✿✿ღღღ✿✿...||...يوسفيات...||...✿✿ღღღ✿✿

{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}
قالها يعقوب في موضعين، والصبر الجميل هو الذي ليس معه شكوى إلا لله، وهكذا كان يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}.



{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}
لم يُطفئ الجرح الجديد لهيب الجرح القديم؛ بل نكأه وهيّجه.

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
أبت عليه شهامته أن يظهر أمام أولاده بمشهد الحزن ومظهر البكاء؛ فتوارى!



{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
جريح القلب قد يجد في العُزلة شفاء.

{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
هذا حبٌّ جبَّار .. أرادهُ الله لحكمٍ ولطائف .. فطلبُ أن يعدل يعقوب في مشاعره بين أبنائه تكليفٌ بما لا يستطاع.



{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
أن تنزع من المرء روحه أحب إليه من أن تنزع فلذة كبده، ومهجة فؤاده!
فاللهم لا تحرم والدٌ من ولده.

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
ابيضت عينا يعقوب ولم تبيض عينا يوسف..
هل عرفت الفرق أيها الابن؟!



{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
الذكريات الأليمة الحزينة .. تُنهك القلب والجسد.

{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ...}
مهما كتم القلب حزنه ولوعته؛
فضحته سقطات اللسان ودمعات العيون.



{قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}
لا تعذل المشتاق في أشواقه .. حتى يكون حشاك في أحشائه.

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}
هكذا هم الصالحون دومًا، همومهم وأحزانهم لا يرسلونها إلا لخالقهم..
تأمل أسلوب القصر في الآية!



{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}
رسالة قوية إلى كل مهموم ومكلوم، فلا ملجأ لك إلا هو سبحانه!

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}
قلب تعلق بالرحمن، وأحسن الظن به؛ فجاءته البشائر!



{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}
قوة تعلُّق قلب المؤمن بالله عز وجل؛ تُصيِّرُ ما لا يصير، وذلك بأنَّ الله هو السميع البصير.




{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}
معرفتك بالله تعالى تجعلك تشكو إليه بثقة.

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ}
كيف يتحسسون من يوسف وقد أكله الذئب؟!
انفضحوا حتى عند أنفسهم؛ فلم يعد لإصرارهم على كذبتهم فائدة.



{وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ}
الأولياء يتلمسون الفرج عند شدة الابتلاء، هذا الشيخ الصالح يوصي أبناءه، وقد كفّ بصره حزَنًا إثر فقد الثلاثة.

{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ}
بيّنْ عيب سلعتك .. يبارك الله لك.



{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}
من تأمّل ذلَّ إخوة يوسف لما قالوا: "وتصدق علينا"؛ عـرف شؤم الزلل. (ابن الجوزي)



{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}
ﻃﻠﺒﻬﻢ ﺃﺑﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺴﺴﻮﺍ ﻣﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﻭﺃﺧﻴﻪ ﻓﻄﻠﺒﻮﺍ ﺍﻟﻜﻴﻞ!
ﺷﺘﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻴﺎﺋﺴﺔ ﻭﺍﻟﻮﺍﺛﻘﺔ.

{قَالُواْ أَئِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ}
بدأت ملامح يوسف القديمة تتركب في أعينهم،
وذكريات بئر الجريمة تعصف،
وبات الموقف ساخنًا،
واللحظات محرجة!



{قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ}
التعارف الأكثر إحراجًا في التاريخ!

{قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا}
الالتقاء بعد الفرقة؛ من أعظم المنن!



{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
تقوى الله والصبر هما السبيل للوصول إلى مرتبة الإحسان.



{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
جميع ما في سورة يوسف اختُصر في هذه الكلمات العشر!

في آخر المطاف،
وبعد أن أُسدل ستار الخلاف،
قعّد يوسف قاعدة عظيمة تكتب بماء العينين:
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

{قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}
علموا الآن أنه ليس أحب إلى أبيهم منهم فحسب؛ بل أحب إلى ربهم!



{قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}
أَجْود وأعلى الشهادات .. شهادة خصومك لك.

{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
الأخ تنازل، والأب تجاوز، والرب غفر،
إذًا ليس لنا أن نثرب عليهم أو نطعن فيهم؛
بل نأخذ العبرة وحسب.


{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
هنا تبكي العَظَمَة!

قف هنيّة..
تذكر كل من أخطأ عليك،
أو أساء إليك،
ثم اغسل قلبك بماء العفو،
وقل كما قال يوسف:
{لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
لم يكتفِ بالعفو عنهم، بل زاد الاستغفار لهم!
إنها أخلاق النبوة.



{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
إنها النفوس العظيمة، تنسى الماضي، وتتكابر على جراحها، وتغفر زلة الأحبة.

{اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا}
لم تشغله فرحة الصفاء مع إخوانه عن أبيه..
بِرّ العظماء بوالديهم عجيب!



{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ}
إنها عاطفة الأبوة، التي لا تقبل التزييف..
من صدقها تصبح الجوارح خدمًا لها!

{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}
ريح الأحبة لا تُخطئها القلوب.



{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}
قال يعقوب عليه السلام: "لأَجِدُ"، ولم يقل: "لَأَشُمُّ"؛
لأنه يشم رائحة يوسف بروحه قبل أنفه.

{قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}
وفي أول السورة قالوا: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}..
سمُّوا حبه لابنه ضلالًا مبينًا،
وذكره له ضلالًا قديمًا..
مشكلة إن كان ميلك الطبيعي سببًا في رميك بالضلال.

{قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
لا بأس أن تُذّكر الآخرين بصحة توقعاتك بعد تحققها؛ بشرط أن تكون مبنية على علم لا حدس.



{َقَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}
لم يقولوا استغفر لنا ما فعلناه بك من مصائب..
لا تُذكِّر من أخطأت في حقه بخطئك،
لا تنكأ قلبه بسرد التفاصيل.

{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
يقال أنه أجَّل الاستغفار لوقت السحر لأنه وقت دعاء؛
ففيه تأجيل بعض أعمال الخير لمصلحة راجحة.



{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}
العظيم كلما ارتفع؛ زاد إكرامه لوالديه!

{وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}
ما أجمل حديث الذكريات .. بعد انقضاء الأيام المبكيات!



{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}،
وفي أول السورة قال لأبيه: {يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا...}
تأدُّب وتلطُّف وتوقير وانخفاض للأب،
لم تغيره الأيام ولا الخزائن والمناصب.

{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ....}
تذكر يوسف عليه السلام نعمة الخروج من السجن، وأغفل نعمة الخروج من الجب؛ حتى لايكسر إخوانه في محفل اللقيا.



{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ....}
لم يذكر يوسف عليه السلام خروجه من الجب، مع أن النعمة فيه أعظم؛
لئلا يستحي إخوته،
والكريم يُغضي عن اللوم.
(الزركشي)



{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ....}
توقع أن يسيء لك إخوتك.. أن يقسو عليك أقاربك.. أن يأمر من أحبك بسجنك؛
ولكن الذي لا ينبغي أن تتوقع أن يسيء إليك هو الله تبارك وتعالى.

{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ....}
ليس ذِكْر عاصر الخمر هو الذي من أخرجه..
ليس أمر الملك هو الذي من أخرجه..
ليس اعتراف زوجة العزيز هو الذي أخرجه..
الله تعالى هو الذي أخرجه.



{مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}
الحمد لله أن كيد الشيطان توقف عند النزغ!
كل هذه المصائب حدثت بنزغ!
كيف لو أوتي سلطانا أكبر من النزغ علينا؟!

{مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}
انتهت المشكلة،
إنها مجرد نزغات شيطان،
لا داعي لأن نعيد ذكر المشكلة بالتفصيل..
نفوس كبيرة بحق!



{مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}
بدأ بنفسه ثم بإخوته؛ مع أن الشيطان نزغ بإخوته!