلمات العذبة
والرقي في التعبير
ممتن لك يالحنين
نورتّ
ودي والتحايا

كبيرة الفكر والروح معاً
الاستاذة د/ نور اليقين
في بلدي هناك رائحة جميلة وعطرة بشكل كبير
تهب من الحدائق الراقية تسمى ( الشبّوي ) بتشديد الباء
حين يشمها المارون يشعرون بانتعاش وسعادة
ولاادري لماذا اشم هذا العبير نفسه حين اتشرف بلقاءك عبر اشتياق
ربما لانك باناقة وروعة تلك النبتة وربما لان كل الاشياء الراقية تصدر نفس العطر
وحين تكرميني مرتين في هذا النص فتلك جرعة مضاعفة من السعادة
سيدتي الماسة
لحرفك رحلة تتخطى الحدود
لانه يمنحني فرصة الاقتران بلحظة الشوق
واجد ان مساحة حضورك لايمكن تجاوزها
ببضع كلمات كلاسيكية
ما احتاجه هو كلام من عالم آخر
لكنها الحروف في كل مرة تخذلني
فأكون مضطراً لهذه الخربشات التي لاتضاهي روعة عبورك الباذخ
أنثى المطر اشبه مايكون بحلم
سيدتي
لم يبقى لنا سوى الحلم
فهوالى هذه اللحظة حق مشروع
لله درك سيدتي
كم هو صافِ حرفك يتسلل للروح...يحتكرها
ثم اجدني مدمناً حضوره
قراءتك الواعية تثير شهيتي للابتكار
لانك تسكبين الشهد من آنيته
ونثرت هاهنا ماهو أكثر من الياسمين
فما سأهديك قبل ان اهم بالرحيل
اشكرك نور
ولاعدمتك وهذا النبض
الذي يورق في زوايا المكان
ليحيله فردوساً
ودي وتحايا...ثم شيء آخر لاتجيد وصفه حروفي